الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
الزَّوجُ العاقِلُ الصَّالحُ كرُيمٌ أَصلُهُ لَيِّنٌ قَلبُهُ، يَعرِفُ قَدرَ زوجَتِهِ، التي هي حَامِلَةُ أَولادِهِ، وراعيةُ أموالِهِ، وحافظةُ أسرارِهِ. فيَخفضُ الجَنَاحَ مَعَهَا، ويُظهرُ البَشَاشَةَ لَها، وإيَّاكُمُ والتَّكَبُّرَ والغُرُورَ عليها، مَهمَا عَلا شَأنُكُما! وارتَفَعَ قَدرُكُما! فقد قال عمرُ بنُ الخطَّابِ -رضي الله عنه- "ينبغي لِلرَّجُلِ أنْ يَكونَ في أَهلِهِ كالصَّبِيِّ -يعني في الأُنسِ والسُّهولَةِ- فإنْ كانَ في القَومِ كانَ رَجُلاً"، وَكُن زَوجَاً مُستَقِيمَاً فلا تمُدَّنَّ عَينَيكَ إلى ما لا يحلُّ لكَ، فالمعصيةُ شؤمُ البيتِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي خَلقَ فَسَوَّى، والذي قَدَّرَ فَهَدَى، خَلَقَ الزَّوجينِ الذَّكرَ والأُنثى مِن نُطفةٍ إذا تُمنى، نشهدُ أن لا إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، العليُّ الأعلى، ونَشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَقامَ مُجتمَعَاً على المَوَدَّةِ والتَّقوى، اللهمَّ صَلِّ وسلِّم وبارك عليه وآلِهِ وَأصَحَابِهِ والتَّابعينَ وَمَنْ تَبِعهُم في العَلَنِ والنَّجوى.
أمَّا بعدُ. فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوى، فَمَن اتَّقى رَبَّهُ عَلا، ومَنْ أَعرَضَ عنه ضَلَّ وَغَوَى. أيُّها الكرامُ: بِحمدِ اللهِ –تَعَالَى- مِنْ بَعدِ أيَّامِ عيدِ الفِطْرِ المُبَارَكِ إلى أيَّامِنا هذَهِ وَنَحنُ مُناسَبَاتِ زِواجٍ كَثِيرَةٍ، تَحقَّقَتْ فيها بِحمدِ اللهِ أُمنِياتُ كَثِيرٍ مِن أَبنَائِنَا وبَنَاتِنا، في إقامة بيتٍ زَوجِيٍّ سَعِيدٍ، وَجَدوا فيه راحتَهم وأنسَهم، فَكانَ حَقُّهم علينا بَعدَ ما نَدعُوَ لَهم بالتَّوفيقِ والسَّعَادَةِ والهَنَاءِ، أنْ نُبِيَّنَ لَهُم سِمَاتَ البَيتِ المُسلِمِ وما له مِن حقوقٍ وواجباتٍ! حَتى نُحقِّقَ سعادتَهُ، وَنُقيمَ أركانَهُ. فنَقُولُ لِكُلِّ زَوجينِ: اللهمَّ بارك لهما وباركْ عليهما واجمع بَينَهما بِخَيرٍ.
اعلموا أيُّها الزَّوجانِ الكَرِيمَانِ: أنَّ البيتَ الذي سَكَنتُمُوهُ أيَّاً كانَ نَوعُهُ نِعمةٌ من اللهِ وحدَهُ! فقد تَفَضَّلَ اللهُ بِهِ علينا فقالَ: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)، فَمِن تَمَامِ نِعمَتِهِ علينا أنْ هَيَّئَ لَنا سَكَناً نَأوي إِليهِ، وَنَستَتِرُ فِيهِ، فَكَمْ مِن أُنَاسٍ لا يَجِدونَ ثَمَنَ ما يَستَأجِرُونَ بهِ! فَالبَيتُ نِعمَةٌ وهو أَمَانَةٌ كَذَلِكَ! فاحمدوا اللهَ ليلاً ونَهَاراً، واسعوا لِما يُصلِحُها ويُقِيمُها ويُطمئِنُها، فإذا ما استَقَامَ الزَّوجانِ على دِينِ الله، وتزيَّنا بِتَقوى اللهِ، غَدا البيتُ إِشعَاعَ فَضِيلةٍ، وَمَوطِنَ بِنَاءٍ لِجِيلٍ صَالِحٍ، ومجتمعٍ كريم.
عبادَ اللهِ: لقد بَيَّنَ اللهُ في كتابِهِ، وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في سُنَّتِهِ حقَّ كُلَّ واحدٍ من الزَّوجَينِ على الآخَرِ، وما لَهُ ومَا عليهِ! فإذا ما أَدرَكُوا ذلكَ عَاشُوا في كَنَفِ بيتٍ مُطمئِنٍّ، فاللهُ تعالى يَقُولُ: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء: 19].
قَال الإِمَامُ ابنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-:"فَعَسى أنْ يَكُونَ صَبْرُكُم في إِمْسَاكِهِنَّ مَعَ الكَرَاهِيَةِ فِيهِ خَيرٌ كَثِيرٌ لَكُم فِي الدُّنيا والآخِرَةِ". ومحمدٌ -صلى الله عليه وسلم- خَيرُ أسوةٌ يَقُولُ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُم لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي".
ولْنَعلَمْ يا كرامُ: أنَّهُ في كلِّ بيتٍ عِتَابٌ وَمَوَدَّةٌ، وَسَخَطٌ وَرِضَا، والرَّجُلُ العاقِلُ يَقودُهُ عَقلُهُ ونُضجُه وَفِكرُهُ، فَيَعفُوا عن الخَطأِ، ويَنسى الزَّلَلِ؛ لأنَّهُ مُدرِكٌ أنَّ المرأةَ خُلقت من ضِلَعٍ أعوجٍ فبالصَّبرِ عليها تَستقيمُ الأمورُ، وتَحسُنُ المَعِيشَةُ "فاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي اَلضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً".
أيُّها الزَّوجانِ الكَرِيمَانِ: اتَّقِيا اللهَ في حياتِكُما الزَّوجِيَّةِ، وقُومَا فِيها بِالحُقُوقِ المَرعِيَّةِ، ولا تُدمِّراها بالمدَاخِل الشَّيطانيَّةِ، واحتكما لقولِ اللهِ: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ). واحتكما لقولِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- : "أَلا إنَّ لكُمْ مِنْ نسائكُمْ حقَّاً، ولِنسائِكُمْ عليكم حقَّاً فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلاَ وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ، وَطَعَامِهِنَّ".
وَكُنْ لِزَوجَتِكَ كَمَا تُحِبُّ أنْ تَكُونَ هِيَ لَكَ فِي كُلِّ مَيَادِينِ الحَيَاةِ، فَإِنَّها تُحِبُّ مِنكَ كَمَا تُحِبُّ مِنْها، يَقُولُ ابنُ عَبَّاسٍ -رَضِي اللهُ عنهما-: "إنِّي أُحِبُّ أنْ أَتَزَيَّنَ لِلمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أنْ تَتَزَيَّنَ لِي".
أيُّها الزَّوجانِ الكريمانِ: بيتُكما قَلْعَةٌ. وكِلاكُمَا حَارِسٌ لَهُ، وَمَسئُولٌ عنه: "فَكُلُّكم رَاعٍ وَمَسئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرأَةُ في بَيتِ زَوجِها رَاعِيَةٌ وهيَ مَسئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها"، وَأُنْسُ البيتِ وَسَعادَتُهُ، تَكُونُ بِذكْرِ اللهِ تَعالَى، فعن أَبِي مُوسى -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا". فإذا خَلَتِ البُيوتُ من الصَّلاةِ والذِّكرِ والقُرآنِ غَدَت مَرتَعاً لِلشَّياطِينِ! وَمَوطِنَا للنِّزَعاتِ! خَاصَّةً مَعَ تَوفُّرِ القَنَواتِ بِأشكَالِها، والشَّبكاتِ والأجهِزَةِ بِسُرُعَاتِها وانْفِتَاحِها فَقَدْ صَدَّتْ عَنْ ذِكرِ اللهِ وعنْ أَدَاءِ الحُقُوقِ إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ! بَلْ وَجَعلتْ بَعضَ الأزواجِ يأنسُ بالأجهِزَةِ مالا يأنسُ مَعَ زَوجَهِ وأهلِهِ!
أُذَكِّرُ الزَّوجَينِ الكَريمَينِ بِحديثِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حينَ قَالَ: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ".
فَتَأَمَّلْ كيفَ يَنفِرُ الشَيطانُ من الذِّكرِ، وكيفَ يَتَسلَّطُ حينَ المَعصِيَةِ والغَفلَةِ! فَما قَولُكُمْ في بيتٍ مُلِيءَ بِشَبَكاتِ الفَتكِ، وَقَنواتِ الشَّرِّ، وأفلامِ الخَلاعَةِ؟ يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" (رواهُ مُسلِمٌ).
عبادَ اللهِ: ومن سِمَاتِ البيتِ المُسلِمِ: تَعاونُ أفرادِهِ على الطَّاعَةِ، فَضَعْفُ إيمَانِ الزَّوجِ تُقوِّيهِ الزَّوجَةُ، واعوجاجُ سُلُوكِ الزَّوجةِ يُقوِّمُهُ الزَّوجُ، تَكَامُلٌ وَتَعَاضُدُ، وتَنَاصُحٌ وتَنَاصُرٌ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، ورَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ".
ومن أخصِّ صفاتِ البيتِ المُسلِمِ أنَّ أسرارَه مَحفُوظَةٌ، وخِلافَاتَهُ مَستُورةٌ، فلا تُفشى ولا تُنشَرُ مَهما كانَ حَجمُها! أتُرِيدُونَ يا كرامُ أنْ تَعرفوا مَنْ شَرُّ النَّاسِ مَنزِلَةً عندَ اللهِ يومَ القِيامَةِ؟قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا" (رواهُ مُسلِمٌ).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ خَلَقَنا من نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ منها زَوجَها لِنَسكُنَ إليها، نَشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، أمرنا بالتَّعاونِ على البِرِّ والتَّقوى، ونشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُه خيرُ النَّاسِ وأوفى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِهِ، ومَن اهتدى بِهديهِ إلى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) [التحريم: 6].
أيُّها الكرامُ: لو قيل لأَحَدِنا ماذا تَتَمَنَّى؟ لَقالَ: أنْ أَعِيشَ في بَيتٍ سَعيدٍ مع امرَأَةٍ صَالِحَةٍ إذا نَظَرتُ إليها سَرَّتني وإذا أَمَرْتُها أَطَاعَتني، فهل يُمكِنُ أنْ تَتَحقَّقَ هذهِ الأمانيُّ؟نعم وأكثرُ بِإذنِ اللهِ تِعالى، متى ما عَرَفَ كُلٌّ من الزَّوجينِ حُقُوقَهُ وحُدُودَهُ، ومتى ما رُزقنا القنَاعَةَ والرِّضا، وتَركْنَا المُقارنَاتِ والأَمَانِيِّ الكاذِبَةِ هذه السَّعادةُ تتحقَّقُ بإذنِ اللهِ، بِتقوى اللهِ ومراقبتِه في السِّر والعلنِ، وأَنْ يَنظُرَ كلٌّ من الزَّوجينِ إلى أنَّ الزِّواجَ عبادَةٌ يتَقَرَّبُ به إلى اللهِ تعالى.
عبادَ اللهِ: الزَّوجُ العاقِلُ الصَّالحُ كرُيمٌ أَصلُهُ لَيِّنٌ قَلبُهُ، يَعرِفُ قَدرَ زوجَتِهِ، التي هي حَامِلَةُ أَولادِهِ، وراعيةُ أموالِهِ، وحافظةُ أسرارِهِ. فيَخفضُ الجَنَاحَ مَعَهَا، ويُظهرُ البَشَاشَةَ لَها، وإيَّاكُمُ والتَّكَبُّرَ والغُرُورَ عليها، مَهمَا عَلا شَأنُكُما! وارتَفَعَ قَدرُكُما! فقد قال عمرُ بنُ الخطَّابِ -رضي الله عنه- "ينبغي لِلرَّجُلِ أنْ يَكونَ في أَهلِهِ كالصَّبِيِّ -يعني في الأُنسِ والسُّهولَةِ- فإنْ كانَ في القَومِ كانَ رَجُلاً".
وَكُن زَوجَاً مُستَقِيمَاً فلا تمُدَّنَّ عَينَيكَ إلى ما لا يحلُّ لكَ، فالمعصيةُ شؤمُ البيتِ، ومشاهدةُ الفضائياتِ يقبِّحُ جَمَالَ زَوجَتِكَ في عَينَيكَ، ويُنَقِّصُ من قَدْرِها لَدَيكَ. وفي وقتِنا المُعاصِرِ هذهِ أمُّ المَشَاكِلِ والمَهَالِكِ! ألم يقُل أحدُ السَّلفِ إنِّي أجِدُ شُؤمَ مَعصِيتِي في دابَّتي وأهلي؟
أيُّها الزَّوجُ المُبارَكُ: أحسِن إلى زَوجَتِكَ بالنَّفَقَةِ بِالمعرُوفِ ولا تَبخَلْ عَليها، وأنفِقْ على قَدْرِ وُسعِكَ. ولا تَكُنْ مِمَّن هانت عليه نَفْسُهُ فَصَارَ يَأْخُذُ مَالَ زَوجَتِهِ ويستَولِيَ على كَدِّها وحِلالِها! فَمَالُها مُلْكٌ لَها، لا يَحِلُّ مِنْهُ شيءٌ إلا بِرِضَاهَا.
واعلموا عبادَ اللهِ: أنَّ عقدَ الزوجيةِ أكبرُ من التَّصرُّفَاتِ الهَوجَاءِ، فلا يَليقُ أنْ يتخلى الزَّوجُ عن زَوجَتِهِ لِمُجَرَّدِ خُلُقٍ كَرِهَهُ، أو مُشكِلَةٍ طَرَأَت عليهما، خاصَّةً عندَ تَقَدُّمِ السِّنِّ وطُولِ العِشرَةِ بَينَهُما، فَلِكُلِّ مُشكِلَةٍ حلٌّ، ولِكُلِّ مُعضِلَةٍ دَواءٌ، تَجِدُ ذلِكَ عندَ أُناسٍ نَذَروا أنفُسهم للإصلاحِ الأسري، والتَّوفيقِ بينَ الزَّوجينِ عبرَ الجمعيَّاتِ الخيريَّةِ، والمكاتِبِ الاستشاريَّةِ، فإنْ كانَ صادِقينِ فقد تَكَفَّلَ اللهُ فَقالَ: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)، وأوصانا رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَفْركْ مؤمنٌ مؤمنةً إنْ كَرِهَ منها خُلُقاً رَضِيَ مِنها آخَرَ".
وَمَنْ تَابَعَ حَالاتِ الفِراقِ والطَّلاقِ في هذا الزَّمَنِ، أدركَ أنَّ كثيراً من الأزواجَ كَانُوا يَحتاجُونَ إلى توجيهٍ وإرشادٍ، وإلى بَحثٍ عن المُسَبِّبَاتِ والأسبَابِ، علَّنا نوَفَّقُ لِطَرقِها ولو بعدَ حينٍ.
أيُّها المسلمون! وإذا كان هذا مَنطِقُ الشَّرعِ الحكيمِ، فمنطقُ العقل أيضاً يقول: إنَّ كثيرا من الأزواج بِحمدِ اللهِ تَجَاوَزُوا الخِلافَاتِ في بِدَايتِها، وَتَغلَّبوا على المَكَارِهِ والمَصَاعِبِ أوَّلَ نشأتِها، فَغَدَت حَيَاتُهم هَانِئَةً سَعِيدَةً! وصدَقَ اللهُ: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
اللهم اهدنا لما تحب وترضى و زيِّنا بزينة الإيمان والتقوى. اللهمَّ أصلح أحوالَنا وأحوالَ إخوانِنَا نعوذُ بكَ يا اللهُ من همزاتِ الشَّياطينِ ونعوذُ بكَ ربِّ أنْ يحضُرُونا.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. اللهم ألف بين قلوبهم وأصلح ذاتَ بينِهم وهيئ لهم من أمرهم رشدا. وفِّقْ أبناءَنا وبناتِنا لما تُحبُّ وتَرضى، وارزُقُهم العِفَّة والتَّقوى. اللهم بارك للمتزوِّجينَ وبارك عليهما واجمع بينهما بخير يا ربَّ العالمين. (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 63].
اللهم وفِّق وسدِّد الآمرينَ بالمعروف والناهينَ عن المنكر وقوِّى عزائِمَهم وأهدهم سُبَلَ السَّلامِ يا رب العالمين. اللهم احفظ نسائنا وارزقهنَّ الحشمة والحياء. (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
اللَّهُمَّ وحِّد صفوفَ إخوانِنا في كُلِّ مَكَانٍ، واجمع كلمتَهم على الحقِّ والهدى، اللَّهُمَّ احقن دِمائَهم، واحفظ أعراضَهم وأموالَهم. اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ والرَّخاءِ والاستقرارِ وأصلحْ لنا وُلاتَنَا وهيئ لِهُم بِطَانةً صَالحةً نَاصِحَةً واجعلهم رَحمةً على رعاياهم.
اللَّهُمَّ احفَظْ جُنُودَنَا وحُدُودَنا، اللهم سَدِّد رَميَهُم، وقَوي عَزَائِمَهُم، اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلِمينَ، اللَّهُمَّ اكتُب النَّصرَ والتَّمكِينَ لِجَمِيعِ المُسلمينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ.