الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
العربية
المؤلف | محمد أكجيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إنه لمن الشقاء والخسارة أن لا يهتم الإنسان إلا بدنياه، لا يُسعده إلا نجاحه في امتحانها، ولا يُحزنه إلا إخفاقه في جمع حطامها. ونبينا – صلى الله عليه وسلم – يدعو ربه ويعلمنا فيقول: "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا"، كم من ممتحَن لم يدخل الامتحان حتى وافاه الأجل! وكم من ناجح متفوّق حُرِم لذة التفوّق ولم يرَ الشهادة!.. إن الموفق من العباد من يتذكر بمواقف الدنيا مواقف الآخرة العظام، الموفق من يتذكر بامتحانات الدنيا يوم السؤال والحساب، وما أعد الله فيه من الثواب والعقاب.. يوم يُسْأَلُ فيه كُلَّ عَبدٍ عَمَّا سَلَفَ وَكَان، ولا يفوز وينجح إلا أَهلُ التَّقوَى وَالإيمَانِ، يوم لا يُعادُ امتحانه ولا يُكَرَّرُ، ولا تُرَاجَعُ َنَتيجَتُهُ ولا تبدل...
الخطبة الأولى:
الحمد لله....
ففي هذه الأيام يستعد التلاميذ والتلميذات أبناؤنا وبناتنا لاجتياز امتحاناتهم الدِّرَاسِيَّة، في مرحلة من أهم مراحلهم التعليمية التربوية، مرحلة يستشعر الجميع أهميتها آباء وأمهات، وأسرًا وعائلات، ومدرسين ومؤسسات، تتبعًا لسيرها وتطلعًا إلى نتائجها ما بين خوف ورجاء، ثم ما بين فرح واستياء.
إنَّه امتِحَانٌ لِلمُجتَمَعِ كُلِّه، كل يختبر جهده وعطاءه، وما بذله لدينه ووطنه وما قدمه.
وهاهنا وقفات نستوضح بها الدروس والعبر والوصايا عظة للمتعظين وذكرى للمتذكرين، والذكرى تنفع المؤمنين.
عباد الله، إن نجاح أي أمة من الأمم إنما يكمن في نجاح تعليمها، وتفوق أبنائها في مختلف ميادينه ومجالاته، لذلكم جاء الأمر الأول في القرآن الكريم بالحث على القراءة والتعلم. حيث قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق: 1].
والنجاح الحقيقي لا يُقاس بالمعدلات المرتفعة المجردة، إنما يُقاس بمدى انعكاسها على سلوك أبنائنا وأخلاقهم وتربيتهم، ووعيهم وسعيهم في خدمة دينهم ووطنهم، وانشغالهم بمعالي الأمور لا بسفاسفها.
الامتحانات - عباد الله - تعلمنا أن العلم لا يُنال بالخلود إلى الراحة والكسل، إنما سبيله الجد والاجتهاد، كذلكم شأن كل أمر ذي بال في الحياة، لا يُنال إلا بالجد والمثابرة.
أبناءنا التلاميذ والتلميذات والطلاب والطالبات: لا ضير أن يكون للامتحانات في النفوس هيبتها، فلولاها ما نهضت الهمم ولا تحركت العزائم إلى التفوق والنجاح.
توكلوا على الله وسلوه التوفيق والنجاح، واستشعروا دائما أنه هو سبحانه المنعم المتفضل الوهاب، الذي ما ذكر في عسير إلا يسَّره، ولا كربة إلا فرَّجها، ولا مخافة إلا أمنها، ولا صعوبة إلا هونها: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [فاطر:2]. تعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة.
أبناءنا التلاميذ والتلميذات: هَذِهِ الامتِحَانَات لَيسَت النِّهَايَةَ الَّتي إِنْ رَبِحَتموها رَبِحتم كُلَّ شَيءٍ، وَإِنْ خَسِرتموهَا خَسِرتم كُلَّ شَيءٍ، فكم ناجح في الحياة لم يكتب له التفوّق في الدراسة، بل ولا اجتاز المرحلة الابتدائية، وَإِنَّمَا الخَسَارَةُ الحَقِيقِيَّةُ هِيَ خَسَارَةُ الآخِرَةِ، التي قَالَ الله عنها: (قُلْ إِنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم وَأَهلِيهِم يَومَ القِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ) [الزمر: 15].
أيها الأبناء الأعزاء: هذا أَوَانُ الجد والاجتهاد فاجتهدوا، ولكن ارفقوا بأنفسكم، (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195].
لا تحملوا أنفسكم من السهر والتعب ما لا تطيقون، فإن الله كان بكم رحيما، وإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، سبيلكم الأقوم، ومنهاجكم الأمثل: ما أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه سلمان حيث قال لأبي الدرداء -رضي الله عنهما-: "إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه".
