البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | مقاصد الشريعة |
مضمونُ السؤال:
السائلُ يَرَى أن هنالك أحكامًا في الشريعةِ الإسلاميَّةِ لا تتناسَبُ مع العصرِ الحاضر، وأنها تحتاجُ إلى تحسينٍ وتجديدٍ بما يتناسَبُ مع واقعِ الناس.
وهذه الشبهةُ كذلك يُورِدُها مَن يشكِّكُ في الإسلامِ وفي شريعتِه، ويَرَى أن الإسلامَ كان يناسِبُ الزمَنَ الماضِيَ، وأما اليومَ في العصرِ الحاضرِ، فإنه لم يَعُدْ صالحًا للتطبيق.
مختصَرُ الإجابة:
الإسلامُ هو الدِّينُ الكاملُ، الذي شرَعهُ اللهُ تعالى العليمُ الخبيرُ الحكيم، الذي يَعلَمُ ما يصلُحُ للناس، وما يُصلِحُهم في كلِّ زمانٍ ومكانٍ إلى قيامِ الساعة، والذي يَعلَمُ سبحانه حين أنزَلَ هذه الشريعةَ: أن أمورًا سوف تستجِدُّ في حياةِ الناس، تختلِفُ عن الأوضاعِ التي كانوا عليها يومَ نزَلَتْ هذه الشريعةُ، فأنزَلَ شريعةً محكَمةً تصلُحُ لكلِّ العصورِ والأزمنة، وتناسِبُ أحوالَ الناسِ في كلِّ وقت.
وليس لأحدٍ مِن البشَرِ أن يشرِّعَ دِينًا غيرَ دِينِ اللهِ تعالى، ولا أن يَزيدَ، أو يبدِّلَ، أو يغيِّرَ في الدين؛ لأن التشريعَ حقٌّ للهِ تعالى وحده؛ فهو المتفرِّدُ بالحكمِ والأمرِ والتشريعِ؛ فتجبُ طاعتُه، ويتحتَّمُ التزامُ أمرِه، والوقوفُ عند حدودِه.
كما أن الإسلامَ رسالةٌ عالَميَّةٌ خاتِمةٌ لجميعِ الرسالاتِ السابقةِ؛ وهذا يقتضي صلاحيَةَ أحكامِ الإسلامِ وشريعتِهِ لكلِّ مكانٍ وزمانٍ إلى قيامِ الساعة.
كما أن تطبيقَ الشريعةِ قد ظَلَّ ممكِنًا في حياةِ الناسِ طِيلةَ القرونِ الماضيةِ التي تلَتْ نزولَ الوحي، مع تغيُّرِ الأوضاعِ والأحوال، والأزمنةِ والأمكنة؛ فإن الشريعةَ الإسلاميَّةَ كذلك قادرةٌ على الاستمرارِ للتعامُلِ مع مختلِفِ الأحوالِ التي تستجِدُّ في حياةِ الناسِ إلى قيامِ الساعة.
كما امتاز الإسلامُ بخَصِيصةِ الثباتِ والمرونة: الثباتِ في الأصول والأهدافِ والقطعيَّات، والسعةِ والمرونةِ في الفروعِ والوسائلِ والظنِّيَّات.
كما امتاز الإسلامُ بأنْ جعَلَ الشريعةَ الإسلاميَّةَ تناسِبُ أحوالَ الناسِ في كافَّةِ الأزمنةِ والعصور؛ ففتَحَ بابَ الاجتهادِ لاستنباطِ الأحكامِ الشرعيَّةِ للنوازِلِ الفقهيَّةِ؛ كالمعامَلاتِ الماليَّةِ المعاصِرةِ وغيرِها.
