البحث

عبارات مقترحة:

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

مرحبا شعبان

العربية

المؤلف توفيق الصائغ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك -
عناصر الخطبة
  1. سرعة مرور الأيام .
  2. الترحيب برمضان .
  3. هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في شعبان .
  4. فضل العبادة في أوقات معينة وبعض الشواهد على ذلك .
  5. فضل العبادة في شهر شبعان .
  6. استعداد السلف لرمضان من شعبان .
  7. التواصي بالحق والصبر عليه .

اقتباس

ما أجمل أن تكون هذه الطاعة في وقت يغفل فيه الناس بين رجب ورمضان، وفي ذات اللحظة يشتد فيه الحر والهجير والأجر، كما تعلمون على قدر النصب، يطول فيه النهار الذي تبلغ فيه درجة الحرارة خمسين، أو دونها بشيء يسير، ويبقى الصائم متعبدا لله في...

الخطبة الأولى:

(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 61 - 62].

أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهْ

وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي أَسْتَغْفِرُهْ

وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى نَيْلِ الرِّضَا 

وَأَسْتَمِدُّ لُطْفَهُ فِي مَا قَضَى

وَبَعْدُ إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ 

شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ

بِالْحَقِّ مَأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ 

مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ

وَأَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحَمَّدَا 

مَنْ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى

رَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ 

بِالنُّورِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ

صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا 

وَالْآلِ وَالصَّحْبِ دَوَامًا سَرْمَدَا

اللهم صل وسلم وبارك وزد وأنعم وعلى آله وصحابته وعترته.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:

ما أسرع الأيام في تقضيها، ما أسرع الساعات في تمضيها، غدت السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كسائر أيامنا، سرعة يشتكي منها الصغير والكبير.

لقد افتقدنا بركة الزمن إلا شيئا قليلا، وهذه السرعة التي نشتكي منها تظل سرعة بطيئة بطيئة في درك ذلك الشهر الذي نترقبه وننتظره: "شهر رمضان العظيم".

لوَّحت يا رمضانُ بالخيراتِ

وغمرتنا يا رائع النفحات

بالأمس غبتَ فأدبرت أفراحنا

واليوم عُدتَ فمرحباً بالآتي

نعم، الساعات سريعة، والأيام أسرع، ولكن مع ذلك تظل بطيئة إذا ما قرنت بالشوق الذي يعتلج في قلوبنا، والذي يختلط بنياطي قلوبنا.

املَأ الدُّنْيَا شُعَاعًا

أَيُّهَا النُّورُ الحَبِيبْ

اسْكُبِ الأَنْوَارَ فِيهَا

مِنْ بَعِيدٍ وَقَرِيبْ

ذَكِّرِ النَّاسَ عُهُودًا

هِيَ مِنْ خَيْرِ العُهُودْ

يَوْمَ كَانَ الصَّوْمُ مَعْنًى

لِلتَّسَامِي وَالصُّعُودْ

يَنْشُرُ الحُرْمَةَ فِي الأَرْ

ضِ عَلَى هَذَا الوُجُودْ

يَفْتَحُ الأَرْوَاحَ لِلْحُبِّ

وَيَمْضِي بِالصُّدُودْ

وَتَكَادُ العَيْنُ أَنْ تَنْظُرَ

مِنْ خَلْفِ الحُدُودْ

وَتَكَادُ اليَدُ أَنْ

تَلْمَسَ أَسْبَابَ الخُلُودْ

هُوَ عَهْدٌ قَدْ تَقَضَّى

كُلُّهُ بِرّاً وَجُودْ

لا -أيها الإخوة- خطيبكم لم يختلط، أنا أعرف أن هذه الجمعة هي الأخيرة من رجب، وأننا بين يدي شعبان، وبيننا وبين رمضان برزخ فيه ثلاثون يوما، أو تزيد، لكنني مع ذلك يطيب لي في جمعتي هذه: أن تكون هذه الجمعة مقدمة بين يدي رمضان، ويطيب لي أيضا أن أرحب بالشهر الذي ننتظره، والظرف الذي نحبه.

