البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | فؤاد بن يوسف أبو سعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
يوم الجمعة؛ تنتشر الملائكة، انتشارُ الملائكة في جميع الأيام، خصوصا في حِلق الذكر، فكيف بخطبة الجمعة، وهي فريضة من الفرائض؟! وبقية الدروس، وحلق الذكر، والدروس العلمية، والمواعظ الدينية النبوية، كلها من التطوعات، وتحضرها الملائكة، لكن الملائكة في يوم الجمعة لها شأن آخر، معهم الصحف، معهم ما يكتبون فيه، يسجلون أسماء المغتسلين في بيوتهم، والمتطيبين بأحسن طيبهم، والماشين على أرجلهم، يكتبون أسماء المتوجهين إلى بيت...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة الكرام -عباد الله-: إنَّ اللهَ أكرمَ هذه الأمةَ بكراماتٍ، فاقت بها من سبقها من الأمم، وأنعم عليها بسابغات من النعم.
فمن هذه الكرامات: ما أنتم فيه هذا اليوم، يوم الجمعة، خير يوم طلعت عليه الشمس، قال صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الْآخِرُونَ، وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، ثُمَّ هَذَا الْيَوْمُ -يوم الجمعة- الَّذِي كَتَبَهُ اللهُ -سبحانه وتعالى- عَلَيْنَا، هَدَانَا اللهُ لَهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ" [رواه مسلم (855)].
مَعْنَاهُ -يا عباد الله- الْآخِرُونَ فِي الزَّمَانِ، -والآخرون في- الْوُجُودِ، والسَّابِقُونَ في الْفَضْلِ -والجود- وَدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَتَدْخُلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْجَنَّةَ قَبْلَ سَائِرِ الأمم "بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدَهِمْ" [شرح النووي على مسلم (6/ 142)].
نعم، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ" [رواه مسلم (856)].
هذا اليوم، فرض الله -سبحانه وتعالى- علينا فيه صلاة لها خاصيتها وضوابطها، وجعل في كتابه سورةً؛ سماها: سورة الجمعة، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) أي إلى صلاة الجمعة، فإذا أُذِّنَ يومَ الجمعة، لا ينبغي لك أن تبقى في بيتك ما لم يمنعك مانع شرعي، بل يجب عليك أن تسعى لذكر الله، أي لإقامة الصلاة في بيت من بيوت الله، بعد أن تسمع الخطبة: (وَذَرُوا الْبَيْعَ) الذي يشغل الناس كثيرا في كل الأزمنة، البيع والشراء والتجارة، والانشغال بأمور أخرى، كالزراعة والصناعة، وما شابه ذلك: (وَذَرُوا الْبَيْعَ)، ومع أن البيع فيه فوائد، كذلك اللهو واللعب والانشغال، وما شابه ذلك، مما لا فائدة فيه: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أن تذروا هذه الأشياء خير لنا -يا عباد الله-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ) انتهيتم من صلاة الجمعة: (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) أمر بعد حظر، بالإباحة، فلا تبقوا في المساجد جالسين، بل انتشروا في الأرض: (وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) عودوا للعمل، عودوا للبيع، وإن كان هناك لهو مباح، فعودوا إليه، ومع ذلك، ومع العودة للعمل، ومع العودة للبيع والشراء: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) لا تنسوا ذكر الله، لا تغفلوا عن ذكر الله، حتى أثناء العمل، وأثناء اللهو المباح: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ففي هذا الأمر، نجد أن بعض الناس يوم الجمعة، أو أثناء الخطبة: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً) وإذا انشغلوا ببيع، أو ما شابه ذلك، قدموا ذلك على نداء الله، على الأذان، على الحضور إلى الصلاة: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً) أو شغل، أو عمل (أَوْ لَهْوًا) لهوا من مباريات الدوري، وبرشلونة، ومونديال، وسمِّ ما شئت، وأطفالي وأولادي وأحفادي الصغار يعرفون أكثر مني في هذا، وهم ينشدون نشيدا من بيتين، فتقول بيدها، فقلت لها: الذي يلعب كرة القدم؟ قالت: نعم، مع أنها صغيرة، إلا أنها تعرف هذا وتسمع، والكبير إذا شغله ذلك عن ذكر الله، وانفض إليها، وبقي لأن هناك بثًّا مباشرا، فلا يريد أن يفوته شيء، فيترك الجمعة: (انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) فلا يصلون الجمعة، ويظنون أن في تلك التجارة، وذلك البيع، وذلك اللهو، أن فيه خيرا، لا -والله-: (قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة: 9 – 11].
نعم، هذا اليوم؛ يكثر فيه نزول الملائكة، وما أظن أحدا شعر بذلك، ولا أنا، لكنَّ اللهَ على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا، وعلمنا ذلك.
