الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
يتوهم بعض المغالطين أن هناك تناقضا بين قوله -
* سبحانه وتعالى -: [إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون (7)] [النمل]
* ، وقوله - سبحانه وتعالى - [إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى (10)] [طه،]
* وقوله - سبحانه وتعالى -: [إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون (29)] [القصص.]
ويتساءلون: كيف يذكر القرآن أقوالا مختلفة على لسان موسى في موقف واحد؟ ويرمون من وراء ذلك إلى القول بأن القرآن ليس من عند الله، وأنه غير معصوم.
· الموقف بداخله أحداث ومشاهد عديدة فلا يمكن أن يعبر عنه بجملة واحدة.
· تكرار القصة كان تثبيتا لقلب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي تعرض للعديد من ألوان العذاب من قبل قومه.
الذي ينظر في هذه الآيات - لأول وهلة - قد يلتبس عليه الأمر، ويظن - كما زعم المتوهمون - أن هناك تناقضا بين هذه الآيات، ولكن من يعمل فكره يتبين خطأ هذا التوهم للآتي:
الغرض من تعدد الأقوال:
روي أن موسى - عليه السلام - استأذن شعيبا - عليه السلام - في الخروج من مدين إلى مصر؛ لزيارة أمه وأخيه، وقد طالت فترة بقائه بمدين، ورجا خفاء أمره، فأذن له، وكان - عليه السلام - رجلا غيورا، فخرج بأهله ولم يصحب رفقة لئلا ترى امرأته، وأخذ - عليه السلام - على غير الطريق مخافة من ملوك الشام، فلما وافى وادي طوى وهو بالجانب الغربي من الطور ولد له ابن في ليلة مظلمة شاتية مثلجة، وكانت ليلة الجمعة، وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته، ولا ماء عنده. فبينما هو في هذا الموقف شديد الصعوبة، إذ رأى نارا على يسار الطريق من جانب الطور، والنار بالنسبة إليه سلاح ذو حدين؛ فبها يعرف حال الطريق، ويأتي لأهله بما به يصطلون، ولذلك قال: آنست[1]، وهي من الأنس؛ ليدل ذلك على مدى أنسه وسعادته بهذا الأمر.
ومن البديهي أن تتعدد الكلمات والأقوال في هذا الموقف؛ وذلك لاحتوائه على مواقف متعددة، ففي بداية الأمر عندما أبصر النار لأول وهلة - قال لأهله - كرد فعل لما رآها
* [إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون (7)] [النمل]
قال: [سآتيكم]على سبيل اليقين، الظاهر من الآية أن سيدنا موسى - عليه السلام - يخبر أهله، وأنهم لم يروا هذه النار وذلك يدل على أنها نار غير مادية من صنع البشر، فلو كانت كذلك لاستوى الأهل معه في الرؤية، فكأن هذه حالة أو معجزة خاصة به، وقوله هذا قول الراجي الذي قوي رجاؤه.
* قال: [سآتيكم منها بخبر] []
عن حال الطريق؛ لأنهم قد ضلوه، أو آتيكم بشعلة نار مقبوسة لعلكم تدفئون من شدة البرد، ومن الطبيعي في هذا الموقف الرهيب أن أهله لن يتركوه ليذهب بسهولة، أو كأنهم أرادوا أن يذهبوا معه، فلذلك قال لهم: امكثوا مكانكم؛ لئلا يتبعوه فيما عزم عليه من الذهاب إلى النار.
لكنه راجع نفسه بعد ذلك، وتوقع أنه ربما ذهب إلى النار فوجدها انطفــأت، فقـال على سبيـل الرجـاء:
* إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه: 10]
، ولم يقل كما قال في أول الموقف:
* إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النّمل: 7]
أي: نار مقبوسة تكون على رأس عود، وهي أقل اشتعالا، و)هدى(: هاديا يدلني على الطريق.
ثم بعد ذلك نرى أنه قد قل رجاؤه؛
* حيث قال: ۞ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [القصص: 29]
، عن حال الطريق،
* ۞ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [القصص: 29]
، والجذوة: هي القطعة الغليظة من الحطب، وهنا نلحظ أنه اعتقد أنه سيجد اللهب قد انتهى، فلذلك يأتي بجذوة أو جمرة من النار[2].
بالإضافة إلى ما سبق، فإن لتكرار قصة موسى - عليه السلام - في القرآن الكريم عامة فائدة عظيمة، وليست مجرد تكرار لأحداث التاريخ كما يدعي هؤلاء، وتظهر هذه الفائدة والعبرة ف
* في قوله - عز وجل -: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ [هود: 120]
فتكرار القصة كان لتثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحق؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - تعرض في رحلة الدعوة لكثير من المصاعب والمشاق، فيأتي له ربه بلقطة معينة من قصة موسى - عليه السلام - مع قومه ولا يأتي بها كاملة، وهذا ليس عجزا - وحاشا لله - عن إيراد القصة كاملة مرة واحدة، فقد أورد الله - عز وجل - قصة يوسف - عليه السلام - كاملة في سورة واحدة[3].
ليس هناك أي وجه للتناقض بين الآيات التي تتحدث عن موقف موسى - عليه السلام - من النار، فقد تعددت الكلمات والأقوال؛ لأن الموقف بداخله مشاهد عديدة، لا يمكن أن توجز بكلمة أو جملة واحدة، فعندما رأى النار لأول وهلة قال لأهله على سبيل اليقين:
* إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النّمل: 7]
عن حال الطريق؛ لكونهم تائهين، لا يعرفون أين يذهبون؟ فهذا هو الخبر الذي يسألون عنه، وكان الجو باردا يستلزم البحث عن شعلة أو جذوة من النار يستدفئون بها، فغاية موسى وأهله في تلك اللحظة شيء يهديهم الطريق ويعرفهم أين هم، وشيء يدفئهم من البرد، فجاءهم الله بهذين الأمرين معا، برؤية هذه النار، ثم بعد ذلك يقل رجاء موسى - عليه السلام - فيتوقع أن النار ربما ذهب إليها فوجدها انطفأت، فلذلك قال
* إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه: 10]
، على سبيل الرجاء، ثم بعد ذلك يقل رجاؤه أكثر
* فقال: ۞ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [القصص: 29]
، فهو هنا قد توقع أنه سيجد اللهب قد انتهى، فلذلك يأتي بجذوة أو جمرة من النار.