البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

واقتربت ليلة القدر

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصيام
عناصر الخطبة
  1. قرب رحيل شهر رمضان .
  2. الحث على اغتنام ما بقي من شهر رمضان .
  3. أهم أعمال العشر الأواخر .
  4. فضل ليلة القدر. .

اقتباس

معاشر الصائمين: الأيام القادمة عظيمة النفع وفي الوقت ذاته معدودة وسريعة الزوال وأبواب الخير ما زالت كثيرة ومتنوعة، صلاة وصوم وقيام ليل، وصدقة وإحسان وحب للمساكين ورفق بالناس، وتجاوز عن المعسرين وكظم للغيظ وصفح وعفو وبر بالوالدين وصلة للرحم، وكفّ للسان عن الشر، وإشغالاً له بالتلاوة والذكر وقولاً للحق ووفاء به وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فمن منا الموفّق الذي جمع كل هذه الأبواب أو جمع بعضها؟! من الذي حافظ على تكبيرة الإحرام مع الإمام منذ دخول الشهر؟ من الذي...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إن حقيقة قوله -تعالى- في وصف رمضان (أَيَّامًا مَعْدُودَات) [البقرة: 184]، أن هذا الشهر غنيمة سريعة الانقضاء، والدليل ها قد انتصف رمضان في وهلة وكأن أيامه الخوالي من الأحلام.

نعم ها قد مضت بسرعة عجيبة أيام وليالي من أثمن ليالي العام كله، بل مضت من أثمر ساعات ودقائق وثواني المسلم في حياته، قطعًا.

فهل سأل سائل منا نفسه بعد هذا: هل كان استثماري لتلك الأيام والليالي يعادل قيمتها؟  

هل سأل نفسه أين أنا من الخير في شهر الخير؟

هل كنت من طلابه؟

فإن كان الجواب نعم فالحمد لله، وإن كان الجواب لا فماذا ينتظر؟! أينتظر أن يأتيه خبر رؤية هلال العيد وهو لم يقدم من الخير شيئا؟! أينتظر أن يخرج الشهر ولم يغفر له؟! نسأل الله السلامة.

معاشر الإخوة: رحم الله امرئ حاسب نفسه وقد انتصف شهره فنظر فيما مضى وعمل لما لم يأتِ؛ فإن كان محسنا ازداد، وإن كان غير ذلك تنبه واستدرك وعاد.

معاشر الصائمين: الأيام القادمة عظيمة النفع وفي الوقت ذاته معدودة وسريعة الزوال وأبواب الخير ما زالت كثيرة ومتنوعة، صلاة وصوم وقيام ليل، وصدقة وإحسان وحب للمساكين ورفق بالناس، وتجاوز عن المعسرين وكظم للغيظ وصفح وعفو وبر بالوالدين وصلة للرحم، وكفّ للسان عن الشر، وإشغالاً له بالتلاوة والذكر وقولاً للحق ووفاء به وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فمن منا الموفّق الذي جمع كل هذه الأبواب أو جمع بعضها؟!

من الذي حافظ على تكبيرة الإحرام مع الإمام منذ دخول الشهر؟

من الذي صبر وصابر ورابط فقام مع الإمام في صلاة القيام ولم يفته القيام ليلة؟

هل تصدقنا وفطرنا الصائمين؟

هل قدمنا ما نستطيع لدعم مشروعات الخير؟

هل حفظنا ألسنتنا من قول الزور والغيبة والنميمة والكذب؟

فقد صح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة بأن يدع طعامه ولا شرابه".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر" (أخرجه أحمد).

ثم هل رطّبنا ألسنتنا بذكر الله وقراءة القرآن كما ينبغي؟

هل أكثرنا فعلاً من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد في هذا الزمان المبارك، في هذه الليالي العظيمة؟

هل حفظنا صيامنا من اللغو والرفث؟ فعن جابر قال: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك وفطرك سواء".

هل تواضعنا ورفقنا بمن نعاملهم من أهل أو أبناء أو جيران، أو زملاء أو عمال وأجراء؟ هل تجاوزنا عمن أساء إلينا وصفحنا وعفونا؟

هل عظمنا الأرحام المقطوعة ووصلناها طاعة لله وتخلصنا من الذنب واللعنة فإن الله -تعالى- قال (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22- 23].

هل أزلنا المنكرات التي في بيوتنا ومن أعظمها القنوات الفضائية الآثمة، هل تخلصنا منها وحجبناها؟

معاشر الإخوة: إن كنا أخذنا بهذه الأبواب والأسباب فهنيئًا، ونسأل الله القبول، وإن كانت الأخرى فما زال في الوقت متسع، وما زال الباب مفتوحا والفرصة مواتية، والله -تعالى- يحب من يقبل عليه من عباده، ويعينه من حيث لا يدري، بل ويتقرب هو إليه أكثر وهو الكريم -سبحانه وتعالى-، فقد صح في الحديث القدسي كما في الصحيح: "إذا تقرب العبد إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".

