الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
يدعي بعض المتوهمين أن هناك تعارضا بين
* قوله سبحانه وتعالى (إن علينا للهدى (12)) [الليل]
* ، وبين قوله سبحانه وتعالى: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين (86)) [آل عمران]
* ، وقوله سبحانه وتعالى: (إن الله لا يهدي القوم الكافرين (67)) [المائدة.]
حيث تدل الآية الأولى على أن الله - سبحانه وتعالى - أوجب على نفسه هداية الناس وتكفل بها، بينما دلت الآيتان الأخريان على أنه - سبحانه وتعالى - لا يهدي بعض الناس.
ويتساءلون: كيف يقرر الله أمرا في موضع، ثم يأتي في موضع آخر ويصرح بما ينافيه؟ ويعدون هذا التناقض في زعمهم دليلا على أن القرآن ليس من عند الله.
هدى الله - عز وجل - ينقسم إلى نوعين:
• هدى الدلالة [1] والبيان: وهذا يقدر عليه البشر، ومن ذلك ما يفعله الرسل مع أتباعهم.
• هدى التوفيق [2]: وهذا لا يقدر عليه إلا الله - عز وجل -، وهو تفضل منه - عز وجل - على من يشاء من عباده.
هدى الدلالة والبيان يقدر عليه الخلق كالرسل مع أتباعهم، وهدى التوفيق لا يقدر عليه إلا الله - عز وجل -:
لا تعارض بين آية سورة الليل، وبين ما في سورتي آل عمران والمائدة وغيرهما من الآيات؛ لأن هدى الله ينقسم إلى نوعين: هدى الدلالة، وهدى التوفيق.
فإن الهدى
* في قوله: (إن علينا للهدى (12)) [الليل]
بمعنى: الدلالة والبيان، وقد خلق الله - عز وجل - عباده وأرشدهم إلى الحق بما أرسل من رسل وما أنزل من كتب.
وهدى الدلالة يقدر عليه الخلق كالرسل مع أتباعهم؛ حيث يبينون لهم طريق الحق، سواء سلكوها أم لا، وبهذا المعنى يفهم
* قوله - سبحانه وتعالى -: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [فصّلت: 17]
، أي: بينا لهم طريق الحق على لسان نبينا صالح - صلى اله عيه وسلم - مع أنهم لم يسلكوها بدليل
* قوله - سبحانه وتعالى -: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [فصّلت: 17]
ومنه أيضا
* قوله - سبحانه وتعالى -: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: 3]
أي بينا له طريق الخير، والشر بدليل
* قوله - سبحانه وتعالى -: (إما شاكرا وإما كفورا (3)) [الإنسان.]
أما الآيات التي أخبرت أن الله لا يهدي الظالمين، ولا يهدي الكافرين، وما إليها من الآيات، فالهدى فيها بمعنى: التوفيق للإيمان والحق، وهذه التي تفرد الله - عز وجل - بها، ولا يقدر عليها أحد من الخلق.
فالهدى المثبت - هنا - هدى الدلالة للخلق كلهم، والهدى المنفي - هنا - عن الظالمين والكافرين هدى التوفيق للإيمان والحق، ونفي الثاني لا يستلزم نفي الأول، فإن الأول عام، والثاني خاص، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
قال القرطبي: الهدى هديان. "هدى دلالة، وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم،
* قال سبحانه وتعالى: (ولكل قوم هاد (7)) [الرعد،]
* وقال: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم (52)) [الشورى]
، فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه، وتفرد سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق
* فقال لنبيه - صلى اله عليه وسلم -: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص: 56]
، فالهدى على هذا يجيء بمعنى: خلق الإيمان في القلب.
* ومنه قوله - سبحانه وتعالى -: أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5]
* ، وقوله: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس: 25]
* وقوله - سبحانه وتعالى -: أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ [الأنعام: 90]
* ، وقوله - عز وجل - فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125]
مما سبق يكون الجواب عن سؤال آخر هو: قد أخبر الله - سبحانه وتعالى - عن القرآن بأن هداه خاص بالمتقين
* في قوله - عز وجل -: (الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2)) [البقرة]
، وأخبر في نفس السورة بأن هداه عام لجميع الناس
* في قوله - سبحانه وتعالى - شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185]
، فكيف يكون التوفيق بين الآيتين؟
والجواب:
* إن الهدى في قوله: ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2]
هو الهدى الخاص الذي هو التفضل بتوفيقهم، والهدى الذي هو لعموم الناس
* في قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185]
، هو الهدى العام الذي هو إبـانـة للطـريـق وإيضاح للحجة [3].
وبهذا يرتفع الإشكال أيضا بين
* قوله - سبحانه وتعالى - إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص: 56]
* ، مع قوله - سبحانه وتعالى -: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم (52)) [الشورى]
؛ لأن الهدى المنفي عنه - صلى الله عليه وسلم - هو الهدى الخاص وهو هدى التوفيق؛ لأن التوفيق بيد الله وحده، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا. والهدى المثبت له هو الهدى العام الذي هو إبانة الطريق، وقد بينها - صلى الله عليه وسلم - حتى تركها محجة [4] بيضاء ليلها كنهارها [5].
الخلاصة:
• لا تعارض بين ما يدل على أن الله - سبحانه وتعالى - ألزم نفسه هدى الناس، وبين ما يدل على أنه - صلى الله عيه وسلم - لا يهدي بعض الناس؛ وذلك لأن الهدى هديان:
• هدى دلالة، وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم، وهو المقصود
* في قوله - سبحانه وتعالى -: ( إن علينا للهدى (12) ) [الليل،]
أي: الدلالة والبيان والدعوة والتنبيه.
• هدى التأييد والتوفيق للإيمان، وهو الذي تفرد الله - عز وجل - به، ولا يقدر عليه أحد من الخلق،
* ومنه قوله عز وجل: (إن الله لا يهدي القوم الكافرين (67)) [المائدة.]