الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
احذروا من فتنة الجهال والمضلّلين الذين كثر وجودهم في هذا الزمان، وتيسرت لهم الطرق لبث شرهم، وترويج باطلهم، عن طريق بعض الصحف والمجلات، وعن طريق الكتب والنشرات، وعن طريق كثير من الإذاعات، وهم طوائف مختلفة، لكنها متفقة على قصد تضليل المسلمين، وإفساد عقائدهم وأخلاقهم. وقد يكونون مجندين لذلك من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله -عزّ وجلّ- الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، حرَّم القول عليه بلا علم، وجعله عديلاً للشرك، فقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، حذر من الكذب عليه، فقال: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار" صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين حفظوا الكتاب والسنة، وبلغوهما لمن بعدهم بأمانة وصدق وإخلاص، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
أما بعد:
أيُّها الناس: اتَّقوا الله، واحذروا من فتنة الجهال والمضلّلين الذين كثر وجودهم في هذا الزمان، وتيسرت لهم الطرق لبث شرهم، وترويج باطلهم، عن طريق بعض الصحف والمجلات، وعن طريق الكتب والنشرات، وعن طريق كثير من الإذاعات، وهم طوائف مختلفة، لكنها متفقة على قصد تضليل المسلمين، وإفساد عقائدهم وأخلاقهم.
وقد يكونون مجندين لذلك من قبل منظمات كافرة سرية للقيام بهذا الغرض.
فطائفة من هؤلاء تستخدم الصحف والمجلات والكتب، لبث المقالات الإلحادية، والتشكيك في الدين وإفساد الأخلاق؛ كدعوة النساء للسفور والاختلاط، وترك الحجاب، وعرض أزياء اللباس الفاتن، وعرض صور النساء الكاسيات العاريات الفاتنات، وإغراء الشباب بعرض صور الفتيات الجميلات في المجلات الخليعة التي تروج في أسواقنا، وتباع في المكتبات المنتشرة بيننا، وحتى في البقالات.
وأعظم من ذلك الأفلام الخليعة، وأشرطة الفيديو التي انتشرت في كثير من البيوت والمحلات.
فاتَّقوا الله -أيها المسلمون- واحذروا هذه المجلات، وهذه الأفلام، وهذه الأشرطة، لا تتركوها تدخل بيوتكم، وتنتشر بين أبنائكم وبناتكم ونسائكم.
أتلفوا ما تجدونه منها، لتسلموا من شرها، وتجنبوا أولادكم خطرها، فإنها -والله- شر من الأمراض الفتاكة، والأوبئة الخطرة القاتلة، والسموم المهلكة.
فإن الناس لو سمعوا بحدوث وباء أو مرض خطير لعملوا كل ما يقدرون عليه من الاحتياطات للوقاية من هذا المرض، حفاظاً على حياتهم وصحة أبدانهم، فما بالهم يغفلون عن هذه الأمراض التي تصيب القلوب والعقائد والأخلاق، فيتركونها تنتشر بينهم، وتفتك فيهم.
وطائفة من هؤلاء المضللين تستهدف إفساد الدين والعقائد عن طريق كتابة نشرات بصورة نصائح ومواعظ تدس فيها الشر، وتبثها في المدارس والمساجد، وبعض الدوائر، وتحث على نسخها، وتوزيعها بين الناس.
وقد تكتب فيها بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لأجل الخداع والتمويه، وتدس معها من الكذب على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى أهل العلم الشيء الكثير، وتضمنها كثيراً من الخرافات والوعد والوعيد المكذوبين.
وبعضها يكون على شكل أدعية وأوراد، وبعضها على شكل نصائح، وحث على الخير، وتحذير من المعاصي، ويخلط معها من الأحاديث المكذوبة، والخرافات المضللة، ما لا يتنبه له إلا أهل البصيرة والعلم، ومن ذلك النشرة التي عنوانها: "عقوبة تارك الصلاة" قال فيها كاتبها: روي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "من تهاون بالصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة" ثم عدَّها، وحثَّ في آخرها على نسخها وتوزيعها وقراءتها على المسلمين، ثم قال: "الفاتحة لفاعل الخير" أي: اقرأوا سورة الفاتحة للذي كتبها.
وهذا الحديث الذي نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عقوبة تارك الصلاة حديث باطل مكذوب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما بيَّن ذلك أهل العلم -رحمهم الله-.
فصاحب هذه النشرة يروج الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويأمر الناس بترويجه، ويحثهم عليه -نسأل الله العافية-.
ومما يدل على سوء قصده: أنه ترك الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة الواردة في بيان عقوبة تارك الصلاة، وأخذ هذا الحديث المكذوب، وكتبه وروجه، وأمر الناس بإحياء البدعة، وهي قراءة الفاتحة لفاعل الخير؛ لأن قراءتها بهذا القصد بدعة، وهو قصده نشر الكذب، وإحياء البدع.
ومما يدل على ذلك: حرصه الشديد، وحثه على نسخ هذه النشرة، وقراءتها وتوزيعها على المسلمين.
وهناك نشرة ثانية كتب فيها مروجها ثلاث آيات من القرآن الكريم، أولها: قوله تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ) [الزمر: 66].
وكتب في آخرها، يقول: "من وزعها يحصل له كذا من الخير بعد أربعة أيام، ومن أهملها يعاقب بكذا من العقاب".
وحث على إرسال خمس وعشرين نسخة منها إلى من هو بحاجة عليها.
