البحث

عبارات مقترحة:

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

الفتن في الأموال والأزواج والأولاد والأسماع

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. فتنة الأموال .
  2. فتنة الأولاد .
  3. فتنة النساء .

اقتباس

إننا اليوم في معترك فتن عظيمة؛ كقطع الليل المظلم، يرقق بعضها بعضاً، وينسي بعضها بعضاً؛ فالمال فتنة هلك به كثير من الناس في هذه العصور، والأولاد فتنة، وكم استعصى أمرهم على معظم أولياء الأمور، ومخالطة الأشرار من المنافقين والكفار فتنة، وكم امتلأت منهم الديار وعظمت بسببهم الأخطار، والنساء فتنة؛ وكم جلبن من المصائب على العالمين ..

 

 

 

 

الحمد لله الكريم الودود، الملك المعبود، المعروف بالكرم والجود، أحمده سبحانه على ما اتّصف به من صفات الجلال والإكرام، وأشكره على ما أسداه من جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبوِّئ من حققها جنات النعيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من دعا إلى الدين القويم، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم على المنهج السليم.

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا أمره ولا تعصوه، وعاملوه معاملة من يخافه ويرجوه، واحذروا أسباب سخطه وغضبه؛ فإنها توجب حلول العقوبات والمثلات، وزوال النعم ومحق البركات، كما أصاب من قبلكم من الأمم الخاليات، ومن حولكم ممن ظهرت فيه المعاصي وكثر فيه الخبث في المجتمعات، واعلموا أنكم بالخير والشر تختبرون، وبالمحاب والشهوات تفتنون، ليتبين المحسن من المسيء، والمصلح من المفسد، والشاكر من الكافر (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:1-2].

فما عملتم من خير وشر فإنكم ملاقوه، وسيجازيكم الله به يوم تلاقوه، وذلك يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، ولا يرحمه إلا خالقه وباريه؛ فلا تغرنكم الدنيا بما فيها من اللذات؛ فإن شهواتها تبعات، وراحاتها حسرات؛ فالله الله فيما يخلصكم وينجيكم بعد الممات (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185].

أيها المسلمون: إننا اليوم في معترك فتن عظيمة؛ كقطع الليل المظلم، يرقق بعضها بعضاً، وينسي بعضها بعضاً؛ فالمال فتنة هلك به كثير من الناس في هذه العصور، والأولاد فتنة، وكم استعصى أمرهم على معظم أولياء الأمور، ومخالطة الأشرار من المنافقين والكفار فتنة، وكم امتلأت منهم الديار وعظمت بسببهم الأخطار، والنساء فتنة؛ وكم جلبن من المصائب على العالمين، وكم يكيد بهن الأعداء لإفساد مجتمع المسلمين؛ نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأله الهدى والسداد والصلاح في الحال والمآل.

أيها المسلمون: فأما المال فإنه فتنة لهذه الأمة، وكم هلكت به قبلها من أمة، يقول صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال"، وقال صلى الله عليه وسلم: "أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كم بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم".

فالمال فتنة من جهة جلبه وتنميته، وفتنة في المكاثرة فيه والمباهاة به، وفتنة من جهة إنفاقه وأداء الحقوق الواجبة منه، فقد قل من الناس الحذر من أسباب كسبه المحرمة، والمتورع عن صور جلبه المشتبهة، بل أكثر الناس أصبح المال أكبر همه، وملأ قلبه وشغل فكره وسمع أذنه وبصر عينه، ويخاطر في تحصيله أيما مخاطرة، ويسعى في تنميته مكاثرة ومفاخرة، ولا يبالي بعواقب ذلك في الدنيا والآخرة، يكسبه من وجوه محرمة، وحيل ملتوية آثمة، وطرائق خبيثة باطلة، فهو النهم الذي لا يشبع، والمفتون الذي لا يقلع، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما اكتسب المال من حرام أم من حلال".

ولهذا تجد هذا الصنف يأخذ المال بالربا، ويستحلون الرشا، ويأخذونه ثمناً لبضائع محرمة، قيماً للمصورات وأنواع المخدرات، وأفلام المجون والغناء، وبخس المقاس والكيل والعد والوزن علناً، وناهيك بما فيه إعانة على المنكر، وفتح أبواب الفساد والشر، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة".

