البحث

عبارات مقترحة:

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الانضباط

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. حياتنا والانضباط .
  2. الإسلام والانضباط .
  3. قصة في الانضباط .
  4. العبادات والانضباط .
  5. من صور الانضباط .

اقتباس

لو تأمل المسلم في دينه العظيم دين الإسلام لوجد أن الإسلام في كل تعاليمه وأنظمته يدعو المسلم إلى الانضباط التام والتقيد الكامل، فلهذا وضع لكل شيء حدوداً مرسومة، وكيفيات معينة، وتعليمات واضحة، وتفاصيل محددة، حتى يُعلّم الناس على الانضباط بها، والالتزام بتعاليمها؛ ليكونوا ..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

عباد الله: تتسم حياة كثير منا بالمزاجية والعشوائية وقلة الانضباط أو انعدامه، وربما يرى بعضنا أن الانضباط هو نوع من معاقبة النفس وحرمانها، ويرى أنه عندما يعيش حياته بغير انضباط أو تقييد فهو خير له وأفضل.

وهذا بلا شك تصور خاطئ وجهل مركب، فالحياة كلها قائمة على الانضباط، ومسيّرة على النظام المنضبط، القائم على سنن كونية ونواميس إلهية وضعها الرب الحكيم العليم -جل جلاله-.

لو تأمل المسلم في دينه العظيم دين الإسلام لوجد أن الإسلام في كل تعاليمه وأنظمته يدعو المسلم إلى الانضباط التام والتقيد الكامل، فلهذا وضع لكل شيء حدوداً مرسومة، وكيفيات معينة، وتعليمات واضحة، وتفاصيل محددة، حتى يُعلّم الناس على الانضباط بها، والالتزام بتعاليمها؛ ليكونوا بعيدين عن العشوائية والمزاجية.

إن ديننا الإسلامي الحنيف لم يقل لنا: صلوا فقط، وإنما أمرنا بالصلاة وبيّن لنا أوقاتها، وأحكامها، وتعاليمها، وعدد ركعاتها، وتفاصيل أركانها وواجباتها ومستحباتها، حتى ننضبط في كل تفاصيلها، ونؤدي كل حقوقها وتعليماتها بشكل منتظم ومنضبط.

ولهذا لم يأتِ الأمر بالصلاة أمراً عاماً دون تفصيلات مضبوطة وأحكام مقيدة، إذ لو كان الأمر كذلك؛ فإن كل فرد سيشرع لنفسه ما يريد، ويفعل من الأحكام ما يشاء، وتكون الصلاة تؤدى بغير نظام ولا أحكام، ولكانت صلوات عديدة ومتنوعة وليست صلاة واحدة، لكل قوم صلاة ولكل بلد صلاة.

وهكذا إذا نظرنا في كل العبادات والشعائر الأخرى لوجدنا أنها كلها تعلمنا الانضباط وتربينا على النظام، فلكل عبادة مواقيت تؤدى فيها، وكيفيات تؤدى بها، وأحكام تنظمها وتربي النفوس على الالتزام بالانضباط بمحدداتها، بل إن دقيقة واحدة تقديماً أو تأخيراً قد يتوقف عليها صحة العبادة وبطلانها، أو يتوقف عليها اتباع السنة أو مخالفتها.

إننا لو ربينا أنفسنا على الانضباط من خلال هذه العبادات الإسلامية والشعائر التعبدية التي تعلمنا الانضباط لتعلمت أنفسنا النظام، ولسارت عليه في كل شؤون حياتنا، وفي جميع تفاصيل أعمالنا وتحركاتنا، يقول الله -تبارك وتعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3].

في أحد البرامج على قناة المجد كان ضيف اللقاء رئيس لجنة التعريف بالإسلام، حكى في أحد الحلقات قصة عجيبة لرجل أمريكي كان يشاهد الحرم المكي وهو يعج بالمصلين قبل إقامة الصلاة، فسأله أحد الدعاة فقال له: كم يحتاج هؤلاء من الوقت للاصطفاف في رأيك؟! فقال: ساعتين إلى ثلاث ساعات، فقال له: إن الحرم أربعة أدوار؟! فقال: إذن اثنتا عشرة ساعة! فقالوا له: إنهُم مختلفو اللغات!! فقال: هؤلاء لا يُمكن اصطفافهُم!! فلما حان وقت الصلاة وتقدم إمام الحرم وقال: استووا، فَوقف الجميع في صُفوفٍ مُنتظمة في لحظات قليلة، مباشرة أسلم الرجل، وقال: ما أعظمه من دين يدعو إلى الانتظام والانضباط.

