البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

لا تنشروا القطيعة والخصومة بينكم

العربية

المؤلف عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المهلكات
عناصر الخطبة
  1. ذم التقاطع والفرقة والشحناء .
  2. فضل سلامة الصدر للمسلمين .
  3. كثرة انتشار التباغض والأحقاد في المجتمع .
  4. أسباب التشاحن والتباغض .
  5. الوسائل المعينة على التخلص من الفرقة والهجر والاختلاف .
  6. وصايا ونصائح للحياة الاجتماعية السعيدة. .

اقتباس

غلٌّ وحقدٌ دونما سبب يذكر.. البعض يغيظه نجاح إخوانه وأصدقاؤه، فيلمز بهم ويُظهر معايبهم ليُرضي نفسه المريضة.. وآخرون يختلفون ويتقاطعون عن بعضهم لسنين لأمرٍ تافهٍ يحصلُ بينهم.. نساهم في تفريق مجتمعنا وتمزيق أواصر الأخوة بسوء تعاملنا فيما بيننا.. سوء ظنٍ واتهام.. غيبة ونميمة وبهتان..لا يصدق بعضنا أن يرى على أخيه خطأً حصل فلا يناصحه بالحسنى ليعالج الخطأ، وإنما يبادر بفرحةٍ لنشر خطئه وفضيحته والاستهزاء والشماتة به والتشفِّي منه.. ليُعين الشيطان عليه.. لا نتركُ مسلماً ولا مُصلياً.. ولا مسئولاً ولا دائرةً حكومية ولا جمعيةً خيريةً..

الخطبة الأولى:

الحمد لله جعل المتحابِّين بجلاله من أهل الرحمات، وأشهد ألا إله إلا الله منحهم جزيلَ المثُوبَةِ وأعْلَى الدَّرَجات. وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، جمع الله به القلوب بعد الشتات صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الثقات وسلم تسليماً.

 أما بعد.. فاتقوا الله عباد الله..

أُمةُ الإسلامِ أُمةُ عقيدةٍ وصفاءٍ.. وعبادةٌ ومعاملات ونقاءٍ.. تأمر بتقوية أواصر المحبة والألفة مع الأقارب والإخوان.. وتنهى عمّا يزعزع بينهم.. فالقطيعة والشحناء سببٌ لانهيار المجتمعات وكثرة الخلافات، ولذا حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء فقال: "لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" (رواه مسلم).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا" (رواه مسلم).

وسئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيّ الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان» قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد» (رواه ابن ماجه).

وسلامة الصدر صفةٌ للمؤمن ونعمةٌ تُوهبُ في الجنَّة (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر: 47]، هي راحةٌ في الدنيا وغنيمةٌ في الآخرةِ، ولما بَشَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً أنه من أهل الجنة؛ كان سبب ذلك أنه يبيت كل ليلة وهو لا يجد في نفسه غلاً ولا حسداً على أحد..

عباد الله.. إن نظرةً فاحصةً لمجتمعاتنا تبين لك أن العلاقات أصبحت مهددة بالقطيعة لأتفه الأسباب، وانتشار الغلِّ والحسد والشماتة والتشفي لأبسط الأشياء، رغم النصوص الكثيرة المحذرة من ذلك!! غلٌّ وحقدٌ دونما سبب يذكر.. البعض يغيظه نجاح إخوانه وأصدقاؤه، فيلمز بهم ويُظهر معايبهم ليُرضي نفسه المريضة..

وآخرون يختلفون ويتقاطعون عن بعضهم لسنين لأمرٍ تافهٍ يحصلُ بينهم.. نساهم في تفريق مجتمعنا وتمزيق أواصر الأخوة بسوء تعاملنا فيما بيننا..

سوء ظنٍ واتهام.. غيبة ونميمة وبهتان..لا يصدق بعضنا أن يرى على أخيه خطأً حصل فلا يناصحه بالحسنى ليعالج الخطأ، وإنما يبادر بفرحةٍ لنشر خطئه وفضيحته والاستهزاء والشماتة به والتشفِّي منه.. ليُعين الشيطان عليه..

لا نتركُ مسلماً ولا مُصلياً.. ولا مسئولاً ولا دائرةً حكومية ولا جمعيةً خيريةً إلا بالنقد والتجريح والاتهام لأبسط وجهات نظرنا التي ربما تكون خاطئة، وإذا نقدنا الخطأ جانبنا الخُلقَ القويم.. والكلام السليم.. وإنما سبّ وطعنٌ في الذمم وتجريح..

حتى بعض أهل العلم والفضل والصلاح وروّاد المساجد تجد بين بعضهم خصومةً وقطيعة وسوءَ ظنٍ وضغينة ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وهذا ما يدعو للحديث عنها.. سبحان الله!! سبحان الله!! أين هذه الأفعال من خلق الإسلام وتعاليم القرآن.. وتوجيه نبينا -عليه الصلاة والسلام-؟!

العجيب أنك تجد بعض هؤلاء يتورّع عن أكل الحرام والنظر الحرام، وربما بكّر لصلاة وقيام.. وشهد الجنائزَ.. ويُقدّمُ الصدقة والصيام.. لكنه يُحرق حسناته بتركِ قلبِه مرتعاً لمهاوي الحقد والحسد والغلِّ والضغينة، والتباغض والقطيعة والبحث عن زللٍ وخطيئة.. فأنَّى له أن يأتي ربَّه بقلبٍ سليم؟! قال ابن القيم -رحمه الله-: "سلامة القلب بعدم إرادة الشر بعد معرفته، وقصده والعمل به".

أيها الإخوة.. الشحناءُ والبغضاء بين أفراد المجتمع المسلم نهى عنها ديننا الحنيف فنهايتُها أليمة، وعواقبها وخيمة على الفرد والمجتمع وهي من الشيطان (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء: 53]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم" (رواه مسلم).

ومن أسباب التشاحن والتباغض: النميمة يتساهل بها الناس، وقد تأتي عرضاً أو مزاحاً بالوشاية بين الناس وتفسد قلوبهم ولو بدون قصد ولذلك ذمّهم الله (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم: 11]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخل الجنة فتان»، وهو النمّام..

أما السببُ العظيم لكثير من الشرور والشحناء فهو تمنّي زوال النعمة عن صاحبها الحسد، وما أدراك ما الحسد؟ فيه تعدٍّ وأذى للمسلمين تعوّذ الله (من شرِّ حاسدٍ إذا حسد)، ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» (رواه أبو داود).

وهو سبب للغيبةِ والنميمةِ والبهتانِ على المسلمين والظلم والكبر والحقد..

من أسباب القطيعة: الغضبُ، فهو مفتاحُ كل شر أوصى -صلى الله عليه وسلم- رجلاً فقال: «لا تغضب» ورددها مرارًا (رواه البخاري)؛ لأنه يُفقد العقلَ ويُخرجُ الإنسان عن طوره ومن قيمه وخلقه..

ومن أسباب القطيعة والشحناء: كثرةُ المزاح الذي يتساهل به البعض، فهو يُورث الضغينة ويجر إلى القبيح.

أما ما ساهم مؤخراً بقوّةِ هذه الأسباب وانتشارها فهو: سوءُ استخدام وسائل التواصل لدينا بسرعة النشر لما يعرض بها مما هبَّ ودبَّ وفيه نيلٌ من الناس واتهام للأعراض.. والمسكين ينشر ما يأتيه ولا يبالي بما يفعله من شرٍّ ويُحصِّله من إثمٍ، أو ما ينتجه من ضررٍ على نفسه وغيره وفي المجتمع سواءً باسمه الصريح أو حين يختفي من الناس باسم مستعار ينال به من الغير، والله أعلم به..

والبعض يحتجّ بقطيعته للغير ونيله منهم واتهامهم وسوء ظنه بهم أن هذه طبيعته وخِلْقته ولا يستطيع تغييرها، فيتجنب الناس ويخسر الصداقات، ويقطع القرابات، وهذا غير صحيح.. فالواجب عليه تعويدُ نفسه التحمُّلَ والصبرَ خاصةً من قرابته فله في ذلك أجرٌ عظيم حتى مع من يقطعونه ويسيئون إليه فالله يدافع عنه!!

وإذا أراد الإنسان أسباباً تعينه في تعامله وحسن ظنه فليُخلص نيته لله -تبارك وتعالى- فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهنّ قلبُ مؤمن: إخلاصُ العمل، ومناصحةُ ولاة الأمر، ولزومُ جماعة المسلمين" (رواه أحمد وابن ماجه).