وأخيرًا: فإن موضوعَ المراجَعةِ والتجديدِ والتحسينِ للفقهِ الإسلاميِّ، يَحمِلُ معنًى صحيحًا، ومعنًى باطلًا:
فالتجديدُ الصحيحُ المقبولُ: يَعْني مراجَعةَ التراثِ الفقهيِّ مراجَعةَ تمحيصٍ؛ مثلُ مراجَعةِ الأحاديثِ التي استدَلَّ بها الفقهاءُ، أو مثلُ مسائلَ شَكَّ فيها الفقهاءُ، وبيَّنها الطبُّ أو الفلَكُ، وكذلك التجديدُ بمعنى إيجادِ الحلولِ والأحكامِ الشرعيَّةِ المناسِبةِ للمستجِدَّاتِ والنوازِل -: فهذا المعنى للتجديدِ صحيحٌ.
وأما التجديدُ الباطلُ المردودُ، فبمعنى إلغاءِ الأحكامِ الشرعيَّة، واستبدالِها بتشريعِ أحكامٍ وضعيَّة؛ بناءً على الهوى وأَمزِجةِ الناس، وتقليدِ غيرِ المسلِمين في أنظِمتِهم وقوانينِهم التي تناقِضُ وتخالِفُ الشريعةَ الإسلاميَّةَ؛ فهذا المعنى للتجديدِ والتحسينِ باطلٌ مردودٌ.
الجوابُ التفصيليّ:
يزعُمُ بعضُهم: أن شريعةَ الإسلامِ - أو عددًا مِن أحكامِهِ - لا تناسِبُ العصرَ، ولا تناسِبُ واقعَ حياةِ الناسِ، وأنها تحتاجُ إلى تغييرٍ أو تجديدٍ؛ والجوابُ على هذه الشبهةِ مِن عدَّةِ أوجُه:
الوجهُ الأوَّلُ: الإسلامُ هو دِينُ اللهِ تعالى الكاملُ، الذي أنعَمَ به على عبادِه، ورَضِيَهُ لهم دِينًا؛ قال تعالى:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾
[المائدة: 3]
، فهو الدِّينُ الكاملُ، الذي شرَعهُ اللهُ تعالى العليمُ الخبيرُ الحكيم، الذي يَعلَمُ ما يصلُحُ للناس، وما يُصلِحُهم في كلِّ زمانٍ ومكانٍ إلى قيامِ الساعة، والذي يَعلَمُ سبحانه حين أنزَلَ هذه الشريعةَ: أن أمورًا سوف تستجِدُّ في حياةِ الناس، تختلِفُ عن الأوضاعِ التي كانوا عليها يومَ نزَلَتْ هذه الشريعةُ، فأنزَلَ شريعةً محكَمةً تصلُحُ لكلِّ العصورِ والأزمنة، وتناسِبُ أحوالَ الناسِ في كلِّ وقتٍ؛ فلا تحتاجُ شريعةُ اللهِ وأحكامُهُ إلى زيادةٍ ولا نُقْصانٍ، ولا إلى تغييرٍ أو تبديل.
الوجهُ الثاني: التشريعُ في الإسلامِ لا يكونُ إلا للهِ تعالى وحدَهُ؛ فهو المتفرِّدُ بالحكمِ والأمرِ والتشريعِ؛ قال تعالى:
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ﴾
[الأنعام: 57]
، وقال تعالى:
﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾
[الأعراف: 54]
؛ فالذي له الخَلْقُ هو وحدَهُ الذي يَملِكُ حقَّ الأمرِ والنهي، والتحليلِ والتحريم، والتشريعِ والحُكْم.
وهو سبحانه خالقُ الخَلْقِ، والمدبِّرُ لشؤونِهم، وهو وحدَهُ أعلَمُ بما يُصلِحُهم، وما يصلُحُ لهم؛ فتجبُ طاعتُه، ويتحتَّمُ التزامُ أمرِه، والوقوفُ عند حدودِه.
