العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | محمد بن ثابت آل مغني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لكن الله لما قَدَّر وقضى أن الذكر ليس كالأنثى، فجعل في الذكورة كمالاً خَلقيًا وقوة طبيعية، وجعل في الأنثى خلقة وجِبِلَّة وطبيعةً أخرى، لما يعتريها من الحيض والحمل والمخاض والإرضاع، وتربية جيل الأمة المقبل، كما جعل الله الأنثى جزءًا من الرجل، وتابعًا له، ومتاعًا له، وجعل الرجل مؤتمنًا على القيام بشؤونها وحفظها والإنفاق عليها.
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، فإن تقواه وطاعته سبب لصلاح أمور العباد في الدنيا والآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون: إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الرجل والأنثى شطرين للنوع الإنساني: يقول -عز وجل-: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) [النجم: 45]، وهما يشتركان في عِمارة الكون، كلٌّ فيما يخصه، ويشتركان أيضًا في عمارته بالعبودية لله تعالى، فلا فرق بين الرجل والمرأة في عموم الدين، ويشتركان أيضًا في عموم التشريع في الحقوق والواجبات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، وقال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97].
لكن الله لما قَدَّر وقضى أن الذكر ليس كالأنثى، فجعل في الذكورة كمالاً خَلقيًا وقوة طبيعية، وجعل في الأنثى خلقة وجِبِلَّة وطبيعةً أخرى، لما يعتريها من الحيض والحمل والمخاض والإرضاع، وتربية جيل الأمة المقبل، كما جعل الله الأنثى جزءًا من الرجل، وتابعًا له، ومتاعًا له، وجعل الرجل مؤتمنًا على القيام بشؤونها وحفظها والإنفاق عليها.
وبهذه الاختلافات تفاوتت وتفاضلت بعض أحكام التشريع بين الرجل والمرأة ببالغ حكمة الله، في المهمات والوظائف، وفي اختصاص كل منهما في مجاله من الحياة الإنسانية. وبقدر وحكمة الله تعالى هذه تقوم مصالح العباد وعمارة الكون، وتنتظم حياة الفرد والبيت والجماعة والمجتمع الإنساني: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
وهذه الأحكام التي اختصّ الله سبحانه بها كل واحد من الرجال والنساء تفيد أمورًا مهمة للمسلمين، منها:
الأول: الإيمان والتسليم بالفوارق بين الرجال والنساء؛ الحسية والمعنوية والشرعية، وليرضى كل بما كتب الله له قدرًا وشرعًا، وأن هذه الفوارق هي عين العدل، وفيها انتظام حياة المجتمع الإنساني.
الثاني: لا يجوز لمسلم ولا مسلمة أن يتمنى ما خصّ الله به الآخر من الفوارق المذكورة، لما في ذلك من السخط على قدر الله، وعدم الرضا بحكمه وشرعه، وليسأل العبد ربَّه من فضله، وهذا أدب شرعي يزيل الحسد، ويهذب النفس المؤمنة، ويروضها على الرضا بما قدَّر الله وقضى.
ولهذا قال الله تعالى ناهيًا عن ذلك: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).
الثالث: إذا كان هذا النهي بنص القرآن عن مجرد التمني، فكيف بمن ينكر الفوارق الشرعية بين الرجل والمرأة، وينادي بإلغائها، ويطالب بالمساواة والاختلاط، ويدعو إليها باسم المساواة بين الرجل والمرأة؟! فهذه -بلا شك- فيها من منازعة لإرادة الله الكونية القدرية في الفوارق الخَلقية والمعنوية بينهما، ومنابذة للإسلام في نصوصه الشرعية القاطعة بالفرق بين الذكر والأنثى في أحكام كثيرة، كما تقدم بعضها.
أيها الإخوة المؤمنون: شريعة الله تعالى جاءت بكل خير، ومنعت من كل شر، فهي الصلاح والرشاد للناس في العاجل والآجل، فقد أوصدت شريعة الله -تبارك وتعالى- كل طريق يؤدي إلى وقوع الفاحشة، فحرّمت خلوة الرجل بالأجنبية، ومنعت من سفر المرأة بلا محرم، وأمرت النساء بالحشمة والستر والحياء والقرار في البيوت، ونهت عن اختلاط النساء بالرجال؛ أو القيام بالأعمال التي هي من اختصاص الرجال ولا تليق بالمرأة؛ لأن قيام المرأة بهذه النوعية من الأعمال فيه من إظهار الفساد وذهاب الحياء والأخلاق ما يسبب وقوع الفحشاء والمنكر وانتشاره.
وقد أجمع عقلاء البشر على ما يخلفه الاختلاط والتبرج للمرأة من مفاسد وكوارث دينية وأخلاقية واجتماعية وصحية واقتصادية، ولم يمارِ في ذلك إلا جاهل أو مكابر.
أيها الإخوة المؤمنون: إنه مما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه الحالة التي لازالت تعيشها المرأة المسلمة تحت ظل الإسلام وفي هذه البلاد خصوصًا من كرامة وحشمة، خلافاً لما تعيشه المرأة في بعض البلدان المخالفة لآداب الإسلام, ففيها تسيب وضياع وظلم وإهانة للمرأة تنص عليها قوانين تلك البلاد.
إن المنافقين يسعون لتطبيق بعض الاتفاقيات التي تعقد خارج هذه البلاد: على بناتنا وبنات المسلمين بحجة أنها اتفاقيات دولية يجب العمل بها, ولا يراعون بدعواتهم هذه دينًا ولا عقائد ولا تقاليد تلك البلاد, ومن هذه الاتفاقيات المشؤومة المحاربة لله ورسوله "اتفاقية السيداو" التي تدعو إلى نبذ كل تمييز وعنف ضد المرأة, هؤلاء المنافقون لا يرضيهم الوضع المشرف والنعمة الكبيرة التي تعيشها المرأة في بلادنا من حياء وستر واحتشام وحجاب، فهم يسعون بكل طريقة إلى أن تكون المرأة في بلادنا مثلها مثل المرأة في البلاد الأخرى، تحت دعوى الإصلاح؛ لأنهم يعلمون أنه إذا فسدت المرأة فسد المجتمع كله.
ها نحن نرى من يشرع لإدخال الرياضة لمدارس البنات, ومن يدعو لأن تكون الصفوف الأولية للمدارس مختلطة ويدرسها المعلمات، بل لقد سمح بذلك في المدارس الأهلية, وها نحن نسمع بالسماح لدخول النساء الملاعب لمشاهدة كرة القدم, وها نحن نرى الاختلاط في المستشفيات ومؤسسات الصحة, ونرى زج النساء لتشتغلن في المحلات والأسواق التجارية كاشيرات أو غيرها في اختلاط فاضح مع العمال والرجال, وها هي المرأة تدخل المجالس البلدية, وها هي الحملة الشعواء للسماح لقيادة المرأة للسيارة, وها هي بعض القوانين التي تسن لإضعاف قوامة الرجل على المرأة وأهل بيته مثل منحها الحرية في السكن بالفنادق والشقق دون موافقة محرمها، والسماح لها بالسفر دون محرم، ومعاقبة وسجن الزوج الذي يضرب زوجته أو يعنف بناته بحجة القضاء على العنف الأسري.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد رأينا مسؤولين رجالاً يعقدون ندوة مختلطة بين الطلاب والطالبات في مهرجانات بحجة أن آباء الأبناء والبنات راضون عن هذا، ورأينا مسؤولين كبارًا يدخلون مدارس الفتيات ويصافحون الطالبات ويلتقطون الصور معهن. وكذلك تدخل مسؤولات كبيرات مدارس البنين وتجتمع مع المعلمين والطلاب بحجة متابعة سير العمل. ونجد أنه يستضاف البنات في الملاعب لحضور مسابقات الفروسية وغيرها.
ناهيك عن السماح بدخول المصارعين الفساق لهذه البلاد, والسماح للمغنين والمطربين بغسل الكعبة المشرفة، والسماح ببيع كتب الزندقة والكفر في معارض الكتاب.
ولا ننسى أن المنافقين يتوجون كل هذه الخطط "بأنها ستكون تحت الضوابط الشرعية".
إنه عندما تخوّف علماؤنا وأجدادنا قبل خمسين سنة من التعليم ليس من تعليم المرأة لأن المرأة كانت تُعلّم، ولكن خافوا أن يؤول الأمر في تعليم المرأة إلى الاختلاط، وهذه نظرة ثاقبة بصيرة لعلماء الأمة في ذلك الوقت، فأسند ولاة الأمر في ذلك الوقت تعليم البنات إلى القضاة وأهل العلم، فلم يتولَّ رئاسة تعليم البنات لمدة ثلاثين عامًا منذ إنشائها إلا قاضٍ أو رئيس محاكم؛ وهذا كان لطمأنة الناس؛ حتى كان الناس يقولون: إن رئاسة تعليم البنات هي لقاضٍ كان يحكم بشرع الله. وقد عاشت الرئاسة العامة لتعليم البنات بخير، ومرّ عليها رؤساء ضبطوها، ثم تبدل الحال وعُين على تعليم البنات أناس ليسوا من أهل العلم الشرعي, فها هو يقع الآن بدايات ما تخوف منه علماؤنا قبل خمسين سنة.