فالحلال عند هذا الصنف ما حل في يده بأي سبب، والحرام ما عجز عن تحصيله مع الجد في الطلب، ولكن إن ربك لبالمرصاد، فهذا ماله وبال عليه، وشؤم يعود عليه، فإن أكل منه لم يؤجر عليه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن أمسكه لم يبارك له فيه، وإن دعا وهو في جوفه لم يستجب له، وإن تركه لورثته كان زاده إلى النار، لغيره غنمه، وعليه إثم تحصيله وغرمه، وكم تسلط عليه في حياته من أسباب الهلاك والإتلاف، حتى ينفق رياء وبين التبذير والإسراف.

أما الذي يكسب ماله من طرق الحلال، ويتقي في طلبه ذا الكرم والجلال، وينفقه فيما يعود عليه بالنفع في الحال والمآل، يتوصل به إلى فعل الخيرات، ونفع ذوي القربات، وإعانة أهل الحاجات؛ فذاك يبارك له في ماله، ويكون من أسباب صلاح قلبه وأعماله وأحواله، وإن أنفق منه أجر عليه، وإن تمتع به بورك له فيه، وإن تصدق به قبل منه وضوعف له، وإن دعا ربه استجاب له، وإن ترك لوارثه كان خيراً له، فنعم المال الصالح للرجل الصالح (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة:4]. فقد ذهب أهل الأموال الصالحون بالدرجات العلى والنعيم المقيم.

فاتقوا الله -أيها المسلمون- وأجملوا في الطلب، اكسبوا المال من وجوه حله، وأنفقوه في محله، واعلموا أن رزق الله لا يجلبه حرص حريص، ولا يدفعه كراهية كاره، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وإن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله.

أيها المسلمون: أما فتنة الأولاد فإنها والله أخطر من فتنة الأموال على كثير من العباد؛ فإنهم مبخلة مجبنة، وصدق الله العظيم إذ يقول: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن:15]. ولذلك فتن بهم بعض الناس في هذا الزمان، حتى خشي عليه من التفريط في الإيمان، يوفرهم حتى عن المشي إلى الصلاة، ويسليهم حتى بالمحرم من الشهوات والأصوات، ويغضب لهم حتى يعادي الناصح، ويقرهم على ما هم عليه من القبائح، ويرضيهم حتى بتوفير أسباب هلاكهم، ويحميهم حتى عما يصلح قلوبهم وأعمالهم، وكم من أخوين صالحين متهاجرين بسبب الأولاد، وكم من جارين متعاديين بسببهم؛ كل واحد منهما للآخر بالمرصاد، وحبك الشيء يعمي ويصم، ولكن الويل الويل من هول يوم المعاد.

فاتقوا الله -معاشر المسلمين- في أولادكم، ولا تلهوا بهم عن هول يوم معادكم، قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132]. وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

ووقايتهم من النار إنما تكون بأمرهم بالصلاة، وتربيتهم على أنواع الطاعات، وتأديبهم إذا لم يُجْدِ فيهم النصح والإرشاد على ما قد يرتكبونه من المخالفات، والأخذ على أيديهم، وأطرهم على الحق أطراً؛ لصيانتهم من اقتحام المحرمات.

أيها المسلمون: ومن الفتنة المخيفة في هذا الزمان ما عليه بعض النساء من أنواع الطغيان؛ من التبرج والسفور، وما يرتكبنه من عظائم الأمور، من مخالطة الرجال، والخلوة بغير المحارم في كثير من الأحوال، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تخفى، وشؤم عواقبها في كل لحظة يخشى، وقد حذركم صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء، إذ يقول: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" ويقول: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"..

وكم بين المسلمين اليوم من النساء اللاتي تنطبق عليهن أوصاف أحد أصناف أهل النار، كما جاء وصفهن عن النبي المصطفى المختار، بقوله: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".

فصونوا نساءكم أسباب الردى، وقوِّموهن على البر والتقوى، واحذروا أن يغلبنكم على أموركم فـ"لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة"، و"إنما هلكت الرجال حين أطاعت النساء" في الحديث: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن".

ومن عرف أنهن فتنة حذر أن يهلكنه، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، فاتقوهن واحذروهن وأطعموهن واكسوهن وعاشروهن بالمعروف، وأحسنوا إليهن واستوصوا بهن خيراً؛ فإن خياركم خياركم لنسائهم، ولكن لا تُسْلموا لهن القياد، ولا تجعلوهن هدفاً لأنظار ومطامع مرضى القلوب الساعين في الإفساد؛ فأنتم لهن راعون، وعليهن قوامون، وعنهن مسئولون؛ فإنهن عوان عندكم، فحققوا القوامة وأحسنوا الولاية (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.