الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | وليد بن سالم الشعبان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
لذا؛ كان لزاماً على العبد الذي يرجو النجاة يوم القيامة أن يتأمل مراقبة الله له، وأن يستحضر في قلبه أن الله رقيب وشهيد على كل عمل صغير وكبير، قال الحق -سبحانه-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235]، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) [الأحزاب:52]، وكفى بهذه الآيات تهديداً ورادعاً لكل قلب غفل عن مراقبة مولاه -جل وعلا-!.
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن من أسماء الله الحسنى: المهيمن، والمحيط، والمقيت، والواسع، والشهيد، والرقيب.
وقد ذكر الله -تعالى- اسمه المهيمن في آية واحدة: (الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) [الحشر:23]...وذكر معناه في قوله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) [المائدة:48].
وقال السعدي: (المهيمن): أي: المطّلع على جميع الأشياء، الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والخفيات والجليَّات، والماضيات والمستقبَلات، وسمع جميع الأصوات، خفيها والجليَّات، وأبصر جميع الموجودات، دقيقها وجليلها، وصغيرها وكبيرها، وأحاط علمُه وقدرته وسلطانه، وأوليته وآخريته، وظاهريته وباطنيته، بجميع الموجودات، فلا يحجبه عن خلقه ظاهر عن باطن، ولا كبير عن صغير، ولا قريب عن بعيد، ولا يخفى على علمه شيء، ولا يشذ عن ملكه وسلطانه شيء، ولا ينفلت عن قدرته وعزته شيء، ولا يتعاصى عليه شيء، ولا يتعاظمه شيء.
وجميع أعمال العباد قد أحصاها، وقد علم مقدارها ومقدار جزائها في الخير والشر، وسيجازيهم بما تقتضيه حكمته وحمده وعدله ورحمته.
والملوك والجبابرة وإن عظمت سطوتهم، وعظم ملكهم، واشتد جبروتهم، وتفاقم طغيانهم، فإنَّ الله لهم بالمرصاد، قد أحاط بأحوالهم، وأحصى وراقب كلَّ حركاتهم وسكناتهم، ونواصيهم بيده، وليس لهم خروج عن تصرفه وإرادته ومشيئته.
فهذه الأسماء الثلاثة: الشهيد، والمهيمن، والمحيط؛ ترجع إلى سعة علمه -سبحانه-، وإحاطته بكلِّ شيء، وإلى عظمة ملكه وسلطانه، وإلى شهادته لعباده وعلى عباده بأعمالهم، وإلى الجزاء، وانفراد الرب بتصريف العباد، وإجرائهم على أحكام القدر، وأحكام الشرع، وأحكام الجزاء.
ومن أدلة ثبوت اسم الله (المحيط) قوله -تعالى-: (وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً) [النساء:126]، وهو اسم دال على إحاطة الله بكل شيء علما وقدرة وقهرا، كما قال -تعالى-: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ) [الإسراء:60].
وأما (المقيت) فقد ورد في موضع واحد: (وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) [النساء:85]، قيل في معناه: الذي أوصل إلى كل الموجودات قوتها, وأوصل إليها رزقها كيف يشاء، بحكمته وحمده: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) [هود:6].
وأما (الواسع) فقد تكرر في عدة مواضع من القرآن الحكيم، منها قوله -تعالى-: (وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:115] ومعناه: الواسع الصفات والنعوت بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه, واسع العظمة والسلطان والملك, واسع الفضل والإحسان, عظيم الجود والكرم.
ومن شواهد اسمه (الواسع) أنه وسّع على عباده في دينهم فلم يكلفهم ما ليس في وسعهم: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286]، وقال -تعالى-: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185].
عباد الله: إن للإيمان بهذا الاسم، وما في معناه من الأسماء الحسنى، آثاراً على قلب العبد، منها أن الله هو الشاهد على خلقه بما يصدر منهم من قول أو فعل، وهو يورث في قلب العبد خوفاً أن يعصي الله معصية قلبية أو عملية؛ لأن الله مهمين ومطلع على السرائر والظواهر.
ومنها [معرفة] كثرة كرم الله وخيراته، وهذا يجعل العبد في راحة تامة: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ) [فاطر:2]. فاطمئن يا عبد الله، واعلم أن رزق الله سيصل إليك وإن حاول الناس منعه!.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهَ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحمَّداً عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ، صلى الله عليه وسلم تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعد: عباد الله: ومن أسماء الله: (الشهيد) و(الرقيب)، ومعناهما متقارب، وقد تكرر اسم الشهيد في غير آية، منها قوله -تعالى-: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المجادلة:6]، وقال: (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [المائدة:166].
ومعنى الشهيد: المطّلع على ما في القلوب، وما حوَته العوالم من الأسرار والغيوب، الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه.
ومعنى الرقيب: المراقب لأعمال عباده على الدوام، الذي أحصى كلَّ شيء، وأحاط بكلّ شيء، ولا يخفى عليه شيء وإن دقَّ، الذي يعلم ما أسرّته السرائر، من النيات الطيبة والإرادات الفاسدة، فهو -سبحانه- رقيب للمبصرات ببصره الذي لا يغيب عنه شيء، ورقيب للمسموعات بسمعه الذي وسع كل شيء.
عباد الله: (الرقيب) و(الشهيد) اسمان مترادفان، وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات، الجلية والخفية، فتبارك ربنا ذو الأسماء الحسنى، والصفات العلى!.
لذا؛ كان لزاماً على العبد الذي يرجو النجاة يوم القيامة أن يتأمل مراقبة الله له، وأن يستحضر في قلبه أن الله رقيب وشهيد على كل عمل صغير وكبير، قال الحق -سبحانه-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235]، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) [الأحزاب:52]، وكفى بهذه الآيات تهديداً ورادعاً لكل قلب غفل عن مراقبة مولاه -جل وعلا-!.
فالمراقبة ثمرة من ثمار علم العبد بأن الله -سبحانه- رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لكل قوله, مطلع على عمله في كل وقت، وكل لحظة، وكلّ نَفَس، وكل طرفة عين.
وفي حديث جبريل المشهور، أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" رواه مسلم.
أيها المؤمن: ومن تعبّد الله باسمه (الشهيد) واسمه (الرقيب) أورثه ذلك المقام المستولي على جميع المقامات، وهو مقام المراقبة لله في حركاته وسكناته؛ لأنَّ من علم أنَّه رقيب على حركات قلبه وحركات جوارحه وألفاظه السرية والجهرية، واستدام هذا العلم، فإنَّه لا بد أن يثمر له هذا المقام الجليل، وهذا سرٌ عظيم من أسرار المعرفة بالله. انظروا إلى ثمراته وفوائده العظيمة وإصلاحه للشؤون الباطنة والظاهرة.
اللهم أعتقنا من النار، اللهم أعتقنا من النار، اللهم أعتقنا من النار يا حي يا قيوم. اللهم تقبل منا الصيام والقيام, ووفقنا للعمل الصالح فيما بقي من الليالي والأيام، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك.
اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، وألّف بين قلوبهم، ووحد صفوفهم، وارزقهم العمل بكتابك، وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انتصر لعبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم احقن دماءهم، وصن أعراضهم، وتولّ أمرهم، وسدِّدْ رميهم، وعجّل بنصرهم، وفرّج كربهم، وانصرهم على القوم الظالمين.
اللهم عليك بأعداء الدين، من الكفرة المجرمين، والطغاة الملحدين، الذين قتلوا العباد، وسعوا في الأرض بالتخريب والتقتيل وأنواع الفساد.
اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.
اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.