الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | فقه النوازل |
إن أصل الخلل هو: إهمال نصرة الله، ونصرة دينه؛ لأن الله -تعالى- اشترط شرطا قديما ومتجددا إلى يوم الدين، لو تحقق لتحقق النصر لا محالة، الشرط هو: نصرته: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]. وجاء جواب الشرط بفعل مضارع: (يَنصُرْكُمْ) أي هكذا هي النتيجة الحتمية مستمرة دائما في كل زمان، فهو خطاب يخترق العصور كلها مفاده مع نصرتكم لله يأتيكم نصر الله رباط لا ينفصل.قد يكون في مجتمع غزة عباد مصلون، ودعاة مخلصون ومجاهدون يجسدون التضحية بكل معانيها، ولكن كم نستبهم؟ ثم هل...
الخطبة الأولى:
إن الله -تعالى- عندما يقدر الحوادث حولنا، وهو يقدرها بحكمة بالغة، قد نفقه جزءا من تلك الحكمة؛ لكن يبقى الجزء الآخر غيبا لا ندركه، إذ أنه ينبغي التأمل في هذه التقلبات الكونية، والاستفادة منها من خلال فهمنا للقرآن: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ) [النــور: 44].
وقد بين الله -تعالى- أن فيما خلقه في السموات والأرض من أحوال وتقلبات؛ علامات تعزز الإيمان لدى المستقيم: (إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [يونس: 6].
وفي نفس الوقت تجعلهم يربطون بين ما يجري وبين سنن الله الجارية في الكون: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا)[الروم: 9].
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [غافر: 82].
وما حصل وما يزال يحصل لأهل غزة وأهلها الصامدين من حصار في الأول، ثم اعتداء سافر على جميع أهلها بلا تفريق؛ حدث من سائر الحوادث التي تملأ الأرض، فالأرض مليئة بالحوادث والوقائع على مختلف أنواعها؛ ففيها حوادث الظلم والقتل والعدوان، وفيها أيضا نصيبها من العدل والخير والسلام، وكل ذلك بتقدير العزيز العليم،
وحتى نتصور تلك الحوادث المؤلمة دينيا لا سياسيا، لا بد من وقفة تأمل، ويرد السؤال: لماذا أبعدت التصور السياسي؟
فأقول: أما عدم التصور سياسيا، فليس السبب هو انفصال الدين عن السياسة أبدا، بل إن الدين نزل ليسوس جميع جوانب الحياة، ولكن السياسية بمفهومها اليوم وواقعها الملوث بالخداع والكذب والظلم والحيف والاستغلال، وما شابه هذه الأخلاق البائسة، ليست أهلا لئن نرفع لها مقاما على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومهما حاول الإنسان الناصح أن يضع حلولا أو وصايا سياسية، فلن تتعدى -والوضع على ما هو- لن تتعدى إطارها النظري الإسلامي المثالي.
فالساسة في العموم -إلا من رحم الله- انخرطوا فيما يسمى باللعبة السياسية، وهي تسمية لها مدلولها السيئ، فاللعب في الغالب مقترن بالعبث والحيلة، وهو مضمون في الإسلام: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) [الدخان: 38].
(مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأنبياء: 2].
فهم انخرطوا فيما يسمى باللعبة السياسية بنفحتها الغربية، التي لا تراعي مقاصد الشريعة، ولا أخلاقيات الإسلام، وبنوا على هذا الأساس علاقاتهم واتفاقاتهم، ولهذا يصعب أن يناقش المنبر هذا الموضوع بشكل عملي!.
أمام التصور الإسلامي الديني، فهو الذي ينفع كل مؤمن؛ لأنه يوسع مداركه وعلومه، ويمده بوسائل الوقاية، وسبيل الرشاد: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 103].
فنريد إذن أن نتصور هذا الحدث تصورا إيمانيا، حتى ندرك أبعاده الحقيقية!.
أيها المسلمون: لقد قضى الله -تعالى- أن تتحمل الجماعة المسلمة مسؤولية خمولها وتقاعسها، وجعل الضرر المترتب على ذلك التقاعس ينال الجميع، ولهذا فرض الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمة، حتى لا تغرق السفينة بجميع أهلها الفاسقين وغير الفاسقين، الذي خرقوا والذين لم يخرقوا؛ كما في الحديث المشهور، وقد صح في البخاري عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فزعا، يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج، مثل هذا" وحلق بإصبعه وبالتي تليها، فقالت رضي الله عنها: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".
فصلاح مجموعة من الناس في مجمع كبير فاسد مجاهر بفساده، لم ينفع باستثنائهم من الهلاك.
وفي صحيح البخاري أيضا في حديث عائشة -رضي الله عنها- قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، قالت: قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ أي لم يكونوا مشاركين معهم في ذات الإثم؟ قال: "يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم".
وبسبب معصية الرماة لأوامر النبي -صلى الله عليه وسلم- انعكس الأثر على جميع الجيش المؤمن، فشج وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وقتل سبعون من خيار صحابته؛ كحمزة عمه، وحنظلة بن أبي عامر، ومصعب بن عمير، وأنس بن النضر، وغيرهم -رضي الله عنهم أجمعين-.
وقد بين الله لهم هذه السنة الجارية بقوله: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا)[آل عمران: 165].
أي كيف تصيبنا المصيبة ونحن مسلمون؟!
قال سبحانه: (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران: 165].
الشاهد: أن الطاعة تصرف الضرر عن الأفراد والجماعة، والعكس صحيح، المعصية إذا أعلن بها وافتخر بها أهلها، فإنها عاجلا أو آجلا تجلب الضرر، وتجعله يحيط بالجماعة كلها، فتجعل الضرر والفساد يحيط بما هو أبعد من الجماعة وأوسع منها يحيط بالبيئة كلها، ولهذا قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].
هذه الآية تبين بوضوح شؤم المعصية.
ولقد كان أهل العلم يدركون أن مآل المعصية مذلة؛ كان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: "اللهم أعزنا بالطاعة، ولا تذلنا بالمعصية".
ونحن -أيها الإخوة- محظوظون: أتدرون لماذا؟
نحن محظوظون بدين عظيم يجلي لنا مواطن الخلل بدون مجاملات، وبكل شفافية ووضوح، ويرسم لنا طريق الخلاص، ولذلك قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا)[الشورى: 52].
فالقرآن نور يخرجنا من ظلمات الضياع والتيه إلى نور الحق والعزة.
أيها الإخوة: إنما حصل في غزة هو مؤشر خلل، ونحن -كما ذكرت في مطلع الكلام- لن نتناول مؤشرات ولا عوارض الخلل، وإنما نتناول أصل الخلل، ونستمر في ذكر أصل الخلل، ولن نمل من ذكره؛ لأنه الأساس في معرفة العلاج.
إن أصل الخلل هو في إهمال نصرة الله ونصرة دينه؛ لأن الله -تعالى- اشترط شرطا قديما ومتجددا إلى يوم الدين، لو تحقق لتحقق النصر لا محالة، الشرط هو: نصرته: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
الطاعة تصرف الضرر عن الأفراد والجماعة
وجاء جواب الشرط بفعل مضارع: (يَنصُرْكُمْ) أي هكذا هي النتيجة الحتمية مستمرة دائما في كل زمان، فهو خطاب يخترق العصور كلها مفاده مع نصرتكم لله يأتيكم نصر الله رباط لا ينفصل.
قد يكون في مجتمع غزة عباد مصلون، ودعاة مخلصون ومجاهدون يجسدون التضحية بكل معانيها، ولكن كم نستبهم؟ ثم هل اشتغل المخلصون هناك بإصلاح الناس وتعليمهم دينهم، وتخليصهم من شوائب البدع والخرافات، والمعاصي والموبقات، أكثر من اشتغالهم بالسياسة وتحالفاتها ودهاليزها، أو على أقل حال بالتساوي مع ذلك الاشتغال؟
لا تحسبوه انتقادا أبدا؟ وكيف لي أن أنتقد وأنا لم أعش بينهم؟ ولم أتعرض إلى ما تعرضوا إليه -جبر الله مصابهم، وكشف الضر عنهم ونصرهم على الأعداء-.
إنها فقط تساؤلات عن معالم نصر الله -تعالى-، ونصر دينه: هل تحققت هناك خلال المرحلة الماضية والحالية بكل صورها: أنا لا أطلب منهم لا ترك السياسية ولا ممارستها، ليس هذا هو القصد، وإنما أقصد ترتيب الأوليات، وترتيب مواضع الاشتغال الرئيسة لدى من أراد نصر دين الله هناك، وفي كل مكان: ماذا يقدم وماذا يؤخر في كل مكان؟
أيها الإخوة: إن دين الإسلام دين واقعي، فمع إقراره للكرامات وخوارق العادات التي يجريها الله -تعالى- حيث يشاء إلا أنه لا يجعلها أصلا يعتمد عليه، ولذلك قال جل وعلا: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)[الأنفال: 60].
فحتى ننتصر على اليهود، لا بد بعد نصرنا لدين الله: أن نتخذ كل ما في وسعنا من وسائل النصر المادية، دون أن يكون في اتخاذنا لتلك الوسائل شرخ في العقيدة في أي جانب، وبالذات جانب الولاء والبراء، وإلا أفسدنا الهدف الذي ضحينا من أجله، وهو دين الله.
فالحذر الشديد من تضليل الناس بعلاقات مريبة، وعبارات تصف أعداء العقيدة بالإخوة؛ ففي الإسلام: الغاية لا تبرر الوسيلة، وفي الإسلام مهما كان السبب، ومهما كانت الضرورة، فإنه لا مكان للخداع، ولا للتدليس على حساب مسلمات العقيدة؛ كالولاء والبراء، فالناس يفتنون بالظواهر ولو لم يقصده أصحابها، وفرار المسلم من فتنة الناس يجب أن يكون أشد من فراره من الموت.
ولذلك كان القرآن يربي النبي -صلى الله عليه وسلم- عبر سنوات المحنة والشدة على سلامة المنهج، وإيصال الحق واضحا إلى الناس، بلا مداهنة، ولا مجاملات، ويحذر من الميل عن المنهج أشد تحذير: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) [الإسراء: 73-75].
ومنه كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤكد على سلامة المنهج ووضوحه، ويربي صحابته عليه، حتى لو قتلوا، كان يخشى من أن ينحرف المفهوم لدى الناس، فيقول صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عبدا سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها كما سمعها".
كما سمعها دون تحريف ولا تأويل، ولذلك كان العلماء يحترسون من أفعال يقومون بها أو أقوال يتلفظون بها قد تختلط على الناس، فتؤدي إلى ضلالهم.
روي أن أبا بكر المروزي جاء إلى الإمام أحمد، وهو في السجن في محنته -محنته في خلق القرآن- فقال له: يا إمام هؤلاء قدموك للضرب، والله يقول: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) [النساء: 29] فقال أحمد: "يا مروزي اخرج وانظر، يقول فخرجت فنظرت في رحبة دار الخليفة، أي ساحة القصر، فرأيت خلقا كثيرا، والصحف والأقلام في أيديهم، فقلت: أي شيء تفعلون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، فرجعت إلى أحمد وأخبرته، فقال الإمام أحمد: يا مروزي أضل هؤلاء؟! كلا، بل أموت ولا أضلهم".
ولذلك لما عبر أبو جعفر الأنباري -رحمه الله- قاصدا الإمام أحمد في ذات الفتنة، وراءه أحمد، قال له: يا أبا جعفر تعنيت؟ قال أبو جعفر: يا هذا أنت اليوم رأس، أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك، فو الله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق، وإن لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير.
ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لا بد من الموت، فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء، فجعل أحمد يبكي، ويقول: "ما شاء الله، ما شاء الله" أعد علي ما قلت؟ فأعدت عليه، فجعل يقول: "ما شاء الله، ما شاء الله".
وضوح المنهج والثبات على المعتقد، وبالذات من القدوات ضرورة شرعية، لا تحتمل الجدل، فالتحالفات والعبارات التي توحي بالرضى عن معتقد باطني منحرف أعمال يخشى أن يضل بها الناس.
أسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله -تعالى- يقول: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحـج: 40-41].
لم تقف هذه الآية -أيها الإخوة- عند النصر فحسب، بل تجاوزته إلى بيان أسباب ثبات النصر، ثبات ذلك النصر، والمحافظة عليه؛ فقد نصرهم ومكنهم: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ).
الآن مكنهم فماذا بعد؟!
قال: (أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
هذه الفرائض الدينية التي يهملها الكثيرون، هي ركائز حفظ النصر وثباته في كل مكان، وما لم نحسب له كل حساب، فلن ينصرنا الله.
جاء في تفسير المنار في معرض كلام الشيخ محمد رشيد رضا عن أهمية طاعة الله -تعالى- وذكره في نصر المسلمين قوله: "ثبت أنه كان من أسباب الجيش البلغاري على الجيش التركي في حرب البلقان المشهورة ما كان من إبطال القواد والضباط من الترك للأذان والصلاة في الجيش، أبطلوا الصلاة وأبطلوا الأذان -الجيش أيام أتاتورك- والدعاية التي بثوها فيه -أي للجيش- من وجوب الحرب للوطن، وباسم الوطن، ولشرف الوطن، فلما علموا بهذا -أي بذلك الخلل- أعادوا المؤذنين والأئمة بعمائمهم إلى كل طابور، أي إلى كل جماعة من العسكر، وأقاموا الصلاة فيهم، وقد روت الجرائد أن العساكر لما سمعت الأذان صارت بكاء بنشيج عال، كان له تأثير عظيم الإيمان، يرجع من جديد إلى قلوب أولئك الناس، وكان تأثير ذلك بعود الكرة لهم على البلغار، فانتصروا عليهم.
أيها الإخوة: إن فهم السنن الربانية الجارية مهم جدا لتسلق القمة من جديد، ولكن نحتاج إلى إرادة فولاذية، وعزيمة صلبة، بتحقيق توبة نصوحا تعيد الأمة، ونعيد فيها تركيب وضعنا العقدي، والاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والصناعي، والتعليمي، نعيد ترتيب هذه الأوضاع وفق وصايا وأوامر الشرع، ونسعى إلى منع مظاهر الإعلان بالمعاصي: بالنصيحة الحسنة، والرفع لمن هو قادر على تغييرها، فإن لم يمكن تحقيق هذا في القريب العاجل.
فنستطيع أن نساهم بأكثر من شيء: بالدعاء، بالدعم المالي، بالحديث عن هذه القضية الأساسية من قضايا الأمة، في المجالس والمنتديات، بمقاطعة كل منتج تجاري يعين دولة اليهود.
الحاصل: أن الأمة بمجموعها مسؤولة عما يجري في غزة، ولا بد من المبادرة إلى تحمل تلك المسؤولية، والعمل على معالجة الأخطاء، ونصر دين الله في كل مكان، حتى ينصرنا جل وعلا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...