الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
العربية
المؤلف | زيد بن مسفر البحري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
موضوعنا في هذا اليوم غريب طرحه، ولكن طرحه فيه من الفوائد ما فيه، موضوعنا عن "الإبل"، الإبل جاء ذكرها في القرآن، وجاء ذكرها في السنة، وجاء ذكرها عند العرب.
الخطبة الأولى:
أما بعد: عباد الله، موضوعنا في هذا اليوم غريب طرحه، ولكن طرحه فيه من الفوائد ما فيه، موضوعنا عن "الإبل"، الإبل جاء ذكرها في القرآن، وجاء ذكرها في السنة، وجاء ذكرها عند العرب.
لِمَ لم يذكر الفيل؟ لأن الفيل لا يؤكل لحمه، ولأنهم لا يعرفونه تمام المعرفة؛ فذكرت الإبل لأنها من أعظم المخلوقات خلقة، ويقودها أصغر البشر فينيخها ويسوقوها ويقودها بيسر وسهولة، ثم هي صابرة عن الطعام وعن الماء، وهي الوحيدة من البهائم التي ترعى كل ما يكون في الصحراء، دون غيرها من البهائم، ولأن المنفعة بها أتم؛ لأنها توفرت فيها أربعة أشياء: ركوبة، أكولة، حمولة، حلوبة...
ذكرت الإبل في القرآن على أنها محل اعتبار، (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية:17]؛ ولذلك كان شريح يقول: "اذهبوا بنا إلى الصحراء؛ حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت".
الإبل ذكرت في القرآن على أنها من البهائم، من بهيمة الأنعام التي بها جَمال، (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل:6]، الرواح هو آخر النهار، والمسرح هو أول النهار؛ لكن، لماذا قدم الرواح؟ لأن أهلها يعجبون بها إذا قدمت في آخر النهار، ولأن الجمال يكمن بها في تلك الفترة من الزمن، ولأن أهلها ينتفعون بها بعد الرواح أكثر من انتفاعهم بها بعد تسريحها.
وجاء ذكر الإبل في القرآن على أنها معجزة لقوم صالح، (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) [الشمس:13]، يعني: احذروا أن تعقروا الناقة وأن تقابلوا شرب حليبها بعقرها، وأن تعتدوا على يوم شربها من البئر.
وجاء ذكر الإبل في القرآن على أنها عظيمة، وأقسم الله -عز وجل- بها، (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً) [العاديات:1]، التفسير المشهور أن العاديات هي الخيل؛ ولذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ليس من الحيوانات شيء يضبح إلا الخيل والثعلب والكلب"، ولكن، في تفسير آخر: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً)، هي الإبل. لكن؛ كيف تضبح؟ ضبح الإبل هو أن تمد أعناقها إذا سارت وانطلقت تسرع.
وجاء ذكر الإبل في القرآن على أنها من البهائم السمينة: (والْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ) [الحج:36].
وجاء ذكر الإبل في القرآن في النهي عن التكبر من البشر على غيرهم: (ولَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) [لقمان:18]، والتصعير هو داء يأخذ الإبل فيلف أعناقها عن رؤوسها.
وجاء ذكر الإبل في القرآن على أنها علامة وصفة للشرارة التي تنطلق من النار: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ) [المرسلات:32-33]. يعني أنها سوداء تميل إلى الصفرة، فدل على أنها نار مظلمة.
وجاء ذكر الإبل في القرآن على أنه محرم أكلها على اليهود بظلمهم: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ) [آل عمران:93]، إسرائيل هو يعقوب، قالوا: إن الإبل حرمها إبراهيم فكيف تأكلونها، فرد الله عليهم: (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا)، فليس هناك شيء محرم على اليهود، وإنما حرم يعقوب على نفسه الإبل لمّا أصابه، كما قال المفسرون، "عرق النَسَا"، وإلا فليس هناك شيء محرم على اليهود؛ لكن لما ظلموا حرم الله عليهم كل ما يتعلق بالإبل، (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) [الأنعام:146]، يعني: ليس مشقوق الأصابع، كالإبل والنعام ونحوهما، فهو محرم على اليهود.