وهكذا الجهاد في سبيل الله لن يكون إلا بالانضباط، فإذا كان الجهاد بلا انضباط فإنه لن يحقق هدفه ولن يؤدي غرضه، ولهذا حينما لم ينضبط بعض المسلمين بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد، حينما أمرهم أن لا يبارحوا أماكنهم، وأن لا يخرجوا من أعلى الجبل حتى يأتيهم الأمر وقعت الهزيمة، وأنزل الله: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آلعمران:165].

تقولون كيف حدثت الهزيمة؟ ومن أين جاءت؟ فقال لهم: هي من عند أنفسكم بسبب عدم انضباطكم لأمر نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ومخالفتكم له فوقعت الهزيمة.

يقول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف:4]. ففي هذه الآية حث واضح من الله -تبارك وتعالى- لعباده على الجهاد في سبيله، وتعليمهم كيف يصنعون عند القتال؟ وأنه ينبغي لهم أن يصفوا في الجهاد صفاً متراصاً متساويا؛ من غير خلل يقع في الصفوف ولا اضطراب، وتكون صفوفهم على نظام وترتيب تحصل به المساواة بين المجاهدين، والتعاضد فيما بينهم، وتنشيط بعضهم لبعض، حتى يرهبوا العدو.

ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حضر القتال، صف أصحابه، ورتبهم في مواقفهم، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض، بل تكون كل طائفة منهم مهتمة بمركزها وقائمة بوظيفتها، منضبطة في عملها، وبهذه الطريقة تتم الأعمال، ويحصل الكمال، ويقع النصر بإذن الله.

هكذا تربي العبادات عند الإنسان الانضباط؛ الانضباط الشرعي، وتربيه على الانضباط الكلي في حياته بشكل عام، فإن حياة الناس الدنيوية لا تستقيم إلا بالانضباط.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، يعلمهم ويزكيهم وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: من أعظم صور الانضباط: الانضباط لشرع الله، والالتزام بالأوامر والنواهي التي أمرنا بها ونهينا عنها، يقول الله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [المائدة :92]، ويقول: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54].

وهناك آيات كثيرة جداً كلها تأمرنا بطاعة الله ورسوله، والانضباط بما جاء في الكتاب والسنة، وعدم التعدي أو الخروج عليه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ" وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى" [البخاري:7280].

ومن أهم صور الانضباط: الانضباط الذاتي؛ بأن يضبط الإنسان نفسه مع كل أموره؛ فيضبط نفسه مع المال، ومع الوقت، ومع الآخرين، ولهذا تجد كثيراً منا يضيع عمره، وتفوت أوقاته، وتذهب أمواله وطاقاته بسبب العشوائية التي يعيشها وعدم الانضباط، فأوقاته تهدر لأنه لم يضبطها، ولم يبرمج نفسه ببرنامج منضبط، وماله يتبدد ويذهب في أمور تافهة على حساب احتجاجات هامة بسبب عدم الضبط المالي، وطاقاته تهدر وإمكانياته تتلاشى بسبب عدم الانضباط.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ" [الترمذي:2416]، فلينتبه المرء لنفسه، وليضبط أموره كلها؛ فإنه محاسب عن كل شيء، ومسئول عليه يوم القيامة عند لقاء الله -سبحانه وتعالى.

ومن صور عدم الانضباط التي نعايشها: عدم الانضباط في تلقي العلم وطلبه؛ فبعض طلابنا -هدانا الله وإياهم- تجدهم يتسم في دراسته بالعشوائية وضعف الانضباط، فيوماً تجده يدرس في هذا الكتاب، ويوماً في الآخر وهو لم يكمل ذاك بعد، ويوماً يحفظ من هذا الكتاب ثم يلغيه ويذهب إلى الآخر، وهكذا عشوائية واضحة، وانفلات غير منضبط، يعقبه الفشل الذريع في النهاية كما هو معلوم ومشاهد عند كثير من أبنائنا وطلاب العلم في مجتمعنا.

عباد الله: إن الانضباط مهم جداً يحتاج إليه الإنسان في كل شيء، فأوصي نفسي وإياكم بالانضباط، وأن نكون ممن يلزم نفسه ويضبطها في كل شؤون حياته، وأموره الدنيوية منها والأخروية، فإن لم نضبط أمورنا ضعنا وتشتت أمورنا، وصرنا كغنم مبعثرة في يوم شات، نسأل الله العافية.

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].

اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم ارزقنا الانضباط في ديننا ودنيانا وفي شئون حياتنا وآخرتنا. اللهُمَّ ارزُقْنَا شكرَ نعمتِك وحسنَ عبادتكَ، واجْعلْنَا من أهل طاعتِك وولايتك، وآتنا في الدنيا حسنةً وفي الاخرة حسنةً وقنَا عذَابَ النار، واغفر لنَا ولوالِدِينا ولِجميعِ المسلمينَ برحمتك يا أرحم الراحمين.