الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | جمع القرآن - شبهات حول القرآن |
مضمونُ السؤال:
بحسَبِ وجهةِ نظَرِ صاحبِ السؤالِ: لم تكن هناك دِقَّةٌ لدى الصحابةِ في تلقِّيهم القرآنَ عن رسولِ اللهِ ﷺ، وهو يستبعِدُ أن يكونوا قد حافَظوا عليه، وعلى ترتيبِ آياتِهِ وسُوَرِه، وَفْقَ ما سَمِعوهُ مِن الرسولِ ﷺ.
مختصَرُ الإجابة:
يزولُ هذا الإشكالُ مِن خلالِ معرفةِ الحالِ التي جَرَى عليها كتابةُ المصحَفِ وترتيبُهُ؛ فترتيبُ الآياتِ والسُّوَرِ كان وَفْقَ إرادةِ اللهِ وَحْدَه؛ أوحاهُ لنبيِّه ﷺ، ووفَّقهُ إليه، وسار عليه صحابتُهُ رضوانُ اللهِ عليهم مِن بعدِه؛
وذلك كالتالي:
1- ترتيبُ الآياتِ في كلِّ سورةٍ أمرٌ توقيفيٌّ مِن اللهِ تعالى، ومِن النبيِّ ^، وقراءةُ الرسولِ ﷺ للآياتِ بالترتيبِ الذي أوحاهُ له جِبرِيلُ، بيَّنتْ موضعَ كلِّ آيةٍ في كلِّ سُوَرِ القرآن.
2- أما ترتيبُ السُّوَرِ في المصحَفِ، فمختلَفٌ في كونِهِ توقيفيًّا؛ فقد قال بعضُهم: إن كلَّ سورةٍ مستقِلَّةٌ بإعجازِها، وأما ترتيبُها، فموكولٌ إلى الناس، لكنْ يَظهَرُ أنه أمرٌ توقيفيٌّ أيضًا، وقد توافَقَ عليه الصحابةُ آخِرَ الأمرِ؛ وهو مذهَبُ جمهورِ العلماء.
ووجودُ اختلافٍ بين الصحابةِ في بعضِ ذلك، فربَّما لأن بعضَهم ظنَّها أمرًا اجتهاديًّا، أو لأنه رتَّبه على ما سَمِعَهُ مِن النبيِّ ^، دون ما كان في آخِرِ عَرْضةٍ للقرآنِ؛ لأن جِبرِيلَ كان يدارِسُ النبيَّ ^ القرآنَ كلَّ عامٍ.
ولو افتُرِضَ تدخُّلُ الصحابةِ في الترتيبِ، فلا يدُلُّ على التحريفِ، ولا على ضعفِ مَعانِيه، وليس له أيُّ أثرٍ في وقوعِ تحريفٍ أو سَقْطٍ أو زيادةٍ، بل غايةُ ما فيه: تقديمُ بعضِ المواضعِ على بعض؛ مما لا يتعلَّقُ بذاتِ النصّ.
إزالةُ هذا الإشكالِ تتَّضِحُ مِن خلالِ معرفةِ الحالِ التي جَرَى عليها كتابةُ المصحَفِ وترتيبُهُ؛ فترتيبُ الآياتِ والسُّوَرِ كان وَفْقَ إرادةِ اللهِ وَحْدَه؛ أوحاهُ لنبيِّه ﷺ، ووفَّقهُ إليه، وسار عليه صحابتُهُ رضوانُ اللهِ عليهم مِن بعدِه، وكان ذلك كالتالي:
أوَّلًا: ترتيبُ الآياتِ في السُّوَرِ:
كان جبريلُ عليه السلامُ يَنزِلُ بالآياتِ مِن عندِ اللهِ تعالى على النبيِّ ﷺ، موضِّحًا مكانَ كلِّ آيةٍ، فيَقْرَؤُها النبيُّ ﷺ على الصحابةِ، ويبيِّنُ لكَتَبةِ الوحيِ موضعَ الآياتِ مِن السُّوَرِ وَفْقَ ما علَّمه جبريلُ عليه السلامُ.
وهكذا كان الصحابةُ يتدارَسون الآياتِ في سُوَرِ القرآنِ، ويَقرَؤُونها في صلاتِهم، ويأخُذُ بعضُهم عن بعضٍ، وتتناقَلُ أسماعُهم الآياتِ وَفْقَ الترتيبِ الذي علَّمهم إيَّاه الرسولُ ﷺ، دون أيِّ اجتهادٍ منهم؛ لأن هذا أمرٌ توقيفيٌّ نزَلَ الوحيُ به مِن السماءِ؛ وهذا ما انعقَدَ عليه إجماعُ أُمَّةِ الإسلام.
قال السيوطيُّ رحمه اللهُ: «الإجماعُ والنصوصُ المترادِفةُ على أن ترتيبَ الآياتِ توقيفيٌّ لا شُبْهةَ في ذلك، أما الإجماعُ: فنقَلَهُ غيرُ واحدٍ؛ منهم الزَّركَشيُّ في «البُرْهانِ» [(1/ 353)] ... وفي سُوَرٍ شَتَّى مِن المفصَّلِ تدُلُّ قراءتُهُ ﷺ لها بمَشهَدٍ مِن الصحابةِ: على أن ترتيبَ آياتِها توقيفيٌّ، وما كان الصحابةُ لِيرتِّبوا ترتيبًا سَمِعوا النبيَّ ﷺ يَقرَأُ على خلافِهِ، فبلَغَ ذلك مَبلَغَ التواتر». «الإتقانْ، في علومِ القرآنْ» (2/ 394، 400).