وجاء ذكر الإبل في القرآن على أنها تضيّع ولا يلتفت إليها إذا جاءت علامات يوم القيامة: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) [التكوير:4]، وناقة عشراء: التي حملت ولها أربعة أشهر، ويستمر هذا الوصف بها إلى أن تلد.
وجاء ذكر الإبل في القرآن في أن أهل النار يشربون من الحميم شربا عظيما كشرب الناقة إذا أصابها داء الهيام فتشرب من الماء فلا ترتوي حتى تهلك: (فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) [الواقعة:54-55]، يعني الإبل التي لا ترتوي التي أصابها هذا الداء.
ذكر الإبل في السنة المطهرة: جاء ذكرها في السنة أنه لا تصح الصلاة في معاطنها، والمعطن هو المكان الذي تبقى فيه عند ورودها الماء، وعن مرابد الإبل، والمربد هو المكان الذي تحبس فيه للبيع، وعن مناخ الإبل، وهو المكان الذي تستقر فيه بعد أن تأتي من الرواح.
وجاء ذكر الإبل في السنة في أنه يحرم التقاطها إذا ظلت في الصحراء، كما جاء في الصحيحين.
وجاء ذكر الإبل في السنة في أن صاحبها إذا لم يتعاهدها نفرت وهربت وشردت منه، قال -صلى الله عليه وسلم-كما في الصحيحين: "إنما صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهدها أمسكها، وان أطلقها ذهبت"، وجاء عند الحاكم: "كلكم يدخل الجنة، إلا من شرد على الله كشراد البعير على أهله".
وجاء ذكر الإبل في السنة أن أصحابها عليهم أن يركضوا بها في زمن الربيع، وألا يسرعوا بها حتى تأخذ حظها من الأرض، فعند مسلم: "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في السنة -يعني في القحط والجدب- فأسرعوا عليها السير".
وجاء ذكر الإبل في السنة أنه يصلى عليها السنن حتى الوتر، كما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: "كان يوتر على بعيره".
وجاء ذكر الإبل في السنة في النهي عن تحصين الإبل في قلادات كما تفعله العرب في جاهليتهم، ففي الصحيحين من حديث أبي بشير: "ألا لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت".
وجاء ذكر الإبل في السنة على أنها، كما جاء في السنن، "خلقت من الشياطين"، ليس معنى ذلك أن مادتها من الشيطنة، لا! إنما لما غلب عليها وصف الغلظة والشدة والشيطنة وصفت بذلك، كحالنا نحن، خلقنا من تراب، ومع ذلك قال: (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء:37]، لِمَ؟ لأن الوصف الأعظم فينا هو العجلة.
وجاء ذكر الإبل في السنة على أن العرب يحلبونها في زمن الجدب عند العشاء حتى لا يأتي الفقراء ليشاركوهم في شربهم زمن الجدب؛ ولذلك -قال عيه الصلاة والسلام- كما عند مسلم: "ألا لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء، وإنهم يعتمون بحلاب الإبل".
وجاء في السنة أنه "ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا جمعت له يوم القيامة أوفر ما كانت، فتنطحه وتطؤه بأخفافها".
وجاء في المسند والسنن، النهي عن "أن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير"، بمعنى أنه ينهى أن يعرف الإنسان بأن هذا المكان مكانه في المسجد، لا يفارقه لا في صلاة ولا في قراءة قرآن ولا في ذكر، هذا منهيٌّ عنه.
وجاء ذكر الإبل في السنة على أنها "تجزئ عن سبع شياة في الأضحية".
وجاء في السنة أن "الدية فيها مائة من الإبل عن قتل النفس، وفي الإصبع الواحد عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل"، كما جاء في الحديث عند النسائي.
وجاء ذكر الإبل في السنة على أنها تحلب عند المساء لأنه أنفع لها، ولكي يراها المساكين فيطعمون من حليبها.
وجاء ذكر الإبل في السنة أنك إذا سجدت لا تسجد كما يبرك البعير، كما جاء في حديث أبي هريرة في سنن أبي داود والنسائي: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير".
وجاء ذكر الإبل في السنة: "يجوز إن تبيع بعيرا ببعيرين أو بأربعة أو بخمسة، فلا ربا في الإبل وهو حي"، يعني ناقة بناقتين بثلاث بأربع، لا إشكال في ذلك.
وفي ذكر الإبل في السنة أن "الإبل التي تكون في الصحراء أنفع لصاحب مرض البطن لكي يشرب من حليبها ومن أبوالها، ولكي يتنفس عندها من الهواء الطلق"، كما جاء في قصة العرنيين الذين أصابهم داء في بطونهم كما في الصحيحين، "فأمرهم النبي -صلي الله عليه وآله وسلم- أن يذهبوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، فلما شربوا استصحوا".
وجاء ذكر الإبل في السنة على "أنها قد تتوحش وتند من صاحبها"، فماذا يصنع بها؟ يرميها بالسهم؛ لأن تذكية الإبل لا بد من نحرها، لكن، لو عجز صاحبها وشردت كشرود السباع ولم يتمكن منها فليرمها بالسهم أو ليرمها بالبندق في هذا العصر، فيكون قتله لها بهذا الرمي مجوزا أكلها، ولذلك في حديث رافع، كما في الصحيحين: لما ند بعير فرماه سهم من الصحابة فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن لهذا الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم شيء منها فافعلوا به هكذا".
وجاء ذكر الإبل في السنة على أن النساء في العرب كن يركبن الإبل، في الصحيحين من حديث أبي هريرة: "خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش".
وجاء ذكر الإبل في السنة، كما عند ابن ماجه، "أن من اشترى بعيرا فليضع يده على ذروة سنامه، وليدع بالبركة"، يدعو الله أن يبارك له في هذا البعير أو في هذه الناقة.
هذه الإبل ذكرت عند العرب، هناك "المزاين" و"غير المزاين" عند العرب، ما هي؟ أذكر لكم جزءا كبيرا من مسميات هذه الإبل عند العرب مما هو جميل ومما ليس كذلك.
عند العرب من الإبل ما يسمي "البَحيرة"، وهي الناقة التي أنتجت خمسة أبطن، فإن ولدت ذكرا أكله الرجال وإن ولدت أنثى بحروا أذنها، يعني شقوا أذنها، فتركت، فلا يحمل عليها شيء، ولا يجزّ منها وبر، ولا يحلب منها حليب، وإن أخرجت في هذا الخامس ميتا أكله الرجال والنساء، (وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء) [الأنعام:139]، كما جاء في آية الأنعام؛ ولذا قال -عز وجل-: (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ) [المائدة:103]، يعني: ما شرع الله من بحيرة، فهذا فعل مذموم في الشرع.
وهناك ما يسمى عند العرب بــ "الحام"،وهو البعير إذا أخرج الله من صلبه عشرة قالوا: حمى ظهره، فلا يحمل ولا يركب: (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ) [المائدة:103].
وعند العرب ما يسمى بــ "حمر النعم"، كما جاء في الصحيحين، وهي الإبل الحمراء التي هي أنفَس ما يكون عند العرب من الإبل.
وهناك عند العرب ما يسمى بــ "همل الإبل"، وهي الإبل التي لا راعي لها يهتم بها.
وهناك عند العرب ما يسمى بــ "غر الذرى"، كما جاء بذلك حديث: أهدى النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض القوم خمس غر الذرى، وهي ما يكون من جمال الإبل عندهم غر الذرى، يعني أنها بيضاء في سنامها.
وعند العرب ما يسمى بـ "الكوماء"، كما جاء ذكر ذلك في صحيح مسلم، كما قال -صلى عليه وسلم- للصحابة: "أيحب أحدكم أن يغدو إلى العقيق فيأتي بناقتين كوماوين ــ يعني عظيمتي السنام- من غير إثم ولا قطيعة رحم؟"، قالوا: كلنا ذلك يا رسول، قال: "لأن يذهب أحدكم إلى المسجد فيتعلم آية أو آيتين خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل".
وعند العرب ما يسمى بـ "البُخت"، "رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة"، كما جاء عند مسلم في وصف النساء الكاسيات العاريات. البخت: إبل عظيمة السنام.
