البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

وداع شهر رمضان

العربية

المؤلف صالح بن محمد آل طالب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. فرحة الفطر .
  2. العيد فرصة للتآلف .
  3. هل تعلمنا درس رمضان؟ .
  4. أهمية المداومة على الطاعة .
  5. مجالات العمل الصالح واسعة .
  6. فضل صيام الست من شوال. .

اقتباس

إن العُمر كل العُمر للمُسلم موسِم، وكل لحظةٍ في حياة المُوفَّق فُرصةٌ لاكتِساب الحسنات، ونَيل المراتِب في الجنَّة وعالِي الدرجات. فليكُن شهرُ رمضان لنا بدايةَ موسمٍ طويلٍ، عيدُه عندما يُختمُ العملُ بحُلول الأجل. وامتِدادًا للخير في رمضان، فإن في شهر شوال مِنحةٌ ربَّانيَّة، وسُنَّةٌ نبويَّة، تفضَّل الله بها على عباده ليرفعَ درجاتهم، ويُضاعِف حسناتهم؛ ستةُ أيامٍ شرعَ الله صيامَها من شهر شوال، هي نافلةٌ بعد الفريضة، وحسنةٌ بعد الحسنة.

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله المُبدِئ المُعيد، يُعيدُ العيدَ على عباده عيدًا بعد عيد، يعِدُ ويُوعِد والوعدُ عنده يسبِقُ الوعيد، الحمد لله جلَّ جلالُه، وتقدَّسَت أسماؤُه، سبحانه وبحمده، لا تُحصَى نعمُه ولا تُعدُّ آلاؤُه، فلله الحمدُ كثيرًا كما يُنعِمُ كثيرًا.

 وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحابتِه والتابعِين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتَّقوا الله تعالى واشكرُوه، وأطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون) [آل عمران الآية: 102].

نحمدُ الله -تعالى- ونشكرُه على ما منَّ به علينا من إكمال شهر الصيام، وتكرَّم علينا بالفضل والإنعام، ونسألُه -تعالى- أن يتقبَّل منَّا ومنكم صالِح العمل، وأن يغفِر التقصيرَ والزَّلَل.

تقبَّل الله إلحافَ المُخبتين في ناشِئة الليالي، وتلقَّى بالقبول ما أسلَفتُم في الأيام الخوالِي.

أيها المسلمون:

هنيئًا لكم هذا العيد، وطُوبَى لكم المُدَّخرُ ليوم المزيد. جعلَ الله أيامَكم كلها سعادة، وتفضَّل عليكم بالحُسنى وزيادة.

هنأَت منكم الأيام، وامتدَّت بكم على الصالِحات الأعوام. جعلَ الله أعمالَكم مقبولة، وأعمارَكم بالخير موصولة.

ألا ما أعظمَ فرحةَ الصائمين حين يُفطِرون! وحين يخافُ الناسُ وهم يأمَنون! (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء 103].

من تاجرَ مع الله فتجارتُه رابِحة، عملٌ يسيرٌ، وأجرٌ كبيرٌ. فما أكرمَ الله!

أيها المسلمون:

العيدُ مُناسبةٌ جميلةٌ لإطلاق الأيادِي الخيِّرة في مجالات البرِّ والإحسان، لتعلو البسمةُ كلَّ الشِّفاه، وتغمُر البهجةُ كلَّ القلوب. عيدٌ لتأكيد أواصِر القُربى وصِلة الأرحام، والوُدِّ مع الإخوان والجِيران، فتتقارَبُ القلوبُ مع المحبَّة، وترتفِعُ عن الضغائِن.

أيها المُتعيِّدون:

هذا يومُ شُكرٍ وذكرٍ، وأكلٍ وشُربٍ وفِطرٍ، يحرُمُ صومُه؛ لما في صومِه من إعراضٍ عن ضيافة الربِّ الكريم. تناوَلُوا الطيبات، واهنَأوا بالمُباحات، وأظهِروا الفرحَ والسُّرورَ بالعيد وبتمام العبادة، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].

ثم اسأَلوا اللهَ القبول؛ فإن من صفاتِ الصادقين: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60]، قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)، قالت عائشةُ: أهم الذين يشربُون الخمرَ ويسرِقون؟ قال: "لا يا بنتَ الصدِّيق، ولكنَّهم الذين يصومون ويُصلُّون ويتصدَّقون وهم يخافُون ألا يُقبَل منهم، أولئك الذين يُسارِعون في الخيرات" (حديثٌ صحيحٌ؛ رواه الترمذي).

عباد الله:

إنما السعيدُ من تقبَّل الله صيامَه وقيامَه، وغفرَ ذنوبَه وإجرامَه، فرجعَ من صلاةِ العيد بجائزةِ الربِّ وإكرامه. أما من كان شهرُه لهوًا وتفريطًا، وعيدُه غفلةً ونُكوصًا؛ فليس له من العيد إلا مظاهِرُه، ولا من الحظِّ إلا عواثِرُه، وقد فاتَه من الخير أولُه وآخرُه.

أيها المسلمون:

سُنَّةُ الله في خلقِه: أن لكل مُقيمٍ في هذه الدنيا ارتِحالاً، ولكل موجودٍ زوالاً. فلنُحاسِب أنفسَنا، ولنزِن أعمالَنا، والتاجرُ يقِفُ بعد الموسِم يُراجِع حساباته، ويحسِبُ ربحَه من خسارتِه، ويتعلَّم من خطئِه وصوابِه ويُتابِعُ نجاحاته. والله إن تجارةً مع الله مربَحُها الجنة لهِيَ أولَى بالمُحاسَبة، وأولَى بالمُراجَعة.

