المبين
كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...
العربية
المؤلف | عائض بن عبدالله القرني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة - السيرة النبوية |
الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو أعظم الناس، وإذا سمعت عن عظيم، فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما سمعت، إلا الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إنه أعظم وأعظم مما تسمع عنه، واليوم نتحدث عن جانب العبودية في حياته، كيف عاش عبداً، ما...
الخطبة الأولى:
أيها الناس: إن الأمم والشعوب والدول، تفتخر بعظمائها، وتبني بهم أمجادها، وتؤسس التاريخ لمنقذيها، وما علمنا، ولا عرفنا، ولا رأينا، رجلاً أسدى لبني جنسه ولأمته من المجد والعطاء والتاريخ، أعظم ولا أجل من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما ترى ما يفعل الإنجليز والألمان والفرنسيون والأمريكان بعظمائهم؟!
وعظماؤهم سفكة للدماء، ملاحدة وخونة، بنوا مجدهم على الجماجم والأشلاء، وسقوا زروع تاريخهم بدماء الضحايا والأبرياء، قتلوا الأطفال والنساء، وحاربوا الفضيلة والشرف، ونشروا العهر والرذيلة بين الشعوب.
فحرام حرام، أن يذكر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- مع هؤلاء، أو أن يجعل في مصافّهم، أو يقارن بهم، إنه صلى الله عليه وسلم من نوع آخر، إنه نبي وكفى، إنه رسول –صلى الله عليه وسلم- فحسب، تلقى تعاليمه من ربه -تبارك وتعالى-.
والعجيب أنهم من تعظيمهم لهؤلاء الجبناء، الأذلاء، الرخصاء، يُذرون على نبينا -عليه الصلاة والسلام-.
غريب هذا الأمر، وعجيب هذا التصرف.
إِذَا عَيَّرَ الطَّائِيَّ بِالبُخلِ مَادِرٌ | وَعَيَّرَ قِسًّا بِالفَهَاهَةِ بَاقِلُ |
وَقَالَ السُّهَا لِلشَّمسِ أَنْتِ كَسِيفَةٌ | وَقَالَ الدُّجَى لِلبَدرِ وَجهُكَ حَائِلُ |
فَيَا موتُ زُرْ إِنَّ الْحَيَاةَ ذَمِيمَةٌ | وَيَا نَفسُ جِدِّي إِنَّ دَهرَكِ هَازِلُ |
الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو أعظم الناس، وإذا سمعت عن عظيم، فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما سمعت، إلا الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إنه أعظم وأعظم مما تسمع عنه.
واليوم نتحدث عن جانب العبودية في حياته، كيف عاش عبداً، ما هي عبادته لله، كيف كانت صلاته، كيف كان يصوم، ما هو ذكره لله -تبارك وتعالى-.
الله -عز وجل- يمدحه في القرآن بالعبودية في أشرف أحواله، فيقول عنه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) [الإسراء: 1].
ويقول عنه: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) [الجن: 19].
ويقول أيضاً: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1].
محمد -صلى الله عليه وسلم- أعبد الناس لله، وأشدهم له خشية.
يقول الله له: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
يعني الموت، لا كما قال المنحرفون: "اعبد ربك حتى تتيقن بوحدانيته، ثم اترك العبادة، وقد كذبوا على الله، إنما المعنى: اعبد ربك في الشتاء والصيف، في الحل والترحال، في الصحة والسقم، في الغنى والفقر حتى يأتيك الموت: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) [المزمل: 1 - 5].
يا أيها المزمل: قم لإصلاح الإنسان، يا أيها المدثر في لحافه: قم لهداية البشرية، يا أيها المزمل في فراشه: قم لهداية الإنسانية، فقام عليه الصلاة والسلام، ثلاثاً وعشرين سنة، ما نام ولا استراح، أعطى الإسلام دمه ودموعه، أعطى الدعوة وماله وكيانه، أعطى الإسلام ليله ونهاره، فما نام ولا فتر ولا هدأ حتى أقام لا إله إلا الله.
يأتيه الحزن والهم والغم، فيقول: "أرحنا بها يا بلال" [أخرجه أبو داود ، وأحمد في المسند، وصححه الألباني].
أي بالصلاة.
تأتيه المصائب والكوارث، فيقول: "أرحنا بها يا بلال".
تأتيه الفواجع والزلازل، فيقول: "أرحنا بها يا بلال".
يموت أبناؤه وأحبابه وأصحابه، ويقتل جنوده، ويهزم جيشه، فيقول: "أرحنا بها يا بلال".
