الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
يزعم بعض المشككين أن القرآن يحل الإغراء بالمال، ويستدلون على ذلك
* بقوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم (60)) [التوبة]
. مدعين أن هذه الزكوات والصدقات هي رشوة للفقراء والمساكين وذوي الحاجة تدفع إليهم لإغرائهم باعتناق الإسلام. ويتساءلون: هل يبيح الإسلام الإغراء بالمال؛ للدخول فيه؟ وهل يؤجر الناس ويرشون لاعتناق دين لا يرغبون فيه؟ هادفين من وراء ذلك إلى القول بأن الإسلام يغري الناس بالمال للدخول فيه دون رغبة منهم.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الإسلام منهج رباني راعى نفوس البشر، وراعى الفروق بينها.
2) لو كانت الزكاة والصدقة إغراء، فكيف يكون الحال مع الجنة ونعيمها؟!
3) إذا أطلقنا على تأليف القلوب - عند المسلمين - إغراء بالمال، فبماذا نسمي ما يفعله الغرب النصراني في دول العالم الإسلامي الفقيرة من إغراء بالمال من أجل التنصير؟
إن هذا المنهج الرباني يعني أنه من عند الله الذي هو رب العباد، وكلمة رب تعني: صاحب ومالك، وهي أيضا مشتقة من التربية. فالذي يملك الناس ويربيهم هو الذي شرع ذلك، وانظر إلى عظمة هذا التشريع كيف راعى نفوس البشر؟
فالناس نفوسهم ليست واحدة، فهناك نفوس قوية وأخرى ضعيفة، وهناك نفوس أبية عالية تسير في الطريق الذي اقتنعت به دون أن يدفعها دافع، أو يجذبها جاذب، وأخرى دنية برغم اقتناعها بالمبدأ الذي هي عليه إلا أنها تنظر إلى الأمور من وجهة نظر مادية.
فالإسلام راعى هؤلاء وهؤلاء فهل يعيبه شيء في ذلك؟ هل يعيبه أنه ينزل إلى الناس حيث كانوا، ويأخذ بأيديهم ويعلو بهم إلى أعلى الدرجات؟ أم كان عليه أن يظل مرتفعا في عنان السماء في برج عاجي يدعو الناس إلى أن يصعدوا إليه، إنها مثالية الإسلام الواقعية، لا المثالية النظرية التي تبنتها كثير من الملل والنحل الوضعية، إنها مزية لا سبة امتاز بها هذا الدين الحنيف عما سواه من المناهج والأفكار الأخرى.
والمؤمنون درجات، فليسوا سواء؛ منهم من آمن اقتناعا، ومنهم من آمن وأمسك على نفسه في زمرة المؤمنين إغراء،
ودليل ذلك رد النبي - صلى الله عليه وسلم - على سعد بن أبي وقاص حينما قال له:
«يا رسول الله، ما لك عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "أو مسلما"، فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي فقلت: ما لك عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمنا. فقال صلى الله عليه وسلم: "أو مسلما"، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "يا سعد، إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار»
[1].
وقد صرح ابن حجر في "الفتح" باسم الصحابي الذي لم يعط، وهو جعيل بن سراقة الضمري، فدرجة جعيل بن سراقة في الإسلام ليست كدرجة الآخرين الذين أعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعطيات، بل هي أعلى وأرقى.
وليس معنى هذا أن ديننا يدلل أتباعه، أو أن المسلمين هؤلاء قوم سذج يعطون عطاء السذج فيستغلهم المستغلون؛ فهذا فاروق أمتنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوقف سهم المؤلفة قلوبهم في خلافة الصديق ويقره الصديق - رضي الله عنه - على ذلك. وإذا كان الإحسان إلى الناس إغراء لهم بالدخول في الإسلام، فإن أخذ الجزية من اليهود والنصارى إذا أصروا على عقيدتهم يتفي هذا الإغراء، فلو كان التأليف إغراء؛ لما أخذ المسلمون منهم أموال الجزية " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"، وهل يسمى النصارى مكارم الأخلاق إغراء [2]؟ هذا ديننا فأعظم به من دين، راعى نفوس البشر وطبائعها التي جبلت عليها.
