الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | فؤاد بن يوسف أبو سعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات |
عند مقابلة الكبراء نتزينُ بأحسنِ الملابس، ونتطيَّبُ بأحسنِ ما وجدنا من الطيب، لنَظهرَ أمامهم بأحسنِ صورة، وأجملِ هندام، فيا أيها الكرام، نذهبُ إلى صلاة الجمعة مغتسلين متنظفين، لابسين أطهرَ الملابس وأنظفَها وأجمَلَها، نذهب بقلوب خالصة متوجهة إلى الله لأداء فريضة الصلاة، لأداء عبادة لله -جل جلاله-، فها هو رمضان قد أقبل، فلا بد من تطهيرٍ وتنظيفٍ للقلوبِ والأعضاءِ مما يغضب الله –تعالى-، فطهارة القلب عموما، وفي رمضان خصوصًا من الشرك بالله، فلا يخاف العبدُ ولا يخشى إلا الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يحبّ إلا في الله، ولا يبغض إلا في الله، وذلك...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
عند مقابلة الكبراء نتزينُ بأحسنِ الملابس، ونتطيَّبُ بأحسنِ ما وجدنا من الطيب، لنَظهرَ أمامهم بأحسنِ صورة، وأجملِ هندام، فيا أيها الكرام، نذهبُ إلى صلاة الجمعة مغتسلين متنظفين، لابسين أطهرَ الملابس وأنظفَها وأجمَلَها، نذهب بقلوب خالصة متوجهة إلى الله لأداء فريضة الصلاة، لأداء عبادة لله -جل جلاله-، فها هو رمضان قد أقبل، فلا بد من تطهيرٍ وتنظيفٍ للقلوبِ والأعضاءِ مما يغضب الله –تعالى-.
فطهارة القلب عموما، وفي رمضان خصوصًا من الشرك بالله، فلا يخاف العبدُ ولا يخشى إلا الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يحبّ إلا في الله، ولا يبغض إلا في الله، وذلك ليكون الإيمان كاملاً، فـ"مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ" (سنن أبي داود (4681)، انظر الصحيحة:380).
وطهارة القلب من أدران الأخلاق الرديئة، والصفات الذميمة، فلا يحقد على أحدٍ من إخوانه المسلمين، بل يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، فـ"لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتّى يُحِبّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ". (البخاري: 13)، فلا حسد ولا غلَّ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيّ الناسِ أَفْضَلُ؟" قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ"، قَالُوا: "صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟!" قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ". سنن ابن ماجه (4216)، انظر الصحيحة (948).
أما طهارة اللسان استعدادًا لرمضان بأن يحفظه من ألفاظ الكفر والشرك؛ فلا يسب ربًّا ولا دينًا ولا نبيًّا، ولا يحلف بغير الله أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته، فلا يحلف برحمة الآباء والأجداد، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما- سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: "لَا وَالكَعْبَةِ!" فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ"...
وحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنه- يَقُولُ: وَأَبِي وَأَبِي، فَقَالَ: "أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ"، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللَّاتِ، وَالعُزَّى فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" (سنن الترمذي (1535)، الصحيحة: 2042).
واستعدادا لرمضان يطهِّر لسانه من قالة السوء، فلا يسبّ آباء الناس ولا أمهاتِهم، فـ"إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "يَسُبّ الرّجُلُ أَبَا الرّجُلِ، فَيَسُبّ أَبَاهُ، وَيَسُبّ أُمّهُ". (البخاري: 5973).
احفظ لسانك يا عبد الله! فـ"لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ". (سنن الترمذي: 1977).
و"رحِمَ اللهُ عبدًا قالَ فغنم، أو سكت فسلم". (انظر الصحيحة: 855).
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟!" قَالَ: "امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ" (الترمذي (2406)، الصحيحة (888).
واحفظ لسانك من قول الزور عموما، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟" ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ" -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ:- "أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ"، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. (البخاري: 2654).
وخصوصًا في الصيام، فالصائم الذي لا "... يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". (البخاري: 1903).
أما طهارة الأعين استعدادا لشهر الخير والبركات، فلنعلم أن العينين خلقهما الله لنستمتعَ بهما في الرؤية، رؤيةِ ما أحلَّ الله من زوجة وولد، وحديقة وطريق، وأن نقرأ القرآن، وأن ننظر في آيات الله من سماء وأرض، وجبال ووهاد، وأنهار وبحار، وحيوانات ونباتات وأشجار، فلا بد قبل رمضان أن نطهرَهما عن النظر إلى ما حرم الله تعالى، ونبعدهما عن تقليب البصر في وجوه الفتيات وأجسام النساء، فالنظرة سهم مسموم من سهام إبليس.
وطهارة الآذان، عن الاستماع إلى ما حرم الله من غناء ماجن، وآلات طرب، كالعود والناي والشبابة والزمارة، والربابة والطبل وما يسمى (بالبيانو)، ونحو ذلك من آلات اللهو والعبث، ويستثنى من ذلك الدفّ الخالي من الجلاجل، في الأعياد والأفراح للجواري والأطفال.
ويطهر أذنيه عن الاستماع والتصنّت لأقوام يكرهون ذلك فـ"مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ، ...". وهو الرصاص المذاب. (المعجم الكبير للطبراني (11/ 344، ح11960) انظر ح(6028) صحيح الجامع).
أما طهارة الأنوف فبحفظها عن المشمومات المحرَّمة من أنواع المخدِّرات، وتعمُّدِ شمِّ روائحِ الطيب والعطور المنبعثة من النساءِ المتعطرات والمتطيبات، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيبِ يَنْفَحُ، وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ، فَقَالَ: "يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ! جِئْتِ مِنَ الْمَسْجِدِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ! قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ! قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لِامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ، حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الجَنَابَةِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "الْإِعْصَارُ غُبَارٌ". (سنن أبي داود (4174)، وابن ماجه (4002)، انظر صحيح الترغيب (2/ 216، ح 2020)
ألا واعلموا أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ، فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا" قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا. (سنن أبي داود: 4173).
وعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا". يَعْنِي زَانِيَةً. (الترمذي: 2786).
وطهارة الأيدي من البطش بالآخرين وظلمهم، وضربهم دون ذنب، وحفظُها من السرقة والغشِّ، والتطفيفِ في الميزان، ولا يستخدمهما في الإشارة إلى التنقُّص من الآخرين فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ"، فَقَالَتْ بِيَدِهَا: أَيْ: إِنَّهَا قَصِيرَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَدْ مَزَجْتِيهَا بِكَلِمَةٍ؛ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا الْبَحْرَ لَمَزَجَتْهُ". (شرح مشكل الآثار: 3/ 113، ح 1080).
ويجب تنزيهُ اليد عن مصافحة من لا تحل له من النساء، فملامسة النساء محظورة شرعا إلا زوجةً أو محرما، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ". (المعجم الكبير للطبراني (20/ 211، ح 486) الصحيحة (226)
عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ نُبَايِعُهُ، فَقُلْنَا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيكَ فِي مَعْرُوفٍ"، قَالَ: "فِيمَا اسْتَطَعْتُنّ، وَأَطَقْتُنّ". قَالَتْ: "قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا، هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِثْلُ قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ". (سنن النسائي (4181)، انظر الصحيحة (529).
أما طهارة الأرجل فبعدم مشيها في مناصرة الكفرِ وأهلِه، والدفاع عن الأصنام والأوثان والتي اتخذها بعض الناس آلهة من دون الله، ولا المشيِ في مناصرة أهل الأهواء والبدع، فلا نكن من أولئك الناس الذي قال فيهم الله جل جلاله: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) [ص: 6].
وبحفظها عن المشيِ إلى أماكن الباطل والفجور، وارتياد مواطنِ الظن الريبة، كما يجبُ حفظهما عن المشي بين الناس بالغيبة والنميمة، والإفساد في الأرض كالمشي إلى المهرجانات الباطلة، والمساهمة في المظاهرات المخرِّبة، والمشاركة مع حشود الفتن وسفك الدماء، وتخريب العامر، وتدمير البناء، وإحراق الممتلكات.
والنساء مأمورات بحفظ أرجلهن قال سبحانه: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) [النور: 31]، كلُّ ذلك وغيره من كبائر الذنوب وصغارِها حرامٌ دائما أبدا، وفي رمضان يزداد تحريمها، فاستعدوا لرمضان، بقلوب طاهرة صافية، وأعين وأيدي وأرجل نظيفة وعن الباطل بعيدة، فلنكن كما قال القائل: "نِعْمَ الشبابُ مكتهلين، عميةٌ عن الشر أعينهم، بطيئة عن الباطل أرجلهم، قد نظر الله إليهم في آناء الليل؛ منثنيةً أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مرّ أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفيرَ جهنم في أذنيه، قد وصلوا كَلالَ (أي: تعب) ليلهم بكلال نهارهم، أنضاءُ عبادة، قد أكلَتِ الأرض جباهَهم وأيديَهم وركبَهم، مصفرَّةٌ ألوانهم، ناحلةٌ أجسامهم من كثرة الصيام وطول القيام، مستقلون لذلك في جنبِ الله، موفون بعهد الله، منجزون لوعد الله...". (العقد الفريد: 4/ 228).
وتوبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد؛
فالمعاصي تلازم الإنسان، ولا يتخلص منها إلا بالاستعانة بالله الرحمن الرحيم، خصوصا معصية الزنا، فمن فر من كبيرة الزنا لم ينجُ من صغيرها إلا من عصمه الله جل جلاله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ". (صحيح مسلم: 2657).
والقلب ملك له جنودٌ ورعية، قال أَبو هُرَيْرَةَ -رضي الله تعالى عنه-: "الْقَلْبُ مَلِكٌ وَلَهُ جُنُودٌ، فَإِذَا صَلُحَ الْمَلِكُ صَلُحَتْ جُنودُهُ، وَإِذَا فَسَدَ الْمَلِكُ فَسَدَتْ جُنودُهُ، الْأُذُنَانِ قَمْعٌ، وَالْعَيْنَانِ مَسْلَحَةٌ، وَاللِّسَانُ تَرْجُمَانٌ، وَالْيَدَانِ جَنَاحَانِ، وَالرِّجْلَانِ بَرِيدَانِ، وَالْكَبِدُ رَحْمَةٌ، وَالطِّحَالُ وَالْكُلْيَتَانِ مَكْرٌ، وَالرِّئَةُ نَفَسٌ، فَإِذَا صَلُحَ الْمَلِكُ صَلُحَتْ جُنودُهُ، وَإِذَا فَسَدَ الْمَلِكُ فَسَدَتْ جُنودُهُ"(جامع معمر بن راشد (11/ 221، ح 20375).
فلنكن من أولياء الله الذين قال سبحانه فيهم في الحديث القدسي: "... مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبّ إِلَيّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ". (صحيح البخاري (6502).
واستعدادا لرمضان، والعبادة فيه فلنكن من عباد الله الذين قال الله فيهم: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) [الفرقان 63- 77].
ألا وصلّوا وسلّموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وآله وأصحابه وأزواجه وأتباعه، اللهم ارض عّنا معهم، وارزقنا حبَّهم، واجمعنا بهم في جنتك.
اللهم لا تؤاخذنا بما كسبت أيدينا، ولا بما فعل السفهاء منا، واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
عباد الله! (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
عبد الله! (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].