يوم الجمعة؛ تنتشر الملائكة، انتشارُ الملائكة في جميع الأيام، خصوصا في حِلق الذكر، فكيف بخطبة الجمعة، وهي فريضة من الفرائض؟! وبقية الدروس، وحلق الذكر، والدروس العلمية، والمواعظ الدينية النبوية، كلها من التطوعات، وتحضرها الملائكة، لكن الملائكة في يوم الجمعة لها شأن آخر، معهم الصحف، معهم ما يكتبون فيه، يسجلون أسماء المغتسلين في بيوتهم، والمتطيبين بأحسن طيبهم، والماشين على أرجلهم، يكتبون أسماء المتوجهين إلى بيت من بيوت الله، لأداءِ فريضةِ من فرائض الله -سبحانه- يسجلون الأسماء الأوَّلَ فالأول، فمن جاء مبكِّرا في الساعة الأولى كتبوا له من الأجر كمن نحر، أي ذبح ناقة لله، فالناقة أجرها عظيم، ولحمها كثير، ويأكل منها جمع غفير، من الفقراء والمساكين، فلذلك أجرها عظيم، فمن جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، أي ناقة.
ومن جاء في الساعة الثانية كمن قدم بقرة، والبقرة أقل شأنا من الناقة، وكلَّما تأخر المجيءُ عن بيت الله -عز وجل- يوم الجمعة؛ قلَّ الثواب.
فمن جاء في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا، وفي رواية: "شاة" تذبح شاة، وهذا لمن جاء في الساعة الثالثة، كأنما قرب هذا الكبش.
ومن جاء في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، وفي رواية: "طيرا" يقربه لله -عز وجل-، يعني له أجر وثواب.
ومن جاء في الخامسة، فكأنما قرب بيضة، والبيضة لها أجر وثواب، لكن تختلف عن البدنة والبقرة والشاة والدجاجة.
أما الساعة السادسة، ففيها يخرج الإمام إلى المنبر، دخوله بعد خروجه من البيت: "فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ" الذين كانوا على الباب يكتبون أسماء الداخلين، فتحضر الملائكة "يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ" [رواه البخاري (881)].
في هذه الساعة؛ ينتهي تسجيلُ الداخلين الفائزين، من البدنة إلى البيضة، بعد ذلك لا يسجل شيء إلا أنه يسجل أنه أسقط الفريضة: "فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ" خرج من بيته، وصعد المنبر" طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ" [صحيح البخاري (929)].
يوم الجمعة؛ أكثِروا فيه من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ف "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ -أي مات- وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِيهِ، صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ".
قال الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلَاتُنَا وَقَدْ أَرَمْتَ؟ -أي بليت، أي أكلت جسدك الأرض، فكيف تعرض عليك وأنت ميت؟!- يَقُولُونَ: قَدْ بَلِيتَ، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ" [السنن الصغير للبيهقي (1/ 233، رقم 605) صحيح الترغيب (1/ 170، رقم 696)].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِن فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ -وهو تابعي، من اليهود وأسلم وحسن إسلامه، ويقارن بين دين الإسلام، وبين ما يعلم من التوراة، قال أبو هريرة- فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ، وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ -ما سبب ذلك؟ بأن جعله خير يوم، قال:- فِيهِ خُلِقَ آدَمُ -في آخر ساعة من يوم الجمعة، في يوم الجمعة خلق آدم، خلقه من تراب، وخلط التراب بالماء، فأصبح طينا لازبا، ثم ترك حتى أصبح يابسا، كالفخار الصلصال، فنفخ فيه الله -سبحانه وتعالى- بعد ذلك، نفخ فيه الروح، فصار آدم بأمر الله -سبحانه وتعالى-، قال: في آخر ساعة من هذا اليوم، يوم الجمعة- وَفِيهِ أُهْبِطَ-؛ لأنه أكل من الشجرة التي نهي عنها، هذا اليوم -وَفَيْهِ تِيبَ عَلَيْهِ- تاب الله عليه، وعلى زوجه حواء - وَفِيهِ مَاتَ -أي مات آدم -عليه السلام- وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ -وهذا لم يقع حتى الآن- وَمَا من دَابَّة إِلَّا وَهِي مسيخة -بالسين أو مصيخة بالصاد- يَوْمَ الْجُمُعَةِ - يعني تلقي بأذنها ترتقب شيئا مفاجئا- مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ -هكذا الدواب- شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ؛ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وفيهَا سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاهَا".
ساعة إجابة، ليس كما يقول بعض المتشائمين: "ساعة نحس" في يوم الجمعة، أبدا، هنا ساعة إجابة، وعرفها بعض العلماء كما سنعلم في نهاية الحديث.
قَالَ كَعْبٌ: "ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ".
فَقلت -أي أبا هريرة-: "بل فِي كل جُمُعَة" فنظر في التوراة، فقال كعب: "بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ" أخطأ أولا، ثم رجع عن خطأه ثانيا، فقابل أبا هريرة عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-، وهذا كان يهوديا وأسلم، وهو صحابي وليس بتابعي، فنقول: رضي الله عنه، فحدَّث أبا هريرة عبد الله بن سلام بحديث كعب، أنها في السنة مرة، فقال: "كَذَبَ كَعْبٌ" أي أخطأ، ثم حدثه بأنه راجع التوراة، فوجدها أنها في كل جمعة، فقال: "صَدَقَ كَعْبٌ" يقول: أبو هريرة، ثم قال عبد الله بن سلام: "قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَقلت لَهُ: "فَأَخْبرنِي بهَا" فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: "هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ" أي بعد العصر.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: "وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ" انظر إلى المناظرة العلمية للوصول إلى الحقيقة، أو لرفع إن كان هناك شبهة، يقول أبو هريرة حسب علمه: "وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ" فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي، وَتلك السَّاعَة -أي بعد العصر- لَا يُصَلِّي فِيهَا؟" -ليس فيها صلاة- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: "أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ؟" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقلت: "بلَى" قَالَ: فَهُوَ ذَاك" [رَوَاهُ مَالِكٌ (364) وَأَبُو دَاوُدَ (1046) وَالتِّرْمِذِيُّ (491) وَالنَّسَائِيُّ (1430)].
وَرَوَى أَحْمد إِلَى قَوْله: "صدق كَعْب" [(16/ 204 رقم 10303)، وصححه في مشكاة المصابيح (1/ 428، رقم 1359)].
هذا هو يوم الجمعة من بين الأيام: "خَيْرَ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمْعَةِ؛ وَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَلَكِنَّ الْفَضَائِلَ فِي ذَلِكَ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ -عن الشرع، بتوقيف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بأن يأتي نص بذلك- وَلَا تُدْرَكُ بِقِيَاسٍ" [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (23/ 40)].
"وَفِيهِ -أي في الحديث- الْخَبَرُ عَنْ خَلْقِ آدَمَ، وَهُبُوطِهِ -من الجنة- إِلَى الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ قَدْ تِيبَ عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَتِهِ" [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (23/ 40)].
"وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وهي مصيخة" -بالسين أو بالصاد- فالإصاخة -قلنا معناها - الاستماع، وهو ههنا اسْتِمَاعُ حَذَرٍ وَإِشْفَاقٍ، وَخَشْيَةِ الْفَجْأَةِ وَالْبَغْتَةِ" [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (23/ 41)].
"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ لَا يَعْلَمُونَ مِنْ مَعْنَى السَّاعَةِ مَا يَعْرِفُ غَيْرُهُمْ مِنَ الدَّوَابِّ -فالدواب تعرف أكثر، من تذكر الساعة بعد صلاة الفجر؟ أو قبل طلوع الشمس، الدواب كلها كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن البشر من غفل عن ذلك، أو الكثير منهم- وَهَذَا أَمْرٌ تَقْصُرُ عَنْهُ أَفْهَامُنَا- كما يقول ابن عبد البر-، وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنَ الْعِلْمِ لَمْ يُؤْتَ النَّاسُ مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا".
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ" [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (23/ 42)].
فيه الحث على الدعاءِ والاستكثارِ منه في هذا اليوم خصوصا بعد العصر، فلا تنسوا ذلك -يا عباد الله-، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح أنه قال في الساعة التي تكون يوم الجمعة بعد العصر إلى غروب الشمس، فمن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس تحروها، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: "الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ" [التمهيد (23/ 43)].
واليوم كله مفتوح للدعاء، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: من أراد النور من الله، من أراد أن ينير الله له أيامه، من الجمعة إلى الجمعة، أسبوعا كاملا، فليقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، سواء في الصباح، أو في المساء، ما دام هو في يوم الجمعة، وقبل غروب شمس يومها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "مَن قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" [صححه في الإرواء (626)].
يوم الجمعة؛ حدثت فيه: "...الْأُمُور الْعِظَام، وَاخْتِصَاصهَا بِهِ فِي الْأَغْلَبِ دُونَ سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَذَلِكَ حَضٌّ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الطَّاعَاتِ فِيهِ -أي في يوم الجمعة-، وَزَجْرٌ عَنْ مُوَاقَعَةِ الْمَعَاصِي" [المنتقى شرح الموطإ، لأبي الوليد الباجي (1/ 201)].
