البحث

عبارات مقترحة:

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

عيد الأضحى المبارك

العربية

المؤلف أحمد محمد مخترش
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. اجتماع عيد الأضحى والجمعة .
  2. أهمية العيد في الإسلام وماهيته وحقيقته .
  3. الحث على الطاعات وبعض صورها .
  4. التحذير من المعاصي وبعض صورها .
  5. الوصية بالنساء .
  6. فضل الأضاحي وشروطها وآدابها .
  7. الحث على طهارة القلب وصلاحه .

اقتباس

أفراحنا ليست كأفراح الآخرين، هم إن فرحوا خمروا، وفقدوا عقولهم ورقصوا، وارتكبوا الفواحش، وأظهروا فرحتهم بارتكاب المعاصي، وتسلطوا وتجبراوا، ورب العزة -جل وعلا- يقول لهم: (ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ) [غافر: 75]. أما أفراحنا، فهي أفراح راشدة ورصينه، أفراح السادة، أفراح من أعطاهم الله في الحياة الدنيا القيادة والريادة: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110]. أفراحنا أخلاق، أفراحنا وفاق واتفاق، هذا...

الخطبة الأولى:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا

الله أكبر كلما لمع نجم ولاح.

الله أكبر كلما رجع مُذنِب وتاب.

الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكر وكبر.

الله أكبر عدد ما أحرم الحجاج ولبوا، وعدد ما طافوا وسعوا، وعدد ما وقفوا بالمشاعر ورموا وحلقوا.

الله أكبر عدد ما نحروا وكبروا وشكروا ودعوا.

الله أكبر ما وقف الحجيج بصعيد عرفات, وباتوا بمزدلفة في أحسن مبات, ورموا الجِمار بمنى تلك الجمرات.

الله أكبر كلما طيف بالبيت الحرام.

نحمدك اللهم ونستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونثني عليك الخير كله.

ونشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك، ونشهد أن نبينا محمد عبدك ورسولك، صلى الله وسلم عليه، ورضي الله عن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن آله الطيبين الطاهرين وعن صحبه الغر الميامين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: ولقد اجتمع لنا بفضل الله في هذا اليوم المبارك عيدان اثنان، وائتلف فيه يومان مباركان: عيد النحر الذي هو أفضل الأيام عند الله، ويوم الجمعة الذي هو خير يوم طلعت عليه الشمس، فلله الحمد على اجتماع نعمه، واتفاق آلائه، وله الشكر على ما من به علينا، وخصنا به، وهدانا إليه، ونسأله المزيد من فضله وجوده وإحسانه.

فهذا اليوم الجمعة، هو خير يوم طلعت فيه الشمس، وهو ختام "أفضل أيام الدنيا" ختام العشر المفضلات من ذي الحجة، وهو اليوم الأول من أيام عيد الأضحي المبارك، وهو يوم النحر، والذي في فضله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ القر".

فالعيد في الإسلام -عباد الله- يوم فرحة، بإتمام طاعة، ويوم صلة، للأهل والجماعة، ويوم توبة وأوبة وضراعة، فرحة العيد، سنة رب العالمين، لعباده المؤمنين، فالذي أوجب الفرحة هو الله، وهو الذي أمرنا بقوله جل جلاله: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) [يونس: 58].

وفي الإسلام عيدان لا ثالث لهما: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وكل منهما حمل فرحة، بأداء ركن من أركان هذا الدين، فعيد الفطر، جاء بعد تمام ركن الصوم، وعيد الأضحى، جاء بعد تمام ركن الحج، وبذلك فلنفرح.

وأفراحنا ليست كأفراح الآخرين، هم إن فرحوا خمروا، وفقدوا عقولهم ورقصوا، وارتكبوا الفواحش، وأظهروا فرحتهم بارتكاب المعاصي، وتسلطوا وتجبراوا، ورب العزة -جل وعلا- يقول لهم: (ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ) [غافر: 75].

أما أفراحنا، فهي أفراح راشدة ورصينه، أفراح السادة، أفراح من أعطاهم الله في الحياة الدنيا القيادة والريادة: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110].

أفراحنا أخلاق، أفراحنا وفاق واتفاق، هذا يوم التزاور، هذا يوم التراحم، هذا يوم التسامح، هذا يوم التصافح، هذا يوم النقاء واللقاء، فلا شحناء ولا بغضاء بين المسلمين، أمة متراحمة، أمة متسامحة، إن وجد فيه المتخاصمون، فقد جاء هذا العيد، ليقول للنفوس المتنافرة، كفى خصاما، وكفى هجرانا، وكفى إعراضا، ينهانا حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: "لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ".