وكاتب هذه النشرة دجال مضلّل، يفتري على الله الكذب، ويستهين بكلام الله -عزّ وجلّ-، حيث كتب هذه الآيات الكريمة، وخلطها مع الكذب والخرافة، فإن دعواها أن من كتب هذه الآيات ووزعها، وأرسل منها خمساً وعشرين نسخة إلى شخص آخر يحصل له كذا من الخير بعد أربعة أيام، ومن لم يفعل يحصل له كذا من الشر.
وهذا من أعظم الكذب على الله، وهو ادّعاء لعلم الغيب، فإنه لا يعلم ما يحصل للناس في المستقبل من الخير والشر، والثواب والعقاب، إلاَّ الله -سبحانه وتعالى-.
ثم إن تحديد الثواب والعقاب على الأعمال لا يثبت إلاَّ بدليل صحيح عن الله ورسوله، ولم يرد عن الله ورسوله أن من كتب كذا من الآيات القرآنية ووزعه يحصل له كذا من الثواب، ومن لم يكتبه يحصل كذا من العقاب، وإنما هذا من افتراء هذا الدجال الخبيث، وغرض هذا وأمثاله إشغال الناس بالحكايات المكذوبة، والخرافات الباطلة، وصرفهم عن الحق، وغرس العقائد الخرافية، والأباطيل الشركية، في نفوس المسلمين، والقضاء على العقيدة الصحيحة؛ لأن الخرافيين لا يتمكنون في هذه البلاد -والحمد لله- من إلقاء الباطل على الناس مشافهة ومصارحة، فعدلوا إلى هذه الطريقة الخبيثة التي لا يتنبه لها الجهال، والذين قد تغريهم الوعود المزيفة، ويؤثر فيهم الوعيد الكاذب، لا سيما إذا خلطوا ذلك بكتابة شيء من القرآن معه، على طريقة الكهان الذين يصدقون في كلمة، ويكذبون معها مائة كذبة، لأجل الفتنة.
فاتَّقوا الله -عباد الله- واحذروا هؤلاء المخرفين ودسائسهم، وحرقوا نشراتهم وأتلفوها، وبلغوا عنهم ولاة الأمور، وإياكم والاغترار بما ينشرونه أو المشاركة في نسخه وتوزيعه.
ومن سبق أن شارك في نشرها وتوزيعها، فليتب إلى الله، ولا يعد لمثل هذا.
وهناك بعض الشباب المحبين للخير، ولكن عندهم جهل بالأحكام الشرعية يقومون بنسخ بعض المواعظ، أو نقل بعض الأحاديث من الكتب، أو نسخ بعض الفتاوى التي قد تكون مغلوطة، أو غير محررة، أو تكون فتاوى خاصة لا ينبغي نشرها وتعميمها.
فينشرون هذه الأشياء بين الناس في المساجد والمدارس والمكاتب، أو يلصقونها على الأبواب والجدران، فينشأ عن ذلك بلبلة الأفكار والتشويش على الناس في أمر دينهم، أو ترويج الباطل والخطأ، فتنبهوا لذلك -وفقكم الله-.
واعلموا أن هناك جهة مسؤولة يرجع إليها في كل ما يطبع وينشر مما يتعلق بأمور الدين، وهي: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
فكل نشرة أو كتاب أو فتوى ليس عليها موافقتها لا يجوز ترويجها ونشرها.
وهي قائمة بهذا العمل خير قيام.
نسأل الله أن يوفق القائمين عليها، ويعينهم على نصرة الحق، وقمع الباطل وأهله.
فاتَّقوا الله -عباد الله-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه الكتاب والحكمة فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيُّها الناس: اتقوا الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة.
وإذا كان كذلك، فجميع العبادات والأحكام والثواب والعقاب لا يثبت شيء، ولا يجوز العمل به إلاَّ إذا دلَّ عليه دليل من كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تحصل معرفة ذلك بمجرد القراءة في الكتب، بل لا بدَّ من الرجوع إلى أهل العلم، قال تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 7].
فالعلم إنما يتلقى عن أهل العلم المختصين؛ لأن الله جعل العلماء ورثة الأنبياء، فهم المرجع الذي يرجع إليه المسلمون بعد الأنبياء في أمور دينهم.
وليس المرجع إلى الكتب وحدها، ولا إلى الجهال والمخرفين.
وعلى هذا، فلا يجوز نقل الأحاديث أو المواعظ أو الفتاوى من الكتب، ونشرها وتوزيعها دون رجوع إلى أهل العلم.
وإذا كان لا يجوز أخذ الأدوية واستعمالها دون رجوع إلى الأطباء خشية من ضررها، ووضعها في غير مواضعها؛ فمسائل العلم من باب أولى؛ لأن الجاهل قد ينقل من الكتب ما هو باطل وضلال، وهو لا يدري، وقد ينقل منها ما هو منسوخ لا يجوز العمل به، أو متشابه يحتاج إلى بيان وتفصيل، فيضل الناقل ويضل غيره، وهو لا يدري.
ولا يكفي حسن القصد وسلامة النية، فقد قال الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103 - 104].
وقد يكون من بين هؤلاء الذين يروجون هذه النشرات من يقصد الدس وإفساد العقائد باسم الوعظ والتذكير.
فالواجب الحذر والقضاء على هذه الظاهرة السيئة، وعدم تمكين هؤلاء من وضع هذه النشرات في المساجد وغيرها سداً للذريعة.
ومن أراد الخير ومعرفة الحق، فليتعلم في فصول الدراسة، وحلق العلم في المساجد، ويدرس الأصول المختصرة، فإن من ضيع الأصول حرم الوصول، فلا يسوغ للإنسان مطالعة الكتب إلاّ بعد إتقان هذه الأصول وضبطها؛ لأنها مفاتيح لأبواب العلوم، والله -تعالى- يقول: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [البقرة: 189].
فاتقوا الله -عباد الله- وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ... إلخ.