الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله بن حميد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - الأديان والفرق |
جاءَت هذه الفئةُ الحوثيَّة الضالَّة المُنحرِفة في اليمَن العزيز؛ لتُدمِّر كلَّ شيءٍ وتُسلِم قِيادَها لأعداءِ أهلِها وأبنائِها، ولتحمِل السلاحَ وتُعمِله في قتلِهم وتدميرهم، وهدم مساجِدهم ومدارِسهم وجامعاتهم ومرافقِهم، حتى وصلَ التطاوُل إلى شرعيَّة حكمهم، وإنزالهم حاكِمهم من كُرسيِّه. لم يسمَعوا للنداءات، ولم يستَجيبُوا لحوار، ومن يُفسِدُ بالقوة لا يُصلِحُه إلا القوة. لقد حصلَ لهذه العصابة انتِصاراتٌ سريعةٌ أمام شعبٍ أعزَل، صاحبَه نشوةُ انتِصارات، قادَتْه إلى الهلاك والإهلاك. كانوا حُفاةً عُراةً، مساكِنُهم الكُهوف، وكان اليمَن الشقيقُ قد دخلَ في اضطِرابٍ وعدمِ استِقرار...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، الحمدُ لله المُتفرِّد بخلقِه وأمرِه، المُتوحِّد في عزِّه وقهرِه، لا إله إلا هو المُنتقِمُ ممن خالَفَه، والمُهلِكُ لمن آسَفَه، أحمدُه - سبحانه - حمدَ شاكرٍ لما أولاه، المُعترِف بما امتنَّ به وأسدَاه.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ حقٍّ ويقينٍ لا شكَّ فيه، وقولِ صدقٍ وجزمٍ لا ريبَ يعتَريه، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه ألَّف الله به بين القلوب المُتنافِرة، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى عِترتِه الطاهِرة، وعلى أصحابِه الأنجُم الزاهِرة، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم البعثِ في الآخرة.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فتقوَى الله عُروةٌ ما لها انفِصام، ونورٌ يُضِيءُ طريقَ السلام. من تعلَّق بها وقَتْه - بإذن الله - من محذُور العاقِبة، وحمَتْه من شُرور كل نائِبة.
وخُذُوا - رحمكم الله - من الأعمال ما ينفعُكم في دار القرار، واحذَروا ما يُوقِع في دار البَوار؛ فأنتُم قادِمون على ما قدَّمتم، ومُجازَون على ما أسلَفتُم. انقطَع عن النفوس رجاءَ حلالها، وعايَنَت فيه طولَ نَكَالها، ويلٌ لأهل الغفلة يُحذَّرون ولا يحذَرون، ويُذكَّرون ولا يذَّكَّرون، للدنيا يستعِدُّون، وهم في الموتَى معدُودون.
فاستعِدُّوا - رحمني الله وإياكم - لصالح الأعمال، وارغَبُوا في جزيلِ الثواب والنَّوال، (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) [مريم: 76].
معاشر المسلمين:
"عاصفة الحزم" بدأت بصمتٍ، وأهلُ الخليج نائِمون، وعصفَت بقوَّتها ودوِيِّها وهم في الميادين يعمَلون، وانتَهَت مُحقِّقةً أهدافَها وهم في ديارِهم آمِنون مُطمئنُّون. فالله أكبر ولله الحمد، والله أكبر ولله المنَّةُ والفضل. أيُّ أمنٍ نعيشُه؟ وأيُّ حالة استِقرارٍ تُحيطُ بنا؟
إن من المعهود - عباد الله - أن أيَّ بلدٍ يخوضُ حربًا، أو يعيشُ حالةَ حربٍ أن تسُودَ أهلَه حالاتٌ من التأهُّب والقلق والاستِنفار، يظهرُ ذلك ويتجلَّى في خوف الناس، واضطِراب الأسعار، واختِفاء الأقوات، واحتِكار التموين.