يقول: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" [أخرجه النسائي وصححه الألباني].
ما كان يرتاح إلا إذا قام يصلي، إذا قال: "الله أكبر، كبر بصوت تكاد تنخلع لصوته القلوب، فيضع يده على صدره فيكون الله أعظم من كل شيء؛ لأنه الكبير -سبحانه وتعالى- فيقف متواضعاً متبتلاً متخشعاً متذللاً أمام الواحد الأحد.
يقول عبد الله بن الشخير: "دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدته يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" [أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد في المسند].
و"المرجل" القدر إذا استجمع غلياناً.
ويقول حذيفة: "قام عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الليل بعد صلاة العشاء، قال: فدخلت معه في الصلاة فافتتح سورة البقرة، فقلت يسجد عند المائة، فختمها، فافتتح سورة النساء فاختتمها، فافتتح سورة آل عمران ثم اختتمها، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا استعاذ بالله ولا بتسبيح إلا سبح، قال: ثم ركع، فكان ركوعه قريباً من قيامه، ثم قام فكان قيامه قريباً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده قريباً من قيامه وركوعه، ثم صلى الركعة الثانية قريباً من الأولى" [أخرجه مسلم، وأحمد في المسند].
ما يقارب الست ساعات أو السبع ساعات مع الفقر والجوع، ومع الجهاد في النهار، ومع الزهد، ومع الدعوة إلى الله، ومع تربية الأطفال، ومع شئون البيت، ست أو سبع ساعات وهو يتبتل إلى الله، تفطرت قدماه، وتشققت رجلاه فتقول له زوجته عائشة -رضي الله عنها-: يا رسول الله كيف تفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً" [أخرجه البخاري ومسلم].
يقول عبد الله بن مسعود: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأطال حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه" [أخرجه مسلم].
الرسول -عليه الصلاة والسلام- قام ليلة من الليالي، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم بكى، ثم قال: ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله.
يسجد عليه الصلاة والسلام السجدة الواحدة مقدار ما يقرأ الواحد منا خمسين آية، ويركع الركعة الواحدة مقدار ما يقرأ القارئ منا خمسين آية، هذا في صلاة الليل، يدعو ويبكي إلى الصباح، حتى تسقط بردته من على كتفيه، كما في ليلة بدر، يناجي ربه، ويقرأ كتابه، ويتبتل إلى الله؛ لأن العبادة أقرب باب إلى الله.
ونحن -أيها المسلمون-: في سعد ورغد، في عيش رضي، في أمن وصحة، الموائد الشهية، الفلل البهية، المراكب الوطية، ومع ذلك نترك صلاة الجماعة إلا من رحم الله، أيُّ أمة نحن، أي قلوب نحملها، إذا لم نقم بالصلوات الخمس، كما أرادها الله - عز وجل -.
قال بلال كما روى ابن جرير وابن مردويه: مررت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل صلاة الفجر، فسمعته يبكي، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي هذه الليلة آيات، ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبرها قلت: ما هي يا رسول الله؟ فأخذ يقرأها ويبكي: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190 - 191].
كيف ترقى رُقيَّك الأولياء | يا سماءً ما طاولتها سماءُ |
إنما مثلوا صفاتك للناس | كما مثل النجوم الماءُ |
حنَّ جذعٌ إليه وهو جمادٌ | فعجيبٌ أن تجمد الأحياءُ |
كان عليه الصلاة والسلام يصوم، فيواصل الليل بالنهار، ثلاثة أيام وأربعة أيام، لا يأكل شيئاً فأراد الصحابة أن يواصلوا كما يواصل، فقال: "لا إنكم لستم كهيئتي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" [أخرجه البخاري ، ومسلم ].
لا يطعمه طعاماً، ولا يسقيه شراباً، إنما حكماً ومعارفاً، وفتوحاتٍ ربانية وإلهامات إلهية.
لَهَا أَحَاديثُ مِن ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا | عن الشَّرَابِ وتلهيْهَا عن الزَّادِ |
لَهَا بِوَجْهِكَ نُوْرٌ تَسْتَضِيْءُ بِهِ | ومِنْ حَدِيْثِكَ فِي أَعْقَابِهَا حَادِي |
يصوم في السفر وقد التهب الجو، قال أبو الدرداء: كنا في شدة الحر حتى والله الذي لا إله إلا هو، إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة حرارة الشمس، وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن رواحة.
يجلس مع الصحابة، فيقول لابن مسعود: "اقرأ علي القرآن؟" فيندفع يقرأ عليه حتى بلغ قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) [النساء: 41].