وقال الآلُوسيُّ رحمه الله: «أما ترتيبُ الآيِ، فكونُهُ توقيفيًّا مما لا شُبْهةَ فيه، حتى نقَلَ جمعٌ - منهم: الزَّركَشيُّ، وأبو جعفرٍ - الإجماعَ عليه مِن غيرِ خِلافٍ بين المسلِمين، والنصوصُ متضافِرةٌ على ذلك». «تفسير الآلُوسيّ» (1/ 26).
حتى عندما جُمِعَ القرآنُ على عهدِ أبي بكرٍ، وكذلك عثمانَ بنِ عفَّانَ - رضيَ اللهُ عنهما - لم يتدخَّلْ أيُّ صحابيٍّ في ترتيبِ الآيات، وما كانت عمليَّةُ الجمعِ على عهدِ الصِّدِّيقِ إلا عبارةً عن نقلٍ للقرآنِ مِن العَسِيبِ والجلودِ وغيرِها إلى صُحُفٍ، وكذلك نُقِلَ على عهدِ عثمانَ مِن الصحُفِ في مصاحفَ؛ وذلك وَفْقَ الترتيبِ المتواتِرِ عن النبيِّ ﷺ، عن اللهِ سبحانه وتعالى.
والسُّوَرُ أيضًا نزَلتْ مرتَّبةً مِن عندِ اللهِ؛ ويدُلُّ على ذلك قولُهُ تعالى:
﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾
[التوبة: 64]؛
فدَلَّتِ الآيةُ على أن ترتيبَ الآياتِ في السورةِ الواحدةِ مِن عندِ الله تعالى.
وقد كان النبيُّ ﷺ يَقرَؤُها على أصحابِهِ كذلك، ويَحفَظُها الجميعُ، ويكتُبُها مَن شاء منهم لنفسِهِ على هذا النحوِ؛ حتى صار ترتيبُ القرآنِ وضبطُ آياتِهِ معروفًا مستفيضًا بين الصحابةِ حفظًا وكتابةً.
ثانيًا: ترتيبُ السُّوَرِ في المصحَف:
ذهَبَ جمهورُ العلماءِ: إلى أن ترتيبَ السُّوَرِ في المصحَفِ أمرٌ توقيفيٌّ أيضًا؛ نزَلَ به الرُّوحُ الأمينُ مِن السماء؛ ويدُلُّ على صحَّةِ ذلك أدلَّةٌ؛ منها:
الدليلُ الأوَّلُ: ذِكْرُ ابنِ مسعودٍ لبعضِ السُّوَرِ مرتَّبةً؛ كما أخرَجَ البخاريُّ (4739)، عن ابنِ مسعودٍ، قال عن سورةِ بني إسرائيلَ، [أي: سورةِ الإسراءِ]، والكهفِ، ومَريَمَ، وطه، والأنبياءِ: «إِنَّهُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، و«تِلَادِي»: محفوظاتي القديمة.
الدليلُ الثاني: وهو مِن أكبرِ الأدلَّةِ على ذلك: إجماعُ الصحابةِ كلِّهم على الترتيبِ الذي كُتِبَ في مصحَفِ عثمانَ، برغمِ أن بعضَهم كان لدَيْهِ مصاحفُ مكتوبةٌ على ترتيبٍ مختلِفٍ، ولو لم يكن الأمرُ توقيفيًّا، لاعترَضَ بعضُهم على ذلك الترتيبِ، وأصَرَّ كلُّ واحدٍ منهم على الترتيبِ الذي لدَيْه، ولكنَّ هذا لم يحدُثْ.
ووجودُ اختلافٍ بين الصحابةِ في بعضِ ذلك، فربَّما لأن بعضَهم ظنَّها أمرًا اجتهاديًّا، أو لأنه رتَّبه على ما سَمِعَهُ مِن النبيِّ ^، دون ما كان في آخِرِ عَرْضةٍ للقرآن؛ لأن جِبرِيلَ كان يدارِسُ النبيَّ ^ القرآنَ كلَّ عامٍ.
وأخيرًا: فتوقيفيَّةُ ترتيبِ السُّوَرِ غيرُ مؤثِّرٍ؛ فلو كان ترتيبُ المصحَفِ مِن قِبَلِ الصحابةِ مثلًا، أو مِن قِبَلِ غيرِهم، فهذا لن يؤثِّرَ في ثبوتِ النصِّ القرآنيِّ ولا دَلَالتِه، وليس له أيُّ أثرٍ في وقوعِ تحريفٍ أو سَقْطٍ أو زيادةٍ، وإنما تأثيرُهُ سيكونُ في جزئيَّاتٍ فرعيَّةٍ لا تتعلَّقُ بذاتِ النصّ.
والحاصلُ: أن اللهَ تعالى قد تكفَّل بحفظِ كتابِهِ، وأن جهودَ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم كانت محقِّقةً لهذا الحفظِ، فحتى ترتيبُ السُّوَرِ القرآنيَّةِ - فضلًا عن الآياتِ - كان وَفْقَ مرادِ الله؛ فيطمئِنُّ قَلْبُ المؤمِنِ بحفظِ كلامِ ربِّه.