ولكن بلدَنا - بفضل الله ونعمته ومنَّته، ثم بحكمة القيادة، وإيمان الشعب وثقتِه - يعيشُ حياتَه اليومية المُعتادة المألوفة، حالة الأمن والرخاء، حالة الهدوء والطُّمأنينة، والغُدُوِّ والرَّواح إلى الأعمال والمدارِس، والمصانِع والمتاجِر والمزارع، يتسوَّقون ويتزوَّجون ويُسافِرون، ولمُناسباتهم يُرتِّبون ويُخطِّطون، والأطفال في ملاعبِهم يلعَبون ويمرَحون.
إنه الإيمانُ بالله، والتوكُّل عليه أولاً، ثم الثقة بالقيادة والالتِفافُ حولها وتأييدُها.
إنها بلادُ الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، لم تكُن عِدائية ولا مُعتدِية، وليس لها مطامِع توسُّعية، مشهودٌ لها باعتِدالها واتِّزان سياستها، وهُدوء تعامُلها.
ونعلمُ علمَ اليقين أن المُسلمين جميعًا تربِطُهم بهذه البلاد روابِطُ تتجاوَزُ علاقة المكان والبشر، (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ)[القصص: 57]، (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم: 37].
إنها روابِطُ العقيدة والدين والإيمان والأماكِن المُقدَّسة؛ فالعلاقةُ بهذه البلاد علاقةٌ عميقة، متينةٌ وثيقة، فوقَ اعتِبار الزمان والمكان والأشخاص، ومهما كانت المواقِع والمواقِف.
غيرةُ المسلمين عليها ليست لأرضٍ أو ثورةٍ أو نظام، غيرتُهم هي غيرةٌ على دينِهم، ومُنطلَق رسالتهم، ومُتنزَّل قُرآنهم، ومبعَث نبيِّهم محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم-، ومُهاجَره ومرقَده - عليه الصلاة والسلام -.
ومن أجل ذلك كلِّه مُجتمعًا؛ دينًا وسياسةً وقيادةً، لاقَت سياستُها تأييدًا عربيًّا وإسلاميًّا وعالميًّا غير مسبُوق، فكان القبُول لهذا التحالُف العربي الإسلامي المُبارَك، والتأييد العالميِّ المُقدَّر.
نعم، إنه الثقةُ بهذه الدولة ومكانتها ومِصداقيتها وعقيدتها ودورها وقوتها وقيادتها، كلُّ ذلك بعد توفيقِ الله جعل الجميعَ يلتفُّ حولها، ويُسلِمُها زمام المُبادرة في قيادة تحالُف "عاصفة الحزم" المُبارَكة.
معاشر المسلمين:
لقد أدرَكَت هذه البلادُ المُبارَكة، راعيةُ الحرمين الشريفين وخادمتُهما، أدركَت الخطرَ المُحدِق بالمنطقة كلِّها، فأخذَت - بعد توفيق الله وتسديده، ثم بحكمة قيادتها وحِنكتها - تبنِي هذا التحالُف المَتين، للوقوف في وجه هذا التمدُّد الذي يستهدِف تمزيقَ الأمة، وإسالَة دمائِها، وتقطيعَ أوصالِها.
تحالُفٌ شريفٌ من أجل الأمة كلِّها، ومن أجل شعبِ اليمَن الشقيق حتى لا يضيعَ كما ضاعَ غيرُه، ولئلا يُختطَفَ كما اختُطِف غيرُه.
حتى التحالُفُ المُبارَك رسالةٌ إلى أن أهل الإسلام مُدرِكون لسياسات بثِّ القلاقِل، وزعزعَة الاستِقرار، وتكوين العصابات وتوظيفها، وتجنيدِها في أعمالٍ إرهابية، وتصرُّفاتٍ استِفزازيَّة. عصاباتٌ مسكينة لا تُحسِنُ النظرَ إلى العواقِب، لا الدينية ولا الوطنية. عصاباتٌ لا مُستقبل لها في دينها، ولا في أوطانها؛ بل هي أدواتٌ يعبَثُ بها من يعبَث.
