الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
العربية
المؤلف | الحسين أشقرا |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
أيها المسلمون والمسلمات: يخلدُ المجتمع الدولي كلَّ أول جمعة من شهر أبريل من كل عام، موعدا مع "اليوم العالمي لليتيم" والفكرة جميلة، لكن! الأمر يقتصر على تسليط الأضواء والكاميرات على نجوم الفن والإعلام، وغيرها، يتبادلون الصور التذكارية بالمناسبة، وبعد ذلك يعود الأطفال اليتامى إلى الخيريات ودور اليتامى، والباقون إلى مشاغلهم وأعمالهم. ويبقى اليتيم بين القهر والتكريم حسب مكانه وموقعه وبلده، وناس بلده!. ولنا في أيتام العراق وسوريا، وغيرهما من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله البر الرحيم، كتب الإحسان على كل شيء، وأعطى كل ذي حق حقه، بعدله وحكمته استقامت أحوال الخلق، فلا دوام لمفسد في إفساده، ولا دوام لظالم في اعتداءه، ولا خلود لضعيف في ضعفه، فسبحان مبدل الأحوال من حال إلى أحوال!.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون والمسلمات: يخلدُ المجتمع الدولي كلَّ أول جمعة من شهر أبريل من كل عام، موعدا مع "اليوم العالمي لليتيم" والفكرة جميلة، لكن! الأمر يقتصر على تسليط الأضواء والكاميرات على نجوم الفن والإعلام، وغيرها، يتبادلون الصور التذكارية بالمناسبة، وبعد ذلك يعود الأطفال اليتامى إلى الخيريات ودور اليتامى، والباقون إلى مشاغلهم وأعمالهم.
ويبقى اليتيم بين القهر والتكريم حسب مكانه وموقعه وبلده، وناس بلده!.
ولنا في أيتام العراق وسوريا، وغيرهما من البلدان الإسلامية المثل.
عباد الله: إن كلَّ ما يَهُمُّ الناس في معادهم ومعاشهم نجد في القرآن له ذكرا: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) [الأنعام: 38].
وهذا من الإعجاز الخالد المخلد لرسالة الختْم التي حملت للعالمين الرحمة، ودلت على مختلف العلوم، وجمعت بين الحقوق والواجبات، والعقائد والعبادات، بل ما فيه من القصص والأخبار والدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات.
وفي مجال الحقوق تعرض الكتاب العزيز إلى حقوق اليتامى! وآزرته السنة النبوية الشريفة، وحين يَكفُل المومن يتيما، يحضُرُه قول نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ" وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ.
وفي صحيح مسلم من طريق مالك عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ في الْجَنَّةِ" وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
إنه النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ذاق مرارة اليُتم، وأُمِرَ بعدم قهره: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) [الضحى: 6].
يُقابله: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) [الضحى: 9].
فيكون الخطابُ الكريم تسلية لكُل يتيم، وإغراءً لكُل كفيل.
وإن قهر اليتيم ليس من أخلاق، ولا شيم وخصال المومن، بل إن ذلك من فعل المكذبين بالدين: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)[الماعون: 1-2].
وإن الله -تعالى- يتولى كلَّ يتيم لا يجد من يدافع عنه: (وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا)[النساء: 45].
ولهذا نبه الله عباده إلى الاهتمام باليتيم وإكرامه، وذم من لم يفعل: (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)[الفجر: 17].
ويبقى أقبح وأشد أنواع الأذى لليتامى: الاعتداء عليهم في أكل أموالهم بغير حق؛ لأنهم صغار وضعاف، لا يقدرون على الدفاع عن حقوقهم؛ فجاء النهي صريحا من رب العالمين: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الإسراء: 34].
ولا يجوز الأخذ من هذا المال إلا بما يكون في مصلحة اليتيم، من إنفاق عليه بالمعروف، أو تنمية لتجارة مأمونة.
ولم يقتصر القرآن على النهي عن قرب مال اليتيم بالسوء، بل توعَّدَ بالعقوبة الشديدة من فعل ذلك ظلما، فقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء: 10].
ولنُفَكر ونخمن في أحوال نفوس الصحابة -رضي الله عنهم-، وكيف تلقوا هذه الآيات والأحاديث وبعد سماعهم لها! وكيف كان خوفهم من أن ينالهم الوعيد، فكانوا يسألون، ويأتي الجواب من الله - تعالى- لهم ولمن بعدهم، ولنا ولمن بعدنا: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)[البقرة: 220].
أي إصلاح الأموال بحفظها وصيانتها والاتجار فيها بوجه لا يضر بمصالح اليتامى؛ لأنهم إخوان لكم.
ولأن الأخذ من أموالهم يُعتبَرُ حوبا وذنبا كبيرا: (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) [النساء: 2].
فهل من بعد هذه التحذيرات والتخويفات من رب الأرض والسماوات، يجد المومن مبررا للاقتراب من أموال اليتامى ظلما؟!.
الجواب معلوم: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبكلام سيد الأولين والآخرين، ويغفر الله لي ولكم ولمن قال: آمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه...
عباد الله: لا شك أننا جميعا على سفر، ومعنا كتبة كرام يعلمون بما نفعل!.
والمحطة النهائية بها جناحين: جناح للأبرار في نعيم، وجناح للفجار في جحيم، وذلك يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، والأمر يومئذ لله.
وبعد هذا السفر الذي نودع فيه هذه الحياة الفانية، وفق قضاء وقدر لا يخطئ الآجال -وهي آجال لا يعلمها إلا الله- بعدها سيدخل الأولاد إلى عالم الأيتام! فهل فكرنا في التأمين التي الذي أوصى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه لنقتدِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
من "صدقة جارية، أو علم ينتفع أو ولد صالح يدعو له".
فماذا قدمت لمن سيخلفك عند انقطاع العمل؟
هل أحسنت تربية الأبناء؟
وهل فكرت في تأمين معاشهم؟
اسمع؛ دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سعد بن أبي وقاص يزوره في مرض الموت، فقال سعد: أتصدق بثلثي مالي يا رسول الله؟ قال: "لا" قال: أتصدق بنصف مالي؟ قال: "لا" قال: أتصدق بالثلث؟ قال صلى الله عليه وسلم: "الثلث، والثلث كـثيـــر" ثم قال: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تتركهم عالة يسألون الناس".
إنها صورة ناصعة من السنة المطهرة، ترسخ مفهوم ومعنى التوكل على الله، بتعلق القلب به مع الأخذ بالأسباب؛ فهل أقبلت الأمة على دينها؟ واستغنت به عما تستورد من قيم غيرها أعلنت فشلها؟!
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].
الدعاء...