الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
العربية
المؤلف | محمد بن أحمد السماعيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن هذه الأيام والليالي ودورتها من شتاء وصيف، وبرد وحر، مراحل نقطعها إلى الدار الآخرة، وكل يوم يمر بنا فإنه يبعدنا من الدنيا ويقربنا إلى الآخرة.
الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد..
فيا عباد الله.. اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا –رحمكم الله تعالى- أن فصل الصيف قد حط رحاله، ونزل بحرارته وسمومه.. وفي تبدل الأحوال وتغير الفصول عبرة لأولي الأبصار، وفي انقضاء الأيام وتصرم الليالي إيذان بقرب الأجل ودنو الرحيل، وفي هذا الحر الشديد والوهج المتصل تذكير بالآخرة وأهوالها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أَكَلَ بعضي بعضاً، فَأّذِنَ لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم". متفق عليه.
وينبغي للمسلم إذا أحس بحر الشمس أن يتذكر حرّها في الموقف، فإن الشمس تدنو من رؤوس العباد يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم: "تُدني الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العَرَق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم م يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً" رواه مسلم.
وحري بالمسلم أن يتذكر الموقف العظيم وما بعده من المنصرف إلى أحد الدارين إما إلى الجنة –جعلنا الله وإياكم م أهلها-، وإما إلى النار –والعياذ بالله-.
أيها المسلمون.. ومما يُضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات: الصيام في هذه الأيام لمن استطاع؛ لما فيه من ظمأ الهواجر، وشدة الحر، ولعله يتذكر عند شرب الماء البارد نعمة الله عليه بذهاب عطشه، وامتلاء عروقه، وكان بعض السلف إذا شربوا ماء بارداً بكوا، وذكروا أُمنية أهل النار، وأنهم يشتهون الماء البارد وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) [الأعراف:50].
ويجب على المسلم أن يتذكر ويتصور نعم الله تعالى التي بين يديه في هذا الزمان من نعم كثيرة، وخيرات عظيمة، ومن تلك النعم نعمة هذه الأجهزة الباردة، التي تكاد أن ترافقه في كل مكان، في البيت والسيارة والمسجد والعمل، بحيث لا يحس بحرارة الجو، ولا يشعر بشدة الحر.
فاشكروا الله تعالى –أيها المسلمون- على ما أنعم به عليكم من نعم لا تعد ولا تحصى، واستعملوها في الطاعة، يزدكم من فيض نعمه، ويغدق عليكم من واسع فضله، والله ذو الفضل العظيم.
فتمسكوا – رحمكم الله تعالى- بطاعة ربكم عزَّ وجلَّ، وأخلصوا العبادة لله تعالى، وليحاسب كل منا نفسه قبل يوم الحساب، ليسألها أين هي من المحافظة على حقوق الله تعالى من توحيده جلَّ وعلا، وصرف العبادة قولاً وفعلاً له وحده لا شريك له، ومن المحافظة على إقامة الصلاة في وقتها جماعة في المسجد مع أداء بقية أركان الإسلام. وكذلك ليسأل المسلم نفسه أين هي من حقوق عباد الله تعالى، التي أمر الله تعالى بها، وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم نحو أخيه المسلم.
واعلموا –رحمكم الله تعالى- أن هذه الأيام والليالي ودورتها من شتاء وصيف، وبرد وحر، مراحل نقطعها إلى الدار الآخرة، وكل يوم يمر بنا فإنه يبعدنا من الدنيا ويقربنا إلى الآخرة. فاغتنموا –رحمكم الله تعالى- فرصة العمر للعمل بما يقربكم إلى مولاكم؛ لتفلحوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) [الفرقان:62].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم وسائر المسلمين بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.