المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | توحيد الأسماء والصفات |
مختصَرُ الإجابة:
العبادةُ واجبٌ على الخَلْق، وهم محتاجون إليها، واللهُ تعالى تفضَّل بها على خلقِه، وشرَّفهم وكرَّمهم بها؛ فالعبادةُ هي مصلحةٌ للعبادِ أنفُسِهم، ولا يضُرُّ الكافرُ بكفرِهِ إلا نفسَه، ولا يَنفَعُ المؤمِنُ بإيمانِهِ وعبادتِهِ إلا نفسَه.
وللعبادةِ حكمةٌ تعودُ إليه تعالى أيضًا؛ فاللهُ يُحِبُّ أن يُطاعَ، ويحبُّ أن يُعبَدَ، ويحبُّ أن يُمدَحَ؛ فهو سبحانه مستحِقٌّ لأن يُحَبَّ لذاتِهِ ولنعمِه، وأن يُتذلَّلَ له سبحانه ويُخضَع، ومحبَّتُهُ والذُّلُّ له تُوجِبُ عبوديَّتَهُ؛ فغايةُ الحبِّ والذلِّ: العبادةُ.
ومَن عرَفَ اللهَ بأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ، أحبَّه لا محالةَ؛ كما يقولُ ابنُ القيِّم، ومَن لم يَعرِفْ ربَّه ويعبُدْهُ، عبَدَ مَن دونَه؛ مِن مالٍ ومَنصِبٍ، وشهوةٍ وهوًى، ويتمزَّقُ قلبُهُ هنا وهناك.
وهو سبحانه الغنيُّ عن خلقِه، والخَلْقُ كلُّهم مفتقِرٌ إليه، والعبادةُ اتِّصالٌ بين النفسِ وخالقِها؛ وذلك الذي لا يعبُدُ اللهَ تائهٌ لا يهتدي، كتَبَ على نفسِهِ الشقاءَ في الدنيا والآخِرة؛ لأن العبادةَ الحياةُ الحَقَّة.
الجوابُ التفصيليّ:
«العبادةُ» عُرِّفَتْ بتعريفاتٍ كثيرةٍ:
منها: أنها اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّهُ اللهُ ويَرْضاهُ مِن الأقوالِ والأعمالِ الظاهرةِ والباطنة، مع البراءةِ مِن كلِّ ما يخالِفُ ذلك ويضادُّه.
ومنها أنها: غايةُ الحُبِّ، مع غايةِ الذُّلّ.
إن محاوَلةَ فهمِ دعوى «حاجةِ الربِّ للعبادة»، هي - في الحقيقةِ - محاوَلةٌ مبنيَّةٌ على «أَنْسَنةِ الإله»، وأنه سبحانه يطلُبُ عن طمَعٍ، ويَمنَعُ عن أثَرةٍ وحسَد؛ فالمعترِضُ على طلبِ اللهِ مِن خلقِهِ أن يعبُدوهُ، لا يَسمَحُ لعقلِهِ أن يتصوَّرَ أن طلبَهُ سبحانه لا تحرِّكُهُ رغبةُ استكمالِ الحاجةِ، وسَدِّ النقصِ، كما في بني البشَر؛ فقاس السائلُ خصائصَ اللهِ سبحانه الغنيِّ بذاتِهِ على خصائصِ المخلوقِ الفقيرِ بذاتِه، ومثَّل ذاتَ اللهِ بذاتِ البشَر؛ وهذا خلَلٌ في التعامُلِ مع صفاتِ اللهِ تعالى.
فإن للهِ عِلمًا كاملًا لا يُحيطُ به أحدٌ مِن خلقِه، وقدرةً كاملةً لا يحيطُ بها أحدٌ، وهكذا يُثبَتُ للهِ مِن الصفاتِ التي هي صفاتُ كمالٍ للبشَرِ ما يوافِقُ كمالَه، ولكنْ على الوجهِ الأتمِّ والأكمل.