أيها المسلمون: إن كثيرًا من البلاد الإسلامية قد اكتوت بنار الاختلاط حينما فشا وشرع في بلادها، فتبعه فشو الزنا وبيوت الدعارة والفن الهابط والرقص المختلط والتمثيل, وغيرها... وأصبح حال المرأة مربية الأجيال حالاً مزريًا منحطًا لا يطاق ولا يصدقه عاقل.
أيها المؤمنون: علينا هنا أن ندرك أن دعاة الاختلاط والتبرج والسفور لهم بدايات تبدو خفيفة، يستسهلها كثير من الناس, ولكنها تعمل على كسر حاجز النفرة من الاختلاط عند المسلمين, وهي في أصلها تحمل مكائد عظيمة.
لقد كانت أول شرارة لضرب الفضيلة في الأمة الإسلامية في مصر؛ حيث دعوا إلى الاختلاط في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية، فكانت هذه أولى بدايات الاختلاط خارج البيوت، وإذا كان الاختلاط في المضاجع بين الأولاد -وهم إخوة داخل البيوت بإشراف آبائهم- مما نهى عنه الشرع، فكيف به خارج البيوت مع غياب رقابة الوالدين؟! ثم دعوا إلى تدريس النساء للبنين في الصفوف الدنيا، ثم دعوا إلى إدخال الرياضة في مدارس البنات، ثم دعوا إلى إشراك الصغيرات في برامج الإعلام، أو في ركن التعارف الصحفي بين الأطفال، وتقديم باقات الزهور بين الجنسين في الاحتفالات بحجة: لا بأس يا أخي؛ صغيرات..
ثم دعوا إلى إلباس البنات المميِّزات الأزياءَ المحرمة على البالغة، كالألبسة الضيقة، أو الشفافة، أو التي لا تستر جميع بدنها، كالقصير منها، أو ما فيه تشبه بلباس الرجال أو الكافرات، تحت دعوى: لا زالوا صغيرات.
وهكذا حققوا مبتغاهم، حيث نشأ جيل متقبل للاختلاط مُرَبًى عليه، يرى الاختلاط حضارة والرقص والتمثيل فنًا. فحال الوضع في هذه البلاد الإسلامية إلى ما حال إليه.
واليوم هناك من يريد أن تمشي بلادنا على الخطا نفسها، فيبذلون جهودهم ليتقبل الناس هذه الآفة في آخر معقل للإسلام، في وسط دار الإسلام الأولى والأخيرة، وعاصمة المسلمين، وحبيبة المؤمنين: جزيرة العرب وبلاد الحرمين الشريفين البلاد السعودية التي حمى الله قلبها وقبلتها منذ أسست إلى يومنا هذا من أن ينفذ إليها الاستعمار، والإسلام فيها بحمد الله ظاهر، والشريعة نافذة، والمجتمع فيها مسلم، لا يشوبه تجنّس كافر، وهؤلاء الذين يمشون على خطا المفتونين يتبعون سنن من كان قبلهم، فيطالبون ويُخطئون الوضع القائم، وهو وضع -ولله الحمد- إسلامي في الحجاب، فيه الطهر والعفاف، فكل من الجنسين في موقعه حسب الشرع المطهر.
فهل يُريد أحد اليوم أن تصل حال بلادنا إلى ما وصلت إليه البلاد الأخرى من الحال الأخلاقية البائسة والواقع المر الأثيم؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ? وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ? وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ? وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
اتقوا الله -أيها المسلمون- في مواليكم، واحسبوا خطوات السير في حياتكم، وليحفظ المسؤولون أمانة ما استرعاهم الله عليه من رعاياهم، والحذر الحذر من أولَى خطوات الشيطان، فإن الله قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور: 21].
ونقول لعلماء الأمة وطلبة العلم: عليكم بذل النصح بالحكمة للمسؤولين عن تربية بنات المسلمين, والتحذير من الاختلاط، وعليكم دعوتهم ليسعوا لتثبيت نساء المؤمنين على ما هن عليه من الفضيلة، وحمايتهن والرحمة بهن من الوقوع في حبائل الاختلاط وجحيمه.
ونقول كذلك لكم أيها المؤمنون: إن الله رزقنا في هذه البلاد بحكام صدورهم وأبوابهم مفتوحةً لنصح وسماع شكاوى الناس, فعلينا أداء النصح للمسؤولين ومن ولوا أمر المسؤولية في هذه البلاد، وذلك بمخاطبات ومكاتبات يوضح فيها خطر هذه المشاريع والرفض لها, وكذلك للعلماء والقضاة وغيرهم... وتكون كلها بالحكمة والأسلوب الرزين المؤدب الذي يحفظ لكل ذي حق حقه.
نسأل الله أن يحفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن, وأن يبطل كيد الكائدين لها إنه سميع مجيب.
وصلوا وسلموا على نبيكم...