العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - |
هكذا هي الدنيا تسير على عجل حثيث ولا تلتفت للوراء، كقطار يسير سريعا والناس يركبون وينزلون بغير اختيارهم، بل يُدفعون عنه دفعًا ليسقطوا حتى يبلغ القطار هدفه المرصود له.. ما إن يبدأ عام إلا وينصرم سريعًا، والناس في دهشة من سرعة الزمن، وها نحن نقف على عتبات عام راحل وعام جديد مقبل، ولنا مع هذا الحدث وقفات: الأولى: يحدث للناس مخالفات مع نهاية العام وبدايته، لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام، نمر على بعض منها سريعًا...
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: هكذا هي الدنيا تسير على عجل حثيث ولا تلتفت للوراء، كقطار يسير سريعا والناس يركبون وينزلون بغير اختيارهم، بل يُدفعون عنه دفعًا ليسقطوا حتى يبلغ القطار هدفه المرصود له.
معاشر المسلمين: ما إن يبدأ عام إلا وينصرم سريعًا، والناس في دهشة من سرعة الزمن، وها نحن نقف على عتبات عام راحل وعام جديد مقبل، ولنا مع هذا الحدث وقفات:
الأولى: يحدث للناس مخالفات مع نهاية العام وبدايته، لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام، نمر على بعض منها سريعًا.
فمنها تقصُّدُ آخر جمعة من السنة بعبادة كاستغفار أو دعاء أو قيام ليلتها، ولم يرد على هذا التخصيص دليل فتجد بعض الناس يتداولون الرسائل يتواصون فيها بعبادة معينة في آخر جمعة من العام، أو صوم آخر خميس، وكل هذا محرم وهو من المحدثات في الدين إذ هذه الجمعة كغيرها من الجُمع.
ومن ذلك الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية.
والمسلم الذي يحب الله ورسوله حقًّا عليه أن يتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- إن كان صادقا في محبته قال تعالى: (قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
فنبينا -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يحتفل بهذه الذكرى، وكذلك أصحابه -رضي الله عنهم- الذين هم أشد منا حبًّا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحتفلوا بها.
والهجرة النبوية ينبغي أن تكون في ذهن المسلم طول السنة لا في أيام مخصوصة؛ فتحديد أيام مخصوصة للاحتفال بها نوع من الأعياد المبتدعة.
ثم ليُعْلَم أن الهجرة لم تكن في أول المحرم كما يظنه بعض الناس، بل كانت في ربيع الأول؛ فإن الصحابة في عهد عمر -رضي الله عنه- اتفقوا على أن يكون مبدأ التاريخ من السنة التي هاجر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم إن الصحابة بعد ذلك اتفقوا على ترجيح البداءة بالمحرم؛ لأنه شهر حرام، ويلي ذا الحجة الذي فيه أداء الناس حجهم، والذي به تمام أركان الإسلام؛ لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة.
الوقفة الثانية: يتداول الناس في وسائل التواصل وغيرها من قولهم: إن صحائف الأعمال تطوى آخر العام، فاختم عامك بعمل صالح.
وهذا الكلام خطأ؛ إذ لا دليل على أن الصحائف تُطوى آخر العام، بل لو كانت تطوى آخر العام حقا لما جاز تخصيصه بذلك؛ إذ لا دليل على هذا.
وقولهم في العبارة السابقة: اختم عامك بعمل صالح، ويذكرون من هذه الأعمال الصيام والدعاء والاستغفار والتوبة ومحاسبة النفس وغيرها. وهو قول مخالف للشرع، فلا يجوز تخصيص آخر العام بعبادة، بل ذلك بدعة, فإن تقييد العبادات بزمان بغير دليل هو من الإحداث في دين الله.
ومثل ذلك يقال في بداية العام كتخصيص أول يوم من المحرم بصيام؛ لأنه فاتحة العام، أو تعاهد صلاة الفجر فيه جماعة؛ لأنها أول صلاة من العام الجديد فتخصيص هذه العبادات بالقصد المشار إليه هو من البدع، وهي مما يتداوله الناس في الرسائل ذلك الوقت. وأما من صامه لأنه من شهر المحرم أو صلى الفجر جماعة كعادته فهو مأجور.
ومن الوقفات تقصد طلب المسامحة من الناس في آخر السنة.
وطلب المسامحة هذا لا يجوز أن يتقصد به آخر العام، بل هو مشروع ضمن التوبة من التعدي على الناس في عرض أو شيء، وهذا العمل لا يختص بآخر العام؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت له مظلمةٌ لأحدٍ من عرضِه أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليومَ، قبل أن لا يكونَ دينارٌ ولا درهمٌ، إن كان له عملٌ صالحٌ أخذ منه بقدرِ مظلمتِه، وإن لم تكنْ له حسناتٌ أخذ من سيئاتِ صاحبِه فحمل عليه".
اللهم عفوك وعافيتك يا كريم أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس، فلا نزال في وقفات مع نهاية العام..
عباد الله: إن بداية العام ونهايته ليس لها مزية في الدين سوى ترتيب الأوقات، ومن هذا المنطلق وجب على العبد أن يكون له جدول منظم بالمشاريع الجديدة، كما يكون له تجديد في الأعمال الصالحة، ومثابرة على الاستكثار منها مع بداية العام.
أول هذه المشاريع: إلزام النفس بأداء فرائض الصلاة في وقتها، فلا نتأخر عنها إلا لعذر شرعي.
- أداء السنن الرواتب (ثنتي عشرة ركعة كل يوم وليلة).
- إلزام النفس بصلاة الوتر كل ليلة.
- المحافظة على تلاوة كل يوم جزءا من كتاب الله تعالى.
- المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
ومن المشاريع الإيمانية:
- صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فلا تفرط فيها واختر أيّ الأيام شئت، فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام "كان يصومها من كل شهر ولا يبالي في أي يوم منه صام"، ويوصي أصحابه بذلك.
- اجعل لك صدقة كل شهر أو كل أسبوع أو كل يوم، ولا يلزم الكثير، بل إن القليل عند الله الكريم كثير.
- تعاهد قرابتك بالزيارة والمواصلة؛ فهي من أسباب طول العمر وسعة الرزق.
ومن ذلك المشاريع العلمية: فلا يخفى فضل العلم ورفعة أهله في الدارين:
أولها وأعظمها: الشروع في حفظ القرآن، أو أجزاء منه، وأضمن لك أنك مع المواصلة وعدم الانقطاع أنك بين سنتين إلى ثلاث ستحفظ القرآن الكريم، فقد يسر الله ذلك على الخلق.
وهكذا -عباد الله- نرتب أعمالنا ونجدولها؛ فنستفيد من بداية العام بالبداية الجادة في أعمال الآخرة؛ ليكون المؤمن على استعداد تام للرحيل من هذه الدنيا..
اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات....