الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
ادعى المشركون والكفار على رسلهم بأنهم لم يجدوا على وجوههم ووجوه من اتبعوهم خيرا، ويقولون لهم: إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم، ويتهكمون عليهم سخرية وافتراء
* قال سبحانه وتعالى: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 131]
* وقال سبحانه وتعالى: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [يس: 18]
ولقد رمى المنافقون والمشركون النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالشؤم، وادعوا التطير به،
* قال تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء: 78]
وجها إبطال الشبهة:1) البلاء بالشر والخير اختبار من الله، أما الشؤم والتطير فراجع إلى من يتشاءم.
2) الإصابة بالحسنة والسيئة لا دخل للرسول فيها؛ وإنما هو قضاء الله وقدره، فضلا عن كون ذلك انعكاسا لحالة العبد من الطاعة والمعصية.
التفصيل: أولا. الشر والخير ابتلاء من الله، أما الشؤم والتطير فراجع إلى الإنسان المتشائم:هذه الفرية - وهي التشاؤم من الرسل والأنبياء - قالها كثير من الأمم الضالة المكذبة لرسلهم، فقد قال قوم صالح - عليه السلام - له:
* قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ۖ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [النّمل: 47]
وقوم موسى - عليه السلام -
* قال الله عنهم: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 131]
وأصحاب القرية - وهي إنطاكية -
* قالوا لرسلهم: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [يس: 18]
والمنافقون يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصابنا من سيئة فهو من عندك،
* قال سبحانه وتعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء: 78]
* وكما قال - عز وجل - عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج: 11]
فهؤلاء يسندون الشر إلى الرسل، ويتهمونهم بأن ما أصابهم من قحط وجدب وبلاء هو بسبب اتباعهم للرسل، فأرشد الله الرسل أن يردوا عليهم تلك الدعوى وذلك الزعم، وأن يقولوا لهم إن طائركم معكم، وطائركم عند الله،
* قال سبحانه وتعالى: قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ۚ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [يس: 19]
فالشؤم إنما يقع على من يتشاءم ولا يسمع المواعظ.
ويوضح الطاهر ابن عاشور الأمر قائلا: لما غلبتهم الحجة من كل جانب وبلغ قول الرسل:
* وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [يس: 17]
من نفوس أصحاب القرية مبلغ الخجل والاستكانة من إخفاق الحجة والاتسام بميسم المكابرة والمنابذة للذين يبتغون نفعهم انصرفوا إلى ستر خجلهم وانفحامهم بتلفيق السبب لرفض دعوتهم بما حسبوه مقنعا للرسل بترك دعوتهم ظنا منهم أن ما يدعونه شيء خفي لا قبل لغير مخترعه بالمنازعة فيه، وذلك بأن زعموا أنهم تطيروا بهم ولحقهم منهم شؤم، ولا بد للمغلوب من بارد العذر.
والتطير في الأصل: تكلف معرفة دلالة الطير على خير أو شر من تعرض نوع الطير ومن صفة اندفاعه أو مجيئه، ثم أطلق على كل حدث يتوهم منه أحد أنه كان سببا في لحاق شر به فصار مرادفا للتشاؤم.
وفي الحديث: «لا عدوى ولا طيرة...»[1]. وبهذا المعنى أطلق في هذه الآية، أي قالوا: إنا تشاءمنا بكم.
ومعنى (بكم) بدعوتكم، وليسوا يريدون أن القرية حل بها حادث سوء يعم الناس كلهم من قحط أو وباء أو نحو ذلك من الضر العام مقارن لحلول الرسل أو لدعوتهم، وقد جوزه بعض المفسرين، وإنما معنى ذلك: أن أحدا لا يخلو في هذه الحياة من أن يناله مكروه. ومن عادة أصحاب الأوهام السخيفة والعقول المأفونة أن يسندوا الأحداث إلى مقارناتها دون معرفة أسبابها ثم أن يتخيروا في تعيين مقارنات الشؤم أمورا لا تلائم شهواتهم وما ينفرون منه، وأن يعينوا من المقارنات للتيمن ما يرغبون فيه وتقبله طباعهم، يغالطون بذلك أنفسهم شأن أهل العقول الضعيفة؛ فمرجع العلل كلها لديهم إلى أحوال نفوسهم ورغائبهم،
* كما حكى الله تعالى عن قوم فرعون: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 131]
* وحكى عن مشركي مكة: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء: 78]
ويجوز أن يكونوا أرادوا بالشؤم أن دعوتهم أحدثت مشاجرات واختلافا بين أهل القرية فلما تمالأت نفوس أهل القرية على أن تعليل كل حدث مكروه يصيب أحدهم بأنه من جراء هؤلاء الرسل اتفقت كلمتهم على ذلك
* فقالوا: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [يس: 18]
أي: يقولها الواحد منهم أو الجمع فيوافقهم على ذلك جميع أهل القرية.
ثم انتقلوا إلى المطالبة بالانتهاء عن هذه الدعوة
* فقالوا: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [يس: 18]
وبذلك ألجأوا بولس وبرنابا إلى الخروج من أنطاكية فخرجا إلى أيقونية وظهرت كرامة بولس في "أيقونية" ثم في "لسترة" ثم في "دربة"، ولم يزل اليهود في كل مدينة من هذه المدن يشاقون الرسل ويضطهدونهم ويثيرون الناس عليهم ويلحقونهم إلى كل بلد يحلون به ليشغبوا عليهم، فمسهم من ذلك عذاب وضر ورجم بولس في مدينة "لسترة" حتى حسبوا أن قد مات[2].
ويقص القرآن خبر سيدنا صالح - عليه السلام - حين قال لقومه الذين لشقائهم كان لا يصيب أحدا منهم سوء إلا قالوا: هذا من قبل صالح عليه السلام، فرد عليهم قائلا:
* قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ۖ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [النّمل: 47]
أي: فالله يجازيكم على ذلك، وبمثل ذلك رد موسى - عليه السلام - على قومه قائلا لهم:
* فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 131]
ومن رد الرسل على أقوامهم أيضا أن بينوا لهم أن هذا البلاء وتلك النعمة إنما هو ابتلاء من الله لهم بالطاعة والمعصية؛ ولذا قال صالح - عليه السلام - لهم:
* إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ [النّمل: 4]
ثانيا. الإصابة بالحسنة والسيئة لا دخل للنبي بها، وإنما مردها لموقف العبد من الله:لقد كان حال المنافقين الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا، وهم كارهون له في الباطن، إذا أصابهم شر كمصيبة في أموالهم أو أهليهم أو أولادهم أو أبدانهم، فإنهم يقولون: أصابنا ذلك بشؤمك يا محمد وشؤم أصحابك، ويقولون: منذ أن جاءنا هذا الرجل والبلاء يحل علينا، وقد قلت ثمارنا وضعفت مواشينا ومات أولادنا، فيسندون الشر إلى اتباعهم للنبي - عليه السلام - تشاؤما به وبدينه وما جاء به،
* أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء: 78]
أما إن أصابتهم حسنة من خصب ورزق وثمار وزروع وأولاد وماشية ونحو ذلك أضافوا الحسنة إلى الله: (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) (النساء: 78)، فهم يضيفون الحسنة إليه - عز وجل - لا بشعور التوحيد الخالص، بل غرورا بأنفسهم وزعما منهم أن الله أكرمهم بها عناية بهم، وهروبا من الإقرار بأن شيئا من ذلك أثر ما جاءهم به الرسول من الهداية، وما حاطهم به من التربية والرعاية، ولذلك كانوا ينسبون إليه السيئة، وهو - صلى الله عليه وسلم - برئ من أسبابها.
وقد رد القرآن على هؤلاء معلما إياهم أن كلا من الحسنة والسيئة من عند الله بقضائه وقدره لوقوعها في ملكه على حسب سنته في نظام الأسباب والمسببات، وقضاؤه وقدره نافذ في البر والفاجر والمؤمن والكافر،
* قال عز وجل: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء: 78]
فالخصب والجدب والنصر والهزيمة والشدة والرخاء كل ذلك من عند الله عز وجل، ولا دخل للرسول فيما أصابكم من مصيبة وسوء.
ثم بين الله لهم أن مقالتهم هذه قد صدرت عن شك وريبة وقلة فهم وضعف عقل وعدم فقه لحقائق الأمور،
* قال عز وجل: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء: 78]
أي: ماذا أصاب هؤلاء القوم وعقولهم حال كونها بمعزل عن الغوص في أعماق الحديث وفهم مقاصده وأسراره! فهم لا يدركون حقيقة حديث يلقونه ولا يعقلون حقيقة حديث يلقى إليهم، وإنما يأخذون ما يطفو من المعنى على ظاهر اللفظ بادئ الرأي، وإنما الفقه معرفة مراد صاحب الحديث من قوله وحكمته فيه من العلة الباعثة عليه والغاية له، وعلى العاقل الرشيد أن يطلب فقه القول دون الظواهر الحرفية، فمن اعتاد الأخذ بظواهر الأقوال دون ما رسب في أعماق الكلام، وما تغلغل في أنحائه يبقى جاهلا طول حياته.
فهذه المقالة منهم دالة على ريبهم وجهلهم وسوء فهمهم وقلة علمهم، وأيضا فقد أعلمهم الله - عز وجل - أن ما أصابهم من خير وخصب ونماء إنما هو من فضل الله ولطفه ورحمته، وما أصابهم من جدب وقحط وشر فهو من قبلهم ومن سوء أعمالهم، ومما كسبته أيديهم
* كما قال سبحانه وتعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) [الشورى]
وهكذا فشؤم القوم متصل بذواتهم، ولم يجيء من قبل المرسلين، فالرسل ومن معهم ليسوا شؤما، وإنما سبب طول المضار والمصائب بهؤلاء القوم إنما هو عنادهم للرسل وتكذيبهم للأنبياء وشركهم بالله عز وجل،
* ولهذا قال سبحانه وتعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء: 79]
وأهل الإيمان يعلمون هذه الحقيقة بأخبار الرسل، أما المشركون وأضرابهم من المنافقين وأصحاب العقائد الضالة فيسندون صدور الضرر والنفع إلى أشياء تقارن حصول ضرر ونفع فيتوهمون تلك المقارنة تسببا، وهذا الفهم أيضا من عادة أصحاب الأوهام السخيفة والعقول المأفونة أن يسندوا الأحداث إلى مقارنتها دون معرفة أسبابها، وأن يتخيروا في تعيين مقارنات الشؤم أمورا لا تلائم شهواتهم وما ينفرون منه، وأن يعينوا من المقارنات ما يرغبون فيه وتقبله طباعهم، يغالطون بذلك أنفسهم شأن أهل العقول المريضة.
الخلاصة:·من الأشياء التي اعتادها المشركون والضالون دائما إسناد الشر والجدب إلى الرسل وأتباعهم، لكن الله أرشد رسله أن يردوا عليهم تلك الدعوى وذلك الزعم وأن يخبروهم أن طائرهم معهم والشؤم يقع على صاحبه.
·النعم والبلاء من أقدار المولى - عز وجل - ولا دخل للرسول فيهما، وإنما هما من قضاء الله وقدره، فضلا عن كون الإصابة بالنعمة والنقمة يكون انعكاسا لحالة العبد وقربه من الله أو بعده عنه.
·حالة الاتهام للرسل وأتباعهم دائما هي دين الكافرين، وكأنهم تواطئوا على ذلك.