الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | عادل العضيب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
يا من فرطت لا زال في مراكب العابدين متسع، فاركب على بركة الله، ولا تقل سآوي إلى مجالس الشهوات والملذات، فلا عاصم من أمر الله إلا من رحم، ولا يرحم إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى. جاهد النفس وانهها عن غيها وهواها.. اركب في مراكب العابدين فما زالت الفرصة قائمة، بل اقتربت المراكب من أفضل أيام العشر ولحظاته وخير ليال العام العشر المباركة درة الليالي وأحلاها. أيام قلائل وتدخل العشر المباركة، فيا من فرط فيما مضى، يا من ضيع العشرين استدرِك ما فات؛ فإن الأعمال بالخواتيم، أتبع السيئة الحسنة فقد قام هذه الليالي وهجر لذيذ الفراش ونصب الأقدام بين يدي الملك العلام الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي لم يزل بصفات الكمال متصفاً، وبآثار ربوبيته وآلائه إلى عباده متعرفاً، أحاط علماً بجميع الكائنات ما ظهر منها وما اختفى، أحمده على جزيل فضله وإحسانه وأشكره على سوابغ كرمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته وسلطانه شهادة أدخرها ليوم لا تنفع فيه الأعذار.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار؛ نبي شرح الله صدره ورفع ذِكره ووضع عنه وزره، وجعل الذل والصغار على من خالف أمره؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا عباد الله أيها المسلمون: عندما يعيش الإنسان مناسبة سارة يتمنى لو توقفت عقارب الساعة عن الحركة، أو أنه يستطيع احتباس الشمس عن الجريان، ويظل ينظر إلى الوقت وهو يجري بقلب حزين على فراق الأيام الجميلة.
وبالأمس اكتمل بدر شهرنا، وما بعد التمام إلا النقصان، واليوم بدأ العد التنازلي لشهرنا المعظم إيذان بقرب الرحيل لأيام فيها من الأنس والرحمة والخير ما يبكي على فراقها.
أيام من الشهر مرت، أحصى الله ما فيها، وسنجازى على ما عملنا فيها من خير أو شر، في الحديث القدسي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -عز وجل- أنه قال: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
فيا من أحسنت تابع الإحسان، وواصل المسير، ويا من فرطت لا زال في مراكب العابدين متسع، فاركب على بركة الله، ولا تقل سآوي إلى مجالس الشهوات والملذات، فلا عاصم من أمر الله إلا من رحم، ولا يرحم إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى.
جاهد النفس وانهها عن غيها وهواها، واذكر على الدوام قول الله -جل وعلا-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40- 41].
اركب في مراكب العابدين فما زالت الفرصة قائمة، بل اقتربت المراكب من أفضل أيام العشر ولحظاته وخير ليال العام العشر المباركة درة الليالي وأحلاها.
أيام قلائل وتدخل العشر المباركة، فيا من فرط فيما مضى، يا من ضيع العشرين استدرِك ما فات؛ فإن الأعمال بالخواتيم، أتبع السيئة الحسنة فقد قام هذه الليالي وهجر لذيذ الفراش ونصب الأقدام بين يدي الملك العلام الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
في صحيح الإمام مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها".
بل كان يحيي الليل كله كان يسهر الليل كله، لكن ليس على القنوات ولا على لعب الورق ولا شرب الشيشة والدخان، ولا على المواقع والبرامج، بل كان يحيي الليل يناجي ربه ويناديه يذكر الله ويخلو بالله يتحرى تاج الليل وخيرها ليلة القدر قيامها خير من عبادة ألف شهر: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [سورة القدر: 1- 5].
من حُرم خيرها فهو المحروم، ومن قامها إيمانا واحتسابا فهو الموفق المرحوم، ومن قام هذه الليالي مع الإمام صلى التراويح والقيام إيمانا واحتسابا أدرك فضل هذه الليلة، وصدق عليه قول الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه".
فلا تفرطوا في هاتين الصلاتين ولو صليتم جلوسًا مع القوة والنشاط، في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيى ليله، وأيقظ أهله".
الله أكبر ! غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشد المئزر وأحيى الليل، وأيقظ أهله!! وعلى هذا الطريق سار الصالحون والأئمة الموفقون.
كان بعض السلف يصلي كل يوم ألف ركعة حتى أُقعد من رجليه، فكان يصلي ألف ركعة جالسًا، فإذا صلى العصر احتبى واستقبل القبلة وهو يقول: "عجبت للخليقة، كيف أنِسَتْ بسواك؟! بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك؟!".
ولما تعبد عتبة الغلام كان لا يهنأ بطعام ولا شراب، فقالت له أمه: "يا بني ارفق بنفسك. فقال: الرفقَ أطلب، دعيني أتعب قليلا وأنعم طويلا".
إذا ما الليل أقبل كابدوه | فيسفر عنهم وهم ركوع |
أطار الخوف نومهم فقاموا | وأهل الأمن في الدنيا هجوع |
لهم تحت الظلام وهم ركوع | أنين منه تنفرج الضلوع |
فلله درهم من أقوام تصوروا ما لهم، واستقلوا أعمالهم وبكوا على نفوسهم كأن النار لم تُخلق إلا لهم (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 17- 18].
تعبوا قليلا واستراحوا كثيرا حتى تبوؤوا أعلى المنازل في الجنة (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 17- 17].
اجتهدنا في غير رمضان، وفرطنا في أول رمضان وأوسطه، فهل نتدارك ما فات أم نصر على تضييع أفضل الأوقات؟!
اللهم وفقنا للتدارك، وأعنا على أنفسنا؛ فأنت المستعان، أقول قولي هذا وأستغفر الله وأتوب إليه إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى..
أما بعد: تمتاز العشر المباركة بالقيام الذي يأتي بالثلث الأخير من الليل حين ينزل الرب -جل وعلا- نزولاً يليق بجلاله وعظمته يعرض جوده وكرم على عبادته وهو الغني الحميد فيقول: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".
فيا من حملتم الهموم والغموم والأحزان والأمراض نادوا الملك بلسان الذل والافتقار والعجز والانكسار، ادعوه وانكسروا بين يديه، ادعوه وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه خزائنه ملأى لا تغيضها النفقة، في الحديث القدسي أن الله يقول: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".
ادعوه وثقوا بوعده يوم قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].
ثقوا بوعده ولا تجربوه، فما وثق عبد بربه إلا أعطاه، ويا من حملتم الذنوب استغفروه، وانثروا الدمع بين يديه وأنتم تذكرون عظيم عفوه ورحمته فهو القائل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
عباد الله: ينزل الجبار إلى السماء الدنيا يدنو من عباده وهو الغني عنهم، وتبتعد طائفة منهم عنه وهم فقراء إليه. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15].
إنهم أولئك الذين ضيّعوا ليالي العشر المباركة؛ شباب ضيعوها في الاستراحات، ورجال ضيعوها عند القنوات، ونساء ضيعنها في الأسواق وبين المحلات، فإلى نفسي المقصرة وإلى أولئك: أقبلوا على الله يقبلْ عليكم، وتوبوا إلى الله تجدوا الله توابًا رحيمًا.
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله؛ امتثالاً لأمر الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وارض الله عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابع التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين..