الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
العربية
المؤلف | خالد بن علي الغامدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - أهل السنة والجماعة |
إنه ليس هناك أحدٌ من البشر يستحقُّ أن يُحبَّ ويُعظَّم ويُطاعَ من كل وجهٍ إلا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ذلكم النبي الكريم الذي صنعَه الله على عينه فاختارَه واصطفاه، واجتبَاه وانتَقاه، وكمَّله ربُّه بكل الكمالات البشرية، والفضائل الخَلقية والخُلُقية، ورقَّاه في مدارِج العزِّ والكمال والشرف، حتى بلغَ مُستوًى لم يبلُغه أحدٌ من صَفوة الخَلق، لا نبيٌّ مُرسَل، ولا مَلَكٌ مُقرَّب، وسدَّ جميع الأبواب المُوصِلة إليه إلا باب مُحمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومنعَ الخلقَ كلَّهم من التعبُّد له إلا بما شرعَ محمدٌ - صلى الله عليه وآله وسلم-.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابِه، والتابعين لهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم ونفسي - عباد الله - بتقوى الله في السرِّ والعلانية؛ فهي المُوصِلةُ إلى علام الغيوب، المُنجيةُ من الكُروب، المُزكيَةُ للأرواح والقلوب، (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) [الأنفال: 29].
أمة الإسلام:
إن هذا الدين العظيم مبنيٌّ على رُكنَين وأصلَين جليلَين، لا يقبلُ الله من عبدٍ صرفًا ولا عدلاً حتى يأتي بهما: معرفةُ الله وتوحيدُه وعبادتُه، ومعرفةُ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومحبَّتُه وطاعتُه واتباعُه. وهما مُقتضَى الشهادتين، وحقيقةُ الإسلام وجوهرُه، (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [البينة: 5]، (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء: 80].
إن معرفةَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومحبَّته وطاعتَه أمرٌ مُتحتِّمٌ لا محيدَ عنه لكل مُسلم ومُسلمة، وفرضٌ واجبٌ، وشريعةٌ غرَّاء، ومنهجٌ أبلَجٌ وضَّاء، يسعَدُ بها العبدُ سعادةً لا شقاءَ معها أبدًا، ويُبارِك الله له بها في عُمره وحياته، ويُزكِّي روحَه وعقلَه، فينعمُ بالحياة الطيبة التي هي أثرٌ من آثار محبَّته - صلى الله عليه وآله وسلم - وطاعته.
ولقد وبَّخ الله -تعالى- الذين لم يعرِفوا رسولَهم، وقرَّعهم بقوله: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) [المؤمنون: 69].
عباد الله:
إنه ليس هناك أحدٌ من البشر يستحقُّ أن يُحبَّ ويُعظَّم ويُطاعَ من كل وجهٍ إلا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ذلكم النبي الكريم الذي صنعَه الله على عينه فاختارَه واصطفاه، واجتبَاه وانتَقاه، وكمَّله ربُّه بكل الكمالات البشرية، والفضائل الخَلقية والخُلُقية، ورقَّاه في مدارِج العزِّ والكمال والشرف، حتى بلغَ مُستوًى لم يبلُغه أحدٌ من صَفوة الخَلق، لا نبيٌّ مُرسَل، ولا مَلَكٌ مُقرَّب، وسدَّ جميع الأبواب المُوصِلة إليه إلا باب مُحمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومنعَ الخلقَ كلَّهم من التعبُّد له إلا بما شرعَ محمدٌ - صلى الله عليه وآله وسلم-.
فهو أعظمُ الخلق حُرمةً عند الله، وأتقاهُم وأخشاهم وأعلمُهم بالله، ما طرقَت العالَم شخصيةٌ كشخصيةِ مُحمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا عرفَت الإنسانيةُ مُعلِّمًا ولا قائدًا ولا قُدوةً أكملَ ولا أعلى مقامًا من هذا النبي المُختار سيِّد ولدِ آدم - صلى الله عليه وآله وسلم -.