لقد شرعَ الله لكم هذه العبادات تربيةً على التقوى، وتلقِّيًا لدروس الصبر، وانتِصارًا على النفس. ألِفتُم الطاعة، وكرِهتُم المعصية، وعرفتُم قيمةَ الوقت والحياة، وشهِدتُّم سُرعةَ تقضِّي الليالي والأيام.

رمضانُ أُنموذجٌ للعبادة ولذَّة الطاعة، والتوبة والثبات. فهل تعلَّمنا الدرسَ؟!

إن مُداومةَ المُسلم على الطاعة من غير قصرٍ على وقتٍ مُعيَّن، من أعظم البراهِين على القبول وحُسن الاستِقامة، (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، وقال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 23].

أديمُوا الطاعات، واجتنِبُوا المُوبِقات، ولا تكونوا كالتي نقضَا غزلَها من بعد قوةٍ أنكاثًا، ولا تكونوا من الذين بدَّلوا نعمةَ الله كُفرًا.

يا من أعتقَه مولاه من النار! إياك أن تعودَ إليها بالأوزار .. يا من عمرَ المساجِد بالصلاة مع الجماعة! إياك بعدُ من الإضاعة .. ويا من صبرَ عن الحلال في رمضان! اصبِر عن الحرام حتى تدخُل الجنة، (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم: 31].

أيها المسلمون:

والعملُ الصالحُ ميدانُه واسِعٌ، ومفهومُه شاملٌ، ينتظِمُ أعمالَ القلوب والجوارِح في الظاهر والباطِن، في كل حركةٍ وسكنَةٍ يُمكن أن تجعلَ لله طاعة، وأن تكون دومًا في عبادةٍ.

أعمالٌ خاصَّةٌ وعامَّةٌ للفرد والجماعة، وكل الأعمال محسوبةٌ في ميزان العبد، حتى نيَّتُه وقصدُه الحسن، في كتابٍ لا يُغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها.

فاحفَظوا أوقاتكم، ولا تحقِروا من الأعمال شيئًا، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7، 8].

بارَك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله -تعالى- لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي بنمعتِه تتمُّ الصالِحات، له الأسماءُ الحُسنى والعليُّ من الصفات، أشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه شهادةً نرجُو بها الفوزَ والنجاةَ.

أيها المسلمون:

إن العُمر كل العُمر للمُسلم موسِم، وكل لحظةٍ في حياة المُوفَّق فُرصةٌ لاكتِساب الحسنات، ونَيل المراتِب في الجنَّة وعالِي الدرجات. فليكُن شهرُ رمضان لنا بدايةَ موسمٍ طويلٍ، عيدُه عندما يُختمُ العملُ بحُلول الأجل.

عباد الله:

وامتِدادًا للخير في رمضان، فإن في شهر شوال مِنحةٌ ربَّانيَّة، وسُنَّةٌ نبويَّة، تفضَّل الله بها على عباده ليرفعَ درجاتهم، ويُضاعِف حسناتهم؛ ستةُ أيامٍ شرعَ الله صيامَها من شهر شوال، هي نافلةٌ بعد الفريضة، وحسنةٌ بعد الحسنة.

عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صامَ رمضان ثم أتبعَه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر" (رواه مسلم).

ولا بأسَ بصيامِها أو مُتفرِّقة، في أوائل الشهر أو وسطِه أو أواخِره، ومن صامَها سنةً لم تلزَمه كل سنة، بل هو بالخيار إن شاءَ داومَ عليها وهو خيرٌ له، وإن شاءَ تركَها متى شاء.

فاستزِيدُوا من الخيرات، ولا تتوانَوا عن الطاعات، والزَموا التقوَى جميعَ دهركم، واسعَوا إلى الله سعيًا حثيثًا، وأعِدُّوا للقاءِ الله واجتهِدوا، ولا تُبطِئُوا في العمل؛ فإن أسرعَ شيءٍ إليكم الأجل.

ثم صلُّوا وسلِّموا على من أمرَكم الله بالصلاةِ والسلامِ عليه، فقال - عزَّ من قائلٍ -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين.

وارضَ اللهم عن الأئمة المهديِّين، والخلفاء الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، ومن سارَ على نهجِهم، واتَّبع سُنَّتهم يا رب العالمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، وسائرَ بلاد المُسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ والتوفيق والتسديد إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَه وأعوانَه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد، واسلُك بهم سبيلَ الرشاد.

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اجمَعهم على الهُدى والسنَّة، اللهم احقِن دماءَهم، وآمِن روعاتهم، واحفَظ دينَهم وأعراضَهم وأموالَهم وديارَهم، اللهم انصُر المُستضعَفين من المُسلمين في كل مكان.

اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، واغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُرِّيَّاتهم، وأزواجنا وذُرِّيَّاتنا إنك سميعُ الدعاء.

اللهم تقبَّل صيامَنا وصيامَنا ودُعاءَنا وصالحَ أعمالنا، وثبّتنا على الحقِّ والهُدى، واختِم لنا بخيرٍ يا أرحم الراحمين.

اللهم ما سألناك في هذا الشهر الكريم من مسألةٍ صالحةٍ، فاجعَل أوفرَ الحظِّ والنصيبِ منها لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذرِّيَّاتهم، وإخواننا وأزواجِنا وذرِّيَّاتنا، ومن أوصانا بالدُّعاء، ومن أحبَّنا فيك.

اللهم يا ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.