وعند العرب أيضا ما يسمى بـ "الفرَع"، وهو أول نتاج الناقة يذبحونه لأصنامهم؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الصحيحين: "لا فرع ولا عتيرة".
وعند العرب ما يسمى بـ "العيايا"، كما جاء في وصف تلك المرأة في حديث أم زرع لزوجها، قالت: "زوجي عيايا غيايا طباقا"، عيايا: مثل البعير التي لا يطرق النوق، ولا يلقحها، ولا يضربها.
وهناك عند العرب ما يسمى بـ "ناقة شائلة"، والناقة الشائلة: الجاف لبنها، والتصق بطنها بظهرها.
وهناك عند العرب ما يسمى بـ "الراحلة"، وهي الإبل المخصصة لأن ترحل وتركب ليسافر عليها؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الصحيحين من حديث ابن عمر: "الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة"، يعني أن هذا الصنف من الإبل قليل كما أن الصنف من البشر في النفع إذا وقعت الواقعة وحصلت الأحداث وأريد به لأن ينفع قليل، لكن في زمن الرخاء كل يدعي أنه هو!.
ومن الإبل عند العرب ما يسمى بـ "البَكْرة"، وهي صغيرة الإبل.
وهناك عند العرب ما يسمى بـ "الجَزور"، وهو ما يجزر من الإبل، يعني: يقطع لحمه إذا ذبح.
وهناك عند العرب ما يسمى بـ "الرَسل": الناقة ذات اللبن، فإذا كسرت الراء (الرِسل) فيكون المقصود اللبن، لكن إذا قيل الرَسَل فالمقصود منه الناقة التي هي ذات لبن.
وهناك عند العرب ما يسمى بـ "العير"، وهي التي تحمل البضائع .
وهناك عند العرب ما يسمى بـ "الناضح"، بعير ناضح: مخصص ليستقى به الماء، فيخرج الماء من البئر عن طريق هذا البعير.
وهناك عند العرب ما يسمى بـ "القَلُوص": وهي الناقة الشابة الفتية، طويلة القوائم، القادرة علي السير الطويل.
وهناك عند العرب ما يسمى بـ "العوذ": وهي ذات اللبن.
وهناك عند العرب ما يسمى بـ "اللقاح"، وهي الإبل التي تدر لبناً عظيماً، وهناك عند العرب طعام لهذه الإبل من أحسن ما ترعاه الإبل وهو شوك السعدان، وجاء ذكره في الحديث عنه -صلى الله عليه وآله وسلم-، هذا أحسن أطعمة الإبل، هناك طعام للإبل في الشتاء عندهم يسمى بالـ "علقة"، الإنسان إذا أكل طعام العلقة يعني يتعلق به، يعني يأكل بقدر ما يقيم صلبه، والعلقة: شجر في الصحراء لا تأكله إلا الإبل في الصحراء في الشتاء؛ لأنه يقيم بدنها.
ويقال: قيلت الإبل، أي: شربت الإبل الماء في القائلة.
وهناك ما يسمى بحداء الإبل، وهو صوت يجعل الإبل تسرع، فإذا أرادوا أن تسرع في السير نزل الرجل منها ثم حدا بها فانطلقت في السير.
وأما صوت الإبل فيسمى رغاء. وأما سارق الإبل فيسمى في اللغة خارب، والذي ينقص المكيال مطفف، والذي ينقص في الميزان مخسّر، أما الذي يسرق الإبل فيسمى في اللغة خارب.
هذه هي الإبل المزاين وغير المزاين عند العرب، أما الإبل المزاين عندنا فقد اشتغل بها اشتغالا عظيما كبيراً، والشرع لما ذكر ما يتعلق بهذه الإبل، فإن لهذه الإبل قدرا ومكانة في شرع الله -عز وجل- وعند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذا كان له -عليه الصلاة والسلام- القصواء والعضباء والجدعاء، وكان لقاحه خمس وعشرون من الإبل، وكان يهتم بها -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولكن ليس كالاهتمام الذي حصل في هذا العصر، فصرفت الملايين في بيعها، وأصبح بيعها كأنه بيع وهمي، ونتج من ذلك أنه هناك نعرات بدأت تظهر من أجل هذه الإبل، وحصل بها الفخر والخيلاء من البعض، ليس من الكل، وما ينتج من البعض من تضييع الصلوات... ومن التفاخر ومن التباهي، وما ينتج من ذلك من صور ومقاطع فيديو من أن هناك أطعمة عظيمة يزج بها في المزابل وفي النفايات، وهذا لا يجوز في شرع الله، وهو من كفر النعمة.