يا أمة محمد .. يا أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -:
مهما تحدَّث المُتحدِّثون، ووصفَ الواصِفون، وألَّف المُؤلِّفون، ونظمَ الشعراءُ المُجيدُون، فلن يبلُغوا جلالَة وصف القرآن العظيم وبلاغتَه وبيانَه في الحديث عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -. فليس هناك أحدٌ أعلمَ برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من ربِّه وخالقِه، كما أنه ليس هناك أحدٌ أعلمَ بالله تعالى، وأعرفَ به من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
لقد تحدَّث القرآنُ المجيدُ بحلاوتِه وطلاوتِه عن هذا النبي الكريم حديثًا عجَبًا مُشرقًا باهرًا مُتدفِّقًا، يعرِضُ فيه بأساليبَ مُونِقةٍ مُغدِقةٍ جوانبَ العظمةَ والكمالات النبوية؛ حيث نشأَ - عليه الصلاة والسلام - يتيمًا، فآواه ربُّه وربَّاه، ووجدَه ضالاًّ ما يدري ما الكتابُ ولا الإيمان، فهداه مولاه واجتباه، ووجدَه عائلاً، وكان عائلاً فقيرًا فأغناه ورعاه، حتى ابتعَثه على حينِ فترةٍ من الرسل، رجلاً كريمًا في قومه، وهو صاحبُه الذي يعرِفونَه كما يعرِفون أبناءَهم.
فكان أولَ ما أنزلَ عليه صدرَ سورة اقرأ، ثم صدرَ سورة المُدثِّر، وفيهما بيانٌ مُركَّزٌ لمعالِم الإسلام وأُسس الدعوة، فصارَت بعثتُه - صلى الله عليه وآله وسلم - أعظمَ منَّةٍ إلهية، ورحمةٍ ربانيةٍ طوَّقَت عُنُق كل مُسلم، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164].
أيها المسلمون:
لقد عظَّم الله -تعالى- شأنَ هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - في القُرآن، وأثنَى عليه ثناءً عاطرًا في عبادتِه وأخلاقه وسيرته وجهادِه، ولم يكُن يُنادِيه إلا بـ (يَا أَيُّهَا الرَّسُول)، (يَا أَيُّهَا النَّبِيّ) إجلالاً له وإعظامًا.
كيف لا، وهو النبي الأميُّ الذي ما ضلَّ وما غوَى، وما ينطِقُ عن الهوَى، إن هو إلا وحيٌ يُوحَى، علَّمه جبريلُ شديدُ القُوى.
وكيف لا يُعظِّمُه ربُّه وهو خاتمُ الأنبياء، والشاهدُ الشهيد، والصادقُ المُصدَّق، الذي جاء بالصدق وصدَّق المُرسَلين، المُرسَل للثقَلَين الإنسِ والجنِّ كافَّةً بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا مُنيرًا.
نبيٌّ أمِّيٌّ لا يخُطُّ بيمينه ولا يقرأ، وجاء بأعظم الشرائِع، وبُعث بالحنيفيَّة السَّمحة، وعلَّمه ربُّه ما لم يكُن يعلَم، وزيَّنه وجمَّله بالأخلاق الحسنَة العظيمة، من التواضُع، وخفض الجناح للمُؤمنين، والصبر، والسماحة، واللِّين، والعفو، والصفح. فأحبَّته القلوبُ والأرواحُ، ولو كان فظًّا غليظَ القلب لانفضَّ الناسُ من حولِه.
مُلِئَ قلبُه الشريفُ - صلى الله عليه وآله وسلم - حُبًّا لأمته، عزيزٌ عليه ما أعنتَها وشقَّ عليها، بالمُؤمنين رؤوفٌ رحيم، وكان أشدَّ ما يكون حرصًا وتلهُّفًا على هداية أمَّته، حتى كادَ أن يُتلِف نفسَه فيبخَعَها، فعزَّاه ربُّه وصبَّره وسلاَّه بأنه رسول، وإنما عليه البلاغ، (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) [فاطر: 8]، (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) [يونس: 65]، ولا يضِق صدرُك بما يقولون، - صلى الله عليه وآله وسلم -.