أيها الإخوة: إن المؤمن يجتمع له في رمضان جهادان لنفسه؛ جهاد في النهار على الصيام، وجهاد في الليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بحقوقهم وصبر عليهما ثقل قلبه، ووُفي أجره بغير حساب، وإن من بشرى المؤمن -نسأل الله من فضله- ما ورد في مسند الإمام عن عبد الله بن عمرو بسند صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان"، هكذا يبشرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نسأل الله من كرمه وفضله.

أيها المسلمون: لقد كان السلف الكرام يكثرون من ختم القرآن طوال العام، فإذا جاء رمضان ازدادوا من ذلك لشرف الزمان.

ولذلك كان جبريل -عليه السلام- يلقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، وفي آخر عام من حياة سيد الأنام عارضه جبريل القرآن مرتين على التمام، فلنراعِ ذلك.

هذا كتاب الله يتلى بين أظهركم ويُسمع، كتاب لو أُنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا، هل تلوناه حق تلاوته؟ هل سرنا على منهجه المطهر؟ هل طبقناه في حياتنا؟ هل حكمناه في ما ظهر من أمورنا وما بطن؟ فالقرآن تلاوة وخلق وامتثال. فلنراجع علاقتنا بكتاب الله.

شهر رمضان -أيها الإخوة- هو شهر العتق من النيران، شهر فكاك الرقاب من دار الشقاء والحرمان؛ في صحيح الترغيب عن أبي أمامة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لله -عز وجل- عند كل فطر عتقاء"، وفي مجمع الزوائد من حديث جابر وأبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله -تبارك وتعالى- عتقاء في كل يوم وليلة" يعني في رمضان. فلنجتهد ما استطعنا في إعتاق رقابنا وفكاك أبداننا من النار.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:

قال -تعالى- (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر: 1-  5].

ليلة القدر ما أشرفها ليلة! وما أجملها ليلة! وما أثمنها ليلة! إذا انتصف رمضان فقد قرب اللقاء بليلة القدر، قد صح في البخاري من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال: "من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد رأيت هذه الليلة، ثم أنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر".

الأسبوع القادم إن شاء الله ندخل في العشر الأواخر من رمضان وهي عند الله -تعالى- أعظم ليالي رمضان قاطبة.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر أحيى الليل وأيقظ أهله، وجدَّ وشد المئزر".

هل نحن مشتاقون للعشر الأخير من رمضان؟ وإذا كنا مشتاقين لها هل عزمنا على أن نقوم بما يكافئ مقامها من عمل واجتهاد؟

لقد كان حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العشر الأخير من رمضان حالا أخرى؛ يضاعف فيها نشاطه في العبادة، ويسعى ألا تنصرف العشر إلا وقد اغتنم فيها كل لحظة.

ونحن المقصرون أحوج إلى ذلك.

أيها الإخوة: لنتحرَ ليلة القدر، لنلتمسها كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؛ فإنها ليلة بألف ليلة خير من ألف ليلة ولذا جاء الاستفهام الإلهي العجيب (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) قال الشوكاني: "هذا الاستفهام فيه تضخيم في فهمها حتى إنها خارجة عن دراية الخلق لا يدريها إلا الله سبحانه (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) لا يعلم قدرها إلا الله جل وعلا".

ليلة مباركة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وقيل وجه ذكر الألف شهر أن العابد من بني إسرائيل كان فيما مضى لا يسمى عابدا حتى يعبد الله ألف شهر وذلك 83 سنة وأربعة أشهر.

فجعل الله –سبحانه- لأمة محمد عبادة ليلة خيرًا من عبادة ألف شهر كان يعبدونها وهذا من فضل الله وكرمه ثم إنها سلام حتى مطلع الفجر سالمة من كل شر وأذى ليس فيها إلا الخير.

قال مجاهد: "هي ليلة سالمة لا يستطع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا ولا أذى".

وقال الشعبي: "وتسليم الملائكة على أهل المساجد من حين مغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر يمرون على كل مؤمن ويقولون: السلام عليك أيها المؤمن".

عظّموا ليلة القدر يرعاكم الله، فإنه قد صح في حديث أنس في صحيح الجامع وابن ماجه وغيرهما قوله -صلى الله عليه وسلم- وهو يحدث عن رمضان: "..وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ".

أسأل الله -تعالى- أن يبلغنا وإياكم ليلة القدر، وأن يرزقنا قيامها كما يرضى، وأن يكتب لنا القبول فيها؛ إنه جواد كريم.