لذلك قال الإمام ابن العربي -رحمه الله- في كتاب له سماه الْأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: "الْجَمِيعُ مِنَ الْفَضَائِلِ -يعني خلق آدم، وإخراجه من الجنة، وما حدث فيه وسيحدث، هذا من الفضائل، أما -خُرُوجُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ؛ هُوَ سَبَبُ وُجُودِ الذُّرِّيَّةِ، وَهَذَا النَّسْلِ الْعَظِيمِ، وَوُجُودِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ -عليهم الصلاة والسلام-، وَالصَّالِحِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ -رحمهم الله-، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَارٍ -خلق آدم، وخلق فيه شهوات الأكل والشرب والطعام، والجماع، فينزل في الأرض، ثم بعد ذلك- يَعُودُ إِلَيْهَا، وَأَمَّا قِيَامُ السَّاعَةِ؛ -فهذا- سَبَبٌ لِتَعْجِيلِ جَزَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالصِّدِّيقِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِظْهَارِ كَرَامَتِهِمْ وَشَرَفِهِمْ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَزِيَّتُهُ عَلَى سائر الأيام -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-" [شرح النووي على مسلم (6/ 142)].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، صلوا عليه، واسألوا الله -سبحانه وتعالى-، وادعوه واستغفروه وتوبوا إليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أين يوم السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس يوم القيامة؟
لا ذكر لها ولا فضائل كيوم الجمعة، أما يوم الجمعة، فقد ثبت عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ الْأَيَّامَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى هَيْئَتِهَا, وَيَبْعَثُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ زَهْرَاءَ مُنِيرَةً؛ أَهْلُهَا -إن شاء الله تكونوا ونكون جميعا من أهلها، أهل الجمعة من هم؟ أهل الجمعة هم الذين يحافظون عليها، وعلى أركانها وخشوعها، وما شابه ذلك، وعلى اليوم بأكمله، وبقية العمر، وأهلُها- أَهْلُهَا يَحُفُّونَ بِهَا كَالْعَرُوسِ تُهْدَى إِلَى كَرِيمِهَا -تصور هذا الموقف يوم القيامة، عندما تكون مع هؤلاء، الذين يحفون بها، وهي زهراء منيرة، كالعروس يحفها، ويحيط بها، ويزفها أهلها، قال: - تُضِيءُ لَهُمْ, يَمْشُونَ فِي ضَوْئِهَا, أَلْوَانُهُمْ كَالثَّلْجِ بَيَاضًا, وَرِيحُهُمْ يَسْطَعُ كَالْمِسْكِ, يَخُوضُونَ فِي جِبَالِ الْكَافُورِ, يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ الثَّقَلَانِ -ينظر إليهم الجن والإنس- مَا يُطْرِقُونَ تَعَجُّبًا -يعني لا ينزلون أبصارهم عنهم، تعجبا منهم، ومن كرامتهم على الله، ومن إكرامهم وإنعامهم يوم القيامة، هؤلاء هم أهل الجمعة- حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ, لَا يُخَالِطُهُمُ أَحَدٌ إِلَّا الْمُؤَذِّنُونَ -فمن يخالط هؤلاء؟ من يكون معهم؟ فهؤلاء لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون- الْمُحْتَسِبُونَ" [صحيح ابن خزيمة (3/ 117، رقم 1730) قال الأعظمي: قال الهيثمي: (2/ 164، رقم 165): "رواه الطبراني في الكبير عن الهيثم بن حميد عن حفص بن غيلان وقد وثقهما قوم وضعفهما آخرون وهما محتج بهما" وأورده في الصحيحة (706)].
وهؤلاء هم الذين يؤذنون حسبة لله، دون أجرة، ولا راتب، ولا ما شابه ذلك، إلا المؤذنون المحتسبون.
اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سِرَّنَا وَعَلانِيَّتَنَا، وَتَسْمَعُ كَلامَنَا، وَتَرَى مَكَانَنَا، لا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِنَا، نَحْنُ الْبُؤَسَاءُ الْفُقَرَاءُ إِلَيْكَ، الْمُسْتَغِيثُونَ الْمُسْتَجِيرُونَ بِكَ، نَسْأَلُكَ أَنْ تُقَيِّضَ لِدِينِكَ مَنْ يَنْصُرَهُ، وَيُزِيلَ مَا حَدَثَ مِن الْبِدَعِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَيَقْمَعَ أَهْلَ الزَّيْغِ وَالْكُفْرِ وَالْعِنَادِ.
اللَّهُمَّ عَامِلَنَا بِلُطْفِكَ وَإِحْسَانِكَ، ووفقنا لطَاعَتكَ ومرضاتك.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، غير خزايا ولا مفتونين، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلجميعِ المُسْلِمِينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسقنا غيثا مغيثا، سحا طبقا، مجللا هنيئا مريئا مريعا، مريعا يا رب العالمين.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق، ولا بلاء، ولا فتنة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
(وأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].