الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
يزعم بعض المتوهمين وقوع الشك في قلب سيدنا إبراهيم - عليه السلام - حين سأل ربه عن كيفية إحياء الموتى؛ ليطمئن قلبه،
* وذلك في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 260]
ويتساءلون: كيف يصدر ذلك عن نبي من أنبياء الله؟ قاصدين بذلك النيل من عصمة إبراهيم عليه السلام.
وجه إبطال الشبهة:إبراهيم - عليه السلام - لم يشك في قدرة الله على إحياء الموتى، ولكن سأل عن الكيفية فقط؛ ليصل بها من علم اليقين إلى عين اليقين.
التفصيل: إبراهيم - عليه السلام - لم يشك في قدرة الله على إحياء الموتى، ولكن سأل عن الكيفية فقط؛ ليصل بها من علم اليقين إلى عين اليقين:لقد عصم الله - سبحانه وتعالى - أنبياءه ورسله من كيد الشيطان ووساوسه التي قد تنال من عمق إيمانهم ودرجة قربهم من الله - سبحانه وتعالى - ومن أشهرهم سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء - عليه السلام -
* كما أخبر القرآن الكريم: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين (120) شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم(121) [النحل]
وقوله "أمة "أي قدوة إماما مهتديا داعيا إلى الخير، يقتدى به: (قانتا لله) أي خاشعا له في جميع حالاته وسكناته (حنيفا) أي مخلصا على بصيرة (شاكرا لأنعمه)(النحل: ١٢١) أي قائما بشكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله؛ فكيف بمن هذا حاله، أيشك في قدرة المولى - عز وجل - على إحياء الموتى؟!!
وكيف يشك في هذا الأمر، وقد حاج طاغية عصره في هذه القضية،
* قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة: 258]
ومن ثم فكيف يسوغ لمن حاج خصمه بقضية الإحياء والموت، أن يشك فيها بعد ذلك؟! ألا يدل ذلك على جهل هؤلاء المدعين وكذبهم على أنبياء الله تعالى؟! إن إبراهيم - عليه السلام - لا يتكلم في الإحياء، وإنما كان شكه في أن الله سبحانه قد لا يستجيب لطلبه في أن يريه ويطلعه على كيفية إحياء الموتى، ولنضرب مثالا على ذلك، ولله المثل الأعلى. إن الواحد منا يقول للمهندس: كيف بنيت هذا البيت؟ إن صاحب السؤال يشير إلى حدث وإلى محدث وهو البيت الذي تم بناؤه. فهل معرفة الكيفية تدخل في عقيدة الإيمان؟ لا. إذن فالاطمئنان جاء لمراد في كيفية مخصوصة تخرجه من متاهات كيفيات مقصورة ومتخيلة[1].
واستنادا إلى ما سبق فقد كان سؤال إبراهيم - عليه السلام - عن كيفية إحياء الموتى، وكيفية جمع الأجزاء لا عن الإحياء نفسه، فإنه ثابت ومقرر، ويدل على ذلك وقوع السؤال بكيف التي تسأل عن الهيئة والكيفية، والإنسان يؤمن بما لا يعرف كيفيته، وفي فطرته الرغبة في استكناه أشياء هو مؤمن بها، ولكنه يود لو يقف على أسرارها وخفاياها، وطلب الخليل - عليه السلام - رؤية كيفية إحياء الموتى من هذا القبيل، فهو طلب للطمأنينة فيما تنزع إليه نفسه من معرفة خفايا أسرار الربوبية، لا طلب للطمأنينة في أصل الإيمان بالبعث، الذي عرفه بالوحي والبرهان، دون المشاهدة والعيان[2].
فالمعرفة التفصيلية أقوى وأرسخ من المعرفة الإيمانية المفضية إلى[3] التردد بين الكيفيات المتعددة مع الطمأنينة إلى القدرة على الإحياء.
يقول الشيخ محمد عبده في قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام: )أولم تؤمن( - وهو أعلم بإيمانه ويقينه - إرشاد إلى ما ينبغي للإنسان أن يقف عنده، ويكتفي به في هذا المقام، فلا يتعداه إلى ما ليس من شأنه، كأنه يقول: إن الإيمان بهذا السر الإلهي، والتسليم فيه لخبر الوحي، ودلالته، وامتثاله هو منتهى ما يطلب من البشر، فلو كان وراء الإيمان والتسليم مطلع لناظر لبينه الله تعالى لك، وفي هذا الإرشاد لخليل الرحمن - عليه السلام - تأديب للمؤمنين كافة، ومنع لهم عن التفكر في كيفية التكوين وإشغال العقول بما استأثر الله تعالى به، فيما لا يليق بهم البحث عنه[4].
إذن، فالسؤال ليكف الفكر عن تخيل كيفيات الإحياء؛ إذ تتعين عنده كيفية إحياء الموتى [5].
ذلك، وقد وردت في الآية أقوال عديدة، تنفي الشك عن إبراهيم - عليه السلام - وأول هذه الأقوال قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى...»[6].
والحديث ينفي الشك عن إبراهيم - عليه السلام ـ؛ حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع من يقول: إن إبراهيم - عليه السلام - شك، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لم يشك؛ فرد عليهم بهذا الحديث، أي: إذا لم نشك نحن، فإبراهيم أولى ألا يشك.
فالسؤال كان لزيادة الإيمان واليقين؛ لأن درجاته تتفاوت بالمعاينة، [7] ينتقل الإنسان فيه من علم اليقين إلى عين اليقين، والعلم ينقسم إلى ضروري - وهو الحاصل من غير استدلال لظهوره - ونظري - يتوقف على نظر واستدلال لكونه غير بدهي[8]، والشك ممتنع في الضروري، ومحتمل في النظري، وقد أراد الخليل أن ينتقل من النظري إلى الأعلى منه وهو الضروري. وليس معنى هذا أن إبراهيم - عليه السلام - وقع منه شك في علمه النظري، بل إن النظري من حيث هو يجوز جريان الشك عليه، وفرق بين الشك وجوازه[9].
وبهذا يتبين لنا أن سؤال إبراهيم - عليه السلام - عن كيفية إحياء الموتى كان من أجل أن ينتقل من علم اليقين، الذي يؤمن به إيمانا لا شك فيه ولا تردد إلى عين اليقين الذي يزيد القلب اطمئنانا بما يراه ويشاهده.
الخلاصة:·لم يشك سيدنا إبراهيم - عليه السلام - في قدرة الله - عز وجل - على إحياء الموتى، ولكنه أراد أن يتحول من علم اليقين الذي أوحاه الله - عز وجل - إليه إلى عين اليقين وهو ما تراه العين وتشاهده، حتى يزداد القلب اطمئنانا على ما به من إيمان، وكيف يشك إبراهيم - عليه السلام - في إحياء الله الموتى، وقد حاج الملك وبرهن له على قدرة الله تبارك وتعالى - على كل شيء ومنها إحياء الموتى، فكيف يحاجج الملك بما يشك فيه؟! إن هذا إن دل فإنما يدل على كذبهم في دعواهم وافترائهم على أنبياء الله ورسله، الذين عصمهم الله سبحانه وتعالى في عقولهم وقلوبهم وأجسامهم.