البحث

عبارات مقترحة:

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

وقفات مهمة في الحياة الزوجية

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. مقومات الحياة الأسرية .
  2. عوامل بقاء الأسرة وهدمها .
  3. وقفات تربوية تهم الأسرة المسلمة .
  4. لا تخلو الأسرة من مشاكل .
  5. منهج شرعي منضبط عند حدوث مشكلة بين الزوجين .
  6. وصايا مهمة ونافعة للزوجين. .

اقتباس

ليعلم الجميع ذكورا وإناثا، أن الحياة الزوجية لا بد أن تختلط بشيء من الخلافات الأسرية، والعثرات، وليست كما يصورها البعض بحياة مخملية لا نغص فيها ولا مشاكل، فلا زوج أفضل من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا زوجات خير من أمهات المؤمنين، ومع هذا حصل في بيت النبوة بعض المشاكل، فقد طلق النبي -صلى الله عليه وسلم- وآلى منهن شهرًا كاملاً، فلا يعيب البيت المسلم وقوع المشاكل، ولكن العيب في طرق التعامل معها، فيظن بعض الشباب حديثو العهد بالزواج أنه إذا حدث بينه وبين زوجته مشاكل في أول الزواج أنها لا تصلح له زوجة، فيسارع بالطلاق ويهدم بيته بجهله، وما علم أن البيت المسلم لا ينفك من مشاكل،....

الخطبة الأولى:

الحمد لله...

أما بعد فيا أيها الناس: إن من نعم الله على المسلم، أن أباح له النكاح، بل ورتب عليه أجورًا كثيرة، ويسَّر أسباب الألفة بين الزوجين، فقال سبحانه: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

فجعل الله النكاح سكنًا وراحة وطمأنينة، ولتدوم العشرة بين الزوجين، خلق بينهما مودة ورحمة، وهذه المودة والرحمة تزيد وتنقص بين الأزواج، وقد تكون بعد الزواج مباشرة وقد تتأخر أحيانًا، غير أن البيوت تُبنى على المودة وهي المحبة، وتبنى على الرحمة، وهي العطف والشفقة، فلا بد من وجود أحدهما، وإلا انهار البيت وانفكت الحياة الزوجية، وهاتان الصفتان أعني المودة والرحمة، الأصل فيهما أنهما منحة إلهية، وقد تكتسب مع الوقت .

عباد الله: إن إنشاء أسرة مسلمة ليس بالأمر الهين، فلا بد من دراسة للموضوع من كل جوانبه، كما أن هدم أسرة مسلمة ليس بالهين، فلا بد من التريث والسير على المنهج الإلهي في علاج المشاكل الأسرية، فمن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا، هذه وعود ربانية لا تتخلف .

معاشر المسلمين: سنتحدث في هذه الخطبة -بإذن الله- في وقفات تربوية تهم الأسرة المسلمة، عن بعض ما يمر بها في الحياة من مشاكل ومعوقات .

الوقفة الأولى: من أراد الزواج فعليه أن يتخير أمّ أولاده، فهي الأرض التي سيزرع فيها ذريته، فإن كانت طيبة، طاب ثمرها، والعكس بالعكس، ومن وصايا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "اظفر بذات الدين تربت يداك".

الوقفة الثانية: ليعلم الجميع ذكورا وإناثا، أن الحياة الزوجية لا بد أن تختلط بشيء من الخلافات الأسرية، والعثرات، وليست كما يصورها البعض بحياة مخملية لا نغص فيها ولا مشاكل، فلا زوج أفضل من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا زوجات خير من أمهات المؤمنين، ومع هذا حصل في بيت النبوة بعض المشاكل، فقد طلق النبي -صلى الله عليه وسلم- وآلى منهن شهرًا كاملاً، فلا يعيب البيت المسلم وقوع المشاكل، ولكن العيب في طرق التعامل معها، فيظن بعض الشباب حديثو العهد بالزواج أنه إذا حدث بينه وبين زوجته مشاكل في أول الزواج أنها لا تصلح له زوجة، فيسارع بالطلاق ويهدم بيته بجهله، وما علم أن البيت المسلم لا ينفك من مشاكل، خصوصًا في أول الحياة الزوجية، حتى يتعارفا، ويفهم كل منهما الآخر، ويا حبذا أن يأخذ الزوجان دورة تربوية في الحياة الزوجية قبل الزواج أو في البداية .

الوقفة الثانية: كم من بيت انهدم وتفرق أفراده بعذر أن المحبة غير موجودة بين الزوجين، والله -جل وعلا- أثبت أن البيوت تُبنَى على المحبة والرحمة، أو على أحدهما، فقد لا توجد المحبة ولكن توجد الرحمة والتذمم، أخرج البخاري في تاريخه أن رجلاً قال في عهد عمر لامرأته: "نشدتك بالله هل تحبيني؟، فقالت: أما إذا نشدتني بالله فلا، فخرج حتى أتى عمر، فأرسل إليها، فقال: أنتِ التي تقولين لزوجك: لا أحبك؟ فقالت:

يا أمير المؤمنين نشدني بالله، أفأكذب؟، قال: نعم فاكذبيه، ليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب" .

والنساء بطبعهن خُلقن وفُطرن على النقص، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث  أَبِي هُرَيْرَةَ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ".

الوقفة الثالثة: يجب أن يعلم الزوج أنه لم يجعل الله له القوامة على المرأة إلا لأنه أكمل عقلا، فصار واجبا عليه أن يكون هو الذي يتحمل أكثر ويعفو أكثر، ويتصرف بحكمة، فالمرأة غالبا ناقصة في عقلها، عاطفية في حكمها، فتصرفها غالبا يكون سريعًا مجانبًا للصواب، ولكنها سريعة الرجوع، فكن حازمًا في عقل وحكمة، ولا تكن أعوج همجيًّا في حكمك .

الوقفة الرابعة: أن يعلم الزوجان أن لكل واحد منهما حقوقا على الآخر، فليؤد كل منهما الحقوق التي عليه قبل أن يطالب بحقوقه؛ لينعم الجميع بالعدل .

الوقفة الخامسة: أن يتعاشر الزوجان بالمعروف، كما قال سبحانه: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ومتى ما كره أحدهما الآخر فليصبر فلعل الله يجعل في ذلك خيرًا كثيرًا، كما قال سبحانه: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].

الوقفة السادسة: على الزوجين أن لا يبغض أحدهما الآخر بشدة، وعليه أن يتذكر الجانب الحسن منه، فالكل له جانب حسن وآخر سيئ، وغالبًا أن الحسنات تغلب السيئات، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-:  "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقا رضي منها آخر" وقوله: لا يفرك، يعني: لا يبغض .

الوقفة السابعة: عند حدوث المشاكل بين الزوجين فليتبعا ما سنّه الله لهما في حل المشاكل، قال سبحانه: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ –يعني: تكبرها ومعصيتها لزوجها- فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) [النساء: 34].

 هذه ثلاث أساليب في حل المشكلة في داخل البيت بدون نشر المشكلة أو تدخل أحد من الناس أيًّا كان، فيعضها ببيان الواجب عليها وتخويفها بالله، فإن أبت الرجوع هجرها في الفراش، فإن أبت ضربها ضربا غير مبرح، فإن أبت، فلا بأس من تدخل الحكماء العقلاء، فقد أمر –سبحانه- أن يبعث كل واحد منهما برجل عاقل يكون حَكَمًا عنه فيحكما بينهما.

 فإن لم تصلح الأمور، فللزوج أن يطلق بعد ذلك طلقة واحدة، لعل الطلاق أن يكون حلاً للمشاكل، فتبقى مع زوجها وهي مطلقة مدة العدة، لا يجوز لها أن تخرج من البيت، ولا يجوز للزوج أن يخرجها حتى تنقضي العدة، قال تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ) [الطلاق: 1]، وعلى الزوجة أن تخدمه في هذه المدة وأن تتجمل له، وعلى الزوج أن ينفق عليها، حتى تنتهي العدة، قال تعالى: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق: 1].

وفي الغالب أن الرجل والمرأة يندمان على الفراق، ويُرجع الرجل زوجته، ويصلُح أمرهم، فمن فعل ذلك فقد اتقى الله، والله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2].

اللهم ارزقنا التمسك بسنة نبيك حتى الممات، أقول ...

الخطبة الثانية:

أما بعد فيا أيها الناس: فلا يزال الحديث موصولاً في المواقف التربوية التي تهم الأسرة:

الوقفة الثامنة: عند حدوث المشكلة بين الزوجين، فعلى الزوج أن لا يستعجل في اتخاذ الحكم، بل عليه أن يفارق المكان ولو أن يخرج خارج المنزل، فكثير من المشاكل تحل بهدوء بعد زوال الغضب .

الوقفة التاسعة: على الزوجين أن يستخدما شعرة معاوية -رضي الله عنه-، فإذا شد أحدهما، أن يرخي الآخر، حتى لا تنقطع تلك الشعرة

.

الوقفة العاشرة: عندما يريد الزوج أن يطلق فليطلق على السُّنة، وهو أن يطلق طلقة واحدة، في طهر لم يجامعها فيه، أو وهي حامل فقط، وهذه هي العدة التي أمر الله بها في قوله (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1].

الوقفة الحادية عشرة: عند تأزم الأمور واتخاذ كل أساليب الإصلاح، فليطلق الزوج، ويحرم عليه تعليقها ومضارتها لأيّ أمر من الأمور، وأن يكون الطلاق بمعروف وإحسان، خصوصًا إذا كان بينهما أولاد، لتستمر عيشة الأولاد بينهما، ويقل ضرر الفرقة، وللأسف فإن أكثر الطلاقات لا تنتهي بمعروف، بل بمشاكل في المحاكم، ومشاكل في حضانة الأولاد، قال تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق: 2]، وقال: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229].

عباد الله: هذه مقتطفات في حل المشاكل الأسرية، أقولها وقد تفاقمت الخلافات وكثر الطلاق، كل ذلك من جراء جهل كثير من الأزواج بطرق معاملة الزوجة .

والأصل في الحياة الزوجة أن يتقي الزوجان الله في معاشرتهما البعض، قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ)، وما رئي شيء يفسد العلاقة الزوجية ويجلب لها المنغصات مثل المعاصي والبعد عن الطاعات، قال بعض السلف: "إني لأعصي الله فأرى ذلك في خُلق أهلي ودابتي"، ولهذا ذكّر الله الزوجان أن يتقيا الله في أمورهما ومشاكلهما ليصلح شأنهما، فقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3].

وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4]، الله أكبر، إن يتق الله العبد يجعل له مخرجا، يعني من كل مشكلة، مخرجا مناسبا للطرفين، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ثم ييسر له كل عسير في حياته، ويجعل له من أمره يسرا، وعود لا تتخلف لمن اتقى الله.

اللهم ارزقنا تقواك، واجعلنا نخشاك كأنا نراك يا رب العالمين ...

اللهم أصلح أحوال المسلمين