الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | علي بن يحيى الحدادي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
وإن من أعظم العقود وآكدها بالوفاء بيعة ولي الأمر على السمع والطاعة في المعروف؛ لأن الوفاء بها يترتب عليه من المصالح العامة والخاصة ما لا يمكن عده ولا حصره، ولو لم يكن إلا استتاب الأمن واجتماع الكلمة لكان ذلك كافياً في الحرص على الوفاء بها. كيف وفي الوفاء بها طاعة الله ورسوله وسعادة الدنيا والآخرة وظهور شعائر الإسلام والتمكن من إقامتها على الوجه الأكمل وكبت العدو وتفويت الفرص عليه إلى غير ذلك من المصالح العاجلة والآجلة والعامة والخاصة. وألخص القول في هذه القضية العظيمة في المسائل الخمس التالية:
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أن من تقوى الله -تعالى- الوفاء بالعقود والعهود التي التزم بها كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1]، وكما قال -تعالى- (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34].
وإن من أعظم العقود وآكدها بالوفاء بيعة ولي الأمر على السمع والطاعة في المعروف؛ لأن الوفاء بها يترتب عليه من المصالح العامة والخاصة ما لا يمكن عده ولا حصره، ولو لم يكن إلا استتاب الأمن واجتماع الكلمة لكان ذلك كافياً في الحرص على الوفاء بها. كيف وفي الوفاء بها طاعة الله ورسوله وسعادة الدنيا والآخرة وظهور شعائر الإسلام والتمكن من إقامتها على الوجه الأكمل، وكبت العدو وتفويت الفرص عليه، إلى غير ذلك من المصالح العاجلة والآجلة والعامة والخاصة.
وألخص القول في هذه القضية العظيمة في المسائل الخمس التالية:
أولاً: إذا وقعت البيعة من أهل الحل والعقد فقد تمت البيعة وصارت لازمة في عنق كل أهل البلد، سواء من باشر البيعة بنفسه أو لم يباشرها؛ فلا يحل لأحد من الرعية أن يقول ليس في عنقي بيعة؛ لأني لم أبايع بنفسي، ونحو ذلك من العبارات فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبايعه نقيب القوم أي عريف القبيلة وشيخها، فتكون تلك البيعة عن القبيلة كلها، ولما بايع أهل الحل والعقد أبا بكر صارت بيعته لازمة لجميع المسلمين، وإن لم يباشرها أكثرهم، وعلى هذا جرى عمل المسلمين.
ثانياً: لا يجوز نقض هذه البيعة واعتقاد عدم لزومها بسبب ما يحصل منه من الظلم أو الجور أو الأثرة بحظوظ الدنيا إلا في حالة الكفر البواح كما في حديث عبادة في الصحيحين "بَايَعَنَا -أي رسول الله، صلى الله عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». وهذا الكفر البواح إنما يقرره أهل الرسوخ في العلم؛ فهم الذين عندهم العلم ببراهين الكتاب والسنة التي يُعرف بها من يستحق التكفير ومن لا يستحقه.
ثالثاً: تساهل اليوم بعض الشباب في نزع البيعة بلا حجة من كتاب ولا سنة، غافلين عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ خلَعَ يَداً منْ طَاعَةٍ لَقِي اللَّه يوْم القيامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ ماتَ وَلَيْس في عُنُقِهِ بيْعَةٌ مَاتَ مِيتةً جَاهِلًيَّةً" (رواه مسلم عن ابن عمر).
وأكثر ما يجرهم إلى هذه الهاوية هي اغترارهم بما يرون ويقرءون في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد استغل دعاة الشر ما عليه بعض الشباب من ضعف العلم والبصيرة وقوة العاطفة والحماسة، فحرّضوهم على نزع البيعة، والانضمام إليهم، مستخدمين أسلوب الخوارج الأولى في استعمال الآيات والأحاديث في غير ما تدل عليه.
رابعاً: لما حرّمت الشريعة الإسلامية نزع بيعة ولي الأمر والخروج عليه نهت عن الأسباب المؤدية إلى الخروج، وأمرت بما فيه توكيد شأن البيعة، ومن ذلك أنها أمرت بالنصح لولي الأمر، والنصحُ له يشمل كلَّ ما من شأنه استقامة العلاقة بين الراعي والرعية؛ كالدعاء له، ونشر محاسنه، وجمع القلوب عليه، والتعاون معه على البر والتقوى، وإظهار توقيره واحترامه.
ونهت الشريعة الإسلامية عما يضاد ذلك من الغش له والسعي في إضعاف سلطانه، والدعاء عليه ونشر معايبه، وإهانته وسبّه. قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من إجلال الله: إكرامَ ذي الشيبة المسلم، وحاملَ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط" (رواه أبو داود).
وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنًا على الله -عز وجل-: من عاد مريضًا، أو خرج مع جنازة، أو خرج غازيًا، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس" (أخرجه أحمد وابن أبي عاصم في السنة).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله" (رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب).
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "سيكون بعدي سلطان فأَعِزّوه من التمس ذُلّه ثَغَر ثَغْرة في الإسلام ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت" (رواه أحمد وابن أبي عاصم في السنة واللفظ له).
ولحرص الشريعة الإسلامية على استتباب الأمور واستقامة الأحوال؛ فقد أمرت بعقوبة الخارج على جماعتها أشد عقوبة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه" (رواه مسلم عن عرفجة رضي الله عنه).
وأخرج مسلم أيضاً عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر".
سادسًا: أن البيعة لولي في الإسلام بيعة شرعية يبتغى بها ما عند الله -تعالى- من الثواب، وأما من يرهن بيعته لولي الأمر بما يصله من الدنيا؛ فهذا على خطر عظيم ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَال رسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامةِ وَلاَ ينْظُرُ إلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عذابٌ ألِيمٌ: رجُلٌ علَى فَضْلِ ماءٍ بِالْفَلاةِ يمْنَعُهُ مِن ابْنِ السَّبِيلِ، ورَجُلٌ بَايَع رجُلاً سِلْعَةً بعْد الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لأخَذَهَا بكَذَا وَكَذا، فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلى غيْرِ ذَلِكَ، ورَجُلٌ بَايع إمَاماً لاَ يُبايِعُهُ إلاَّ لِدُنيَا، فَإنْ أعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى، وإنْ لَم يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ" (متفقٌ عليه).
فنسأل الله -تعالى- أن يهدي ضال المسلمين، وأن يديم على هذه البلاد أمنها واستقرارها ورخاءها واجتماع كلمتها، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن مما يؤسف له أن نرى بعض أبنائنا ينزعون البيعة التي في أعناقهم لولي الأمر في بلادنا -حرسها الله- مع قيامهم بالحكم بالكتاب والسنة، وتبني عقيدة السلف الصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشعائر الإسلام فيها ظاهرة والحمد لله، وإذا قورنت هذه البلاد بما عليه غيرها لم تكد تجد لها مثيلاً ولا سيما ما يتعلق بظهور أمر التوحيد والعقيدة والسنة، وقلة البدع وخفائها، والحمد الله.
ثم إذا نزعوها بايعوا شخصية مجهولة لا يعلمون عنها شيئاً علم اليقين أهي شخصية حقيقية أم وهمية حية أم ميتة. ولتوضيح حقيقة حالهم أضرب لكم هذا المثال:
أرأيتم لو أن شاباً صادفه رجل مجهول لا يعرفه فقال له الرجل عندي سيارة صفتها كذا وكذا وسأبيعك إياها بـ 100 ألف ريال، فقبل ذلك الشاب ودفع القيمة في مجلس العقد، وذهب بها الرجل.
لا شك أن الجميع سيحكم عليه بالسفه والجنون؛ لأنه أضاع مائة ألف لرجل مجهول في سلعة مجهولة، فما ظنكم إذن بمن ينزع بيعة واجبة في عنقه لإمام شرعي واجب الطاعة، ثم يبايع شخصية لا يعلم من هي، ثم يقال له: إن هذا الإمام الذي بايعته يأمرك بتكفير ولاة أمرك وعلماء بلدك ورجال أمنك، ويأمرك بأن تقتل منهم من قدرت عليه، وابدأ بقرابتك فاقتلهم، ويأمرك أن تفجر نفسك في المساجد على من فيها فيفعل ذلك سامعاً مطيعاً.
فانظروا -أيها الإخوة- كيف باع هذا الشاب دينه ودنياه. ونفسه وشبابه لصالح غيره الذي لا يعرفه ولا يعلم شيئاً عن مآربه ومقاصده. انظروا كيف اقتحم هذه المحرمات من الخروج عن الطاعة، وتكفير المسلمين، واستحلال الدماء المعصومة وتفجير المساجد وقتل نفسه بيده وقطع الأرحام إلى غير ذلك من المنكرات والمفاسد، ركضاً منه وراء رايات وشعارات لا يدري ما وراءها أشبه ما تكون بتلك الخرقة الحمراء التي يُستدرج بها شيء ما ليَلقى بعدها حتفَه.
فاللهم الطف بنا وبشبابنا وأعذنا وإياهم من مضلات الفتن، اللهم أعذنا وإياهم من فتنة الخوارج والتكفير واستحلال الدماء المعصومة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين…