البحث

عبارات مقترحة:

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

عجبا لأمر المؤمن (ضبط انفعالات النفس من منظور شرعي)

العربية

المؤلف محمد بن عدنان السمان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. تقلبات حياة الإنسان .
  2. الحياة الدنيا دار ابتلاء .
  3. التعامل الصحيح مع انفعالات الإنسان ومشاعره .
  4. ضبط الإسلام لمشاعر الغضب .
  5. فوائد ضبط المشاعر والتحكم بها .
  6. ضبط المشاعر في وقت الفتن .

اقتباس

عباد الله: الإنسان في هذه الدنيا كل إنسان، سواءً كان مسلما أو غير ذلك، لا يبقى أمره على حال دائم، فهو بين صحة ومرض، وفرح وحزن، وربما أصابه القلق والهم، وقد يمر في حالات من الكرب وتغير الحال، فقد يبدل غناه فقرا، وقد يرزقه مالا كثيرا بعد فقر، وقد لا يكون التغير متعلقا بحال الشخص نفسه، لكنه يتأثر تأثراً كبيراً، تعلوه مظاهر الفرح والبهجة والسرور، فقد...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، نَحْمَدُهُ فَلَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى، وَنَسْتَغْفِرُهُ لِذُنُوبِنَا فَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْسِنُوا العَمَلَ فِي الدُّنْيَا لِتَنَالُوا حَسَنَةَ الآخِرَةِ، فَيَكُونَ لَكُمْ حُسْنُ الثَّوَابِ، وَحُسْنُ المَآبِ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَاب وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا)[الكهف: 30- 31].

عباد الله: الإنسان في هذه الدنيا كل إنسان، سواءً كان مسلما أو غير ذلك، لا يبقى أمره على حال دائم، فهو بين صحة ومرض، وفرح وحزن، وربما أصابه القلق والهم، وقد يمر في حالات من الكرب وتغير الحال، فقد يبدل غناه فقرا، وقد يرزقه مالا كثيرا بعد فقر، وقد لا يكون التغير متعلقا بحال الشخص نفسه، لكنه يتأثر تأثراً كبيراً، تعلوه مظاهر الفرح والبهجة والسرور، فقد يهبه الله الولد، أو ييسر لأحد أبنائه نجاحاً، أو تفوقاً، أو منصباً، وقد يكون التأثر على عكس ذلك، فقد يمرض قريب له، أو قد يموت.

وبالجملة، فالحياة الدنيا دار ابتلاء بأمور سراء، وأمور الضراء، ولا يخلو منها أحد كائنا من كان، لكن المؤمن الحق هو الذي يضبط انفعالاته بضوابط الشرع التي بينها كتاب الله -عز وجل-، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وتمثلها حبيبنا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في سيرته العطرة.

لأنه بهذا الامتثال يكون طيب النفس، زكي الروح، راض بقضاء الله وقدره، متزن في تصرفاته وانفعالاته.

ولهذا قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له"[رواه مسلم].

هذه الخيرية التي أرشد لها صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الحديث، تجعل من المسلم قادراً على أن يتعامل التعامل الصحيح مع انفعالاته ومشاعره، في حالة الرضا والفرح والسرور، وفي حالة الضُر والكرب والحزن.

ففي حال السرور والرضا تجد المؤمن شاكرا لربه، غير متكبر بما أعطاه من نعمه، ومنحه من كرمه.

ولم يغفل الإسلام العناية بمشاعر الفرح والسرور؛ فأمر بإعلان النكاح، وضرب الدف للنساء فيه، وشرع إقامة وليمة العرس، ودعوة الناس إليها، وسن المباركة لمن رزقه الله الولد، وهكذا.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يظهر السرور والبهجة إذا جاءه ما يسرُّه؛ فعَن أَبِي بَكرَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمرُ سُرُورٍ، أَو بُشِّرَ بِهِ؛ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ"[رواه أبو داود].

وكان بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- إذا بُشِّر أحدهم ببشارة وسرور أعطى المبشر عطية إكراماً له، وسروراً بما أنعم الله عليه من السرور؛ كما فعل كعب بن مالك -رضي الله عنه- حين أعطى من بشَّره بتوبة الله عليه ما كان يلبس من ثياب، واستعار ثياباً غيرها.

