البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

السلاح الخفي (الدعاء)

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. استكبار الروافض وعتوهم .
  2. عواقب عاصفة الحزم .
  3. أعظم سلاح وأيسره .
  4. عظم تعلق السلف بالله رب العالمين عند مواجهة المخاطر .
  5. صفحات مشرقة من تاريخ سلفنا الصالح .
  6. من أوجب الواجبات في زمن الكوارث والملمات .
  7. الدعاء من أسباب النصر على الأعداء. .

اقتباس

هذه المعركة معركة عاصفة الحزم، ليست معركة ردع للباغي وتمكين للشرعية فقط، إنها معركة حياة أو موت للسنة، وأي خسارة فيها -لا قدر الله- ستتجرع الأمة غُصصها جمراً. ولقد قصر بعضنا في استخدام أعظم سلاح وأيسره.. سلاح في متناول أيدينا لا يحتاج إلى تصريح ولا تدريب خاص سلاح يطلق في كل وقت من قرب ومن بعد من الكبير والصغير والذكر والأنثى، قد قصر فيه بعضنا.. ليس جهلاً منا بفضله وأثره، ولكن ربما كان غفلةً منا، وصرفاً لنا عنه من الشيطان الرجيم.. نعم إنه سلاح الدعاء ذلكم السلاح الخفي الفتاك.. نحتاج الحديث عنه اليوم فربما دخل في قلوب بعضنا شيء من العجب بالقوة وتأييد الأمم، ونسي التأثير الكبير للدعاء...

الخطبة الأولى:

أيها الإخوة: منذ أن سطع نور الإسلام، بدأت قوى الشر من المشركين واليهود والمنافقين، التي أكلها الحسد، وقتلتها الغيرة، بتصويب أسلحتهم وسهامهم إلى صدور الموحدين؛ راجين أن يمحقوا دين الإسلام، وحركته الحضارية.. لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، ويعز دينه وأولياءه ولو كره المجرمون.

أيها الأحبة: وها نحن اليوم نعيش مرحلة من مراحل تاريخنا الصعبة ونقف على مفصل من مفاصل سيادة أهل السنة بصفائهم وخيرهم، وذلك بمواجهة المارد الصفوي مواجهة الند للند، يوم أن استنفد قادتنا كل فرص الحوار، وقدموا كثيراً من التنازلات، وغضوا الطرف عن كثير من التجاوزات.

 فظن المجرمون بأنفسهم أنهم قادرون علينا، وسوّلت لهم أنفسهم وأد أهل السنة وتبجح ملاليهم بأنهم يسيطرون على أربع عواصم من عواصم العرب وعلى كل منابع النفط بالشرق، وبدأ يصرحون بغزو الحرمين زعموا.! فأتاهم الجواب العملي..

هذه الفئة التي لا تقدر إلا القوة ولا ترتدع إلا بالبطش، فكان ما كان من هذه المعركة الحاسمة بين فئة تقاتل في سبيل الله، وفئة تقاتل ليسود الشرك والضلال، وإحلال الباطل مكان الحق (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].

وفي قلب تلك الأحداث الحاسمة في تاريخ الأمة، يحسن بجنود الرحمن ومن يرفع رايات الجهاد الصادقة؛ أن يزداد فرارهم إلى الله، وتنعطف أفئدتهم إلى الرحمن، ويتعلقوا بحبال العرفان للرب المنان، وعلى الأمة كذلك من خلفهم أن تصدق باللجوء إلى الله وتلح بالدعاء في كل أحوالها بأن ينصر الله دينه وكتابه وعباده المؤمنين.

أيها الإخوة: هذه المعركة معركة عاصفة الحزم، ليست معركة ردع للباغي وتمكين للشرعية فقط، إنها معركة حياة أو موت للسنة، وأي خسارة فيها -لا قدر الله- ستتجرع الأمة غُصصها جمراً.

أحبتي: لقد قصر بعضنا في استخدام أعظم سلاح وأيسره.. سلاح في متناول أيدينا لا يحتاج إلى تصريح ولا تدريب خاص سلاح يطلق في كل وقت من قرب ومن بعد من الكبير والصغير والذكر والأنثى، قد قصر فيه بعضنا.. ليس جهلاً منا بفضله وأثره، ولكن ربما كان غفلةً منا، وصرفاً لنا عنه من الشيطان الرجيم.. نعم إنه سلاح الدعاء ذلكم السلاح الخفي الفتاك.. نحتاج الحديث عنه اليوم فربما دخل في قلوب بعضنا شيء من العجب بالقوة وتأييد الأمم، ونسي التأثير الكبير للدعاء. يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

أَتَهْزَأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزْدَرِيهِ

وَمَا تَدْرِي بِما صَنَعَ الدُّعَاءُ

سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخْطِي وَلَكِنْ

لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ

والواجب علينا أن نطالع تاريخ أمتنا وكيف كان تعلقهم بالله رب العالمين، في أيام الحروب، ومقارعة الخطوب، وخير من يقتدى به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ففي ليلة معركة بدر نام الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وبات عليه الصلاة والسلام تلك الليلة يصلي إلى جذع شجرة، ويكثر في سجوده أن يقول: "يا حيُّ يا قيوم" يكرر ذلك -صلى الله عليه وسلم-، ويسأل الله النصر وحين رأى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جندَ قريش قال: "اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ, قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلائِهَا, وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ, وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ اللَّهُمَّ فَأَحْنِهِمُ الْغَدَاةَ".

وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: "اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ".

فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9] فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ. (رواه مسلم).

وهكذا كان المجاهدون السابقون يتوجهوا للحي القيوم بالدعاء، والرجاء، والاستغاثة والتضرع إليه بأن ينصرهم، ويخذل عدوهم، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشداً، قبل أن يتقدموا إلى أرض المعركة، لتعلم النفس المؤمنة، بأنَّ النصر لا يكون بالأسباب المادية فقط..!

بل إنَّ ركيزته الكبرى، وقاعدته الأسمى هي التعلق بالله رب العالمين والانطراح بين يديه بصدق وإخلاص. وتاريخ الأمة مليء بالمواقف منها:

إن حبيب بن مسلمة - رضي الله عنه - حين أمِّر على جيش،فلمَّا أتى العدو قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: "لا يجتمع قوم فيدعو بعضهم ويؤمِّن بعضهم إلا أجابهم الله تعالى"، ثمَّ إنَّه حمد الله وأثنى عليه، وقال: "اللهم احقن دماءنا، واجعل أجورنا أجور الشهداء" فبينما هم كذلك إذ نزل أمير العدو، فدخل على حبيب بن مسلمة سُرَادقَه، وسلَّم إليه بدون حرب" (أخرجه البيهقي والطبراني).

وكان مع قتيبة بن مسلم في إحدى المعارك الإمام محمد بن واسع، وقد كان قتيبة بن مسلم صاحب خراسان وكانت الترك قد خرجت إليهم فبعث قتيبة إلى المسجد لينظر من فيه، فقيل له: ليس فيه إلا محمد بن واسع رافعاً إصبعه، فقال قتيبة: إصبعه تلك أحبُّ إلي من ثلاثين ألف شاب طرير.. وكم في أمة الإسلام من هو مجاب الدعوة فألحوا بالدعاء.

نقول ذلك أيها الإخوة: ونحن نعلم بأنَّ الدعاء يستجاب وقت اشتداد المعركة، وشدَّة التحارب بين المؤمنين والكافرين، فقد قال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "ثنتان لا تردان أو قلَّما تردَّان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يُلْحِمُ بعضهم بعضاً" أي: حين تشتبك الحرب بينهم، (أخرجه أبو داود، وقال الألباني حسن صحيح).

نقول ذلك: ولقد عاب الله أقواماً نزلت بهم المصائب والبأساء، فأعرضوا عن ربهم، ولم يدعوه لكشف ضرهم، فلم يرفع عنهم تلك النازلة، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42، 43]، وقال في آية أخرى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون:76].

وعلى هذا صار من أوجب الواجبات في زمن الكوارث والملمات، رفعُ اليدين بالدعاء لله رب العالمين، فلعل الدعاء مع رفع أكفٍ بيضاء نقية، ومن قلوبٍ صادقة وفيَّة، وأعينٍ باكية تقيَّة أن يخفف من تلك المآسي التي أصابت إخواننا المسلمين، وأقضَّت مضاجعهم، خصوصاً إذا علمنا أن إخواننا في أرض اليمن الآن يعانون من نقص المؤمن وتعطل الخدمات والخوف.. وقد علَّمنا رسولنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه "لا يردَّ القضاء إلاّ الدعاء" (رواه الترمذي وحسَّنه الألباني).

وأخبرنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه: "لاَ يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلاءَ لَيَنْزِلُ فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". (رواه الحاكم وحسنه الألباني).

أسأل الله بمنه وكرمه أن يعز دينه وكتابه وسنة نبيه وينصر جنده ويهلك الحوثيين المارقين ويقتلهم قتل عاد وإرم.. بارك الله لي ولك بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات ...

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أمر بالدعاء ووعد عليه الإجابة وحث على أفعال الخير كلها وجعل جزاءها القبول والإثابة. فسبحانه من كريم جواد رءوف بالعباد.

أما بعد: أيها الإخوة اتقوا الله تعالى، وتعرضوا لنفحات المولى في جميع الأوقات بالدعاء والرجاء، قال عز من قائل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]، هذا عرض رباني ضخم يعرضه الكريم لطفاً بعباده، ونعمة عظيمة منه سبحانه، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاحُ دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاءَ العبادة، ودعاءَ المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعد من استكبر عنها فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60] أي: ذليلين حقيرين، يجتمع عليهم العذاب والإهانة، جزاء استكبارهم.

ويقول سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]، قريب بعلمه من كل خلقه، وقريب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.

فمن دعا ربه بقلب حاضر، ودعاء مشروع، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء، كأكل الحرام ونحوه، فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصًا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء، وهي الاستجابة لله –تعالى- بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية، والإيمان به، الموجب للاستجابة، فلهذا قال: (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186] أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة.

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدافعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرقعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وله مع الدعاء ثلاث مقامات: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.. أو يكون أخفَّ من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد ولكن يخففه، وإن كان ضعيفاً. أو يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه".

والدعاء أيها الإخوة: من أسباب النصر على الأعداء، وخاصَّة إذا كان ذلك من عباد الله الضعفاء، وقد دلَّ على ذلك حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ" (أخرجه النسائي وصححه الألباني).

 وصدق من قال:

وإنِّي لأدعو الله والأمرُ ضيِّقٌ

عليَّ فما ينفكُ أن يتفرجا

وربَّ فتىً ضاقت عليه همومُه

أصابَ له في دعوةِ اللهِ مخرجا