البحث

عبارات مقترحة:

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

التربية بالإيحاء

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. دور التربية بالإيحاء في توجيه الطاقات .
  2. التربية بالإيحاء وأهميتها للأطفال .
  3. من إيحاءات النبي التربوية .
  4. أمثلة لإيحاءات واقعية .
  5. من مكر الأعداء استخدام الإيحاءات الخبيثة .

اقتباس

إنك لمجرد تذكرك اسم شخص توحي إليه بأنك تهتم به، فيهتم بك، ومن ذلك مناداة الناس بأحب الأسماء إليهم، لذا نهانا ربنا عن السخرية والتنابز بالألقاب، والغمز واللمز، ومناجاة اثنين دون الثالث، وما إلى ذلك من أفعال توحي بالبغضاء وتشيعها...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أعزّ مَن أطاعه، وأذل مَن عصاه، الحكيم الذي أنزل على النبي الكريم كتابًا، مَن تمسك به فاز بالسعادة في دنياه وأُخراه، ومَن أعرض عنه أخزاه وأرداه، وبثوب الهوان كساه، أحمده -سبحانه وتعالى- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله التوفيق للسعي والعمل، والابتعاد عن الخمول والكسل.

وأشهد أن لا إله إلا الله، الواحد الأحد، المنزه عن الشريك والصاحبة والولد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، قام بأمر ربه خير قيام، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه، الذين أزالوا ظلمات الكفر بنور الإسلام، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

عباد الله: للتربية النبوية أساليب شتى وطرق متعددة, ونريد اليوم أن نقف وإياكم مع أسلوب تربوي نبوي عظيم إنه أسلوب التربية بالإيحاء.

يقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ" [ أحمد (19260)].

إن المؤرخين يرون أن فتح القسطنطينية بدأه العالم الشيخ آق شمس الدين، معلم محمد الفاتح، ابن السلطان، حيث رأى في تلميذه الصغير النبوغ والصلاح، فظل يوحي له بأنه المقصود بالحديث، فأطمع الأميرَ بذلك الإيحاء، في أن يكون هو المُنعَمَ عليه، وقد كان.

هذا مثال يُبرز دور التربية بالإيحاء، ويوضح ما يمكن أن تفعله في شحذ الهمم، وتعبئة الطاقات، وعمل الخير، فقد رأى ذلك المعلم المربي الحكيم أن تلميذه الصغير قد توفرت فيه المؤهلات التي تؤهله لذلك العمل الضخم، فهو سيكبر ويصبح السلطان، وفيه حب كبير للخير والجهاد، ورغبة صادقة في نشر الدين، وذكاء وحنكة، يمكن من خلالها أن يقوم بذلك العمل الكبير الذي عجز المسلمون ثمانية قرون عن تحقيقه.

وظل كل سلطان يطمع في أن يكون هو المعنيّ بهذا الحديث الشريف، ولكنْ كان الأجر من نصيب محمد الفاتح، الذي ظلَّ بعد تشبُّعه بإيحاءات شيخه لا يتحدث، بعدما تولى الحكم وهو ابن اثنتين وعشرين سنة إلا عن القسطنطينية، التي كانت أكبر معقل للنصرانية، وعن فتحها، وكان ذاتَ الأجر من نصيب معلمه الفاضل، فالدالُّ على الخير كفاعله، كما جاء في الحديث الشريف.

إنه جدير بنا أن نستخدم هذه الطريقة التربوية الجيدة في غرس القيم الفاضلة في أبنائنا منذ طفولتهم، فإذا سقط طفلٌ سقطة على الأرض وبكى، فقلت له: لم يحدث شيء، أنت شجاع وبطل، فسيكف عن البكاء ويقوم متشجعاً.

كذلك إذا قلت: هذا الولد مهذب، كلما يسمع الأذان يقوم للصلاة، فإنه سيفعل ما قلته، حتى لا يخيب ظنك فيه، ويمكننا أن نغرس كثيراً من القيم الفاضلة في أبنائنا بهذا الطريق.

وإنك تلاحظ كثرة أسئلة بعض الأطفال عندما يسمعون منك قصة أجريتَها على ألسن الحيوانات، يسأل بعضهم عن الشخص المقصود، ففي هذا بيان لتأثر الطفل بالإيحاء القصصي؛ لكن علينا الانتباه، فلا نوقع أبناءنا في فخ الرياء أو الغرور، كأن تظل الأم تمدح جمال ابنتها حتى تملأها غروراً.

إن الكبار مثل الصغار يتأثرون بالإيحاء، فلو أوحيت لتاجر بأمانته ونزاهته وصدقه، فإنه لن يخدعك ولن يخيب ظنك وسيبقى أميناً صادقاً معك على الأقل.

لقد استخدم رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- هذا الأسلوب الفاعل عندما اشتد البأس, وانصرف الناس عنه يوم حنين، فكيف جمّع جموعهم وأعاد لملمتهم؟.

قال لعمه العباس -وكان قويَّ الصوت-: "يا عم! قل بأعلى صوتك: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، يا أهلَ الشجرة! يا أهلَ بيعة الرضوان!". فما إن سمعوا ذلك حتى تدافعوا عائدين، فهذا الأسلوب ذكَّرهم بعهودهم ومواثيقهم، وأوحى لهم بقوتهم وشكيمتهم، فرجعوا للوغى حتى لا يخيبوا ظن النبي الكريم فيهم.

ومن الايحاءات التي ينبغي لنا أن نستخدمها ونكسب الناس بها أن نبتسم في وجوههم، فهذا إيحاء للشخص بأنك ترتاح له، من ثم سيبادلك ذات الشعور، وينشرح صدره لك، وقديما قالوا: الابتسامة بريد المحبة.

ومن الايحاءات التربية النبوية طلاقة الوجه، وتقديم الهدايا، والسلام، وبخاصة إذا كان بشوق، كل هذه الأشياء توحي للناس بأنك تحبهم، وتشيع روح التعاون في المجتمع، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن تبسمك في وجه أخيك صدقة" [ الترمذي (1956) ]، ويقول: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا " [ المعجم الأوسط (7240 )]، ويقول: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" [ مسلم (2626)]، ويقول: "أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" [ مسلم (54)].

بل إنك لمجرد تذكرك اسم شخص توحي إليه بأنك تهتم به، فيهتم بك، ومن ذلك مناداة الناس بأحب الأسماء إليهم، لذا نهانا ربنا عن السخرية والتنابز بالألقاب، والغمز واللمز، ومناجاة اثنين دون الثالث، وما إلى ذلك من أفعال توحي بالبغضاء وتشيعها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات : 11]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ" [ مسلم (2184)].

إن التربية بالإيحاء لون من ألوان التربية الممتدة الشديدة الاتساع، ذلك لأنك يمكن أن تربي بها فرداً أو جماعة أو شعباً أو أمة بأسرها؛ لأن إذاعة الخير لون من الإيحاء الإيجابي، يمكن أن يؤثر في شعب كامل.

إن النفس تستجيب للإيحاء المُحكَم استجابة كبيرة، وقد قام العلماء بالتجارب المثبتة لذلك, منها أنْ قام بعضهم بدس صورة لزجاجة مشروب أثناء عرض فيلم في أحد دور العرض، بحيث يلمحها المشاهد عدة مرات، ووضعوا المشروب مع المشاريب الأخرى خارج دار العرض، وعندما خرج الجمهور المشاهد أقبل على شراء المشروب، الذي أوحوا له به إقبالاً شديداً.

لأجل ذلك فأنت ترى بعض الإعلانات للشركات الكبرى لا تحتوي إلا على صورة المُنتج، ولا يمكن أن يقول عاقل إن هذه الشركات تنفق الأموال الضخمة عبثا؛ إذ لها خبراء، وأنت ترى بعينيك الإقبال على تلك المنتجات.

إنه يمكننا عمليا استخدام مثل تلك النتائج في التربية، ولقد حدث هذا جزئياً، فقد كان أحد المعلمين الفضلاء يحث تلاميذه على صلاة الفجر في المسجد، فوجدهم لا يقبلون على مثل ذلك الوعظ المباشر المتكرر إلا بتثاقل، فكثرة المساس تميت الإحساس، فكانت تبدو عليهم علامات النعاس، ثم إنه رأى أن يستفيد من فكرة الإيحاء التربوي، فذهب لأحد المصممين المهَرة.

ولما عرف المصمم هدف اللوحة قام بتصميم لوحة في غاية الجمال،  صورة مسجد مضيء في ظلام كثيف عليها عبارة: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلْمِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [ المعجم الأوسط (1275)]، ثم قام بوضعها في مكان في المدرسة، لتتنقل بصورة دورية بأنحاء المدرسة، فكان أثرها فاعلاً.