وليحذر أصحاب الإبل من هذا الحديث الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فليتفطن له، لا نحرم أن يعرف للإبل قدرها فقدرها معروف في الشرع، لكن أن تكون بهذه الصورة وينتج منها من المفاسد التي ذكرتها ومما لم أذكره، فهذا لا يجوز في شرع الله -عز وجل- ، فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال، كما في الصحيحين، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "الفخر والخيلاء عند أهل الإبل"، وعند ابن ماجه: "الإبل عز لأهلها"، نعم، عز لأهلها.
لكن؛ هل هي عز للإسلام والمسلمين؟ جاء في الصحيحين قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- مع ذكر الفخر والخيلاء: "ألا إن القسوة وغلظ القلوب عند الفدادين عند أصول أذناب الإبل"، من هم الفدادون من أصحاب الإبل؟ قال العلماء: هم الجفاة من الأعراب الذين يستكثرون من الإبل استكثار عظيماً، يصل هذا العدد ما بين مائتين إلى ألف من النوق، فهؤلاء يصدق عليهم الوصف.
إذن؛ فَلْيُهْتَمّ بالإبل، لكن ليس بهذه الصورة التي ينتج عنها ما ينتج من المفاسد.
هناك أحاديث ضعيفة في ذكر الإبل، أذكرها لكي أنبه عليها:
من الأحاديث الواردة الضعيفة في الإبل كما عند الترمذي: "لا تشربوا بنفَس واحد كالبعير، وإنما مثنى وثلاث".
ومن الأحاديث الضعيفة في الإبل كما جاء عند الحاكم: "نهى الرجل أن يمشي بين البعيرين يقودهما".
ومن الأحاديث الواردة الضعيفة في الإبل أن "من رأى الإبل في المنام فهي علامة الحرب"، أي أن الإبل في المنام حرب.
ومن الأحاديث الواردة الضعيفة في الإبل أن "المنافق إذا مرض فشفي فأطلق من مرضه فهو كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه، لا يدري لماذا عقله أهله ولماذا أرسلوه".
ومن الأحاديث الواردة الضعيفة في الإبل: "اللهم أعوذ بك من الأعميين: السيل، والبعير الصؤول".
ومن الأحاديث الواردة الضعيفة في الإبل: "إذا كان أحدكم على وضوء فأكل طعاما فلا يتوضأ، إلا أن يشرب حليب الإبل، فليتمضمض".
لتعلموا أنه ورد في السنة أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، أما حليبها فلا ينقض الوضوء، لقصة العرنيين، أمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها.
ثم لتعلموا أن السنة في شرب أي حليب من الإبل -أو من غير الإبل- السنة إذا شربت أي حليب أن تتمضمض، هذه هي السنة، لكن الإبل لو شربت حليبها فمن السنة لك أن لا تقتصر على المضمضة، بل تتوضأ، كما جاء في حديث آخر، لكن ليس علي سبيل الوجوب، شرب حليب الإبل لا ينقض الوضوء.
ومن الأحاديث الواردة الضعيفة في الإبل: "ليس من الجنة شيء من البهائم إلا الطير والإبل"، لا يصح.
ومن الأحاديث الواردة الضعيفة في الإبل: "الجَمال في الإبل"، ويغني عنها الآية، لأنها ذكرت من بين الأنعام: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل:6].
ومن الأحاديث الواردة الضعيفة في الإبل: "عليكم بألبان الإبل وأبوالها البرية"، وهذا لا يصح، ولكن يغني عنه ما ذكرنا من أنه من اشتكى داء في بطنه فليذهب إلى الصحراء وليشرب من حليب وأبوال الإبل؛ فإنه شفاء بإذن الله -عز وجل-.