المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
لقد كان أهل الأرض قبل مجيء الإسلام في ظلام دامس، وضلال طامس؛ فالمجوسية القذرة تسيطر على أهل المشرق، والنصرانية الضالة تسيطر على أهل المغرب، ومعظم بلاد العرب، واليهودية البغيضة الحاقدة تنتشر في شرق البلاد وغربها؛ تنشر الفساد، وتخرب البلاد، والوثنية تخيم على جزيرة العرب، وتعمم عبادة الأصنام في الحاضرة والبادية، غيرت دين إبراهيم الخليل عليه السلام، وملأت المسجد الحرام والبيت العتيق بالأصنام؛ وهكذا انطمست أنوار الرسالات السماوية ..
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا). فأجل نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض عامة وعلى المؤمنين خاصة نعمة الإسلام، وبعثة نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والسلام.
لقد كان أهل الأرض قبل مجيء الإسلام في ظلام دامس، وضلال طامس؛ فالمجوسية القذرة تسيطر على أهل المشرق، والنصرانية الضالة تسيطر على أهل المغرب، ومعظم بلاد العرب، واليهودية البغيضة الحاقدة تنتشر في شرق البلاد وغربها؛ تنشر الفساد، وتخرب البلاد، والوثنية تخيم على جزيرة العرب، وتعمم عبادة الأصنام في الحاضرة والبادية، غيرت دين إبراهيم الخليل عليه السلام، وملأت المسجد الحرام والبيت العتيق بالأصنام؛ وهكذا انطمست أنوار الرسالات السماوية وتلاعب الشيطان ببني آدم، فاشتدت حاجة أهل الأرض إلى بعثة نبي من عند الله يخرجهم من هذه الظلمات إلى النور، فأدركتهم رحمة أرحم الراحمين، وكانت بعثة محمد خاتم النبيين، فأشرقت به الأرض بعد ظلماتها، واجتمعت عليه الأمة بعد شتاتها، وجاء هذا الإسلام العظيم، يحمل للبشرية كل خير ويزيح عنها كل شر.
واختار الله له أنصاراً وأعواناً هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أبر الناس قلوباً، وأغزرهم علماً، وأقلهم تكلفاً، فجاهدوا في الله حق جهاده، ونشروا هذا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها حتى أظهره الله على الدين كله؛ فأخمد به نار المجوسية القذرة، ودحر به كبرياء اليهودية المتغطرسة، وكشف به ضلالات النصرانية التائهة، وحطم به أصنام الوثنية الهمجية وملأ الأرض عدلاً، والقلوب فقهاً وخشية ورحمة بالعلم والحكمة، وفجروا ينابيع العلم من كتاب الله وسنة رسوله حتى ملؤوا مدارس العالم ومكاتب الدنيا بعلومهم ومؤلفاتهم، مما لم يعرف العالم له نظيراً من سائر الأديان هذا هو دين الإسلام الذي شهد الله له بالكمال فقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً).
عباد الله: وماذا كان موقف الشيطان وحزبه من هذا الدين الذي عطل مسيرتهم وخلص الناس من أسرهم وعبوديتهم؟ لقد وقف الشيطان وحزبه من هذا الدين- ولا يزالون يقفون- موقف العدو اللدود، واستخدموا كل ما يملكون من الوسائل للقضاء عليه أو للصد عنه أو لتشويهه، حاربوه فانتصر عليهم، حاولوا محاصرته في بلده، ومنع انتشاره.. فاكتسح كل الحواجز والسدود، وامتد نوره في المشارق والمغارب، فاعتنقته القلوب السليمة والفطر المستقيمة؛ لأنه دين الفطرة الذي يلائم كل زمان ومكان.
حاولوا الدس فيه وإلقاء الشبه على تشريعاته وأحكامه فانكشف تزييفهم، وارتدت سهامهم في نحورهم، وبقي هذا الدين غضاً طرياً كما أنزل.
ثم لجؤوا إلى طريقة المخادعة فدسوا على المسلمين أناسا يتسمون بالإسلام ظاهراً وهم على الكفر في باطن أمرهم فكان فريق المنافقين، ولكن سرعان ما كشف الله في القرآن سريرتهم، وفضح خطتهم، وحذر المسلمين منهم، ففشلت محاولتهم، وعرفهم المسلمون، فأخذوا حذرهم منهم.
ثم لما فشلت كل خططهم حاولوا تفريق المسلمين، وإلقاء العداوة بينهم وتمزيقهم إلى فرق فكانت فرقة الخوارج، وفرقة الشيعة، وفرقة الجهمية والمعتزلة، وتفرع عن هذه الفرق فرق شتى، فكان ذلك مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهذه الواحدة هي من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى وهم على ذلك".
وبهذه الفرقة يبقى الإسلام منتصراً ويبقى من تمسك به منصوراً، ومن افترق من هذه الفرق إنما ضر نفسه ولم يضر الإسلام ولا أهل الإسلام (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ).
أيها المسلمون: وفي عصرنا هذا يواصل أعداء الإسلام حربهم ضد الإسلام؛ فها هي الشيوعية بحديدها ونارها، وها هي الماسونية اليهودية بإباحيتها وخلاعتها، وها هي القومية العربية بردتها وانحرافها، وها هي الصليبية الحاقدة بدسائسها ومكرها وإغرائها كلها ضد الإسلام، ويبقى الإسلام طوداً شامخاً وحصناً منيعاً لا تصل إليه سهام الأعداء ولا يؤثر فيه نبح الكلاب، وتعود هذه السهام إلى صدور أصحابها خاسئة ذليلة (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
عباد الله: إن الإسلام ليس بالتسمي والانتماء.. إنه قول وعمل واعتقاد. إنه دين ودولة. إنه عقيدة وسلوك. ينبني على أركان خمسة هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام، ويكمل بفعل واجبات ومستحبات من الطاعات؛ فأي إسلام لمن ترك عمود الإسلام -وهو الصلاة-، وضيع الواجبات، ولم ينته عن المحرمات. إن هذا الإسلام محفوظ بحفظ الله له، إذا تولى عنه قوم استبدلهم الله بخير منهم (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.