والنبيُّ ﷺ هو المبيِّنُ لِمَا شرَعهُ اللهُ تعالى لعبادِه؛ قال تعالى:
﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾
[النحل: 44]
، ولم يأذَنِ اللهُ تعالى للبشَرِ أن يَشرَعوا لأنفُسِهم؛ قال تعالى:
﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ﴾
[الشورى: 21]
، وأيُّ نازلةٍ جديدةٍ تحتاجُ إلى حكمٍ شرعيٍّ، فإن علماءَ المسلِمين يَرجِعون إلى كتابِ اللهِ تعالى، وإلى سُنَّةِ النبيِّ ﷺ؛ لاستنباطِ حكمِ الشرعِ لتلك النازلة، وليس أنهم يَشرَعون مِن أنفُسِهم؛ فلا يَحِقُّ لأحدٍ مِن البشَرِ أن يأتِيَ بشرعٍ جديدٍ يخالِفُ ما شرَعهُ اللهُ تعالى لعبادِه.
الوجهُ الثالثُ: الإسلامُ رسالةٌ عالَميَّةٌ خاتِمةٌ لجميعِ الرسالاتِ السابقةِ؛ قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾
[الأنبياء: 107]
، وقال تعالى:
﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾
[الأحزاب: 40]
؛ وهذا يقتضي صلاحيَةَ أحكامِ الإسلامِ وشريعتِهِ لكلِّ مكانٍ وزمانٍ إلى قيامِ الساعة؛ لأنه رسالةٌ عالَميَّةٌ لجميعِ الناسِ في جميعِ أنحاءِ الأرض، ولأنه رسالةٌ خاتِمةٌ لا تأتي بعده رسالةٌ أو شريعةٌ أخرى.
الوجهُ الرابعُ: إذا كان تطبيقُ الشريعةِ قد ظَلَّ ممكِنًا في حياةِ الناسِ طِيلةَ القرونِ الماضيةِ التي تلَتْ نزولَ الوحي، مع تغيُّرِ الأوضاعِ والأحوال، والأزمنةِ والأمكنة، ومجيءِ نوازلَ جديدةٍ، واستطاع علماءُ الإسلامِ وفقهاؤُهُ استنباطَ الأحكامِ لكلِّ واقعةٍ جديدةٍ مِن أدلَّةِ الشرع؛ فإن الشريعةَ الإسلاميَّةَ كذلك قادرةٌ على الاستمرارِ للتعامُلِ مع مختلِفِ الأحوالِ التي تستجِدُّ في حياةِ الناسِ إلى قيامِ الساعة.
الوجهُ الخامسُ: مِن خصائصِ الشريعةِ الإسلاميَّةِ التي تَجعَلُها صالحةً للتطبيقِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وقابلةً للتجديدِ: خَصِيصةُ الثباتِ والمرونة:
- الثباتِ في الأصول والأهدافِ والقطعيَّات.
- والمُرونةِ في الفروعِ والوسائلِ والظنِّيَّات.
ففي أحكامِ الإسلامِ وشريعتِهِ: ثوابتُ لا يُمكِنُ تغييرُها، أو تبديلُها، أو حذفُها؛ كالإيمانِ باللهِ وحدَه، وكوجوبِ الصلَواتِ الخَمْسِ، والزكاةِ، والصيامِ، والحجِّ، وحُرْمةِ السرقةِ والرِّبا، وغيرِها مِن الأحكامِ التي لا يدخُلُها التغييرُ أو التبديل.
والمرونةُ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ تَظهَرُ في أحكامٍ عامَّةٍ ثابتةٍ في ذاتِها، ولكنها تَقبَلُ التغييرَ في وسائلِها وتطبيقاتِها؛ مثالُ ذلك الشورى في الإسلامِ؛ فهي مأمورٌ بها بمقتضى قولِهِ تعالى:
﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
[آل عمران: 159]
، وقولِهِ تعالى:
﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾
[الشورى: 38]
؛ فالأمرُ بالشورى يمثِّلُ عُنصُرَ الثبات، وجانبُ المرونةِ يَظهَرُ في كيفيَّةِ تطبيقِ الشورى، والطرُقِ التي تكونُ بها، مما يختلِفُ باختلافِ الأحوالِ والزمانِ والمكان؛ فقد تُرِكَ للأمَّةِ أن تنظِّمَها حسَبَ الظروفِ والأحوال، بالصورةِ التي تناسِبُ حالَهم وأوضاعَهم، دون تحديدِ شكلٍ معيَّنٍ للشورى يُلزَمون به؛ فهذا يمثِّلُ عنصرَ السَّعَةِ والمرونة.