لقد أدركَ الجميعُ أن مهمَّة هذه العصابات والجماعات المزرُوعة في منطقتنا، وفي مواقع الصراع والفتن، مهمَّتُها نشرُ الفوضَى، ومُشاغَبة الشرعية، وتوظيفُها أداةً بيدِ أعداء الأمة، وكلِّ من يُريد بها شرًّا وفُرقةً وطائفيَّةً، وبثًّا للقلق والفتن.
وفي هذا السِّياق والمسار جاءَت هذه الفئةُ الحوثيَّة الضالَّة المُنحرِفة في اليمَن العزيز؛ لتُدمِّر كلَّ شيءٍ وتُسلِم قِيادَها لأعداءِ أهلِها وأبنائِها، ولتحمِل السلاحَ وتُعمِله في قتلِهم وتدميرهم، وهدم مساجِدهم ومدارِسهم وجامعاتهم ومرافقِهم، حتى وصلَ التطاوُل إلى شرعيَّة حكمهم، وإنزالهم حاكِمهم من كُرسيِّه. لم يسمَعوا للنداءات، ولم يستَجيبُوا لحوار، ومن يُفسِدُ بالقوة لا يُصلِحُه إلا القوة.
لقد حصلَ لهذه العصابة انتِصاراتٌ سريعةٌ أمام شعبٍ أعزَل، صاحبَه نشوةُ انتِصارات، قادَتْه إلى الهلاك والإهلاك. كانوا حُفاةً عُراةً، مساكِنُهم الكُهوف، وكان اليمَن الشقيقُ قد دخلَ في اضطِرابٍ وعدمِ استِقرار.
استغلَّت هذه العصابةُ واستُغِلَّت، استغلُّوا ضعفَ الدولة، وأعانَهم قومٌ آخرون وكانوا هم الطرفَ المُسلَّح، فتواطَأوا مع بعض الخونَة، فزحَفُوا حيث زحَفُوا، حتى دخلوا عاصمة البلاد بتواطُئٍ مُشين، وهنا غرَّهم ومن وراءَهم هذا الانتِصار السريع، وظنُّوا أن اللُّقمةَ سائِغة. فتمادَوا في احتِقار الآخرين والتندُّر بهم، وأخذُوا يُهدِّدون ويُرعِدون ويُبرِقون في المنطقة، ودول الجِوار يُهدِّدونَها في وجودها واستِقرارها.
وما علِموا أنهم عصاباتٌ لا يُمكنُ أن تكون بحجم من يُواجِهُ دولة، فضلاً عن أن يُواجِهوا تحالُف الحقِّ.
معاشر المسلمين:
ووقفةٌ مع هذه العصابة وأخواتها في مواقع الفتن: ماذا قدَّموا؟ وماذا جلَبُوا؟ وهل جلَبُوا إلا الفُرقة والحزبيَّة والتعصُّب وقسوة العيش؟
عصاباتٌ لا تفهَمُ أن الأوطانَ لا تُديرُها النَّزوات والطُّموحات المارِقة، لا تستوعِبُ أن استِخدامَ السلاح ضدَّ أهل الوطن لا يُمكنُ أن يجلِبَ سلامًا، أو يُحقِّق استِقرارًا، فضلاً عن أن يبنِيَ حُكمًا.
عصاباتٌ لا تُدرِكُ آثارَ فِعالِها؛ لأن من يؤزُّهم تتغيَّر مصالِحُه، وتتبدَّلُ موازينُه، وتختلِفُ حساباتُه. إنها الطائفيَّةُ البغيضَة وأطماعُ غُويلِمَة السياسَة، ممن رضُوا بأن يكونوا خنجَرًا بيدِ الطامِعِين الحاقِدين، يكونوا خنجرًا في خاصِرة بلادهم وشعبِهم.
طائفيَّةٌ بغيضة، وعصبيَّةٌ مقيتة، ما دخلَت بلدًا إلا فرَّقَته، وما تمكَّنت من شعبٍ إلا مزَّقَته، وما تمكَّنت من فِكرٍ إلا شتَّتَتْه. من استعزَّ بها ذلَّته، ومن استغنَى بها أفقرَته، ومن استقوَى بها أضعَفَته، ومن استعلَى بها أهانَته. طائفيَّةٌ لا تبنِي دارًا، ولا تعمُرُ أنصارًا، ولا تُؤسِّسُ دولاً؛ بل تُذكِي حروبًا، وتُمزِّقُ شعوبًا، وتُفرِّقُ قلوبًا.
