التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
مضمونُ السؤال:
صاحبُ هذا السؤالِ يَرَى أن القرآنَ قد خاطَبَ مَريَمَ بـ ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: 28]، والفارقُ الزمنيُّ بين هارونَ ومَريَمَ كبيرٌ جِدًّا؛ فكيف يكونُ أخًا لها؟!
فهذا يدُلُّ - في زعمِهِ - على خطأِ القرآنِ واختلاقِه؛ وهو بذلك يدُلُّ على أنه ليس وحيًا مِن عندِ الله.
مختصَرُ الإجابة:
إن هذا حكايةٌ عن قولِ بني إسرائيلَ لمريَمَ عليها السلامُ، ولم يقل أحدٌ مِن المسلِمين: بأن مَريَمَ عليها السلامُ أختُ هارونَ أخي موسى عليهما السلامُ، بل يسلِّمُ المسلِمون: بأن هارونَ كان قبل مَريَمَ بزمنٍ كبير، وقد قيل: «600 سنةٍ»، وقيل: «1000 سنةٍ».
وقد يقولُ قائلٌ: «حتى وإن كان هذا هو قولَ بني إسرائيلَ، ولكنَّ القرآنَ قد أقرَّهم على هذا الخطأ؛ فهو خطأٌ أيضًا»:
ونقولُ: ليس قولُ بني إسرائيلَ هنا خطأً؛ فإن القرآنَ لا يُقِرُّ على باطلٍ، ولكنَّ الآيةَ لها محامِلُ كثيرةٌ صحيحةٌ ذكَرَها المفسِّرون:
- فإما أن مَريَمَ عليها السلامُ مِن نَسْلِ هارونَ النبيِّ عليه السلامُ، فنُسِبَتْ إليه؛ كما يقالُ: «يا أخا هَمْدانَ»، أي: يا واحدًا منهم، وقولِهم: «يا أخا العرَب».
- وإما أنها كانت أختًا لرجُلٍ صالحٍ اسمُهُ: «هارُونُ»؛ فإنهم كانوا يتسمَّوْنَ بأسماءِ أنبيائِهم؛ (وهذا هو أظهَرُ الوجوه).
- وإما أنها نُسِبَت لرجُلٍ صالحٍ مِن بني إسرائيلَ اسمُهُ: «هارُونُ»، وكان يُنسَبُ إليه كلُّ مَن كان صالحًا منهم.
- وإما أنهم شبَّهوها بهارونَ النبيِّ عليه السلامُ، في الصلاحِ؛ مِن كثرةِ عبادتِها.
- وقيل: بل كان في ذلك الزمنِ رجُلٌ فاجرٌ اسمُهُ: «هارُونُ»، فنسَبوها إليه على جهةِ التعييرِ والتوبيخ. فدعوى الخطأِ في القرآنِ باطلةٌ؛ فإن القرآنَ لم يصرِّحْ بأن مَريَمَ أختُ هارونَ النبيِّ، وكذلك لم يصرِّحْ بذلك أحدٌ مِن المسلِمين.
الجوابُ التفصيليّ:
الجوابُ عن هذه الشبهةِ يكونُ بذكرِ أمورٍ:
الأوَّلُ: لم يصرِّحِ القرآنُ بأن مَريَمَ أختُ هارونَ النبيِّ عليهما السلامُ:
قال شيخُ الإسلامِ: «أورَدَ بعضُ النصارى على
قولِهِ تعالى :
﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾
[مريم: 28]؛
ظنًّا منه أن هارونَ هذا هو هارونُ أخو موسى بنِ عمرانَ، وأن عمرانَ هذا هو عمرانُ أبو مَريَمَ أمِّ المسيحِ؛ فسُئِلَ النبيُّ ^ عن ذلك،
بأن هارونَ هذا ليس هو ذاك، ولكنَّهم كانوا يسمُّون بأسماءِ الأنبياءِ والصالِحين
؛ [رواه مسلم (2135)].
وبعضُ جُهَّالِ النصارى يَقدَحُ في القرآنِ بمِثلِ هذا، ولا يَعلَمُ هذا المفرِطُ في جهلِهِ: أن آحادَ الناسِ يَعلَمون: أن بين موسى وعيسى مُدَّةً طويلةً جِدًّا، يمتنِعُ معها أن يكونَ موسى وهارونُ خالَيِ المسيحِ، وأن هذا مما لا يَخْفى على أقلِّ أتباعِ محمَّدٍ ^، فضلًا عن أن يَخْفى على محمَّدٍ ^». اهـ. «الجوابُ الصحيح» (1/ 225).
وقال ابنُ القيِّمِ:
«وليس في الآيةِ ما يدُلُّ على أنه هارونُ بنُ عمرانَ، حتى يَلزَمَ الإشكالُ؛ بل المُورِدُ ضَمَّ إلى هذا: أنه هارونُ بنُ عمرانَ، ولم يكتفِ بذلك حتى ضَمَّ إليه: أنه أخو موسى بنِ عمرانَ، ومعلومٌ: أنه لا يدُلُّ اللفظُ على شيءٍ مِن ذلك؛ فإيرادُهُ إيرادٌ فاسدٌ، وهو إما مِن سوءِ الفهمِ، أو فسادِ القصدِ»
. اهـ. «زاد المعاد» (3/ 563).