وعلامةُ الإخلاص محبةُ الغير وتجنّب القطيعة والغلّ.. يفرحُ بالحسنة لهم ويحزنُ لمصابهم..

ورضا العبدِ عن ربِّه يجعلُ قلبَه نقيًّا سالماً من الغش والحسد والشحناء وتستحيل سلامةُ القلب مع السَّخَط وعدم الرضا، والإعراضُ عن الله ضنكٌ وشقاء فهُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ.. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) [يونس: 57].

وتذكّرُ الحسابِ والعقاب يردعُ الإنسانَ ويُخوّفه مع معرفة عِظم إثم القطيعة لاسيما الأرحام التي تشتكي في زمننا هذا قطيعةً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الرحمُ معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله» (متفق عليه).

 ألا يعلم القاطع أنه مُفسِد؟! (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) [محمد: 22].

 والقطيعةُ والهجران سبب لعدم رفع الأعمال قال -صلى الله عليه وسلم-: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلاً كانت بينَه وبين أخيه شحناء،فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا، ثلاثاً" (رواه مسلم).

 أما الدعاء فعونٌ للعبد لإصلاح دينه وقلبه ويدعو حتى لمن اختلف معهم، وهذا دأبُ الصالحين (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[الحشر: 10].

وكذلك: الصدقةُ تُطهِّر القلبَ، وتُزكِّي النفس (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103].

وإفشاءُ السلام سبب لنشر المحبّة كما في الحديث فأحبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك وهذا صريح الإيمان، ولا تستمع للغيبة والنميمة عن إخوانك ليبقى قلبك سليماً عليهم قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يُبلغني أحدٌ عن أصحابي شيئًا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» (رواه أحمد).

 واسْعَ دوماً في إصلاح ذات البين ولو لم تنجح في سعيك فهو خيرُ العبادة (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: 1]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى، قال: «إصلاح ذات البين» (رواه أبو داود).

ثم بادر أخي للاعتذار والتوضيح إذا أخطأت في حقِّ أقاربك وإخوانك ولا يمنعنّك الكبر وصلابة الرأي عن التراجع والاعتراف بالخطأ والاعتذار عمن أخطأت عليه وظلمته، وإذا رأيت من أحدٍ خطأً أو بلغك عنه ما تكره لا تضمره في نفسك وتقاطعه كما يفعل البعض بل صارحه، وأبلغه بعتبك فربما فهمت خطأً أو نبّهته لفعله، وهذه المصارحة لو تعوّدنا عليها لوجدنا راحةً عظيمة في الاعتذار والتوضيح تُغنينا عن القطيعة والهجران.. والفرقة بين الإخوان..

نسأل الله دوامَ المحبة والألفة بيننا.. وأن يجنبنا القطيعة والخصومة عندنا..

 أقول ما تسمعون..

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

صفاءُ النفس وسلامة الصدر من هذه الأمراض والأحقاد والتشاحن والتباغض سببٌ لمغفرة الله لو تأمّلت في أسباب القطيعة ستجد أنها أمور لا تساوي شيئًا، ومن أوساخ هذه الدنيا الفانية التي تُفرّق بيننا..

والعلاقات تدوم بالتغاضي.. وتزداد انسجاماً بالتراضي..

لكنها تمرض بالتدقيق وتفشل بالتحقيق.. لا تشمت بأخيك يُعافيه الله ويبتليك..

ابتسم لتجاوز الحزن واصبر على الهم..

واصمت عن الحماقة.. بالكلمة الطيبة ووسّع دائماً صدرك وتحمَّل..

لا تتكبر ولا تُستَفز.. وانتقد ولا تتهم النيات فروعتك بما تملك من خلقٍ وقيم..

وإذا نال منك أحد لاسيما عبر وسائل التواصل فلا تردَّ عليه فالمشكلة ستكبر وإنما اصبر وتحمل وتجاهل واعمل الخير وسينصرك الله..

اللهم أصلح فساد قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام.. واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار..

اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز وينصر فيه أهل الطاعة، ويدحر فيه أهل الفسوق والفساد..