الوجهُ السادسُ: مما يَجعَلُ الشريعةَ الإسلاميَّةَ تناسِبُ أحوالَ الناسِ في كافَّةِ الأزمنةِ والعصور: فتحُ بابِ الاجتهادِ لاستنباطِ الأحكامِ الشرعيَّةِ للنوازِلِ الفقهيَّةِ؛ كالمعامَلاتِ الماليَّةِ المعاصِرةِ وغيرِها؛ فقد جاء الإسلامُ بأدلَّةٍ شرعيَّةٍ عامَّةٍ، وقواعدَ كُلِّيَّةٍ، ومبادئَ ثابتةٍ، ثم وجَّه العلماءَ للنظَرِ والاجتهادِ في المسائلِ والحوادثِ الجزئيَّةِ التي تستجِدُّ في إطارِ هذه القواعدِ والمبادئ؛ وهذا يَجعَلُ الشريعةَ الإسلاميَّةَ قادرةً على وضعِ الحلولِ التي تَطرَأُ في حياةِ الناس، ويؤكِّدُ صلاحِيَتَها لكلِّ زمانٍ ومكان.
الوجهُ السابعُ: موضوعُ المراجَعةِ والتجديدِ والتحسينِ للفقهِ الإسلاميِّ، يَحمِلُ معنًى صحيحًا، ومعنًى باطلًا:
فالتجديدُ والتحسينُ الصحيحُ المقبولُ: إذا كان يَعْني مراجَعةَ التراثِ الفقهيِّ مراجَعةَ تمحيصٍ؛ مثلُ مراجَعةِ الأحاديثِ التي استدَلَّ بها الفقهاءُ، وبنَوْا عليها كثيرًا مِن أحكامِهم، وهي أحاديثُ غيرُ صحيحةٍ، أو مثلُ مسائلَ شَكَّ فيها الفقهاءُ، وبيَّنها الطبُّ أو الفلَكُ -: فلا بأسَ بهذا .
وكذلك التجديدُ: بمعنى إيجادِ الحلولِ والأحكامِ الشرعيَّةِ المناسِبةِ للمستجِدَّاتِ والنوازِل -: فهذا المعنى للتجديدِ صحيحٌ.
وأما التجديدُ والتحسينُ الباطلُ المردودُ، فبمعنى إلغاءِ الأحكامِ الشرعيَّة، واستبدالِها بتشريعِ أحكامٍ وضعيَّة؛ بناءً على الهوى وأَمزِجةِ الناس، وتقليدِ غيرِ المسلِمين في أنظِمتِهم وقوانينِهم التي تناقِضُ وتخالِفُ الشريعةَ الإسلاميَّةَ؛ فهذا المعنى للتجديدِ والتحسينِ باطلٌ مردودٌ.
فلا يناسِبُ أن مخلوقًا ناقصَ القُوى يدَّعي أن شريعةَ خالقِ هذا الكونِ لن تُصلِحَ أحوالَ كوكبِهِ الصغير، وأنه هو - بعقلِهِ القاصرِ - يستطيعُ أن يُحدِثَ نظامًا أفضلَ مِن نظامِ خالقِهِ سبحانه؛ فهذا خيالٌ لا وجودَ له في الواقع. فعلى المسلِمِ أن يتمسَّكَ بالإسلامِ وأحكامِهِ وشريعتِه، ويَعلَمَ أنها هي التي تناسِبُ أحوالَهُ في كلِّ وقت، وتُصلِحُ حياتَهُ أينما كان؛ لأنها منزَّلةٌ مِن اللهِ سبحانه وتعالى العليمِ الخبيرِ الحكيم، الذي خلَقَ الإنسانَ، ويَعلَمُ ما يناسِبُه، وما يصلُحُ له، وما يُسعِدُ حياتَه.