البحث

عبارات مقترحة:

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

خروج الدابة والنار وطلوع الشمس من مغربها

العربية

المؤلف خالد ضحوي الظفيري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. فضائل سورة طه .
  2. تأملات في أهم محاور السورة .
  3. زاد الدعوة والداعية من خلال سورة طه .
  4. وجوب الحذر من الإشاعات التي تهدم المجتمعات .

اقتباس

ولم يذكر الله ولا رسوله كيفية هذه الدابة، وإنما ذكر أثرها المقصود منها، وإنها من آيات الله تكلم الناس كلامًا خارقًا للعادة حين يقع القول على الناس وحين يمترون بآيات الله فتكون حجة وبرهانًا للمؤمنين وحجة على المعاندين.. وقد أنكر بعد المعاصرين خروج هذه الدابة، واستبعدوا ذلك، وبعضهم يؤولونها بتأويلات فارغة، وليس لهم حجة في ذلك سوى أن عقولهم لا تتحمل ذلك، والواجب على المؤمن التصديق والتسليم لما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن هذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله به المؤمنين...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لا زلنا في رحاب أشراط الساعة الكبرى لعل المسلم يتذكر أنه مقبل عليها فيستعد لها بالعمل الصالح ويحاسب نفسه على ما قدم من الأعمال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل متى الساعة؟ قال "ماذا أعددت لها؟"، فهذا هو الواجب على المسلم الإعداد والاستعداد ليوم المعاد.

عباد الله: من علامات الساعة الكبرى خروج الدابة، وقد ذكر الله -عز وجل- ذلك في قوله (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) [النمل:82].

فيذكر الله -تعالى- أنه إذا وقع القول على العباد، ومعناه يشتمل على وقوع الغضب من الله -عز وجل- على العباد لبعد الناس عن الدين وقلة العلم وأهله وظهور الفساد في البر والبحر فذاك أوان خروج الدابة، فتكلم الناس، واختلف المفسرون في معنى قوله (تُكَلِّمُهُمْ)، فقيل: تخاطبهم مخاطبة، وتقول لهم: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، وقيل تكلمهم أي تجرحهم على وجوهم فتكتب على جبين الكافر كافر وعلى جبين المؤمن مؤمن.

وجاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "تخاطبهم وتجرحهم"، قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهذا القول ينتظم المذهبين وهو قوي حسن جامع لهما"، وقال أيضًا -رحمه الله تعالى-: "هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الصحيح يخرج الله لهم دابة من الأرض قيل من مكة وقيل من غيرها فتكلم الناس".

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض".

وعن حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- قال: "طلع علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر فقال: "ما تذاكرون؟" قالوا: نذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات، وذكر منها الدابة" (رواه مسلم).

وله عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بادروا بالأعمال ستًّا؛ طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم أو أمر العامة".

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا لم أنسه بعدُ؛ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، فأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبًا".

يقول ابن كثير -رحمه الله-: "أي أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى -عليه السلام- من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج، كل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر، مشاهدة مثلهم مألوفة، وأما خروج الدابة بشكل غريب غير مألوف، ثم مخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها، على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية". ا هـ -رحمه الله-.

وعمل هذه الدابة كما جاءت به الأحاديث أنها تسم الناس المؤمن والكافر، فأما المؤمن فيُرى وجهه كأنه كوكب دري، ويُكتب بين عينيه مؤمن، وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء ويكتب بين عينيه كافر.

عن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ, ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْبَعِيرَ, فَيَقُولُ: مِمَّنْ اشْتَرَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ أَحَدِ الْمُخَطَّمِينَ" (رواه أحد وصححه الألباني).

واختُلف في تعيين هذه الدابة، وصفتها، ومن أين تخرج، اختلافًا كثيرًا، وليس في ذلك حديث سالم من الضعف، يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله تعالى- في تفسيره: "وهذه الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان، وتكون من أشراط الساعة كما تكاثرت بذلك الأحاديث، ولم يذكر الله ولا رسوله كيفية هذه الدابة، وإنما ذكر أثرها المقصود منها، وإنها من آيات الله تكلم الناس كلامًا خارقًا للعادة حين يقع القول على الناس وحين يمترون بآيات الله فتكون حجة وبرهانًا للمؤمنين وحجة على المعاندين" اهـ كلامه رحمه الله.

وقد أنكر بعد المعاصرين خروج هذه الدابة، واستبعدوا ذلك، وبعضهم يؤولونها بتأويلات فارغة، وليس لهم حجة في ذلك سوى أن عقولهم لا تتحمل ذلك، والواجب على المؤمن التصديق والتسليم لما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن هذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله به المؤمنين.

عباد الله: ومن علامات الساعة الكبرى التي تكون مع خروج الدابة ومصاحبة لها طلوع الشمس من مغربها يقول الله -سبحانه وتعالى-: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ) [الأنعام:158].

قد أجمع المفسرون أو جمهورهم على أنها طلوع الشمس من مغربها، وبيان ذلك في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ، آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ" (متفق عليه).

وعن صفوان بن عسال قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله فتح بابًا قِبل المغرب عرضه سبعون أو قال أربعون عامًا للتوبة، ثم لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" (رواه أحمد وحسنه الألباني).

فهذه الأحاديث المتواترة مع الآية الكريمة دليل على أن من  أحدث إيمانًا وتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تُقبل منه، وإنما كان كذلك -والله أعلم- أن ذلك من أشراط الساعة وعلامتها الدالة على اقترابها ودنوها، فعمل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة، فإذا أنشأ الكافر إيمانًا يومئذ لا يقبل منه، فأما من كان مؤمنًا قبل ذلك فإن كان مفلحًا في عمله فهو بخير عظيم، وهذا هو السعيد، وإن لم يكن مفلحًا فأحدث توبة حينئذ فإنها لا تقبل منه توبته كذلك.

فهذا حدث عظيم يا عباد الله، وهول مفزع يؤذن بتغيير نظام الكون وقرب قيام الساعة، وفيه دليل على عظيم قدرة الله -عز وجل-، وإن هذه الشمس مدبرة مخلوقة يعتريها الخلل بإذن الله تعالى.

اللهم ارزقنا الإيمان الصادق واليقين النافع الذي يدفع إلى العمل الصالح، والاستعداد بالزاد النافع ليوم الميعاد قبل فوات الفرصة ونهاية الأجل، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

أما بعد: عباد الله: ومن آخر علامات الساعة الكبرى خروج نار من عدن اليمن تحشر الناس وتجمعهم في المحشر، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق؛ راغبين راهبين، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا".

فهذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محلة، وهي أرض الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة؛ فصنف طامعين كاسين، وراكبين، وقسم يمشون تارة، ويركبون تارة أخرى، وهم يعتقبون على البعير الواحد، وعشرة على بعير يعتقبونه من قلة الظهر، وتحشر بقيتهم النار التي تخرج من قعر عدن، فتحيط بالناس من وراءهم من حول الأرض وأقطارها تسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر وهي الشام.

ومن تخلف منهم أكلته هذه النار، وهذا كله مما يدل على أن هذا في آخر الزمان، وليس بعد نفخة البعث، فذاك حشر آخر حين يبعث الله الخلائق بالنفخ في السور، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تخرج نار من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا".

ومنها حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستخرج نار من حضرموت أو من نحو بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس"، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: "عليكم بالشام" (رواه أحمد والترمذي وغيرهما وصححه الألباني).

عباد الله: بعد ذلك يكون النفخ في السور فزعًا وصعقًا وبعثًا فيحشرون مرة أخرى للحساب في يوم الميعاد، إنها أهوال عظيمة تحتاج من المسلم أن يراجع نفسه هل أعد العدة للقاء الله وللحساب وللجزاء.

اللهم ارحمنا ووالدينا برحمتك يا أرحم الراحمين.