نبيٌّ كريم قامَ لله فأنذرَ بقوةٍ وثبات، وبلَّغ رسالات ربِّه، وما فترَ ولا توانَى، وما أخذَ على تبليغ رسالات ربِّه ولا عرضًا من الدنيا، ولم يكُن من المُتكلِّفين المُتنطِّعين؛ بل جاء بالسماحة واليُسر والوسطية والاعتِدال، ولم يكُن بِدعًا من الرسل، ولم يأتِ بشيءٍ من تِلقاءِ نفسِه، بل مُبلِّغٌ أمينٌ - صلى الله عليه وآله وسلم -.
عصمَه ربُّه، وكلأَه بعينِه من أن يُضِلَّه الناسُ أو يضُرُّوه، أو يُزلِقوه بأبصارهم، أو يفتِنوه عن بعضِ ما أُنزِلَ إليه ليفترِيَ على ربِّه، (وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) [الإسراء: 73، 74].
أمة الإسلام:
هذا النبي الكريمُ الأمِّيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يأمرُ الناسَ بالمعروف، وينهاهُم عن المُنكَر، ويُحلُّ لهم الطيبات، ويُحرِّم عليهم الخبائِث، ويضعُ عنهم إصرَهم والأغلالَ التي كانت عليهم، نجَّاه الله من مكر الماكرين وكيدهم، ونصرَه إذ أخرجَه الذين كفروا من قريته التي أحبَّ، وأيَّده بجنودٍ لم ترَوها، وأنزلَ عليه سكينتَه وثبَّته، وأثنَى على شجاعته ورباطَة جأشِه، (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ) [آل عمران: 153].
أمرَه ربُّه بالعدل، فحكمَ وما جار، وما كان للخائنين خصيمًا، بشَّرت به الرسل وأُخِذ عليهم الميثاق: إذا جاءكم محمدٌ - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تُؤمنوا به وتنصُروه، وهو مكتوبٌ عندهم في التوراة والإنجيل.
من أبغضَه وكرِه سُنَّته فهو الأبترُ المقطُوع، ومن آذاه فعليه اللعنةُ والعذابُ العظيم، شرَّف الله أهلَ بيته، وأبعدَ عنهم الرِّجسَ وطهَّرهم تطهيرًا، وأعلَى قدرَ نسائِه وفضَّلهن على نساء العالمين، (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) [الأحزاب: 32].
عظَّم شأنَ صحابته الكرام، وهم السابِقون الأولون من المُهاجِرين والأنصار، ورضِيَ عنهم وتابَ عليهم.
عباد الله:
ويتحدَّثُ القرآنُ بأساليب مُشرِقةٍ مُتألِّقةٍ عن جهاده - صلى الله عليه وآله وسلم - ومغازِيه، ويُعالِجُ أسبابَ النصر والهزيمة، ويُصرِّحُ بذكرِ معركة بدرٍ والأحزاب وحُنين، ويُشيرُ إلى أُحد وصُلح الحُديبية وفتح مكة وغزوة تبُوك، ويُلمِحُ إلى بعض الأحداث المهمَّة في سيرته؛ كحادثة الفيل، والهجرة المُبارَكة، وإبطال التبنِّي، وحادثة الإفك الشهيرة، وتشريع الاستئذان والحِجاب، وحادثة الإسراء والمعراج، والإشارة إلى قُرب أجله في سُورة النصر، وغير ذلك من الأحداث والقضايا التي أفاضَ فيها القرآنُ بإعجازٍ وبيانٍ لا مثيلَ له.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ قولِي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا ونبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.
وبعد، أيها المسلمون:
لقد أكَّد القرآنُ في مواطِن كثيرةٍ على أنه لا يصحُّ إيمانُ الناس حتى يُؤمنوا بهذا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويُصدِّقوه ويُطيعُوه، ويُوقِّروه ويُحبُّوه، وذلك فرضٌ واجبٌ على كل مُسلم ومُسلمة.
