البحث

عبارات مقترحة:

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الاستعاذة من زوال النعم

العربية

المؤلف وليد بن سالم الشعبان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. استعاذة النبي الكريم من زوال النعم .
  2. من أسباب زوال النعم .
  3. استعاذة النبي الكريم من تحوّل العافية .
  4. الفرق بين زوال نعمة وتحولها .
  5. استعاذة النبي الكريم من فجأة النقمة               .
  6. استعاذته من جميع سخط الله تعالى. .

اقتباس

هذا حديث عظيم اشتمل على هذه الجمل الأربع: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسَلَّمَ تسلِيمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عز وجل، وتعلّموا من سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ما يقربكم إلى ربكم، وألحوا بالدعاء الذي هو من أجلّ العبادات وأشرفها، الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ" رواه مسلم.

هذا حديث عظيم اشتمل على هذه الجمل الأربع: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".

فقوله: "أَعُوذُ بِكَ"، أي: ألتجئ وأعتصم بالله القوي الكبير من شر كل ذي شر. والواجب الاستعاذة بالله فيما لا يقدر عليه إلا الله: "إذا استعنت فاستعن بالله".

وقوله: "زَوَالِ نِعْمَتِكَ"، أي: ذهابها ومحوها. وأعظم النعم نعمة الإس?م الذي رضيه الله لنا، قال -تعالى-: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا) [المائدة:3]؛ لهذا يشرع للعبد أن يسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يثبته عليه كما هو هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فكان يكثر أن يقول: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".

هذا وهو سيد البشر والذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويشرع أيضا أن يسأل الله أن يزيده منه، وأن يحمد الله -سبحانه وتعالى- على ذلك، وأن يشكره، وأن يثني عليه -سبحانه وتعالى-؛ لأن الله -جل وعلا- هو المتفضل عليك أن جعلك مسلماً لا تعبد إلا الله.

ويشمل أيضا جميع النعم التي يُنعِم الله بها على العبد، الدينية والدنيوية، فيسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يزيده منها، وأن يمده منها، وان يحفظها من الزوال. قال الله -عز وجل-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7]، والشكر للنعم يزيدها.

والمؤمن الحريص على دينه يبعد عن أسباب زوال النعمة، ومن أهم الأسباب: نسبة النعمة لغير الله إما صراحة -عياذاً بالله- أو كناية، يقول الحق -جل وعلا-: (يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا) [النحل:83]، ويقول: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل:53].

ومن أسباب زوال النعمة: الاستعانة بها على معصية الله، فهذا مؤذن بزوالها، قال -تعالى-: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13].

فراقب النعمة التي بين يديك بثلاثة أحوال: بالقلب، وباللسان، وبالجوارح. هل قمت بها أو لا؟! وانظر من حولك ممن أعطوا نعما وعصوا الله بها فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.

وقوله: "وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ"، أي: انْتِقَالُهَا مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ.

واعلم -يا عبد الله- أن هناك فرقاً دقيقاً بين الزوال والتحول، فَمَعْنَى زَوَالِ النِّعْمَةِ: ذَهَابُهَا مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ، نسأل الله العافية، وَتَحَوُّلُ الْعَافِيَةِ: إِبْدَالُ الصِّحَّةِ بِالْمَرَضِ وَالْغِنَى بِالْفَقْرِ.

واستعاذ أَيْضا -صلى الله عليه وسلم- من تحول عافيته لأنّه إِذا كَانَ قد اختصه الله -سبحانه- بعافيته فقد ظفر بِخير الدَّارين، فَإِن تحولت عَنهُ فقد أُصِيب بشر الدَّاريْنِ؛ فَإِن الْعَافِيَة يكون بهَا صَلَاح أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.

واستعاذ -صلى الله عليه وسلم- من فَجْأَة نقمة الله -سبحانه- لِأَنَّهُ إِذا انتقم من العَبْد فقد أحل بِهِ من الْبلَاء مَا لَا يقدر على دَفعه وَلَا يستدفع بِسَائِر المخلوقين وَإِن اجْتَمعُوا جَمِيعًا، كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح الْقُدسِي أَن الْعباد لَو اجْتَمعُوا جَمِيعًا على أَن ينفعوا أحدا لم يقدروا على نَفعه أَو اجْتَمعُوا جَمِيعًا على أَن يضروا أحدا لم يقدروا على ضره, والفجاءة، أي: البغتة، فيأتيه الشيء من غير أَن يعلم بذلك.

"وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ": فجأة النقمة أو فجاءة النقمة من ب?ء أو مصيبة يأتي على فجأة بخ?ف ما إذا سبقه شيء بأن لم يكن فجأة فإنه يكون أخف, وربما كان سببًا في توبة العبد ورجوعه، وفجاءة النقمة: كل ما يكون نقمة، أي: أعوذ بك من العقوبة، والانتقام بالعذاب مباغتة، دون توقع وتحسب، وخُصَّ فجاءة النقمة بالاستعاذة لأنها أشد وأصعب من أن تأتي تدريجياً، بحيث لا تكون فرصة للتوبة.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: واستعاذ -صلى الله عليه وسلم- من جَمِيع سخطه لِأَنَّهُ -سبحانه- إِذا سخط على العَبْد فقد هلك وخاب وخسر، وَلَو كَانَ السخط فِي أدنى شَيْء وبأيسر سَبَب؛ وَلِهَذَا قَالَ الصَّادِق المصدوق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: "وَجَمِيع سخطك"، وَجَاء بِهَذِهِ الْعبارَة شَامِلَة لكل سخط: "وجميع سخطك".

وهذا -أيضًا- من أعظم الدعوات، أن يستعيذ العبد من جميع سخطه -سبحانه وتعالى-، وأعظم سخطه أن يأتي العبد ما حرم الله عليه؛ ولهذا جاء في بعض الألفاظ والأخبار أن رضاه -سبحانه وتعالى- يكون في بعض الأعمال الصالحة.

لكن، على العبد أن يجتهد في إرضائه -سبحانه وتعالى- ولو أسخط الناس، المراد: إذا كان السخط هذا ليس في معصية الله. أما إذا كان في معصية الله فلا، كما في الحديث الذي جاء من طرق عن عائشة وغيرها أنه -عليه الصلاة والس?م- قال: "مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رضي الله عنه وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ".

فاللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من شَرّ سخطك، ونسألك رضاك وَالْجنَّة، فَمن رضيت عَنهُ فقد فَازَ فِي جَمِيع أُمُوره، وأفلح فِي كل شؤونه، ونعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، يَا رَحْمَن يَا رَحِيم، يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام، يَا حَيّ يَا قيوم.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكَرِّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين.

اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار، وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.

اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم أنصارا لدينك، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم مَن أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.