البحث

عبارات مقترحة:

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

محاسن الأخلاق وكريم الصفات

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. فضائل حسن الخلق .
  2. من صور حسن الأخلاق المطلوبة .
  3. أولى الناس بحسن الخلق .
  4. أفعال تدل على سوء الخلق. .

اقتباس

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أَنْ تَسْخَرَ مِنَ الآخَرِينَ أَو تَزْدَرِيَهُمْ. إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أَنْ تَأْخُذَ حَقَّ الآخَرِينَ فِي الطَّرِيقِ, كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ قَلَّ دِينُهُ وَقَلَّتْ مُرُوءَتُهُ.. إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُسُنِ الْخُلُقِ أَنْ يُضَيِّقَ بَعْضُ النَّاسِ الطَّرِيقَ عَلَى الْمَارَّةِ وَهُوَ وَاقِفٌ أَمَامَ الْبَقَالَةِ أَوِ الْمَطْعَمِ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْتِيَهُ الْعَامِلُ يُحْضِرُ طَلَبَاتِهِ وَهُوُ جَالِسٌ فِي سَيَّارَتِهِ, بَيْنَمَا لا يُكَلِّفُ نَفْسَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ قَلِيلَاً لِيَصُفَّ سَيَّارَتَهُ فِي مَوْقِفٍ مُنَاسِبٍ لا يُضَايِقُ الآخَرِينَ.

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا، وَالْحَمْدُ للهِ الذِي اتَّصَفَ بِالرَّحْمَةِ رَأْفَةً وَحِلْمَا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمَهِ رِزْقاً وَأَمْنًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً نَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ يَوْمَ لِقَاءِ رَبِّنَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالرَّحْمَةِ وَالْهُدَى، أَوْسَعُ الْخَلْقِ خُلُقَاً وَأَجْمَلُ النَّاسِ لِينَاً وَرِفْقَا، الْمُجَمَّلُ بِكَرِيمِ السَّجَايَا وَالْمُكَمَّلُ بِالرَّحْمَةِ حَرْبَاً وَسِلْمَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ, وَاعْلَمُوا أَنَّ دِينَنَا دِينُ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَالصِّفَاتِ الْكَامِلَةِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجَمِيلِ الْأَخْلَاقِ فَقَالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رِسَالَتَهُ أَنَّهَا جَاءَتْ لِتُتَمِّمَ مَعَالي الْأَخْلَاقِ, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وَقَدْ طَبَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ الْعَمَلِيَّةِ، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "خَدَمْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ؟ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ؟" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا نَحْنُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى مَنِ اتَّصَفَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، كَيْفَ لا؟ وَقَدْ حَثَّنَا دِينُنَا عَلَى التَحَلِّي بِذَلِكَ، وَرَغَّبَ فِيهِ, وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأُجُورَ الْعَظِيمَةَ, فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْل وصائمِ النَّهَار" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبِانِيُّ).

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

إِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ لَيْسَ مَحْصُورَاً فِي  جَانِبٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ لَهُ جَوَانِبُ مُتَعَدِّدَةٌ, فَيَكُونُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ, وَيَكُونُ مَعَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَيَكُونُ مَعَ الْخَلْقِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) [الإسراء: 53]، وَقَالَ: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34].

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: "أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ".

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لَكَ, فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَحَبُّ عِبَادِ اللهِ إِلَى اللهِ أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً" (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

إِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَكَ وَقُرْبِكَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَعَنْ جابرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إنَّ مِنْ أحبِّكم إليَّ وأقرَبِكُم منِّي مجْلِساً يومَ القيامَةِ أحاسِنَكم أخْلاقاً، وإنَّ أبغَضَكُم إليَّ وأبْعَدَكُم منِّي مجْلِساً يومَ القِيامَةِ الثِّرثارونَ والمتَشَدِّقونَ والمتَفَيْهِقُونَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الـمُتَفَيْهِقونَ؟ قَالَ: "المتَكَبِّرُونَ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَّمَنَا وَرَغَّبَنَا فِي الْأَعْمَالِ التِي تَنْشُرُ الْأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ بَيْنَنَا؛ فَيَنْبَغِي لَنَا مَعْرِفَتُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ نَكُونَ، فَنُسِلِّمَ عَلَى مَنْ لَقِينَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَشْرَاً لِلْمَحَبَّةِ وَكَسْبَاً لِلْأَجْرِ وَطَلَبَاً لِلْأُلْفَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَمِنْ أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ وَهُوَ مِنَ الْعَلَامَاتِ الظَّاهِرَةِ لِحُسْنِ الْخُلُقِ: التَّبَسُّمُ وَالْبِشْرُ فِي وُجُوهِ إِخْوَانِكَ، وَبَعْضُ النَّاسِ رُبَّمَا ظَنَّ أَنَّ التَّقْطِيبَ فِي وُجُوهِ النَّاسِ يُكْسِبُهُ شَخْصِيَّةً قَوِيَّةً مَهِيبَةً, وَمَا عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ يُكْسِبُهُ الْبَغْضَاءَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ حَتَّى وَإِنْ جَامَلُوهُ فِي وَجْهِهِ, عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ" (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

إِنَّنَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَطْلُوبٌ مِنَّا أَنْ نَتَعَمَّدَ إِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى إِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ, وَلَوْ بِالابْتِسَامَةِ الطَّيِّبَةِ فِي وُجُوهِهِمْ, عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَ وَالْعَظْمَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَهِدَايَتُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّالَةِ صَدَقَةٌ" (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ: صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ).