أيها الإخوة في الله:
هذا حديثٌ عن الطائفيَّة والعصبيَّة، وليس عن الطائفة والمذهب، أو الفرقة أو القبيلة. فوجودُ المذاهبِ والفِرق والقبائل في الناس سُنَّةٌ من سُنن الله، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 62]، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود: 118، 119].
ومن هنا، فمن المهمِّ - عباد الله - في أوقاتِ الفتن والأزمَات، من المهمِّ تحديدُ العدُوِّ؛ ففي أيام الفتن والمِحَن تختلِطُ الأوراق، وتلتبِسُ المفاهِيم، ومن لم يُحدِّد عدوَّه وخصمَه يكثُرُ أعداؤُه، ويزيدُ غُرماؤُه، ولا يُحقِّق هدفَه ولا يبلُغ مقصِدَه.
ومن أجلِ هذا، فإن الخلافَ في هذه الأزمَات ليس مع الطوائِف، ليس مع الشيعة أو التشيُّع. معاذَ الله أن يكون حبُّ آل البيت - رضوان الله عليهم أجمعين، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيِّدنا ونبيِّنا وأبيهم محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، معاذَ الله أن يكون ذلك مصدرَ قلقٍ، فضلاً عن أن يكون سببَ تمزيقٍ وتقطيعٍ وفتنةٍ.
الخلافُ خلافُ سياسات، خلافُ توسُّع وتمدُّد وأطماع، وسُوءُ علاقاتٍ مع الجِيران، وحقِّ الجِوار، وأدبِ الجِوار، وحقِّ الإسلام، وأدبِ الإسلام. فالفِرق والمذاهِب موجودٌ أكثرُها منذ العصور الأولى للإسلام، مع ما يُحفَظ من الحِرص على الدعوة وبيان الحقِّ بالحِكمة والموعِظة الحسنة، والجِدال بالتي هي أحسن.
ولكن العداءَ والحروبَ والنِّزاعات القائمة اليوم هي بسببِ هذا التطاوُل؛ لتوظيف الطائفية، وانتِهاك حقوق الدول والشعوب، وإذكاء نيران التعصُّب، من خلال وسائل الإعلام بأنواعها، ودفع هذه العصابات وتزويدها بالسلاح، ليتقاتَلَ أهلُ البلد الواحد والأمة الواحدة.
وحاشَ ثم حاشَ أن يكون آلُ البيت - رضوان الله عليهم - ومن يُحبُّهم ويُوالِيهم، حاشاهم أن يرَضَوا أو يقبَلوا أن يُهانَ المُسلمون، وأن يُذلُّوا، وأن يُشتَّت شملُهم أو تُمزَّق ديارُهم، وتُقطَّع أوصالُهم.
ولسنا ممن يتَّخِذُ الدين أو المذهبَ أو العِرق وسيلةً لتفريقِ المُجتمعات، أو إثارةِ النَّعَرات، أو إذكاء العصبيَّات، أو إحياء العُنصريَّات.
كيف وديننا يُخاطِبُ الناسَ كلَّ الناس بقولِه - عزَّ شأنُه -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].
وبعد، حفِظَني الله وإياكم: فلتمتدَّ الأيدي إلى هذه الدولة المُبارَكة التي تودُّ الخيرَ للجميع، وخيرُها - بفضل الله - عمَّ الجميع، سياستُها تتَّسِمُ بالمُرونة والتسامُح والتغاضِي والرَّزانة في كل ما يحدُثُ حولَها، ولكنَّها اضطُرَّت للخروج عن مسارِها لحالٍ اقتضَى ذلك، فقسَت ليزدجِرُوا، وحزَمَت من أجل تعديل مسارِ الذين انحرَفُوا عن الجادَّة. من أجل الجميع وسلامة الجميع، وحقِّ الأمة، وخير الأمة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المائدة: 11].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، الحمدُ لله الواحد القاهِر، الأول والآخر، أحمدُه - سبحانه - على إنعامِه الوافِر، لا يُحصِي نعمَه مُحصٍ ولا يحصُرُها حاصِر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً مُدَّخرةً ذُخرًا لليوم الآخر.
وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُجتبَى من أشرف العناصِر، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه نجومِ الاهتِداء لكل سائر، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ممن يرجُو اللهَ واليوم الآخر، وسلَّم التسليمَ المزيدَ المُتكاثِر.
أما بعد، أيها المسلمون:
تحالُفٌ وحزمٌ جمعَ الأمة، ووحَّد الكلمة، وتحوَّل فيه الوطنُ إلى قلعةٍ حصينةٍ، ووحدةٍ متينةٍ خلف جيشِهم الباسِل. دينٌ ووطنيَّةٌ تجلَّتَا حين ألمَّت بالبلد أزمة؛ نُصرةً لدين الله، وحِفظًا للبلاد، وقيامًا بحقِّ الجِوار. التَحَمَت - بفضل الله - الجبهاتُ الداخليَّةُ والخارجيَّةُ، فكانت هي السدَّ المنيع قلوبًا ومشاعِر، وأفعالاً وألسِنةً.
في تحالُفٍ عربيٍّ إسلاميٍّ مُبارَك، تقودُه الرياض سياسيًّا وعسكريًّا، يقودُه سلمان الوحدة والتسامُح والاجتماع، سلمانُ الحزم والعزم، سلمانُ العزَّة والكرامة، رجُلُ الإرادة والإدارة، عميقُ الإدراك لقضايا أمَّته الإسلامية والعربية، دؤُوبُ العمل، كتُوم التصرُّف، دقيقُ الفَهم، شُجاعُ القرار.
دولةٌ مُبارَكة، السلامُ ديدَنُها، ومن كان السلامُ ديدَنَه فلن يتمادَى في مواجهةٍ حربيَّةٍ فُرِضَت عليه.
لم يكُن هدفُ "عاصفة الحزم" القضاءَ على أحدٍ؛ بل بسطَ السلام، وتعزيزَ الشرعيَّة، ودفعَ الجميع لحوارٍ ينتظِمُ الجميع.
إخوتَنا في اليمَن السعيد الشقيق! لقد قالت لكم "عاصفة الحزم": ويعودُ الأملُ بإذن الله.
انتهَت "عاصفة الحزم"، وبقِيَ لديكم عاصفةُ الحَسم، إن من ساعَدَكم هو من أجل أن تُشمِّروا عن سواعِدكم وتحرير إرادتِكم، التدخُّل كان ضروريًّا لتعتدِلَ كِفَّةُ الميزان. أملٌ لإخواننا في اليمَن يُحوِّلونه إلى واقِع، يُبدِّلوا ما هم فيه من نزاعاتٍ وخلافاتٍ تسحَقُهم وتُدمِّرهم، إلى مشروعِ سلامٍ وإعمارٍ، في كفاحٍ من أجل الإصلاح، بعزمٍ وحزمٍ، وأملٍ وعملٍ. إعادةُ الأمل من أجل يمَنٍ عربيٍّ مُسلم.
وبعد:
فيا سلمان الأمل! ويا أيها التحالُف المُبارَك! إن الأمة تنتظِرُ عواصِف حزمٍ لاجتِثاثِ التطرُّف والإرهاب والطائفيَّة والعُنصريَّة والفقر والفساد، وينتظِرون ناطِقًا رسميًّا، ومُتحدِّثًا إعلاميًّا يُحدِّث بمِصداقيةٍ عن كل ما يتمُّ تحقيقُه من نفعٍ ودفعٍ.