علما بأن هذا لا يلغي أو يقلل من شأن وسائل التربية الأخرى، إنما لكل مقام مقال، ولكل حادثة حديث.

إن هذا اللون من التذكير الإيحائي يمكن تعميمه على الأماكن، كصالات الانتظار، والمكاتب والبيوت، وغيرها، وتنويع مادته بحيث تذكر بالفضائل، وتحذر من الرذائل، وبهذا يعم النفع، وتنتشر الموعظة، وينتفي الحرج الذي يحدث من الوعظ أحيانا، وتبرأ الذمة، وهذه هي غاية وظيفة الداعية، (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية : 22]، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : 55].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على نعمة الإسلام، ذلك الدين القيم المتين، الذي، إن تمسكنا به، فلن نهلك أبداً، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ" [الموطأ (1628)].

إننا اليوم بحاجة ماسة للرجوع لتعاليم ديننا؛ لأن الباطل قد انتفخ وانتفش، وابشروا، فإن الزبد يذهب جفاء، وإن بنيانه الضخم المتين الجميل المنظر، مبنيٌّ على شفا جرف هار، ففي أي لحظة يمكن أن ينزلق وينهار، فلقد مكروا مكرا كُبَّارا، (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) [النحل : 26].

إن الحق قويٌّ غلاَّب، وما ينفع الناس يمكث في الأرض, فمن مكرهم أنهم جربوا كل وسائل علم النفس والتربية على الناس، ومن أسباب علو زبدهم وانتفاخهم اتخاذ أسلوب الإيحاء في زعزعة ثقة المسلمين بأنفسهم، والسعي لتقويض أركان المجتمع، فأشاعوا عبارات التخويف، كتلك التي استخدموها من قبل، مثل (الجيش الذي لا يُقهَر).

فهمُ يعلمون أنكم المارد

في قمقم حبيس مكانِ

زرعوا فيكم المهابة منهم

فاستجبتم لخطة الشيطان

إنما ذلكم يخوِّفكم منهم

وهذا في محكم القرآن

ثم إنهم أيضا استخدموا ذلك الأسلوب في تغيير الحقائق، وصرف الناس عن كنه الأمور التي أفسدت وتفسد المجتمع، فغلفوها بستار من الإيحاء اللغوي، يجعل القبيح مستساغا، مثل: الاستعمار، وهي كلمة مشتقة من التعمير، بدلا من الاحتلال, والحرية، بدلا من الفوضى, والعلمانية بدلاً من محاربة الدين, والثقافة وهي مشتقة من التثقيف أي التهذيب، يستخدمونها بدلا من اللهو واللعب, ونجوم الفن بدلا من السفهاء المنحلين, وغير ذلك من وسائل الإيحاء الخبيثة, التي جعلت الناس تستسيغ وتبتلع وتهضم كل تلك القاذورات.

ومن وسائل الإيحاء الخبيثة: نشر الفاحشة والفساد عن طريق إذاعتهما، يغلفون ذلك بالتظاهر بمعالجة المشاكل، وغرضهم إذاعتها وإشاعتها ولفت الانتباه إليها، وتحفيز المترددين الذين لا يريدون أن يكونوا نشازاً منبوذاً في المجتمع، ويعتمدون في ذلك على إحصائيات كاذبة مضللة، مثل: نسبة الاعتداء على المال العام بلغت كذا وكذا، عدد الأطفال اللقطاء وصل إلى كذا حالة في اليوم.

وعندما يُذاع مثل ذلك الكلام، يلوك الناس عبارات تشير إلى أنهم فاسدون، وأن الناس انحرفت وهلكت، فيصدِّق الناس هذا فيهلكون؛ لأجل ذلك حذَّرنا الرسول الكريم، -صلى الله عليه وسلم-، بقوله: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ" [ مسلم (2623)]، أي: عمل على هلاكهم، وفي رواية أخرى "فهو أهلكُهم" أي: أكثرهم هلاكا, قال لنا ربنا -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات : 6].

وهل يوجد اليوم أفسق من وسائل الإعلام التي تعمل على إشاعة الفاحشة والجرائم بالإيحاء بها للناس؟ إننا -لو تمسكنا بديننا- فلن يضرنا كيدهم شيئا، فلقد تركَنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المحجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].