وأمرَ - سبحانه وتعالى - الأمةَ باستعمال الأدب العظيم مع هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - فنهاها عن رفع الصوت فوق صوته، والجهر له بالقول خشيةَ أن تحبَط أعمالُهم وهم لا يشعرُون، وأمرَها ألا تُناديَ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - باسمِه فقط، كما يدعُو بعضُهم بعضًا، وحثَّها على أن تُصلِّي وتُسلِّم عليه في كل وقتٍ وحينٍ، حُبًّا له واعترافًا بفضله وبركته على الأمة.
يا أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -:
إن أعظمَ الحب والأدب مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: طاعتُه واتباعُه والتمسُّك بسُنَّته ظاهرًا وباطنًا، وتقديمُ أمره على كل أحدٍ، والتحاكُم إلى سُنَّته، وذلك من أعظم دلائِل محبَّته والإيمان به، ومن أجلِّ أسباب النصر والتمكين في الأرض، وائتِلاف القلوب واجتماعها وتوحُّدها.
ونقيضُ ذلك: الاعتراضُ على سُنَّته بالبدع المُحدَثة، والآراء والأهواء، ومُخالفةُ أمره - صلى الله عليه وآله وسلم -، والتشكيكُ في سُنَّته وجعلُها قابلةً للأخذ والرد، وعدمُ التسليم لها تهوينًا واستخفافًا. وذلك من أوضَح علامات أهل النفاق، الذين سقطَت من قلوبهم هيبةُ مقام النبُوَّة، وزلَّت أقدامُهم في الفتنة والأهواء.
وهو أيضًا - أعني: مُخالفةَ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من أعظم أسباب الفتنة بين المُسلمين وتنازُعهم وتفرُّقهم، وتسلُّط الأعداء عليهم، وذهاب رِيحهم وفشَلهم وذلَّتهم.
وإن الأمة مهما ابتغَت العزَّة والنصرَ والشرَف فلن تجِد ذلك إلا في لُزوم غرزِه - صلى الله عليه وآله وسلم -، واقتِفاء أثره، والسير على منهاجِه.
أيها المُسلمون:
إن هذا النبيَّ الكريمَ - صلى الله عليه وآله وسلم - يجبُ أن يكون قُدوتَنا العُليا في كل شيء، وحديثَ مجالِسنا ومُنتديَاتنا، وسميرَ محافلِنا وندوَاتنا، ومُرتكَز خطابِنا الدعويِّ ومناهِجنا وتربيتنا.
إنه - صلى الله عليه وآله وسلم - القُدوةُ الخالِدة، والأُسوةُ التالِدة للحاكِم، والقائِد، والعالِم، والمُصلِح، والمُربِّي، والناصِح، والزوج، والأب.
إننا في هذا الزمان المليء بالفتن والشُّبُهات، وأفكار التطرُّف والإرهاب، واتخاذ الناس رُؤوسًا جُهالاً، وأُغيلِمةً سُفهاءَ الأحلام، يُفسِدون ولا يُصلِحون، ويهدِمون ولا يبنُون، لأشدُّ ما تكونُ حاجتُنا إلى اتخاذ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قُدوةً وأُسوةً ومنهاجَ حياةٍ، وإلى تعظيم مقام النبُوَّة، والحذَر الشديد من ردِّ سُنَّته، أو الاعتِراض عليها، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].
إن الأمةَ اليوم وهي تتعرَّضُ لمكائِد الأعداء، وظُلم المُعتَدين المُحتلِّين في المسجِد الأقصَى، وفي غيره من بلاد المُسلمين، لأحوَج ما تكونُ إلى الرجوع إلى سُنَّته - صلى الله عليه وآله وسلم - وسيرته المُبارَكة، لمعرفة المنهَج الحقِّ في التعامُل مع الأعداء ومُواجهتهم، ورفع الظُّلم والاعتِداء، وردِّ كيد الكائِدين والحاقِدين.
أيها المسلمون:
هذه بعضُ شذَراتٍ مُضيئة، ونفائِسُ مُتلألئةٌ من حديث القُرآن الباهِر عن هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما تُرِك أكثرُ مما ذُكِر.
فهلُمُّوا - يا عباد الله -، يا مُسلمون! هلُمُّوا وأقبِلوا على القرآن مأدُبة الله في الأرض، وانظُروا كيف تحدَّث القرآنُ عن هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم -.
معاشر المُسلمين:
ومع إطلالَة كل سنةٍ هجريَّة تبرُزُ لنا حادِثتان عظيمتان غيَّرَتا مجرَى التاريخ: نجاةُ موسى - عليه الصلاة والسلام - وخروجُه من مصر، ونجاةُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - وخروجُه من مكة، مع أن زمنَ حدوثِهما مُختلِف؛ حيث كانت نجاةُ موسى - عليه الصلاة والسلام - في العاشِر من شهر مُحرَّم، ونجاةُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - في أوائِل ربيعٍ الأول.
إلا أن اعتمادَ الخليفة عُمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- للتاريخ الهِجري من بداية مُحرَّم، جعلَ هاتين الحادثتين تلتقِيان فتُذكَران مع بدايةِ كل عامٍ هجريٍّ، وأصبحَتا من أهم الأحداث لما فيهما من التشابُه والعِبَر والحِكَم والآيات الباهِرات.
ولا ريبَ - يا عباد الله - في ذلك؛ فكتابُ موسى - عليه الصلاة والسلام - وكتابُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - هما أفضلُ الكتب المُنزَّلة، وكثيرًا ما يقرِنُ الله بينهما في كتابِه، (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [القصص: 49].
ولذلك كان صيامُ يوم عاشُوراء سُنَّةً نبويةً مُبارَكة، تُؤكِّدُ عظيمَ الصِّلة بين نبي الله موسى - عليه الصلاة والسلام -، ونبي الله محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -.
ثم صلُّوا وسلِّموا على سيِّد البشريَّة وهادِيها، وسِراجها المُنير، فإن الله - عز وجل - قد أمرَنا بالصلاة والسلام عليه؛ حيث قال في مُحكَم تنزيله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وثبتَ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في "مسند الإمام أحمد" أنه قال: «أتاني آتٍ من ربِّي فبشَّرني أن من صلَّى عليَّّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا، ورفعَ له بها عشرَ درجات، وحطَّ عنه عشرَ خطيئات، وكتبَ له عشرَ حسنات».
فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على حبيبِك وسيِّدنا ونبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وأزواجه وذريَّاته، وعلى صحابتِه الكرام الأبرار، وخُصَّ منهم: أبا بكرٍ الصدِّيق، وعُمرَ الفاروق، وعُثمان ذي النورَين، وعليًّا أبا الحسنَين، وبقيَّة الصحابة الكرام، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَك، وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك الصالِحين.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَهم في فلسطين، وفي الشام، وفي العراق، وفي بُورما، وفي اليمَن، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين.
اللهم انصُر إخواننا المُجاهدين الذين يُجاهِدون في سبيلِك في كل مكان، اللهم انصُرهم في اليمن، اللهم انصُر المُجاهدين المُرابِطين على الحدود في اليمَن، اللهم انصُر إخواننا المُجاهدين المُرابِطين على الحدود، اللهم تقبَّل شهداءَهم، اللهم تقبَّل شهداءَهم، اللهم انصُرهم نصرًا مُبينًا مُؤزَّرًا بقوَّتك يا قوي يا عزيز.
اللهم أصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، اللهم أصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفِّقه وأعِنه وسدِّده وأيِّده يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، واجعَلهم مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشرِّ برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفِر لنا وارحمنا، وعافِنا واعفُ عنَّا، وارزُقنا واجبُرنا، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المُسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المُسلمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمدٍ، وآله وصحبِه.