الطيب
كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...
العربية
المؤلف | عكرمة بن سعيد صبري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
إن هذا الحديث النبوي الشريف هو من دلائل النبوة، يخبرنا أنه سيأتي وقت ينقضّ فيه أعداء الإسلام على الأمة الإسلامية رغم كثرة عددها كما تنقضّ الذئاب على فريستها، وأن المسلمين رغم كثرة عددهم ليس لهم وزن ولا هيبة ولا احترام أمام الأمم والشعوب الأخرى، حيث إنهم غثاء كغثاء السيل، الذي يطفو فوق سطح الماء، وأن السبب في ذلك هو حب الدنيا والتمسك بها والتكالب عليها وكراهية الموت. صدقت يا سيدي يا رسول الله،...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فقد صح عن الصحابي الجليل أبي عبد الله ثوبان بن مجدد -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" (رواه أبو داود (4297) وصححه الألباني).
أيها المسلمون، إن هذا الحديث النبوي الشريف هو من دلائل النبوة، يخبرنا أنه سيأتي وقت ينقضّ فيه أعداء الإسلام على الأمة الإسلامية رغم كثرة عددها كما تنقضّ الذئاب على فريستها، وأن المسلمين رغم كثرة عددهم ليس لهم وزن ولا هيبة ولا احترام أمام الأمم والشعوب الأخرى، حيث إنهم غثاء كغثاء السيل، الذي يطفو فوق سطح الماء، وأن السبب في ذلك هو حب الدنيا والتمسك بها والتكالب عليها وكراهية الموت.
صدقت يا سيدي يا رسول الله، فإنما عليه الأمة الإسلامية الآن ينطبق عليها هذا الحديث النبوي الشريف، إنك يا سيدي يا رسول الله لا تنطق عن الهوى، إنك تنطق بوحي يوحى، إن هذا النبوي الشريف يحث الأمة الإسلامية في كل زمان ومكان أن تلتفت إلى نفسها وأن تثبت وجودها بوحدتها وبعودتها إلى دستورها.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ماذا نشاهد في هذه الأيام؟ وما واقع الأمة الإسلامية الآن؟ فأمريكا المجرمة، وبريطانيا الحاقدة لا تزالان تحشدان القوات البرية والبحرية والجوية حول العراق مستخدمين أراضي المسلمين للانطلاق منها، مع الإشارة إلى أن القوات الأمريكية ستبقى في قواعدها في الجزيرة العربية وفي الخليج وفي تركيا، ولن تخرج منها سواء وقع العدوان على العراق أم لم يقع، فماذا أنتم عاملون أيها الحكام يا من سمحتم باستباحة أراضيكم؟!
أيها المسمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن استباحة الأقطار الإسلامية من قبل أمريكا وبريطانيا يعتبر من أفظع المنكرات وأشدها، وهل المسلمون قاصرون؟ وهل المسلمون سفهاء يحتاجون إلى وصاية حتى تحل أمريكا مشاكلهم الداخلية؟ هل عدم الرغبة في نظام الحكم العراقي مبرر لاحتلال أراضي المسلمين في تركيا والخليج والجزيرة العربية؟ هل أمريكا حريصة على الشعب العراقي لتخلصه من النظام المفروض عليه؟ أم أن هناك أطماعاً لأمريكا وبريطانيا في ثروات العراق وفي ثروات الأقطار الإسلامية الأخرى.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لذا وقفت مجموعة كبيرة من الدول في العالم معارضة الغزو الأمريكي البريطاني للعراق، لأن هذه الدول تدرك المغزى من هذا الغزو، بالإضافة إلى الملايين من الجماهير في العالم قد تحركت ضد الغزو المرتقب، نعم إن الدول التي تعارض الغزو لها مصالحها، ولكن لماذا لا يستفيد العرب والمسلمون من هذه المواقف الدولية الرافضة للحرب، وذلك بهدف إضعاف الموقف الأمريكي وردعه عن الغزو والعدوان، والسؤال يا مسلمون: ما مصلحة الدول العربية والإسلامية في الغزو على العراق؟ هل ستحمي أمريكا عروشهم وكراسيهم أم سيأتي دورهم طبقاً للمثل القائل أكلت يوم أكل الثور الأبيض؟
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن أمريكا التي تتغنى وتتبجح في الديمقراطية والحرية، إن أمريكا هذه، تاريخها أسود دموي، منذ نشأتها، وكتب التاريخ الحديث حافلة بالممارسات الإجرامية التي قامت بها الحكومات الأمريكية المتعاقبة ضد الهنود الحمر، السكان الأصليين في أمريكا، فقد سبق للحكومات الأمريكية أن عقدت مائة وعشرين اتفاقاً لمسالمة الهنود الحمر ولمصالحتهم، ولكنها أي أمريكا قد نقضت هذه الاتفاقات كلها، الواحدة تلو الأخرى، فهذه الاتفاقات أشبه بمسلسل للغدر والخداع، وانتهى الأمر بإبادة وقتل أغلبية الهنود الحمر، وما تبقى منهم فهم أقلية، وهم معزولون الآن عن المجتمع الأمريكي.
فأين هذه المواقف المخزية يا مسلمون من ديننا الإسلامي العظيم الذي يحترم العهود والمواثيق ويحرم نقضها كما يحرم ديننا الغدر والخيانة والقتل وسفك الدماء وإزهاق الأرواح، وهناك عشرات الآيات الكريمة التي تدعو إلى احترام العهود والمواثيق ووجوب الالتزام بها وعدم نقضها منها قوله عز وجل: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [النحل:91].
وإن السيرة النبوية المطهرة حافلة بالمواقف الصادقة في الوعد والعهد والميثاق من قِبل رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع غير المسلمين.