فقد أسمَعتُموهم لغةً إعلاميَّةً علميَّةً هادِئة، مُتواضِعة، بعيدةً عن التشنُّج والتَّهوِيل والعواطِف والشِّعارات، علَّمتُموهم لغةَ الأرقام والإحصائيات والخرائِط والمواقِع، في احترامٍ غير معهودٍ في لغة المنطقة وإعلامها، وبخاصَّةٍ أيام الحُروب والمعارِك والخُصومات.
تكلَّمتُم بلُغة الحقائِق أولاً بأول، احترمتُم المُستمِع والمُشاهِد واحترمَكم، وقدَّرتُم الشعوبَ والحكومات وقدَّرُوكم، ابتعَدتُّم عن الطائفية الإقليميَّة الضيِّقة. لغةٌ راقيةٌ أدارَت الأزمةَ بنجاح مُنقطِع النظير.
فبارَك الله في الجهود، وسدَّد الخُطَا، وحقَّق النصر، وحفِظَ الأمة. وبارَك الله لهذه الدولة المُبارَكة تجدُّدها وحيويَّتها، فهي دولةٌ مُتجدِّدة مُحافِظة، ذاتُ مُبادراتٍ حكيمةٍ وقويَّةٍ، ترسُمُ الخُطوطَ لأجيال المُستقبَل، وتضعُ أولويات البلاد في مُقدِّمة اهتمامها، في ظلِّ ظروف المنطقة المُحيطة.
ثباتٌ وتجدُّد، ثباتٌ على ثوابِت الدولة وأصولها المُنطلِقة من كتاب الله وسُنَّة رسولِه محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتثبيتِ أركان الحُكم وقوَّته وحيويَّته، بما يُعزِّز مكانةَ الدولة إقليميًّا ودوليًّا، ومُواصَلَة مسيرة التطوير والتحديث والبناء والنَّماء.
بارَك الله في هذه الدولة، وأعانَ المسئولين على مسؤولياتهم، وجعلَهم عونًا وسندًا، ووفَّق وليَّ أمرنا لما يُحبُّه ويرضاه، وسدَّده وأعانَه، ورزقَه البِطانةَ الصالحة التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، وأجرَى الخيرَ على أيديهم، في حزمٍ وعدلٍ ورحمةٍ وإحسانٍ.
وإننا إذ نُبايِعُ وليَّ العهد ووليَّ وليِّ العهد على كتابِ الله وسُنَّة رسولِه محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، والسمع والطاعة، نسألُ الله العليَّ الكريمَ أن يجعلَ في هذا الاختيار خيرًا للبلاد والعباد، وأن يُوفِّقهما ويُسدِّدهما ويجعلَهما خيرَ عضُدٍ لوليِّ الأمر - حفِظه الله وحفِظَهم -، إنه سميعٌ مُجيب.
اللهم إن في تدبيرِك ما يُغنِي عن الحِيَل، وفي عفوِك ما يمحُو الزَّلَل، وفي كرمِك ولُطفِك ما يُحقِّقُ الأمل، اللهم فبقوَّة تدبيرِك، وعظيمِ عفوِك، وسَعَة حلمِك، وفيضِ كرمِك، انصُرنا، اللهم انصُرنا وأيِّدنا واحفَظنا ونجِّنا والطُف بنا، واكفِنا شرَّ كل ذي شرٍّ، جلَّ ثناؤُك، وتقدَّسَت أسماؤُك، ولا إله غيرُك.
اللهم إنا نستودِعُك دينَنا وبلادَنا ووُلاةَ أمرنا وجيشَنا وأهلينا، اللهم أنت عضِيدُ تلك النواصِي، ونصيرُ عبادِك، اللهم فزِدهم قوَّةً إلى قوَّتك، ونصرًا إلى نصرِهم.
اللهم إنا نستودِعُك اليمَن وأهلَه، اللهم احقِن دماءَهم، ورُدَّ عليهم أمنَهم، وابسُط العيشَ الكريم في ديارِهم.
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -، وصلُّوا وسلِّموا على عبدِ الله ورسولِه: نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فقد أمرَكم بذلك ربُّكم، فقال - عزَّ قائلاً كريمًا -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأزواجه وذريَّته، وعلى أصحابِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.