هَلا رَمَضَانُ يَا شَهْرَ الدُّعَاءِ

وَشَهْرَ الصَّوْمِ شَهْرَ الأَوْلِيَاءِ

وَمَرْحًا يَا حَبِيبَ الْقَلْبِ مَرْحًا

سَأُهْدِيكُمْ نَشِيْدِي بِالثَّنَاءِ

قِيَامُكَ لَمْ يَجِدْ فِي اللَّيْلِ نِدًّا

وَصَوْمُكَ تَاجُهُ نُورُ الْبَهَاءِ

وَكَمْ لِلَّهِ مِنْ نَفَحَاتِ خَيْرٍ

بِمَقْدَمِكَ السَّعِيْدِ أَخَا السَّنَاءِ

وَرَحْمَتُهُ تُحِيطُ بِكُلِّ عَبْدٍ

يَتُوْبُ وَيَرْتَدِي ثَوْبَ الدُّعَاءِ

أيها المباركون: نحن بين يدي شعبان الذي رأى فيه أسامة بن زيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عن أسامة وأبيه، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم ثم ارتقبه، فإذا هو يصوم ويسرد الصوم، حتى لا يكاد يفطر صلوات الله وسلامه عليه.

قال أسامة: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال المطيبة الأفواه بالصلاة والتسليم عليه: "ذاك شهر تغفل فيه الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".

يا لله! غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك يسرد الصلاة والصيام، ولا يتخلف عن باب من أبواب العبادات، حتى يكون له فيه قصد السبق صلوات الله وسلامه عليه.

تقول عائشة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان" [أخرجه البخاري ومسلم].

شهادات أم المؤمنين متضافرة متتابعة: أن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يفوت شعبان إلا وهو يقضيه بالصيام، هذه أم سلمة تقول: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان".

لقد خفي عليها: أنه ربما فطر في بعض شعبان من كثرة ما كان يصوم صلى الله عليه وسلم الشهادة خارج محيط حجرات أمهات المؤمنين متضافرة أيضا، فهذا أنس -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم ولا يفطر، حتى نقول ما في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم، حتى نقول ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان".

لقد ذهب بعض أهل العلم مذهبا قصيا، فخرجوا عن ظاهر النص في تفضيل صوم شهر الله المحرم بعد رمضان، فقالوا: إن صيام شعبان أحب إلى الله من صيام شهر الله المحرم، ذلك أن شعبان مقدمة بين يدي رمضان، وما جاور الشيء أخذ حكمه.

لماذا يا رسول الله كنت تصوم شعبان تصومه كله إلا قليلا؟

قال عليه الصلاة والسلام: "ذاك شهر تغفل فيه الناس عنه بين رجب الحرام، وبين شهر الصيام ترفع فيه الأعمال إلى الله، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".

لم يكن صلى الله عليه وسلم يترك صيام يوم الخميس أو يوم الاثنين؛ لأنهما يومان ترفع فيهما الأعمال إلى الله، لذلك يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرفع عمله وهو صائم.

وفي الوقت الذي يتجلى فيه الله -جل جلاله- فينزل إلى سمائه الدنيا، لا يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون هذا الوقت خلو من عبادة يؤديها، أو طاعة يرددها، أو قرآنا يتلوه، أو ذكرا يراجعه، إذا انتصف الليل، وذهب هزيعه، ولم يبق إلا الثلث الأخير منه، نصب الأقدام صلى الله عليه وآله وسلم.

إذاً الأوقات الفاضلة لا بد أن تعمر بالطاعات والعبادات، والأوقات التي يغفل الناس فيها عنها كذلك، هي أشد توكيدا في عمارتها بالطاعات.

ما أفضل التقرب إلى الله -تبارك وتعالى- في وقت تذهل فيه الناس، أو ينشغل الناس فيها بدنياهم.

اسمع -رعاك الله- إلى هذا الحديث الذي رواه ابن عمر -رضي الله عنه وعن أبيه- قال: "مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصلاة العشاء الأخيرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا ندري أي شيء أشغله، أشغل في أهله، أو غير ذلك، لكنه حين خرج، قال: "إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم في هذه الساعة" [أخرجه الإمام مسلم].