هذا هو ديننا، وهذا هو إسلامنا، وهذا هو مجتمعنا، مجتمع الأخوة الصادقة، والمودة الفائقة.

جاء هذا العيد، ليذكر المتخاصمين، الذين اجتهدوا في الطاعات، والذين اشتروا الأضحيات، وتكبدوا النفقات، جاء هذا العيد ليقول لهم: استيقظوا، قد تذهب العبادات، وقد ترفض القربات، وقد تمحى الحسنات، ولا تعرض الأعمال الصالحات، بسبب التنافر والخصومات، أورد الإمام مسلم في صحيحه، قول حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اتركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، اتركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".

لا تكتبوا صلاتهما حتى يصطلحا، لا ترفعوا دعاءهما حتى يصطلحا، لا تعرضوا أعمالهما حتى يصطلحا.

جاء هذا العيد، ليذكرنا بقول خالقنا -جل جلاله-: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى: 40].

فيكفيك يا من عفوت وصالحت: أن أجرك على الله، فكم ستنال من أجور وخيرات؟ وكم سترزق من درجات في أعلا الجنات؟

فرحم الله مؤمنا أعاد مياه المودة إلى مجاريها! ويا سعد من عفا وأصفح، وغفر وأصلح.

فما أجمل أن نرى البيوت وقد فتحت أبوابها في هذا العيد السعيد، وما أبهج النفوس، وهي ترى الأيادي تتصافح، والقلوب تتسامح، إنها بهجة العيد، وفرحة العيد، وتآلف القلوب في اليوم السعيد.

الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

أيها الناس: أذكركم ونفسي بتلك الشعيرة العظيمة، بتلك الفريضة الجليلة: بالصلوات الخمس؛ لاحظ في الإسلام لمن تركها، من تركها فعليه لعنة الله، من تركها خرج من دين الله، من تركها انقطع عنه حبل الله، من تركها خرج من ذمة الله، من تركها أحل دمه وماله وعرضه.

تارك الصلاة عدو الله، عدو لرسول الله، عدو لأولياء الله.

تارك الصلاة محارب لمنهج الله، تارك الصلاة مغضوب عليه في السماء، مغضوب عليه في الأرض.

تارك الصلاة تلعنه الكائنات، والعجماوات، تتضرر النملة في جحرها من تارك الصلاة، وتلعنه الحيتان في الماء؛ لأنه ترك الصلاة.

تارك الصلاة لا يؤاكل، ولا يشارب، ولا يجالس، ولا يرافق، ولا يصدّق، ولا يؤتمن.

تارك الصلاة خرج من الملة، وتبرأ من عهد الله، ونقض ميثاق الله.

تارك الصلاة يأتي ولا حجة له يوم العرض الأكبر.

والصلاة هي أول ما سيسأل العبد عنها يوم القيامة، فإن صلحت صلح باقي عمله، ونظر إليه، وإن فسدت فسد باقي عمله، ولم ينظر إليه.

فالله الله في الصلاة، فوالله لو أننا علمنا ما فيها من خير عظيم، وعظمنها وأديناها على الوجه الذي ينبغي لعمنا من الخير والسعادة ما الله به عليم, فحافظوا عليها فإنها آخر وصايا محمد قبل فراق الدنيا، وهو في سكرات الموت.

عباد الله: أوصيكم ونفسي بعد تقوى الله –عز وجل–: بصلة الرحم؛ فإن الله -تبارك وتعالى- لعن قاطعي الأرحام، فقال عز من قائل: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25].

فقاطع الرحم ملعون، لعنه الله في كتابه، وصح عنه أنه قال: "لما خلق الله الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك".

فعهِد الله أن يصل من وصل رحمه, وأن يقطع من قطع رحمه.

وهذا العيد -عباد الله- من أكبر الفرص للعودة إلى الحي القيوم, فمن لم يعد إلى الله فما استفاد من العيد, ومن لم يتفقد أرحامه بالصلة والزيارة والبر فما عاش العيد.

العيد أن تصل من قطعك, العيد أن تعطي من حرمك, العيد أن تعفو عمن ظلمك, العيد أن تُخرج البغضاء من روحك, فجاهد نفسك -أيها المسلم- لتكون سليمَ الصدر، بعيداً عن القطيعة لإخوانك المسلمين، رحيماً لهم, حتى تسود الرحمة في المجتمع بدلاً من الشحناء والقطيعة والتباغض والنفعية المادية التي سرعان ما تتهشم وتنكشف حين تقلّ أو تضعف.

