الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | زيد بن عبد الكريم الزيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات |
هذا الشهر المبارك موسم خير، وموسم عبادة، في شهر رمضان تتضاعف همة المسلم للخير وينشط للعبادة أكثر، ويقبل على ربه -سبحانه وتعالى- رجاء رضاه ورجاء مغفرته، وربنا الكريم تفضل على المؤمنين الصائمين فضاعف لهم المثوبة وأجزل لهم العطاء، فهو موسم تكفير السيئات ورفعة الدرجات.. وأعظم الأعمال في هذا الشهر الكريم الصيام. ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً". أي: سبعين سنة. فإذا كان صيام يوم واحد يباعد العبد عن النار سبعين سنة فما بالك بصيام شهر رمضان كله؟!
الخطبة الأولى:
قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].
هذا الشهر المبارك موسم خير، وموسم عبادة، في شهر رمضان تتضاعف همة المسلم للخير وينشط للعبادة أكثر، ويقبل على ربه -سبحانه وتعالى- رجاء رضاه ورجاء مغفرته، وربنا الكريم تفضل على المؤمنين الصائمين فضاعف لهم المثوبة وأجزل لهم العطاء، فهو موسم تكفير السيئات ورفعة الدرجات.
اعلموا -أيها المؤمنون الصائمون- أن من أعظم الأعمال في هذا الشهر الكريم الصيام. ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً". أي: سبعين سنة.
فإذا كان صيام يوم واحد يباعد العبد عن النار سبعين سنة فما بالك بصيام شهر رمضان كله؟!
والصيام طريق إلى الجنة وباب من أبوابها, فعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن للجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون ولا يدخل منه أحد غيرهم".
والصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: رب منعته الشراب والطعام في النهار فشفعني فيه, ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه, قال: فيُشَفَّعَان" أي يقبل الله جل شأنه شفاعتهما ويدخله الجنة. (رواه أحمد والطبراني، الفتح الرباني 9/216 ومجمع الزوائد 10/381).
وصيام شهر رمضان خصوصاً يمحو الذنوب ويكفر السيئات ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنب الكبائر".
واعلموا أن من أجل الأعمال وأعظمها في هذا الموسم السنوي صلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف، ولا تغفل -أيها المسلم- عن آخر الليل، فإن عمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: "والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون".
وقال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- نادباً أمته إلى قيام الليل: "يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام, وصلوا والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام", وقال -صلى الله عليه وسلم- في قيام شهر رمضان على وجه الخصوص: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
وقال عن مزية القيام مع الإمام في صلاة التراويح: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" أي: ينتهي من صلاته، كأنما قام تلك الليلة كلها في الفضل والثواب.
واعلموا -أيها المؤمنون الصائمون- أن من أجل الأعمال وأعظمها أيضاً في هذا الموسم الكريم قراءة كتاب الله -عز وجل- وتلاوته، فهذا شهر القرآن كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يلتقي فيه بأمين وحي رب العالمين جبريل يدارسه القرآن, وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".
والقرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة, في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصف البقرة وآل عمران بالزهراوين، وقال: "إنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان يحاجان عن صاحبهما" أي: عن الذي يحفظهما ويقرأ بهما دائماً, يأتيان يذبان عنه ويدافعان ويحاجان عنه يوم القيامة, وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن سورة تبارك: "إنها شفعت لرجل حتى غفر له" (أخرجه الترمذي وحسنه الألباني: 2315).
فعليكم بهذا الكتاب العظيم اقرءوا كتاب الله -عز وجل- وأكثروا من تلاوته في هذا الشهر المبارك.
واعلموا - أيها المسلمون - أن من أجل الأعمال أيضاً وأعظمها وخاصة في هذا الموسم العظيم صلة الرحم والصدقة على الفقراء والمساكين والمحتاجين, فهذا الشهر شهر البذل والإنفاق والجود والكرم, وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكرم الناس وأعظمهم جوداً وكرماً وبذلاً وسخاءً وإنفاقاً, يعطي عطاء من لا يخشى الفقر قط، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا جاء هذا الشهر الكريم يكون أعظم ما يكون جوداً وكرماً مثل الريح المرسلة كما قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-.
والصدقة من أعظم أبواب البر, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والصدقة برهان" أي دليل على صدق إيمان العبد؛ لأنه بذلك يكون قد تغلب على الطبيعة المغروسة في الإنسان وهي الشح, (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن:16].
وقد أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من الصدقة فقال: "أيها الناس تصدقوا" وقال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة", وأمر النساء على وجه الخصوص بالإكثار من الصدقة فقال -صلى الله عليه وسلم-: "تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار".
ويعظم أجر الصدقة عندما تكون صدقة سر, تلك الصدقة التي تنفقها بيمينك فلا تعلم شمالك بهذه النفقة مبالغة في السر بحيث تكون أبعد عن الرياء والسمعة، هذه الصدقة تطفئ غضب الرب كما أخبر بذلك المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فقال: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب, وصلة الرحم تزيد في العمر".
واعلموا -أيها المؤمنون- أن من أعظم الأعمال وأجلها في هذا الموسم الكريم العمرة، فإنها تعدل حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنه-ما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لامرأة من الأنصار: "إن عمرة فيه - أي رمضان - تعدل حجة معي".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70، 71]، أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومراقبته في سائر أموركم وفي صيامكم خاصة, فهو شهر التقوى, والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (رواه البخاري).
والمراد بالزور الكذب، قال ابن العربي: "مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه، ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه" (فتح الباري 4/117).
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم" (متفق عليه).
فاحفظ صيامك -أيها المسلم- ولا تجرحه بنزوة كلام أو لحظة غضب أو عبارات غيبة ونميمة أو كذب. ولا تدع سيئاتك وزلات لسانك تذهب حسناتك.
اللهم إنا نسألك أن تعيننا على صيام هذا الشهر الكريم وعلى قيامه، اللهم أعنا فيه على المزيد من ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وعلى تلاوة كلامك العظيم ونسألك أن تتقبل منا أعمالنا وتبارك لنا فيها يا أرحم الراحمين.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله بها عليه عشرا".
اللهم صلِّ وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.