إن من صور عظمة هذا الدين، أنه أقر مبدأ الثواب والعقاب في تعامله مع النفس البشرية، فها هي النار تنتظر من ابتعد عن طريق الله
* سبحانه وتعالى: (إن جهنم كانت مرصادا (21) للطاغين مآبا (22)) [النبأ.]
وها هي الجنة أعدها الله - سبحانه وتعالى - مأوى لمن أطاعه وسار في طريقه:
* (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (40) فإن الجنة هي المأوى (41)) [النازعات.]
وليس الأمر في الإسلام حسب ماتقرر في الديانات المحرفة، إن الجنة للطائع والنار لمن عصى، بل ومقرر أيضا في المناهج الوضعية، فلو قارنا المال بالجنة، أيهما يكون إغراء؟
فالرسول يجيب عن مسألة في صفة الجنة فيقول:
«لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها [3] المسك الأذفر [4]، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت ولا يبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم»
[5].
* وهــذا وصــف ربنــا للجنــة في كتابــه العزيــز: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جـزاء بمـا كانوا يعملـون (17)) [السجدة]
* ، وهذا وصف آخر: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد: 15]
ما تقدم في وصف الجنة قليل من كثير، فأي الأمرين أعظم، إغراء بالمال أم بالجنة؟
إن التوازن في التعامل الرباني مع النفس البشرية على العكس تماما من تعامل المناهج الوضعية والمحرفة مع هذه النفس، فها هي المناهج الوضعية من حولنا تتعامل تعاملا معوجا مع النفس البشرية، فكم من محسن ولا ثواب، وكم من مسيء ولا عقاب، وهذا له أخطر الأثر على الفرد والمجتمع على حد سواء.
فالفرد المحسن يتساءل: لماذا أحسن ولا أحد يرى هذا الإحسان؟ لماذا أحسن وأنا مع إحساني هذا مهان؟ أيضا المخطئ يتساءل: لماذا أخطئ ولا عقاب؟ وتكون نتيجة ذلك انتشار الفساد وشيوعه، وانزواء الصلاح وضياعه، وتكون الكارثة الكبرى كما نرى في واقعنا الأليم، هجرة كثير من عقول أبنائنا الفذة إلى الغرب مهرولين يبحثون عن تحقيق ذواتهم، تاركين بلادهم التي يسميها الغرب دول العالم الثالث.
لو وجد هؤلاء توازنا في التعامل معهم ما هاجروا، فحضارتنا الإسلامية السمحاء كانت معقل الأفذاذ، فهذا أحد المستشرقين يقول: "أشهد أن الخوارزمي هو أعظم عقلية رياضية عرفتها البشرية".
وهذا خليفتنا المأمون الخليفة العباسي يعطي من ترجم له كتابا وزنه ذهبا، ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - يقر هذا التوازن مع النفس البشرية حينما يسأله أحد الصحابة يا رسول الله إنا لنأتي الصالح من العمل، فيذكرنا الناس فنسر لذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا عاجل بشرى المؤمن في الدنيا» [6]. بالله عليكم هل على سطح الأرض منهاج أعظم أو أجل من هذا المنهاج؟ كلام الله".
والمناهج التربوية المعاصرة أقرت هذا المبدأ مؤخرا، مبدأ التعامل مع النفس البشرية بالثواب والعقاب، فهل يكون سبة للإسلام أنه راعى النفس البشرية، وأقر هذا المبدأ؟!
إن الإسلام نبيل في أهدافه، شريف في وسائله، والقولة المشهورة "الغاية تبرر الوسيلة" ينكرها الإسلام جملة وتفصيلا، ويتخذها سواه من الملل والنحل الباطلة أساسا لتعامله مع الإسلام وغيره؛ ها هم المبشرون والمنصرون يجوبون العالم شرقا وغربا، يأتون الشعوب الفقيرة الضعيفة يعرضون عليهم المال والطعام والشراب شريطة أن يتبعوا دينهم المحرف، وإندونيسيا أكبر بلد إسلامي في تعداد سكانه، خير شاهد على ذلك، والسودان، والصومال، وغيرهما كثير، حيث يعتمد المبشرون في تحقيق أهدافهم وتمويلها على ما تقوم به المؤسسات الدينية والسياسية والتجارية في الغرب، كما يقوم ملوك وأمراء وأثرياء الغرب النصراني بالتبرعات والإنفاق على حركة التبشير، وقد وردت على صناديق إرساليات التبشير، أموال كثيرة منها 6 مليون فرنك في السنة تدخل في صناديق جمعيات التبشير البريطانية والأيرلندية، و 67 مليون فرانك لصندوق الجمعية الأمريكية، و 70 مليون فرنك للجمعيات الاسترالية.