فرّقوا الجهد على مراحل وفترات، ولا تجمعوا على أنفسكم مذاكرة شهور في شهر، ولا مذاكرة أسبوع في ليلة ويوم.
أبناءنا الأعزاء: تعاونوا وتراحموا وتعاطفوا، وإياكم والشحناء والبغضاء والحسد، ليحب كل لأخيه ما يحب لنفسه.
أبناءنا الكرام: إياكم وما لا يشرع لنجاحكم من الأسباب، احذروا الرفقة السيئة، عظوها وانصحوها، تجنبوا المنبهات الضارة المحرمة، إياكم والغشّ والتزوير؛ فإنه الخيانة وبِئس البطانة، اجعلوا نصب أعينكم دائما قول نبينا لأمته ناصحا ومحذرا: "مَن غَشَّ فَلَيسَ مِنَّا".
أبناءنا التلاميذ والتلميذات والطلاب والطالبات: مَا بُنِيَ عَلَى بَاطِلٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَمَا نَتَجَ عَنهَ فَلا خَيرَ فِيه وَلا بَرَكَةَ، وهو لا محالة زائل.
أيها الأبناء الكرام: الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله نعمة من الله، فإن وجدتم بعد الامتحان خيرًا فاحمدوا الله على فضله واشكروه على نعمته، واسألوه المزيد من جوده وكرمه، ولا تقولوا: نجحنا بحولنا وقوتنا ولا بذكائنا، إنما الفضل لله أولا وآخرا.
ومن وجد غير ذلك فليصبر، وليحمد الله على كل حال، فعسى درجة من الدنيا تفوت يعوض الله عنها درجات في الآخرة، إياكم والسب والشتم والغيبة، إياكم وأذية المدرسين؛ فلهم عليكم فضل كبير، فهم معلموكم ومربوكم، اذكرهم بالجميل، ومن قصر فليرد إلى نفسه التقصير، وليسأل الله أن يجبر له الكسر.
أبناءنا التلاميذ والتلميذات: إن تكونوا صغارَ اليوم فأنتم كبار الغد، وبقدر تحصيلكم وتفوقكم الدراسي تُوكل إليكم المسئوليات وتُناط بكم الأمور والمهمات، وعندئذ تنصرون دينكم وتخدمون وطنكم وتحققون طموحاتكم.
أيها الآباء والأمهات والمربون والمربيات الأكارم: رفقًا بالأبناء والبنات، ها هي أيامهم قد أقبلت وهمومهم قد عظمت، فخذوهم بالعطف والحنان، واشملوهم بالمودة والإحسان، أعينوهم على هموم الامتحان، خففوا عنهم التبعات، يسروا عليهم يسّر الله أموركم. علّموهم وأرشدوهم واشحذوا هممهم، (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195].
الخطبة الثانية:
الحمد لله....
إن الموفق من العباد من يتذكر بمواقف الدنيا مواقف الآخرة العظام، الموفق من يتذكر بامتحانات الدنيا يوم السؤال والحساب، وما أعد الله فيه من الثواب والعقاب: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران: 30].
يوم يُسْأَلُ فيه كُلَّ عَبدٍ عَمَّا سَلَفَ وَكَان، ولا يفوز وينجح إلا أَهلُ التَّقوَى وَالإيمَانِ، (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر:92، 93]، (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ) [الأعراف:6-9]، يوم لا يُعادُ امتحانه ولا يُكَرَّرُ، ولا تُرَاجَعُ َنَتيجَتُهُ ولا تبدل (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الرعد:41].
إنه لمن الشقاء والخسارة أن لا يهتم الإنسان إلا بدنياه، لا يسعده إلا نجاحه في امتحانها، ولا يحزنه إلا إخفاقه في جمع حطامها. ونبينا – صلى الله عليه وسلم – يدعو ربه ويعلمنا فيقول: "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا".
كم من ممتحَن لم يدخل الامتحان حتى وافاه الأجل!! وكم من ناجح متفوّق حُرِم لذة التفوّق ولم يرَ الشهادة!!
ألا فلنحرص عَلَى النَّجَاحِ في يَومٍ يُسأَلُ فِيهِ المَرءُ "عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ، وَعَن شَبَابِهِ فِيم أَبلاهُ، وَعَن عِلمِهِ مَا عَمِلَ فِيهِ، وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ".
اللهم اجعَلنَا مِنَ الفَائِزِينَ في الامتِحَانِ الأَكبرِ يوم لقائك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
اللهمَ وَفَّقَ أَبنَاءَنَا وبناتنا وَيَسَّرَ أَمرَهُم وبلغهم من الخير والنجاح فوق مَا يَرجونَ ويأملون، اللهم اجعلهم قرة عين لأهليهم ووطنهم وسائر أبناء وبنات المسلمين.