الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحكمة وتعليل أفعال الله |
وإذا كان دين الإسلام قد حفظ لأهل الإيمان عقولهم وأعراضهم وأخلاقهم وتعاملاتهم؛ فإن ثمة أمورًا هي أبوابٌ للشر ومداخل للفساد ومواطنٌ للعطب إذا ولج منها الإنسان فسد عقله وضاع دينه وانهدم خُلقه ووقع في أنواعٍ من الدنايا وسيء الأمور ورديئها. وإن من أشنع ما يكون في هذا الباب ضررًا وأعظمَ ما يكون في هذا الباب خطرًا على الناس ولاسيما الشباب؛ تعاطي المخدرات، وما أدراك ما المخدرات!! فما أعظم شرها وما أكبر خطرها، وما أعظم جناياتها على العقول والأفكار والأخلاق والآداب والأديان والقيم.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله –تعالى-، وراقبوه جل في علاه مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه. وتقوى الله -جل وعلا- عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون عباد الله: إنَّ نعمة الله -عزَّ وجل- علينا معاشر المؤمنين بهذا الدين نعمةٌ عظيمة ومنَّةٌ جسيمة؛ فإنَّ الله عز وجل يقول: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الحجرات:7-8].
وبهذا الدين حُفظت لأهل الإيمان عقولهم وأخلاقهم وأموالهم وأعراضهم وطابت حياتهم؛ ألا ما أعظمها من نعمة وأجلَّها من منَّة، فلله -تبارك وتعالى- الحمد أولًا وآخرًا، وله الشكر ظاهرًا وباطنًا.
أيها المؤمنون عباد الله: وإذا كان دين الإسلام قد حفظ لأهل الإيمان عقولهم وأعراضهم وأخلاقهم وتعاملاتهم؛ فإن ثمة أمورًا هي أبوابٌ للشر ومداخل للفساد ومواطنٌ للعطب إذا ولج منها الإنسان فسد عقله وضاع دينه وانهدم خُلقه ووقع في أنواعٍ من الدنايا وسيء الأمور ورديئها.
عباد الله: وإن من أشنع ما يكون في هذا الباب ضررًا وأعظمَ ما يكون في هذا الباب خطرًا على الناس ولاسيما الشباب؛ تعاطي المخدرات، وما أدراك ما المخدرات!! فما أعظم شرها وما أكبر خطرها، وما أعظم جناياتها على العقول والأفكار والأخلاق والآداب والأديان والقيم.
عباد الله: ولقد أضحى من المتقرر لدى العقلاء والفطناء أن المخدرات أصبحت في هذا الزمن من أنفذ الأسلحة التي يستعملها أعداء دين الله للفتك في أبناء المسلمين، والجناية عليهم بما يفسِد أديانهم وعقولهم وأخلاقهم، بحيث يصبحون أداة فسادٍ وشرٍ وهدمٍ في مجتمعاتهم المسلمة.
عباد الله: والإسلام حرَّم الخمر وحرَّم المسكرات والمخدرات والمفتِّرات؛ لأنَّ جنايتها على الناس جنايةٌ عظيمة، ومضرَّتها عليهم مضرة جسيمة يدركها المتأمل ويستبينها المتبصِّر.
ولقد صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ"؛ فهي مفاتيح الشرور ومجمَع الخبائث ومنبع القبائح بأنواعها، وإذا وضع الشاب قدمه في هذا الطريق -طريق تعاطي الخمور والمخدرات- فإنه يكون بذلك قد جنى على نفسه جناية عظيمة وأوقعها في مسلكٍ وخيم وبوابة خطيرة تفضي به إلى كل شر وبلاء.
أيها المؤمنون عباد الله ويا أيها الشباب: لنعلم أن المخدرات قد جمعت أنواعًا من المضرات وصنوفًا من البلايا وأنواعًا من الشرور لا تحصى بعَدٍّ؛ لكثرتها، حتى قال أحد العلماء وهو يعدِّد مضار الحشيش: "ففي أكلها مئة وعشرون مضرةً دينية ودنيوية". وهذا العدد قليلٌ عندما تُحصى وتُحصر أضرار المخدرات وشنائعها وما يترتب عليها من آفات خطيرة وأضرار جسيمة على متعاطيها في دنياه وأخراه.
فكم فيها -عباد الله- من صدٍّ عن ذكر الله -عز وجل- وإبعادٍ عن العبادة وصرفٍ عن الطاعة وإيقاعٍ في المعاصي والمحرمات، كما قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة:91].
وكم فيها -عباد الله- من جلبٍ للشرور ونشرٍ للعدوان وإشاعةٍ للجريمة؛ فمن وضع قدمه في طريق المخدرات فقد وضع قدمه في طريق الإجرام، فإن المتعاطين للمخدرات من أعظم الناس سلوكا لطريق الجريمة بأنواعها من قتلٍ وسرقاتٍ واغتصابٍ إلى غير ذلك من أنواع العدوان.
وكم في تعاطيها -عباد الله- من جناية على الأسر المستقرة؛ فإذا وُجد في الأسرة من يتعاطى المخدر ولاسيما رب الأسرة فإنه يجني على أسرته جناية عظيمة، فكم تشتت من أسر وكم تفرَّق من أبناء وكم وقع من خلع وطلاق بسبب هذه الآفة الخطيرة والبلية العظيمة.
وفي تعاطي المخدرات نزعٌ للحياء، بل إن المخدر ينتزع الحياء من متعاطي المخدِّر انتزاعًا شديدا، ولا تسأل عن هلكة رجل ذهب حياؤه، و"إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ".
وفي تعاطي المخدرات قتلٌ للغيرة التي فيها حمايةُ العرض وصيانةُ الفضيلة، بل أصبح بعض من يتعاطى المخدرات لا يبالي بأن يعرِض عرضه من أهلٍ أو أختٍ أو بنت في سبيل نيل شيء من المخدرات أو الأموال التي يشتري بها المخدرات.
وكم فيها من قتلٍ لطموحات المرء وهمَّته، حتى إن المتعاطي يصبح لا همَّ له في هذه الحياة بعد أن يتناول جرعةً من المخدر إلا على الحصول على جرعة أخرى، لا همَّ له إلا ذلك.
وكم وكم من الأضرار العظيمة والجنايات الجسيمة التي تترتب على تعاطي المخدرات من فساد وشرور وأضرار متنوعات.
أما العقوبة لمن يتعاطى المخدر والمسكر يوم القيامة يوم يقف بين يدي الله -عز وجل- فما أعظمها وأفظعها، وقد جاء في ذلك أحاديث متكاثرات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نصحًا للأمة وتحذيرًا للعباد، فقد جاء في مسند الإمام أحمد حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ".
وثبت في سنن ابن ماجة عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ".
وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟"، قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ". والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
أيها الشاب: إن كنت في عافيةٍ من هذا الأمر فاحمد الذي عافاك، وسلْه -سبحانه وتعالى- أن يثبِّتك على هذه العافية، وأن يعيذك من هذا البلاء، وأن يحفظ لك دينك، وأن يعيذك من أبواب الشر والفساد، واحذر هذا الطريق ولاسيما البدايات، فإن البدايات لها ما وراءها من النهايات الأسيفة والمآلات المؤلمة.
ويا أيها الشاب إن كنت وقعت في شيء من ذلك فتدارك نفسك بتوبةٍ نصوح وعودةٍ إلى الله -سبحانه وتعالى-، وإياك ثم إياك أن تتمادى في هذا الطريق فإن عاقبته عليك في دنياك وأخراك وخيمةٌ وجسيمة.
وإنا لنسأل الله -جل في علاه- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظ أبناءنا وبناتنا، وأن يعيذهم من الشرور، وأن يحفظهم بما يحفظ به عباده الصالحين، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون عباد الله: إننا في هذه الحياة في دار ابتلاء وامتحان، والله -سبحانه وتعالى- يبلو العباد في هذه الحياة بأنواع من الابتلاءات؛ فعلى العبد أن يتقي الله -عز وجل-، وأن يكون أولى أولوياته وأهم أموره في حياته أن يعمل على حفظ دينه وصيانته من كل مفسدٍ أو مبطل، وليكن في ذلك مستعينًا بالله تبارك وتعالى طالبًا مدَّه وعونه وتوفيقه.
واعلموا رعاكم الله أن الكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصَلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومعينا وحافظاً ومؤيدا. اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحوهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليّها ومولاها. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.