هذه إنفاقات عدد بسيط من الجمعيات التبشيرية، فإذا عرفنا العدد الهائل لهذه الجمعيات عرفنا مدى خطورة التنظيم المالي لحركة التبشير [7]، ولقد استغل النصارى فقر المسلمين وحاجتهم في مجاهل أفريقيا، حتى إن البعثات التبشيرية في السنغال كانت توقع عقودا مع الأسر الفقيرة، تقدم البعثات بموجبها إلى هذه الأسر مساعدات عينية ضئيلة من أرز وخبز في كل شهر على أن لها حق اختيار أحد أطفال الأسرة دون الخامسة من عمره، ثم يربي تربية مسيحية، ويرسل إلى فرنسا لاستكمال تعليمه العالي [8].
وهكذا يستخدم المبشرون أعمال الإحسان والبر استخداما سيئا، فما كانوا يحسنون ولا ينفقون إلا بمقدار ما ينتظرون من فوائد عاجلة، حتى كان من أسس التبشير عندهم: أن أعمال الخير يجب أن تستعمل بحكمة، فلا تنفق الأموال بدون حساب، بل يجب أن تعطى الأموال للبعداء، ثم يقل دفعها تدريجيا كلما زاد اقتراب هؤلاء إلى الكنيسة، فإذا دخلوها منعت عنهم أعمال الخير [9].
فهؤلاء حق فيهم
* قول الله عز وجل: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون (36)) [الأنفال.]
أما المسلمون فكما وصفهم سيدنا ربعي بن عامر لملك الفرس: "ونحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
فتلك أهداف المسلمين أن يحرروا الناس من استعبادكم لهم، وسوقكم إياهم إلى النار سوقا يا من تدعون إلى الحرية؛ فالحرية الحقة عندنا نحن المسلمين، وهذا إعلان قرآننا الخالد:
* لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 256]
لاإكراه بمال أو سلاح كما تفعلون.
وهذا الفاروق عمر - رضي الله عنه - يعلنها مدوية في الآفاق لواليه عمرو بن العاص متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وأخيرا:
ملكنا فكان العفو منا سجية
فلما ملكتم سال بالدم أبطح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا
وكل إناء بالذي فيه ينضح
كما أن الصدقة لم تختص بالمسلمين الفقراء لتأليف قلوبهم، بل تعدى نفع الصدقة إلى غير المسلمين من الفقراء والمساكين، حتى وإن ظلوا على كفرهم، وقد أمر الله تعالى بالإحسان إليهم ونهى عن ظلمهم، أو التعدي على أموالهم، ولقد شهد التاريخ بحسن معاملة المسلمين لغيرهم من أهل الكتاب خاصة الفقراء منهم والمساكين
* قال الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8)) [الممتحنة.]
الخلاصة:
• إن التشريع الإسلامي مستمد من الخالق - سبحانه وتعالى - لذا جاءت أحكام الإسلام، تناسب طبائع البشر ونفوسهم، وهدفها الارتفاع بالجميع، لكنها تبدأ من الدرجة التي هم عليها لا تطالبهم أن يصعدوا هم لها، فما أعظمه من منهاج!
• من أهداف التشريع الإسلامي تحقيق التوازن في التعامل النفسي البشري، ومنه إقرار مبدأ الثواب والعقاب بإثابة من أحسن، وعقاب من أساء، على عكس تعامل المناهج الوضعية والمحرفة مع هذه النفس.
• هؤلاء الذين ينتقدون الإسلام هم أولى الناس بهذا النقد، لأنهم ينفقون أموالا طائلة لإغراء الناس على الدخول في دينهم، ويستغلون الدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا لنشر دينهم مقابل دفع الأموال، فيذهبون بالجسد دون الروح.
• إن الإسلام لم يحجر الصدقة على فقراء المسلمين، بل تعداهم إلى غيرهم من فقراء الكافرين وإن ظلوا على كفرهم، ما لم يقاتلوا المسلمين، أو يساعدوا من يقاتلهم
* قال الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8)) [الممتحنة.]