تقرر عند العلماء: أن أفضل الطاعات وقعا وأكثرها محبة إلى الله: أن تعبد الله أو تطيعه أو تذكره في الوقت الذي يغفل فيه الناس، ويتشاغلون بدنياهم، لذلك كان داخل السوق الذي هو محل الغفلات، والاشتغال بالصفق، والبيع والشراء، كان عابا من الحسنات، إذا ذكر الله -تعالى-، فعند من يصحح الأثر: "من دخل السوق، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتا في الجنة".

ذكر يسير، وأجر كبير، لكن العلة والسر: أن الأسواق التي هي أبغض البلاد إلى الله، كما صح بذلك الخبر عن رسول الله، هي موطن الغفلات، وذاكر الله في هذا الوقت يستحق هذا الأجر الكبير.

إن الذي يتقرب إلى الله -جل وعلا- في الهرج في أزمان الفتن: أن الله -تعالى- يدخر له اجرا كبيرا، قال عليه الصلاة والسلام: "للعامل منهم أجر خمسين منكم".

الخطاب للصحابة -رضوان الله عليهم- "للعامل منهم -أي في أزمان الفتن في وقت الهرج- أجر خمسين منكم إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون".

لذلك كان من عادة السلف: أنهم يحيون ما بين العشائين إذا صلى أحدهم المغرب بقي في مصلاه راكعا ساجدا؛ لأنه وقت يكثر فيه القيل والقال، وتكثر فيه الغفلة.

المنفرد بالطاعة -عباد الله- يدفع النقمة عن أهل الأرض، قال بعض السلف: "ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمل فئة منهزمة، ولولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس، وحملوا عليه قول الحق -جل ثنائه-: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [البقرة: 251].

قالوا: "دفعه عن العصاة، بأهل الطاعة".

قال ابن رجب: وفي الأثر "إن الله يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله".

وما أجمل أن تكون هذه الطاعة في وقت يغفل فيه الناس بين رجب ورمضان، وفي ذات اللحظة يشتد فيه الحر والهجير والأجر، كما تعلمون على قدر النصب، يطول فيه النهار الذي تبلغ فيه درجة الحرارة خمسين، أو دونها بشيء يسير، ويبقى الصائم متعبدا لله في هذه المشقة! يا طوبى للصائمين!.

السلف -رحمهم الله- كانوا إذا جاء شعبان استعدوا لرمضان، يشرعون المصاحف، ويقدمون أعمال البر، ويصومون، ويذكرون الله كثيرا.

هذا عمرو بن قيس: "كان إذا دخل شعبان أغلق حانوته، وتفرغ لقراءة القرآن".

ما أحوجنا وما أحقنا بهذا الأدب من عمرو بن قيس؟

مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتُ فِيهِ

وهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ المُبارَكْ

فيَا مَنْ ضَيَّعَ الأوقَاتَ جَهْلاً

بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوَارَكْ

فَسَوفَ تُفَارِقِ اللَّذَّاتِ قَسْراً

وَيُخْلِي المَوتُ كَرْهاً مِنْكَ دَارَكْ

تَدَارَكْ مَا استطَعْتَ مِنَ الخَطايَا

بِتَوبَةِ مُخْلِصٍ واجْعَلْ مَدَارَكْ

على طَلَبِ السَّلامَةِ مِنْ جَحِيمٍ

فَخَيْرُ ذَوِي الجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم.

أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، يا طوبى للمستغفرين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إنعامه، والشكر له على تفضله وامتنانه، ولا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم، وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحابته وإخوانه.

أما بعد:

(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1 - 3].

ما أحوجنا لئن نتواصى بالحق، وأن نتواصى على الصبر، ومن الحق الذي نتواصى به، والصبر الذي نتواصى عليه: أن يعين بعضنا بعضا على الصيام، وأداء سنة النبي العدنان في هذا الشهر الذي نستقبله.

اللهم بلغنا رمضان وأنت راض عنا.