قال: "حسبك" قال ابن مسعود: "فنظرت فإذا عيناه تذرفان" [أخرجه البخاري (5/180)].
يبكي تواضعاً لله -تبارك وتعالى-، وشفقة على هذه الأمة.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "استفقت ليلة من الليالي، فبحثت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" [أخرجه مسلم].
أيها المسلمون: متى يقدّم الإنسان للقبر ما لم يقدم هذه الليالي ؟ متى يصلي إذا لم يصل هذه الأيام؟ متى يذكر الله إذا لم يذكر الله في هذه الأوقات ؟
إذا دفن الإنسان فلن يصلي عنه أحد، ولن يصوم عنه أحد، ولن يذكر عنه أحد.
أتيت القبور فناديتها | أين المعظم والمحتقر |
تفانوا جميعاً فما مخبرٌ | وماتوا جميعاً ومات الخبر |
تروح وتغدوا بنات الثرى | فتمحو محاسن تلك الصور |
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو أعبد الخلق لله، وأشدهم له خشية، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك أجهد نفسه في العبادة، في صلاة الليل، في الذكر، في تلاوة القرآن، في التسبيح والتهليل.
فتمسكوا -رحمكم الله– بهديه، وعضوا على سنته بالنواجذ، ففي الأثر الإلهي: "لو جاءوني من كل طريق واستفتحوا علي من كل باب، ما فتح لهم حتى يأتوا خلفك يا محمد".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً، ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: نقل عن الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم- أن المارّ إذا مر بهم في السّحر سمع لبيوتهم دوياً كدوي النحل، من البكاء وقراءة القرآن والدعاء، هذا في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، دعاءٌ وبكاءٌ ومناجاةٌ وقت السحر، فما هو حالنا مع حالهم، كيف نعيش بالنسبة إليهم، إن تلك التلاوة، وذاك الدعاء، وهذا البكاء من خشية الله، أبدل في بيوتنا -إلا من رحم الله- بالغناء والموسيقى والعود والوتر.
روى بن أبي حاتم: أنه كان يمر في ظلام الليل يتفقد أصحابه، كيف كانوا يصلون؟ كيف كانوا يدعون؟ كيف كانوا يبكون؟ فسمع عجوزاً تقرأ من وراء الباب وتبكي.
عجوز مسنة، تقرأ قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) [الغاشية:1].
وتبكي، وتعيد الآية وتبكي، فوضع رأسه على الباب وبكى، وردد الآية، ثم قال: "نعم أتاني، نعم أتاني".
هذه عجوز ضعيفة، فأين شباب الأمة؟ أين أهل القوى والعضلات؟ أين أهل البروز والإجادة؟
إن القوي هو القوي في طاعة الله، وإن المفلح هو السائر في طريق الله، وإن المتقدم هو المتقدم إلى مرضات الله، إذا علم هذا فإنه في جانب الذكر كان أكثر الناس ذكراً لله -تبارك وتعالى- نفسه ذكر لله، وفتواه ذكر لله، وخطبه ذكر، وكلامه وليله ونهاره وحركاته وسكناته ذكرٌ لله -تبارك وتعالى-.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد، قال: "اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمدٌ حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" [أخرجه البخاري ، ومسلم ].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل افتتح صلاته: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" [أخرجه مسلم].
هل سمعتم بعد كلام الله أحسن من هذا الكلام؟ ما أجمل وقت السحر، يوم تناجي الله، يوم ينزل إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟
يقول محمد إقبال شاعر الإسلام:
يا رب لا تحرمني أنّة السحر، يا رب اجعلني من البكائين الخاشعين لك في السحر، يا رب إذا حرمتني جلسة السحر، فإن قلبي يقسو ولن يلينه شيء.
فيا عباد الله: هذا هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- في عبادته، في صلاته وصيامه، في قراءته وذكره، وهو أسوتكم وقائدكم إلى الجنة، ونجاتكم مرهونة باتباعه، وعقدكم وسيركم إذا لم يكن على سنته، فهو الهلاك والدمار، وهو العار والخسار، في الدنيا والآخرة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21].
فيا من أراد الجنة، يا من أراد النجاة، يا من أراد الفلاح، يا من أراد الخير والعدل والسلام: والله ليس لك قدوة، لا زعيم، ولا رائد، ولا مصلحٌ، ولا إمامٌ، ولا عابدٌ، ولا منقذٌ، ولا معلم، إلا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
أيها الناس: صلوا وسلموا على من جمّلنا المجلس بذكره، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].