أَيْنَ هَذَا الْخُلُقُ أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ مِمَّنْ يَتَكَبَّرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؟ وَخَاصَّةً الْفُقَرَاءَ وَالْغُرَبَاءَ مِنَ الْعُمَّالِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ هُمْ فِي حَاجَةٍ إِلَى الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ التِي تُخَفِّفُ عَنْهُمْ أَلَمَ الْغُرْبَةِ وَفِرَاقِ الْأَهْلِ وَالضِّيقِ فِي الْعَيْشِ وَكَلَفَةِ الْعَمَلِ.

إِنَّنَا مَنْهِيُّونَ عَنْ كُلِّ مَا يُدْخِلُ الْأَلَمَ أَوْ الْغَمَّ فِي قُلُوبِ الآخَرِينِ, فَالْإِسْلَامُ جَاءَ بِمُرَاعَاةِ الْخَوَاطِرِ وَجَبْرِ النُّفُوسِ الْمُنْكَسِرَةِ, فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الْآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِحُسْنِ خُلُقِكَ مَنْ هُمْ حَوْلَكَ, مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ, وَمَا أَسْوَأَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَكُونُ حَسَنَ الْأَخْلَاقِ مَعَ أَصْدِقَائِهِ بَيْنَمَا وَالِدَاهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ يُسِيء معُامَلَتَهُ مَعَهُمْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟  "ثُمَّ أَبُوكَ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَعَنْ عَائِشَةَ  -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ  وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَيْضَاً، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنَا بِحَاجَةٍ شَدِيدَةٍ إِلَى أَنْ نُصْلِحَ تَعَامُلَنَا مَعَ الآخَرِينَ, وَنَزِنَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِنَا, فَمَا تُحِبُّ أَنْ يُعَامِلَكَ النَّاسُ بِهِ عَامِلْهُمْ بِهِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَاعْلَمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنَّ مُعَامَلَتَكَ لِلْآخَرِينَ هِيْ مِرْآةُ خُلُقِكَ.

أَيُّهَا الشَّبَابُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أَنْ تَسْخَرَ مِنَ الآخَرِينَ أَو تَزْدَرِيَهُمْ.

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أَنْ تَأْخُذَ حَقَّ الآخَرِينَ فِي الطَّرِيقِ, كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ قَلَّ دِينُهُ وَقَلَّتْ مُرُوءَتُهُ فَتَجِدَهُ يَقِفُ وَسْطَ الطَّريِقِ يُحَادِثُ سَفِيهَاً مِثْلَهُ بَيْنَمَا الْعُمَّالُ وَكِبَارُ السِّنِّ فِي سَيَّارَاتِهِمْ يَنْتَظِرُونَ سَمَاحَهُ لِيَمُرُّوا لِيُوصِلُوا أَطْفَالَهُمْ إِلَى مَدَارِسِهِمْ، أَوْ يَذْهَبُوا لِأَعْمَالِهِمْ.

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُسُنِ الْخُلُقِ أَنْ يُضَيِّقَ بَعْضُ النَّاسِ الطَّرِيقَ عَلَى الْمَارَّةِ وَهُوَ وَاقِفٌ أَمَامَ الْبَقَالَةِ أَوِ الْمَطْعَمِ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْتِيَهُ الْعَامِلُ يُحْضِرُ طَلَبَاتِهِ وَهُوُ جَالِسٌ فِي سَيَّارَتِهِ, بَيْنَمَا لا يُكَلِّفُ نَفْسَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ قَلِيلَاً لِيَصُفَّ سَيَّارَتَهُ فِي مَوْقِفٍ مُنَاسِبٍ لا يُضَايِقُ الآخَرِينَ.

هَذِهِ أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ إِشَارَاتٌ لِبَعْضِ السُّلُوكِيَّاتِ التِي انْتَشَرَتْ فِي شَوَارِعِنَا وَخَاصَّةً مِنَ الشَّبَابِ فَلَيْتَنَا نَتَعَاوَنُ عَلَى الْبُعْدِ عَنْهَا وَالاتِّصَافِ بالإِيثَارِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ.

أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَحْفَظَنا جَمِيعَاً وَأَنْ يَأْخُذَ بِأَيْدِينا لِلتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ وَأَنْ يَجْعَلَ عُقْبَانا إِلَى رَشَادٍ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا!

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا ! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ!

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِين.