الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
ادعى نفر من اليهود - أتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم يستطيعون أن يأتوا بمثل القرآن، وقالوا له: إنا نأتيك بمثل ما جئتنا به:
* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93]
وقيل: إن الحوار كان مع المشركين في مكة،
* وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال: 31]
وجوه إبطال الشبهة:1) لا تثبت الدعوى إلا بدليلها.
2) هذه الدعوى من تمويهات المشركين على عامة العرب.
3) كفر المشركين بالقرآن راجع إلى عنادهم وكبرهم.
4) القرآن معجز لا يستطيعه الإنس والجن ولو اجتمعوا له.
التفصيل: أولا. الدعوى لا تثبت إلا بدليلها:ادعاء نفر من اليهود أنهم يستطيعون أن ياتوا بمثل القرآن دعوى بلا دليل، كان منشؤها العناد للحق والعجز عن التحدي، وقد قالها من المشركين: النضر بن الحارث، الذي كان يختلف إلى فارس تاجرا فيمر بالعباد وهم يقرءون الإنجيل، فجاء مكة فوجد محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه، فقال: (قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا)، وكان يقول: هذا أساجيع أهل الحيرة، وقال أيضا: هذا أساطير الأولين، وقال ذلك أيضا: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وقد كان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي، وكان يقول: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إلي، وإن كان الله ينزله، فقد أنزلت مثل ما أنزل الله، وقيل: إن من قال ذلك هو مسيلمة الكذاب، وقيل: الأسود العنسي وسجاح زوجة مسيلمة، وكل من تنبأ وزعم أن الله قد أوحى إليه، وقيل: نزلت في كل من ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي.
ثانيا. دعوة باطلة للتمويه والصد:هذه الفرية هي من تمويهات أهل الشرك، وقد كانوا لا يتهمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكذب،
* وقد قال - سبحانه وتعالى - في ذلك: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: 33]
بل كانوا يوهمون عامة العرب أنه اكتتبها وجمعها كي يحفظها، وكلهم كانوا يعلمون أنه أمي لم يتعلم شيئا، فتشاوروا في شيء يقولونه؛ ليصدوا به العرب عن القرآن، فكان هذا القول المزعوم، وقد كذبهم الله - عز وجل - فما استطاعوا له إثباتا،
* قال سبحانه وتعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس: 38]
* وقال في موضع آخر: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [هود: 13]
فدل ذلك على أن هذا القول منهم كان قولا بلا فعل، وإلا فقد تحداهم الله غير مرة أن يأتوا بسورة مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلا، وإنما هذا القول منهم يغرون به أنفسهم ومن تبعهم على باطلهم، ولذا نبه الله - عز وجل - على شرف هذا القرآن، وأخبر أنه لو اجتمع الإنس والجن، واتفقوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وتعاونوا وتضافروا فيما بينهم ما أطاقوا ذلك وما استطاعوه، فإن هذا أمر لا يستطاع، وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق جل وعلا، الذي لا نظير له ولا مثال، وهذا التحدي تكذيب من الله - عز وجل - لهم؛ إذ لو كانوا صادقين في دعواهم لأتوا بما يؤيدها من الأدلة.
والدعاوى ما لم تقيموا عليها
ينات أبناؤها أدعياء
ثالثا. عناد المشركين وكبرهم:* بعد أن ذكر القرآن مقولتهم: وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال: 31]
يمضي السياق يصف العجب العجاب من عناد المشركين في وجه الحق الذي يغالبهم فيغلبهم، فإذا الكبرياء تصدهم عن الاستسلام له والإذعان لسلطانه، وإذا بهم يتمنون على الله - إن كان هذا هو الحق من عنده - أن يمطر عليهم حجارة من السماء، أو أن يأتيهم بعذاب أليم بدلا من أن يسألوا الله أن يرزقهم اتباع الحق والوقوف في صفه:
* وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: 32]
وهو دعاء غريب يصور حالة العناد الجامح الذي يؤثر الهلاك على الإذعان للحق، حتى ولو كان حقا، إن الفطرة السليمة حين تشك تدعو الله أن يكشف لها عن وجه الحق، وأن يهديها إليه، دون أن تجد في هذا غضاضة، ولكنها حين تفسد بالكبرياء الجامحة تأخذها العزة بالإثم، حتى لتؤثر الهلاك والعذاب، على أن تخضع للحق عندما يكشف لها واضحا لا ريب.. وبمثل هذا العناد كان المشركون في مكة يواجهون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الدعوة هي التي انتصرت في النهاية في وجه هذا العناد الجامح[1].
رابعا. إعجاز القرآن لهم:ومن ردود القرآن على هذه الفرية أيضا
* قوله سبحانه وتعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ۗ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ۗ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [الرعد: 31]
فلو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها، أو تقطع به الأرض وتنشق، أو تكلم به الموتى في قبورهم لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره، أو بطريق الأولى أن يكون كذلك لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنس والجن عن آخرهم - إذا اجتمعوا - أن يأتوا بمثله ولا بعشر سور منه ولا بسورة من مثله، ومع ذلك لا يؤمن به هؤلاء المشركون جحودا واستكبارا[2].
الخلاصة:·هذه الدعوى من مزاعم المتصدين للطعن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحاجته والتشغيب عليه، فتحداهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمعارضة سورة من القرآن فعجزوا عن ذلك.
·هذه الدعوى منشؤها العناد والاستكبار عن قبول الحق بدليل أنهم سألوا الله إن كان هذا القرآن هو الحق من عند الله أن يمطر عليهم حجارة من السماء أو يأتيهم بعذاب أليم بدلا من أن يسألوه الهداية للحق.
·هذه الدعوى كان هدفها التشويش على الناس والتمويه على العامة من أجل التأثير على القلوب المائلة نحو القرآن.
·بطلان هذه الدعوى يبرهن عليه الواقع؛ إذ إنهم لم يستطيعوا أن يقولوا مثله - كما زعموا - فاتضح كذبهم.