العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وإنما يُصاب النشء بالعُقد النفسية عندما يشاهد الأطفال الأمَّ والأب وما بينهما من شِجار ونزاع وتبادلٍ للتّهم وتراشقٍ بالكلمات البذيئة التي لا خير فيها، ولا تحقِّق خيرًا، وإنما تنشر سوءًا وبلاء...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فيا أيّها الناس: اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله: أنزل الله كتابَه العزيز، وأمر العبادَ بتدبّره والعمل بمقتضاه، ففي تدبّره والعمل بمقتضاه السعادةُ في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 29] وقال -جل جلاله-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام: 155].
ففي تدبّر القرآن السعادةُ والهدى، وفي تدبّر القرآن الرحمةُ والخير، فالأمة تسعَد عندما يكون كتاب الله نظامَ حياتها، تحكِّمه وتتحاكم إليه، وتعمل بأوامره وتبتعد عن نواهيه، وتتأدَّب بآدابه، وتقف عند حدوده، فعند ذلك تنال السعادة في الدنيا والآخرة، (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه: 123] أجل؛ إن اتباعَ القرآن العزيز عصمةٌ من الخطأ والضلال، فمن اتَّبع هذا القرآن وحكَّمه وتحاكم إليه نجا من الضلال والشقاء.
وهو نورٌ تهتدي به البشرية فيخلِّصها من ظلمات الجهل والضلال، قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [محمد: 24] وقال: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة: 16].
إنما تُصاب البشرية في معتقداتها وفي أخلاقها وسلوكها، وإنما يصاب الفردُ أيضًا في نفسه في علاقته مع ربه وصلته مع أهله وصلته مع الناس أجمعين، إنما يصاب بالبلاء عندما يتخلى عن العمل بالقرآن، فتطبيق آداب القرآن سببٌ للسعادة والهناء في الدنيا والآخرة، والإعراض عنه سببٌ للشقاء في الدنيا والآخرة.
أيها المسلم: كتاب الله يهدي إلى كل خير، (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38]، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89].
أيها المسلم: خذ مثلاً العلاقةَ بين الزوجين وضمانَ حقِّ كلٍّ منهما، قد جاء القرآن بما يكفل ذلك، وبما يُنهي كلَّ نزاع، وبما يحقِّق للزوجين السعادة الزوجية في هذه الدنيا، وبما يضمن اتفاقَ الكلمة، ونشْء الذرية في بيت تُرفرف عليه أعلامُ السعادة والهناء، ولكن عندما يُعرض الفرد عن كتاب الله ولا يطبِّق آدابَ القرآن عند ذلك يقع البلاء.
أيها المسلم: العلاقة بين الزوجين أمرٌ مهمٌّ، فإنَّ استقامتها سببٌ لاستقامة الحال وعمارةِ المنزل, وانتظامِ شأن الولد وحياة الأولاد بين الأبوين المتعاونين؛ في سبيل إصلاح الأولاد وتربيتهم التربية الصالحة. وعندما يعطِّل الناس آدابَ القرآن ولا يطبقونه تشقى الحياةُ الزوجية، فتبقى المرأة أرملة والزوجُ أيّمًا بلا زوجة، والولد يتشتت، ويُصاب الأولاد بالعُقد النفسية بين بعدهم عن أبيهم تارة وبين بعدهم عن أمهم تارة أخرى. وكلُّ ذلك من عدم تطبيق أدب القرآن في هذا.
الله -جل جلاله- في كتابه العزيز وضع للزوجين نظامًا إنْ هما سارا عليه فإنَّ ذلك سبب لسعادتهما واجتماعهما وتآلف قلوبهما، قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228]، فالجزء من هذه الآية بيَّن الله فيه أن للمرأة حقًا كما عليها حق، وللرجل حق على امرأته كما له عليها حق، فله عليها حق، ولها عليه حق، فإذا قام الزوجُ بالواجب عليه وقامت المرأة المسلمة بالحق الواجب عليها وتعاون الجميع على ذلك, فعند ذلك تكون الحياة الزوجية حياةً طيبة سعيدة.
أيها المسلم: سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- أرشدت الزوجين أيضًا إلى هذا المنهج القويم.
فأولاً: نجد في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترغيبَ الأزواج في القيام بحق النساء، ووصيتَهم بذلك، فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوجَ ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، فاستوصوا بالنساء خيرًا" [متفق عليه]، ويقول: "المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتَها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج" [متفق عليه], فأخبرنا -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة وضعفِها وعجزها وأنها خُلقت من ضلع أعوج, وأنَّ الرجلَ يجب أن يكون أقوى منها تحمّلاً، أشدَّ منها صبرًا وتحملاً، لا يعاتِب على كلّ قليل وكثير، ولا يأمَل الكمالَ المطلق، وإنما يقبل منها ما جاء، ويتحمَّل بعضَ ما فات، فبذا تستقيم الحياة، وفي لفظ: "ولن تستقيم لك على طريقة" فهي لا تستقيم لك على كلّ ما تريد، لكن الزوج هو أقوى وأشد تحملاً وصبرًا وعلاجًا للمشكل.
ويبين -صلى الله عليه وسلم- أن المرأة المؤمنة قد يكون منها شيء من الأخلاق التي لا يرضاها الزوج، وهي أخلاق لا تتنافى مع الشرف والفضل والفضيلة، ولكن طباع بعض الناس، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" [أخرجه مسلم] فالمرأة المؤمنة قد تكره منها شيئًا من الطباع، ولكن في مقابل ذلك ترضى بأخلاق حسنة وسيرة طيبة، فليكن ما لديها من خلق كريم وعمل طيب مقابلَ ما قد ترى منها من بعض المخالفات.
ويبين -صلى الله عليه وسلم- أيضًا كيف يتعامل الرجلُ مع امرأته، يسأله معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- قائلاً: يا رسول الله؛ ما حقُّ امرأتنا على زوجها؟ قال: "أن تطعمَها إذا طعمتَ، وتكسوَها إذا اكتسيتَ، ولا تضربِ الوجهَ، ولا تقبِّح، ولا تهجرْ إلا في البيت" [رواه أحمد] هكذا يوصي هذا الصحابي، أنك تنفق عليها، "تطعمها إذا طعمت، تكسوها إن اكتسيت"، أيضًا إذا أردتَ التأديبَ فكن واقعيًا مؤدّبًا، لا تضربِ الوجه فهو أجملُ أعضائها، والضرب فيه إهانة، "ولا تقبِّح" لا تخاطبها بالألفاظ الشنيعة البذيئة الساقطة، تقولُ لها: قبَّحك الله، فكيف بمن يلعن أباها وأمَّها؟! وكيف بمن يسبّها ويعيبها؟! وكيف بمن يقول فيها ما هي براء منه؟! إنَّ غضبَك أحيانًا قد يحمِلك على شيء، لكن ليكن عندك تماسكٌ أثناءَ الغضب، وثباتٌ أثناء الغضب من أن يزلَّ لسانك بكلمات تندم عليها ولا ينفعك الندم.
ويبيِّن -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر حقَّ الزوجة على زوجها وحقَّ الزوج عليها فيقول: "إن لكم على نسائكم أن لا يوطِئن فرشَكم أحدًا تكرهونه، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهونه، ولهنَّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" [ أخرجه مسلم].
أيها المسلم: هكذا أرشد الإسلام الزوجَ كيف يتعامل مع المرأة، وكيف يصبر، وكيف يتحمَّل، وكيف يعالج أيَّ نزاع. ثم في مقابل ذلك يرشد المرأةَ إلى طاعة زوجها، والسمع والطاعة له في المعروف، والتأدُّب معه، وتنفيذ أوامره، فيقول -صلى الله عليه وسلم- مبيِّنا عظيم حقّ الزوج على امرأته لمَّا سجد له معاذ بن جبل نهاه، فقال: رأيتُ النصارى يسجدون لبطارقتهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت آمرًا أحدًا بالسجود لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها" [أحمد وابن حبان].
ويقول -صلى الله عليه وسلم-مبينًا أيضًا ما للزوج على امرأته: "إذا أغضبتِ المرأة زوجَها في الدنيا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا" [أحمد والترمذي]، ويحذِّر -صلى الله عليه وسلم- المرأةَ المسلمة من عصيان الزوج فيما يطلب منها من متعة فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا الرجلُ امرأتَه لفراشه فلم تجبه فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" [متفق عليه].
أيها المسلم: إن بتدبّر القرآن والسنة يعلم الزوجُ ما له وما عليه، وإن قيامَ كلٍّ منهما بما يجب عليه هو الذي يحقّق السعادة، وهو الذي يرسي دعائمَ الاستقرار في المنزل، وهو الذي يجعل الأبوين يقومان بالواجب المُلقى عليهما نحوَ أولادهما، فينشأ الولدُ وتنشأ البنتُ نشأةً صالحة بين أبوين مسلمين، محترمًا بعضهم بعضًا، فتنشأ البنت تحترم زوجَها، وينشأ الابن يحترم أمَّه وأباه، وإنما يُصاب النشء بالعُقد النفسية عندما يشاهد الأطفال الأمَّ والأب وما بينهما من شِجار ونزاع وتبادلٍ للتّهم وتراشقٍ بالكلمات البذيئة التي لا خير فيها، ولا تحقِّق خيرًا، وإنما تنشر سوءًا وبلاء، (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء: 53].
فالتعامل بالأخلاق الكريمة بين الزوجين واحترامُ كلٍّ منهما لصاحبه وقيامُ كلّ منهما بالواجب عليه هو الأمر المطلوب من المسلمين، هذا الذي دعا إليه القرآن، وأرشدت إليه سنة المصطفى.
أيها المسلم: إن آدابَ القرآن هي الآداب الحميدة، وهي الآدابُ التي تحقِّق السعادة، فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاستقامةَ على الهدى، والعملَ بهذا القرآن، إنه على كل شيء قدير. يقول الله -جل وعلا-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)[البقرة:228].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطـبة الثانيـة:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماُ كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: من الأسبابِ التي تثير النزاعَ بين الزوجين، وتعمِّق هذا النزاع، وتجعله نزاعًا قويًا عميقًا، من أسباب ذلك أمور:
فمن أهمها تدخُّل أولياء الزوجين في اختلاف وجهة النظر بين الزوج وزوجته، فربما تدخّلٌ من أولياء المرأة، وتجسيد للأخطاء، ومحاولةُ إيقاد نار الفتنة بين الزوج وزوجته، فأولياءُ المرأة يقفون معها في كلّ ما تدَّعيه، حقًا كان أو باطلاً، صدقًا كان أم كذبًا، المهمُّ أنهم يقفون مع ابنتهم من غير مراعاة للزوج وحقوقه، وهل البنت محقَّة فيما تقول أم غير محقة؟ وهل يمكن أن هذا الاختلاف يعالَج بالطرق المناسبة أم لا؟ المهمّ أنهم يقفون مع البنت دون مراعاة لحقِّ الزوج. وربَّما وقف أولياءُ الزوج مع ابنهم دون مراعاة لحقّ الزوجة، وهل ابنُهم صادق فيما يدعيه أم ابنهم غير صالح لهذه المرأة؟.
فهذا التدخّل من الأولياء مما يسبّب انتشارَ الاختلاف، مما يسبّب عمقَ الاختلاف وتطوّره، ولكن لو كان أولياء الزوجين ولو كان الأهلون من الزوجين ساعين جميعًا في التوفيق واجتماع كلمتهما والحرص على تضييق شقة النزاع لكان خيرًا، ولذا قال الله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء:35]، وقال: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَـافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء:128]. إذًا فالأهلون أهلُ الزوج والزوجة لا بد أن يسعيا في الإصلاح والتوفيق ما وُجِد لذلك سبيل.
ومن أسباب النزاع أيضًا والاختلاف: تسلّطُ بعض الأزواج على مال امرأته، وعلى مرتَّب امرأته، والتحكّم فيه، وأخذُ معظمه أو كلّه، وظلمُها بذلك، من غير مراعاة للشعور، وهذا أيضًا خطأ، فمالها هي أحقّ به، وأنت مُلزمٌ بالنفقة والقيام بالواجب، والتسلّطُ على الأموال ليس من المباح، بل هو من الظلم، فلا بد من إعطائها حقَّها، إلا بطيبة نفسٍ منها، (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) [النساء: 4].
ومن أسباب هذا الاختلاف: ما يحصل أحيانًا من بعض الأزواج، فبعضُ الرجال هدانا الله وإياهم للخير، وبصَّرنا وإياهم فيما يعود علينا بالنفع، بعضُ الأزواج لديه هجرانٌ لامرأته، مثلاً في أيام إجازته يستغلّها في البعد عن امرأته، وربَّما ابتعدَ الشهر والشهرين دون أن تعلمَ المرأة عن زوجها وحاله، وربما لا يريد استصحابَ زوجته معه ولا سفرَها معه، ويريد كما يقول أن يأخذ حريتَه في كلّ ما يأتي ويذر، وأن وجودَ المرأة معه تأخذ على يده وتمنعه من بعض التصرُّفات الخاطئة.
فهو يريد شُللا يمشي معها دون أن يكون له ارتباطٌ بامرأته، تصحبه فيستثقل سفرَها معه، ويحاول البعدَ عنها مدةً من الزمن، وربما كان هذا السفر مقتطعًا من نفقة البيت والأولاد، ولكن عمَى البصيرة يحول بين الناس وبين التصرفات الطيبة.
وبعضُ الأزواج -هدانا الله وإياهم- وإن لم يسافر لكن معظم الليل لا تراه في منزله، ولا سيما مساءَ الأربعاء ومساءَ الخميس والجمعة، لا يكون متواجدًا في المنزل، ولا يهتمّ بالمنزل، عدَّة ليال من الأسبوع في لهوه ولعبه وسهره مع زملائه وأصدقائه، أما المرأة والبيت فمهجور مهما كان فيه من الظروف. وهذا -يا أخي- من الأخطاء السيئة.
وبعضٌ من النساء أيضًا قد يخطئن، فهناك الشكوك الكثيرة من بعض النساء، وهناك التقصّي الذي لا مبرِّر له، وهناك الوساوسُ التي لا داعيَ لها، كما أن الرجلَ يجب أن يكون متَّزنًا، فإياه والشكوك وظنون السوء التي بناها على غير هدى، وإنما هي وساوس وتدخُّلات من بعض جلساء السوء، ليفسدوا بين الزوجين ويفصم عرى المودة بينهما.
فليتق الرجلُ ربَّه في امرأته، ولتتقي المرأة ربَّها في زوجها، وليتَّق أهلُ الرجل وأهل المرأة ربَّهم في الزوجين، وليحرص كلٌّ على جمع الكلمة وردء الصدع ووحدة الصف، فهذا هو المطلوب، نسأل الله أن يعيننا جميعًا على كل خير.
واعلموا -رحمكم الله- أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يدَ الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...