فيا أخي -يا عبدالله- أعلنها -أخي- أعلنها الآن، أعلنوها جميعاً: توبة إلى الله -عز وجل- وحب التآخي، والمودة فيما بيننا, وأصلحوا فيما بينكم، وتراحموا وتعاونوا وتعاطفوا، فوالله هذه هي صفة المؤمنيـن فيما بينهم.

وعليكم -عباد الله-: ببر الوالدين: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23].

واعلموا أن أعظم عقوبة تـُعَجَلُ لصاحبها في الدنيا مع ما يدخره الله له من العذاب الشديد في الآخرة: عقوق الوالدين.

فإذا عصيت أحد والديك جعل الله لك ابناً يعصيك ويعقك, فكما تدين تدان, جزاءً وفاقا .

الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أيها المسلمون: احذروا الزنا، فهو من عظائم الذنوب, فعن صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من ذنب أعظمُ عند الله بعد الشرك من أن يضع الرجل نطفته في فرج حرام".

والزناة محرومون من كلام الله، ومحرومون من نظر الله إليهم، نظر الرحمة والمغفرة, ومحرومون من تزكية الله أياهم.

والزنا دينٌ على صاحبة إن لم يتب.

وإياكم واللواط، فإنه فاحشة وساء سبيلا, فليعلم فاعلها أن هذه الفاحشة يهتزُ منها عرش الرحمـن غضباً عند فعلها, وليعلم فاعلها أنه قد أحل على نفسه لعنة الله -والعياذ بالله-، قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط".

واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.

واحذروا -عباد الله-: المعاصي، فو الله ما أهلكت الأمم التي قبلنا إلى بسبب معصيتهم لرب الأرض والسماء.

ووالله ما نزعت البركات وقلة الخيرات في الآونة الأخيرة إلى بسبب الذنوب والمعاصي.

فاحذروا المعاصي قبل أن يحال بينكم وبين ما تشتهون.

وليعلم العاصي أنه يعصي ربه وخالقه, يعصي من بيده ملكوت السماوات والأرض, يعصي المتصرف في كل شيء, يعصي القوي الجبار المتعال, يعصي الله -عز وجل- الذي إليه المعاد.

فالله الله في التوبة النصوح, وفي العودة إلى الواحد الأحد -سبحانه-, قبل أن يحل علينا عقابه: (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99].

واحذروا -يا عباد الله-: شرب الخمور والمسكرات, فأصحابها ملعونون من الله -عز وجل- فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها".

فكل هؤلاء ملعونون من الله -عز وجل-, وإن من مات وهو مدمن لها، فإن الجنة عليه حرام, حرمها الله -عز وجل- عليه, ويسقيه من طينة الخبال -أي من صديد وعصارة أهل النار- وهو القيح الذي يخرج من فروج الزانيات والزواني -والعياذ بالله-.

واحذروا -عباد الله-: الغيبة والنميمة, وشهادة الزور, والكذب والخيانة والغش,  واعلموا إن قذف المحصنات الغافلات من المؤمنات من كبائر الذنوب، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النــور: 23].

وقال صلى الله عليه وسلم: "قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة".

لا إله إلا الله، فأعمارنا وأعمالنا قد لا تتجاوز الستين أو السبعين سنة, فبقذف المحصنات يهدم المرء ما قدم من أعمال -والعياذ بالله-.

أيها المسلمون: استوصوا بالنساء خيرا، وربّوا أبناءكم التربية الإسلامية، فهم أمانة في أعناقكم، واعلموا أنكم مسؤلون عنهم وعن تربيتهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6].

عباد الله: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فإنهما من واجبات الإسلام, وأكرموا الجار، وكفّوا الأذى عنه، وفي الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره".

وحافظوا على دينكم، وقوموا بواجباته وأركانه، فهو دين الشمول والكمال، قام على أُسُسٍ عظيمة وأركان متينة، من لم يأت بها فقد خسر دينه,

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله كما أمر، واشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكرز

وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك، إرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم-، الشافع المشفع في المحشر، وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، وعلى التابعيين ومن تبعهم بإحسان ما غابَ كوكب وظهر.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوا الله ورسوله لعلكم تفلحون، واستقيموا على شرعه واشكروه على عموم نعمه، وترادف مننه.

ألا من نعمة الله عليكم: هذه الأنعام التي خلقها لكم وسخرها وذللها لكم، فمنها ركوبكم، ومنها تأكلون، لعلكم تشكرون.

فعظموا شعائر ربكم، فإن ذلك من تقوى القلوب.

ألا من الشعائر الظاهرة: ما شرعه الله لعباده في هذا اليوم العظيم من التقربِ إليه من ذبح الأضاحي، فهي سنة أبينا إبراهيم -عليه السلام-، ونبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم-.

أما سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الأضاحي، فقد خرّج البخاري ومسلم في صحيحهما: أنه ضحى بكبشينِ أملحين أقرنين، ذبحهما بيدهِ وسمى وكبّر، وقال: "هذا عن محمد وآل محمد، وهذا عن من لم يضحي من أمة محمد".

وقد يسّر الله على عباده في هذه الشعيرة، فينبغي للعباد أن يتقربوا إلى الله في هذا اليوم بالقيام بهذا العمل العظيم، فما عُمل يوم النحرِ عملٌ أفضلُ من إراقة دم، وأن للمضحي بكل شعرة وصوفه وقطرة دم أجر عظيم وثواب جزيل.

فعلى المضحي: أن يطيب نفساً بأضحيته، وأن يختار ما كان سميناً ثميناً صحيحاً سليماً.

سليم من العيوب التي تمنع الإجزاء، وهي ما ورد في الحديث الصحيح: أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والعرجاء البين ضلعُها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تُنقي.

وكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها، فهي أفضل، وأعظم أجرا.

ومن كان منكم يحسن الذبح بنفسه، فليذبح أضحيته بيده، ويسمي عند الذبح، فيقول إذا أضجعها للذبح: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذه عن فلان أو فلانة.

فمن لم يقل: بسم الله، على الذبيحة، فذبيحته ميتة نجسة حرام أكلها؛ لقوله تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ) [الأنعام: 121].

وحدوا السكين، ولا تحدوها وهي تنظر، ولا تذبحوها وأختها تنظر إليها، ومروا السكين بقوة وسرعة، ولا تلووا يدها على عنقها من خلفها عند الذبح، فإن ذلك تعذيب لها وإيلام بلا فائدة لها، ولا تسلخوها أو تكسروا رقبتها قبل أن تموت.

وكلوا من الأضاحي، واهدوا، وتصدقوا، ولا تعطوا الجزار أجرته منها، بل أعطوه أجرته من عندكم، واعطوه من الأضحية إن شئتم هدية إن كان غنياً أو صدقة إن كان فقيراً.

وليس المقصود -ياعباد الله- مجرد اللحم الذي يؤكل فقط، ولكن ما تتظمنه هذه الشعيرة من تعظيم لله -جلا جلاله-، واظهار للشكر له، وامتثال لأمره، يقول سبحانه: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحـج: 37].

فلا نعتبر الأضحية لحم يؤكل, أو عادة سنوية, بل تكون نيتنا بها تعظيم الله، والشكر له، وامتثالا لأمره.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون: اتقوا الله، واستعدوا ليوم الدين، فإنكم عن قريب بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، فطهروا بواطنكم وظواهركم لعلكم تفلحون.

واعلموا أن محل نظر الله للأعمال القلوب، وليس لحسن الصورة والثياب، والمظاهر الجميلة، والمراكب الفاخره، فكم من مبيض لثيابه مدنس لدينه، وكم من مكرم لنفسه بالمأكل والمراكب وهو لها مستهين بالمعاصي والمخالفات لأوامر رب العالمين.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله، حيث أمرنا بذلك، في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأربعة المهديين وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين من الكفرة والملحدين وسائر المفسدين يا رب العالمين.

اللهم احفظ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأيده بالحق، وأيد الحق به, وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة لأوليائك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يارب العالمين.

اللهم وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، ووفق اللهم إخوانه وأعوانه إلى ما فيه خير البلاد والعباد.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمعهم على الحق يارب العالمين.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.

اللهم سلم الحجاج والمعتمرين، اللهم عدهم إلى بلادهم سالمين غانمين.

اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اللهم وفقنا وإياكم لمراضيه، واجعل مستقبل حالنا وحالكم خيراً من ماضيه.

اللهم أعد إلينا وعليكم هذا العيد أعياداً عديدة، وأزمنة مديدة.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعضكم لعلكم تذكرون.

فاذكروا الله العظيم الجليل بذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.