أيها المسلمون، يا من تنخدعون بما يسمى الحضارة الأمريكية، لم تأبه أمريكا بإبادة وقتل مئات الآلاف من اليابانيين في نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد جربت تأثير القنبلة الذرية على الشعب الياباني، وبالرغم من أن الحكومة اليابانية قد أبدت رغبتها في الاستسلام وقتئذ، إلا أن أمريكا قد أصرت على معاقبة الشعب الياباني، فألقت قنبلتين ذريتين إحداهما على مدينة هيروشيما في شمال اليابان، والأخرى على مدينة ناجازاكي في جنوبها، وكان ذلك في شهر آب أغسطس من عام 1945م.
ولا تزال الآثار السلبية تظهر على أطفال الشعب الياباني من التشوهات الخلقية والأمراض المستعصية بتأثير إشعاعات القنبلتين الذرتين، وكذلك الأمر بالنسبة لشعوب الأفغان والفيتنام وكمبوديا والشعب العراقي، حيث استعملت أمريكا في حروبها ضدهم أسلحة الدمار الشامل، بما فيها قنابل اليورانيوم، وهذا ما نخشاه، أن تقدم أمريكا على استعمال القنابل المدمرة في غزوها المرتقب على العراق، فهل ديننا الإسلامي العظيم يدعو على القتل الجماعي؟ وهل ديننا الإسلامي العظيم يدعو إلى تسخير العلم والمخترعات للهدم والقتل والتدمير؟ حاشا وكلا.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وعليه إننا نطالب المسلمين، جميع المسلمين في أرجاء المعمورة أن يوحدوا صفوفهم وأن يجمعوا أمرهم للوقوف في وجه العدوان الأمريكي على العراق وعلى الأقطار الإسلامية الأخرى.
إننا نخاطب الشعب العربي والكردي والتركي والهندي والباكستاني والماليزي والأندنوسي وغيرهم من شعوب العالم، نخاطبهم على اعتبار أنهم يشكلون أمة إسلامية واحدة، ذات رسالة عظيمة، هي رسالة الإسلام، نخاطبهم لأنهم خير أمة أخرجت للناس، ليقفوا صفاً واحداً لمنع العدوان وتطهير أراضيهم من الاحتلال العسكري الأمريكي.
وعلى حكام الدول في العالم العربي والإسلامي أن يستفيدوا من الموقف الدولي الرافض للعدوان، حتى ترتدع أمريكا عن القيام بالحرب المرتقبة، وحتى تعرف حجمها الحقيقي وحتى يُحد من غرورها وغطرستها وعظمتها وكبريائها، جاء في الحديث النبوي الشريف قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منها ألقيته في النار" (رواه أحمد في مسنده (7335) وصححه الألباني).
الخطبة الثانية:
نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلاة وسلاماً عليه دائمين إلى يوم الدين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أما ما يجري على أرض فلسطين قرة عيون المسلمين، فحدث ولا حرج، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمعن في القتل والاغتيال والتدمير بالأسلحة الأمريكية الفتاكة وبضوء أخضر من أمريكا.
وإن التقارير الصحية تشير إلى أن عدد الشهداء من شعبنا الفلسطيني المرابط قد وصل إلى ثلاثة آلاف شهيد، منهم ألف طفل دون سن البلوغ، وأما عدد الجرحى فقد زاد عن أربعين ألف جريح، وهؤلاء الجرحى الذين عولجوا في المستشفيات بالإضافة إلى الآلاف الذين أسعفوا خارج المستشفيات.
أيها المسلمون، أما البيوت التي هدمت فهي عشرات الآلاف، وتشرد إثر ذلك الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ.
أما الحواجز العسكرية فإنها بمثابة حصارات خانقة، تضع المدن والقرى في سجون كبيرة، ووضع هذه الحواجز يتنافى مع حرية الحركة والتنقل، وهي تمنع المرضى والنساء الحوامل من الوصول إلى المستشفيات.
وتفيد الإحصائيات بأن ما يزيد عن ثلاثمائة حالة ولادة قد تمت على قارعة الطريق وفي السيارات بسبب الحواجز العسكرية خلال السنتين الأخيرتين، مما أدى إلى وفاة العشرات من الأمهات والأجنة، فأين ما يسمى بجمعيات حقوق الإنسان؟ وأين ما يسمى بجمعيات حماية المرأة؟
أيها المسلمون، إن ما يتعرض إليه شعبنا الفلسطيني المرابط هو بمثابة حرب إبادة بحجة محاربة الإرهاب، أما ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي إنما هو دفاع عن النفس كما يقولون ويدعون! ولا يعتبر إرهاباً!
والله إن هذا لظلم ما بعده ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، إننا في عصر انقلبت فيه المفاهيم والأحكام والموازين.
ونؤكد بأن السبب المباشر لدائرة العنف على الساحة الفلسطينية هو وجود الاحتلال وممارسات الاحتلال، ولن يؤدي هذا العنف إلى السلام المزعوم، وإن الهدف من القتل والاغتيال والبطش والاعتقال والهدم والتدمير هو فرض الاستلام، وإن شعبنا المرابط يرفض الاستسلام ولم يقبل الدنية والمذلة والضيم والظلم، لأنه شعب أَبيّ، وهو صاحب حق شرعي.
هذا وإن الله -عز وجل- لن يغفر لحكام الدول العربية والإسلامية سكوتهم وصمتهم إزاء ما يحصل بحق الشعب الفلسطيني، لأنهم لم يلبوا صرخات ونداءات الثكالى والأرامل والأيتام التي انطلقت من المدن والقرى والمخيمات، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.