والطلبُ في عالَمِ الإنسانِ لا يقتضي بالضرورةِ التعبيرَ عن النقص؛ فهو مِن بابِ أَوْلى متصوَّرٌ في حقِّ الإلهِ الخالقِ العظيم، الذي دلَّت على وجودِهِ وكمالِهِ دلائلُ الخلقِ والإيجاد، والتصميمِ والعنايةِ والإتقان؛ فقد يصدُرُ الطلبُ في بني الإنسان، ولا يعبِّرُ عن نقصٍ في طالبِه؛ كما يطلُبُ الطبيبُ مِن المريضِ أن يأخُذَ الدواء، وكما يطلُبُ الغنيُّ مِن الفقيرِ أن يمُدَّ يدَهُ ليأخُذَ المال؛ فهذا يقتضي بطلانَ اللزومِ أن تكونَ الحاجةُ والنقصُ هي دائمًا مصدرَ الطلَب.
فكذا الحالُ في بابِ العبادة؛ حينما يطلُبُ اللهُ مِن البشَرِ عبادتَه؛ فهو محضُ تفضُّلٍ منه سبحانه الذي يريدُ لعبادِهِ الخيرَ والمصلحةَ.
فهذا السؤالُ مَعيبٌ في حقِّ سائلِهِ؛ إنْ هو آمَنَ بوجودِ الخالقِ وكمالِهِ وعظمتِه؛ فمَن ذا الذي يَسْألُ اللهَ بجلالِهِ وعظمتِهِ عن الحكمةِ مِن فعلِه؟! فليس لأحدٍ مِن خلقِهِ أن يَسْألَهُ سبحانه ما دام أن أحدًا غيرَهُ ليس إلهًا، وليس لدَيْهِ العِلمُ، ولا إمكانُ العِلمِ به سبحانه:
فالمؤمِنُ: لا يَسْألُ هذا السؤالَ أدبًا وخشيةً مِن اللهِ، ويقينًا في كمالِه، ومعرفةً بإمكاناتِ نفسِهِ، ومحدوديَّةِ عقلِه.
وكذا المُلحِدُ الجادُّ: لا يَسْألُ هذا السؤالَ؛ لأنه لا يعترِفُ باللهِ ابتداءً، فلو كان قد اعترَفَ بربوبيَّتِهِ وألوهيَّتِهِ، لَعَرَفَ معها أن هذا السؤالَ مِن شأنِهِ هو سبحانه، ولا يُسْألُ عنه؛ لأنه المهيمِنُ وحده، العليمُ بما يَفعَل.
وتتبيَّنُ أوجُهُ الغلَطِ في السؤالِ بما يأتي:
أوَّلًا: اللهُ - تبارَكَ وتعالى - لا يَفعَلُ العبَثَ؛ وهذا يدُلُّ عليه العقلُ؛ فكمالُ الصنعةِ دليلٌ على كمالِ القدرة، وكمالُ القدرةِ دليلٌ على كمالِ الحكمة، وكمالُ الحكمةِ نقيضُ العبَث؛ وهذا المعنى متضافِرٌ في نصوصِ الوحي، ومع عِلْمِ الإنسانِ القاصرِ، فقد بيَّن اللهُ تعالى هذا المعنى بنفسِه؛ لعلمِهِ أن بعضَ أفعالِهِ لن يتصوَّرَ حِكمتَها البشَرُ؛ كما قال تعالى:
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾
[المؤمنون: 115]
وقال:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾
[ص: 27].
ثانيًا: في نفسِ الإجابةِ على طلبِ اللهِ مِن خلقِهِ أن يعبُدُوه، أكَّد المولى تبارَكَ وتعالى أنه الغنيُّ عن خلقِه، وأنهم مفتقِرون إليه؛ فلا يُحصَّلُ الرزقُ والعطاءُ إلا منه.
بل العبادةُ هي مصلحةٌ للعبادِ أنفُسِهم، ولا يضُرُّ الكافرُ بكفرِهِ إلا نفسَه، ولا يَنفَعُ المؤمِنُ بإيمانِهِ إلا نفسَه:
كما قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾
[الذاريات: 56- 58].
وقال سبحانه في الحديثِ القُدُسيِّ الذي رواه أبو ذَرٍّ رضيَ اللهُ عنه:
«يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ؛ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ؛ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»
رواه مسلم (2577).
وقد نظَمَ بعضُ الصالحينَ ذلك، فقال:
أَنَا الْفَقِيرُ إِلَى رَبِّ الْبَرِيَّاتِ أَنَا الْمُسَيْكِينُ فِي مَجْمُوعِ حَالَاتِي
أَنَا الظَّلُومُ لِنَفْسِي وَهْيَ ظَالِمَتِي وَالْخَيْرُ إِنْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدِهِ يَاتِي
لَا أَسْتَطِيعُ لِنَفْسِي جَلْبَ مَنْفَعَةٍ وَلَا عَنِ النَّفْسِ لِي دَفْعَ المَضَرَّاتِ
وَلَيْسَ لِي دُونَهُ مَوْلًى يُدَبِّرُنِي وَلَا شَفِيعٌ إِذَا حَاطَتْ خَطِيئَاتِي
وَالْفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لَازِمٌ أَبَدًا كَمَا الْغِنَى أَبَدًا وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي
ثالثًا: غِنَى اللهِ تعالى عن عبادةِ الخلقِ له، لا يَلزَمُ منه انتفاءُ حكمةٍ تعودُ إليه مِن عبادتِهم؛ فإن اللهَ تعالى يُحِبُّ أن يُطاعَ، ويحبُّ أن يُعبَدَ، ويحبُّ أن يُمدَحَ.
رابعًا: أن اللهَ تبارَكَ وتعالى مِن كمالِ جُودِهِ وإنعامِهِ على الإنسانِ خاصَّةً: أنْ منَحَهُ العقلَ، وميَّزه به، وخلَقَ الكونَ كلَّه لأجلِه، واختَصَّ الإنسانَ لنفسِه، فاختار مِن بعضِ البشَرِ أنبياءَ، واصطفاهم لتلبيغِ وحيِه، واختَصَّ البشَرَ عامَّةً لنزولِ الوحيِ إليهم، وكرَّمهم وفضَّلهم على العالَمين، وأحَبَّ منهم أن يُطيعُوهُ إرادةً منه سبحانه لنفعِهم.
فاللهُ سبحانه يحبُّ مِن عبادِهِ أن يَعرِفوهُ ويحبُّوه، ويَعرِفوا فضلَهُ عليهم، ويخافوا عذابَهُ ويَتَّقوهُ، وفي الصحيحِ، عن النبيِّ ^:
«أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ»
رواه البخاري (7507)، ومسلم (2758).
خامسًا: أن اللهَ تعالى أهلٌ لأن يُحَبَّ، وأن يُتذلَّلَ له سبحانه ويُخضَع؛ لأن محبَّتَهُ والذُّلَّ له تُوجِبُ عبوديَّتَهُ؛ فغايةُ الحبِّ والذلِّ: العبادةُ؛ وذلك لأن كمالَ اللهِ تعالى يقتضي كمالَ حُبِّهِ والتذلُّلِ له، وذلك يقتضي عبادتَه.
فالإنسانُ مأمورٌ بالعبادةِ مِن خارجِهِ ومِن داخلِه:
- مِن خارجِه: بما ورَدَ في نصوصِ الشرع، وبما يجدُهُ في الكونِ مِن دلائلِ الخلقِ والتصميم.
- وهو مدفوعٌ إلى العبادةِ مِن داخلِه؛ بما يجدُهُ في داخلِهِ مِن داعي الفطرة، وعِلمِهِ بنقصِ نفسِهِ، وقصورِ إمكاناتِه.
سادسًا: الحاجةُ الحقيقيَّةُ للعبادةِ هي عند الإنسانِ نفسِهِ؛ فهو أوَّلًا جزءٌ مِن هذا الكونِ الفسيح، والكونُ كلُّه في تناغُمٍ، ولا يخرُجُ عن أمرِ اللهِ تعالى، والكونُ كلُّه خاضعٌ قانتٌ لله، والإنسانُ يَلزَمُهُ أن يكونَ متناغِمًا مع هذا الكونِ الذي هو جزءٌ منه.
فالإنسان محتاجٌ إلى العبادةِ؛ ليحقِّقَ سكينةَ قلبِه، ويلبِّيَ سجيَّتَهُ الفطريَّةَ التي تناديهِ بتوحيدِ الخالقِ وحبِّه والاستسلامِ له، لا أن يعيشَ في حالةِ الاغترابِ والتخبُّطِ والعدَم.
فمَن عرَفَ اللهَ بأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ، أحبَّه لا محالةَ؛ كما يقولُ ابنُ القيِّم، ومَن لم يَعرِفْ ربَّه ويعبُدْهُ، عبَدَ مَن دونَه؛ مِن مالٍ ومَنصِبٍ، وشهوةٍ وهوًى، ويتمزَّقُ قلبُهُ هنا وهناك.
فالعبادةُ حياةٌ للقلبِ والرُّوح، وبدونِها ينخلِعُ المرءُ عن معنى الوجود؛ ليَغْدُوَ جُثَّةً تَدِبُّ على الأرض، كتَبَ على نفسِهِ الشقاءَ؛ كما قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾
[طه: 124].
والإنسانُ محتاجٌ إلى العبادة؛ لأنه الطريقُ الوحيدُ للنعيمِ الحقيقيِّ واللَّذَّةِ التي لا تفتُرُ حلاوتُها، والنجاةِ مِن عذابِ اللهِ تعالى؛ فالحياةُ الدنيا رِحْلةٌ، إما إلى الجنَّة، وإما إلى النار، وحياةُ الملحِدِ عبَثٌ صِرْفٌ؛ كما يقولُ الملحِدُ (كونتن سميث): «إننا جِئْنا مِن لا شيءٍ، بلا شيءٍ، لأجلِ لا شيءٍ»، واللهُ كرَّم الإنسانَ، وجعَلَ رِحْلتَهُ في الدنيا لغايةٍ، وهي تحقيقُ الفوزِ في امتحانِ الدنيا بالنجاةِ مِن النار.
إذَنْ: فالعبادةُ واجبٌ على الخَلْق، وهم محتاجون إليها، واللهُ تعالى تفضَّل بها على خلقِه، وشرَّفهم وكرَّمهم بها، وهو سبحانه مستحِقٌّ لأن يُعبَدَ لذاتِهِ ولنعمِه، وهو سبحانه الغنيُّ عن خلقِه، والخلقُ كلُّهم مفتقِرٌ إليه، والعبادةُ اتِّصالٌ بين النفسِ وخالقِها؛ ولذلك فالذي لا يعبُدُ اللهَ تائهٌ لا يَهْتدي، كتَبَ على نفسِهِ الشقاءَ في الدنيا والآخِرة؛ لأن العبادةَ الحياةُ الحَقَّة.
خاتِمةُ الجواب - توصية:
استحقاقُ اللهِ للعبادةِ هو مِن كمالِ ذاتِهِ وصفاتِه؛ فكونُهُ بهذه الصفاتِ يُوجِبُ عقلًا أن يُعبَدَ، بل لو طلَبَ منَّا ألَّا نعبُدَهُ، لكان ممتنِعًا؛ فكيف نَعلَمُ عنه كلَّ هذه العظَمةِ، ولا نعبُدَهُ، ولو لم تُوجَدِ العبادةُ، لكان منافيًا للحكمة.