التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
يتوهم بعض المغرضين أن هناك تناقضا في القرآن الكريم بين
* قوله - سبحانه وتعالى -: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام: 148]
* ، وقوله سبحانه وتعالى: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ۗ مَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الزخرف: 20]
* وبين قوله - سبحانه وتعالى -: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الزمر: 7]
. ويتساءلون: كيف يصرح القرآن في موضع بأن شرك المشركين حصل بمشيئة الله وإرادته وإذنه، ثم يثبت في موضع آخر عدم رضاه عن شركهم وكفرهم؟ ويهدفون من وراء ذلك إلى القول بـتناقض القرآن وعدم عصمته.
وجه إبطال الشبهة:
إرادة الله - عز وجل - تنقسم إلى:
• إرادة كونية: وهي التي قدرها الله على الخلق كافة، وإن لم يرض بها ولم يحبها، كعصيان إبليس وكفر المشركين.
• إرادة شرعية: وهي التي قدرها الله على عباده وأحبها، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القول بأن الله تعالى أراد شرك المشركين، قول صدق وحق ولا شك في ذلك، فإن كل شيء بمشيئة الله - سبحانه وتعالى -، فلو شاء عدم إشراكهم ما أشركوا، ولو شاء منهم عدم عبادة سواه ما عبدوا من دونه من شيء، ولو شاء منهم عدم تحريم ما حرموه لما وقع، وهذا ما صرحت به آيات كثيرة مثل
* قوله سبحانه وتعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام: 148]
* ، وقوله - سبحانه وتعالى -: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ۗ مَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الزخرف: 20]
* ، وقوله - سبحانه وتعالى -: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النحل: 35]
* ، وقد أيدت آيات أخرى ذلك المعنى، منها قوله - سبحانه وتعالى -: (ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل (107)) [الأنعام.]
* وأفادت الآية: وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام: 35]
أن الله - سبحانه وتعالى - لو شاء هداية الجميع لاهتدوا،
* وأفادت الآية الكريمة (وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين (9)) [النحل]
، أن الله تعالى لم يشأ هداية جميع الناس، ولو شاء هداية الجميع لهداهم، ولكن شاء هداية بعضهم دون بعض،
* كما أفادت نفس المعنى الآية الكريمة: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (13)) [السجدة،]
ولكن هذه المشيئة أو هذه الإرادة مما قدره الله - سبحانه وتعالى - في الكون ولم يشرعه، فقد أرسل الله الرسل فأنذروا وبشروا، وأمروا ونهوا، فأبت طائفة إلا التكذيب.
وهنا أمر يجب التنبيه له وبمعرفته تزول إشكالات كثيرة، وهو أن الله - سبحانه وتعالى - له الخلق والأمر، وأمره نوعان: أمر كوني قدري، وأمر ديني شرعي، فمشيئة الله متعلقة بخلقه وأمره الكوني، وكذلك تتعلق بما يحب وبما يكره، كله داخل تحت مشيئته، كما خلق إبليس وهو يبغضه، وخلق الشيطان والكفار والأعيان والأفعال المسخوطة له وهو يبغضها، فمشيئته شاملة لذلك كله، وأما محبته ورضاه فمتعلقة بأمره الديني وشرعه الذي شرعه على ألسنة رسله، فما وجد منه تعلقت به محبته وأمره الديني ولم يتعلق به مشيئته، وما وجد من الكفر والفسوق والعصيان تعلقت به مشيئته ولم تتعلق به محبته ولا رضاه ولا أمره الديني، فلفظ "المشيئة" كوني ولفظ "المحبة" ديني شرعي.
ولفظ الإرادة ينقسم إلى: إرادة كونية فتكون هي المشيئة. وإرادة دينية فتكون هي المحبة.
إذا عرفت هذا،
* فقوله - سبحانه وتعالى -: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الزمر: 7]
* وقوله: (والله لا يحب الفساد (205)) [البقرة،]
* وقوله - سبحانه وتعالى -: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185]
لا يناقض نصوص القدر والمشيئة العامة الدالة على وقوع ذلك بمشيئته وقضائه وقدره، فإن المحبة غير المشيئة، والأمر غير الخلق.
ونظير هذا اللفظ: الأمر، فإنه نوعان: أمر تكوين وأمر تشريع، والثاني قد يعصى ويخالف بخلاف الأول،
* فقوله سبحانه وتعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (82)) [يس]
* ، أمر كوني لا يناقض قوله - عز وجل -: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 28]
فالأول أمر تكوين، والثاني تشريع [1].
فإذا كان الله أراد الشرك لفئة من عباده، فلا يعني هذا أنه ارتضاه لهم، وأما ما قاله الكفار فهو حق أريد به باطل، فقد زعموا أن الله تعالى راض بفعلهم وهذا باطل، فرد الله عليهم هذا الباطل الذي قصدوه من هذا الكلام الحق وكذبهم فيه.
وتوضيح ذلك كما ذكره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: إن مرادهم أنهم لما كان كفرهم وعصيانهم بمشيئة الله، وأنه لو شاء لمنعهم من ذلك، فعدم منعه لهم دليل على رضاه بفعلهم، فكذبهم الله في ذلك مبينا أنه لا يرضى بكفرهم،
* كما نص عليه بقوله: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الزمر: 7]
فالكفار زعموا أن الإرادة الكونية يلزمها الرضا، وهو زعم باطل، بل الله يريد بإرادته الكونية ما لا يرضاه؛
* بدليل قوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة: 7]
* مع قوله: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الزمر: 7]
والذي يلازم الرضا حقا إنما هو الإرادة الشرعية.
فما قاله المشركون من أن إرادة الله يلزمها الرضا لم يقولوه عن اعتقاد، بل قالوه استهزاء، قال النسفي: وتشبثوا بمثل هذا فلم ينفعهم ذلك؛ إذ لم يقولوه عن اعتقاد، بل قالوا ذلك استهزاء، ولأنهم جعلوا مشيئته حجة لهم على أنهم معذورون به، وهذا مردود [2].
لا تعارض بين الآيات التي تؤكد على أن إشراك المشرك كان بإرادة الله - سبحانه وتعالى -، وأن الله - عز وجل - لا يرضى بالشرك؛ وذلك لأن إرادة الله تنقسم إلى: إرادة كونية قدرية، وهي التي قدرها كونا وإن لم يرضها ولم يحبها، وإرادة شرعية دينية، وهي التي شرعها وأحبها وارتضاها، فليس كل ما قدره الله - سبحانه وتعالى - أحبه، بل منها ما أحبه ومنها ما أبغضه، فقد قدر الشرك وأبغضه ونهى عنه، وقدر الخير وأمر به وأحبه.