هذا حال المسلم مع أخبار السرور والفرح، أما في الحال سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- "حال الضراء"، وهي التي فصلها الله -تعالى- في قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 155].

قال ابن كثير: "أخبر تعالى أنه يبتلي عباده -المؤمنين- أي: يختبرهم ويمتحنهم، فتارة بالسراء، وتارة بالضراء من خوف وجوع: (وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ) أي: ذهاب بعضها: (وَالأنفُسِ) كموت الأصحاب والأقارب والأحباب: (وَالثَّمَرَاتِ).

كل هذه الابتلاءات يقف المسلم معها متزنا في مشاعره وتصرفاته: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 157- 155].

الصبر عند المصيبة، وقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" دليل على تسليم المسلم لقضاء الله وقدره، ورضاه رغم حزنه بما كتبه الله عليه.

في صحيح مسلم، عنها: أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله من مصيبته، وأخلف له خيرا منها" قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخلف الله لي خيرا منه؛ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

الحزن جبلة بشرية، حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- على وفاة زوجته خديجة وعلى وفاة أبنائه وبناته ممن توفوا قبل وفاته، ودمعت عينه الشريفة صلى الله عليه وسلم؛ فعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَخَلْنَا على رسول الله وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه-: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا ابنَ عَوفٍ إِنَّهَا رَحمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ العَينَ تَدْمَعُ، وَالقَلبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ"[رواه البخاري].

لكنه لم يجزع ولم يسخط بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون: ومن الأمور جاء الإسلام في ضبط المشاعر فيها ما يتعلق بالغضب.

فالخير في ترويض النفس، وتدريبها على التحلّي بفضائل الأخلاق، وتربيتها على الحلم والصبر، وعدم الاندفاع، أو التسرع في الحكم، وحثّها على التأني؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"[متفق عليه].

وقدوتنا في هذا الأدب الرفيع رسول الله -عليه الصلاة السلام-، الذي كان يسبق حلمه غضبه، وعفوه عقابه، عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما بين العنق والكتف" وقد أثرت بها حاشية البرد، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء"[متفق عليه].

إن كظم الغيظ والتعامل مع الغضب التعامل المشروع يخفف كثيراً من المشاعر السلبية الناتجة عن الغضب، فكم أفسد بين زوجين وبين صديقين، وكم أدى الغضب لأمور لا تحمد عاقبتها، روى البخاري ومسلم أنه استب رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً، قد أحمر وجهه، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

ولنمتثل إخوة الإسلام صفات المتقين، المحسنين الذين قال الله عنهم: (الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].

اللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالكِ يوم الدِّين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له القويُّ المتين، وأشهد أنَّ نبينا محمدا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد:

فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

لقد شرعنا في الخطبة الأولى في الحديث عن موضوع ضبط انفعالات النفس من منظور شرعي، ومثلنا لذلك لحالتي السراء والضراء، وكيف يتعامل المؤمن الحق ويضبط مشاعره وانفعالاته في كلتا الحالتين، التي لا تخلوا منها نفس بشرية.

وتتمة للحديث، فإن ضبط المشاعر والانفعالات، وخاصة مع تقلب الحال، تجعل من المسلم مطمئن البال؛ لأنه يعلم علم اليقين ما علمه رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لصاحبه ابن عباس -رضي الله عنهما- عندما، قال له: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".

وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة؛ لأنه هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله -عز وجل-، ونعلم أن الأمة لا يجلبون لنا خيراً إلا بإذن الله -عز وجل-.

وعلى هذا، فإن نالك ضرر من أحد، فاعلم أن الله قد كتبه عليك، فارض بقضاء الله وبقدره.

وهو جل جلاله هو القادر على تبديل الأحزان إلى أفراح، وفي الدعاء النبوي: "اللهمَّ إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً".

إخوة الإسلام: يتأكد ضبط المشاعر في وقت الفتن، فالمسلم الحق يضبط مشاعره وعواطفه وتصرفاته بضابط الشرع المستمد من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ويضبط لسانه عن الخوض في غير ما يحسن، ويلزم التثبت في أموره كلها، فلا يكون ناقلا للشائعات، وكم من أخبار كثيرة تناقلها الناس ثبت بطلانها وكذبها، والسلامة لا يعدلها شيء.