ويقالُ أيضًا: هذا الذي في القرآنِ إنما هو حكايةٌ عن قولِ بني إسرائيلَ لمَريَمَ عليها السلامُ، ولم يقل أحدٌ مِن المسلِمين: بأن مَريَمَ عليها السلامُ أختُ هارونَ أخي موسى عليهما السلامُ، بل يسلِّمُ المسلِمون بأن هارونَ كان قبل مَريَمَ بزمنٍ كبيرٍ، وقد قيل: (600 سنة)، وقيل: (1000 سنة).
وقد يقولُ قائلٌ: «حتى وإنْ كان هذا هو قولَ بني إسرائيلَ، ولكنَّ القرآنَ قد أقرَّهم على هذا الخطأ؛ فهو خطأٌ أيضًا»:
ونقولُ: ليس قولُ بني إسرائيلَ هنا خطأً؛ فإن القرآنَ لا يُقِرُّ على باطلٍ، ولكنَّ الآيةَ لها محامِلُ كثيرةٌ، وكلُّها صحيحةٌ ذكَرَها المفسِّرون.
الثاني: تعدُّدُ أوجُهِ الآية:
- فإما أن مَريَمَ عليها السلامُ مِن نَسْلِ هارونَ النبيِّ عليه السلامُ، فنُسِبَتْ إليه؛ كما يقالُ: «يا أخا هَمْدانَ»، أي: يا واحدًا منهم ، وقولِهم: «يا أخا العرَب».
- وإما أنها كانت أختًا لرجُلٍ صالحٍ اسمُهُ: «هارُونُ»؛ فإنهم كانوا يتسمَّوْنَ بأسماءِ أنبيائِهم؛ (وهذا هو أظهَرُ الوجوه).
- وإما أنها نُسِبَت لرجُلٍ صالحٍ مِن بني إسرائيلَ اسمُهُ: «هارُونُ»، وكان يُنسَبُ إليه كلُّ مَن كان صالحًا منهم.
- وإما أنهم شبَّهوها بهارونَ النبيِّ عليه السلامُ، في الصلاحِ؛ مِن كثرةِ عبادتِها.
- وقيل: بل كان في ذلك الزمنِ رجُلٌ فاجرٌ اسمُهُ: «هارُونُ»، فنسَبوها إليه على جهة التعييرِ والتوبيخ.
الثالثُ: التوجيهُ الصحيحُ للآية:
أقربُ الوجوهِ إلى الصوابِ: هو الوجهُ الثاني:
قال الطاهرُ بنُ عاشُورٍ:
«فقولُهُ تعالى:
﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾
[مريم: 28]
يحتمِلُ أن يكونَ على حقيقتِهِ؛ فيكونُ لمَريَمَ أخٌ اسمُهُ: «هارُونُ»، كان صالحًا في قومِه، خاطَبُوها بالإضافةِ إليه؛ زيادةً في التوبيخِ، أي: ما كان لأختِ مِثلِهِ أن تَفعَلَ فَعْلَتَكِ؛ وهذا أظهَرُ الوجهَيْنِ؛ ففي «صحيحِ مسلمٍ» [(2135)]، وغيرِهِ، عن المُغيرةِ بنِ شُعْبةَ، قال: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ، فَقَالُوا: أَرَأَيْتَ مَا تَقْرَؤُونَ: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: 28]، ومُوسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ قال المُغيرةُ: فلم أَدْرِ ما أقولُ، فلمَّا قَدِمتُ على رسولِ اللهِ، ذكَرْتُ ذلك له، فقال: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ أَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ». اهـ. ففي هذا تجهيلٌ لأهلِ نَجْرانَ أن طعَنوا في القرآنِ على توهُّمِ أنْ ليس في القومِ مَن اسمُهُ: «هارُونُ»، إلا هارونَ الرسولَ أخا موسى.
ويحتمِلُ أن معنى: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: 28]: أنها إحدى النساءِ مِن ذُرِّيَّةِ هارونَ أخي موسى؛ كقولِ أبي بكرٍ: «يَا أُخْتَ بني فِرَاسٍ»، وقد كانت مَريَمُ مِن ذرِّيَّةِ هارونَ أخي موسى، مِن سِبْطِ لَاوِي؛ ففي «إنجيلِ لُوقَا»: «كَانَ كَاهِنٌ اسْمُهُ: «زَكَرِيَّاءُ»، مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هَارُونَ، وَاسْمُهَا: «إِلْيَصَابَاتُ»، وَ«إِلْيَصَابَاتُ»: زَوْجَةُ زَكَرِيَّاءَ نَسِيبَةُ مَرْيَمَ، أي: ابْنَةُ عَمِّهَا». اهـ. «التحرير والتنوير» (16/ 95-96).
فدعوى الخطأِ في القرآنِ باطلةٌ؛ فإن القرآنَ لم يصرِّحْ بأن مَريَمَ أختُ هارونَ النبيِّ، وكذلك لم يصرِّحْ بذلك أحدٌ مِن المسلِمين.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (64).