الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - أهل السنة والجماعة |
لقد حرص الصحابة على سؤال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, عن كل ما ينفعهم في دينهم ودُنياهم, ليعملوا الخير والنفع لأنفسهم ولغيرِهم. ولكنّ أحد الصحابة كان يسأله عن ضدّ ذلك, يسأله عن الشر الذي قد يقع في الأمة، وهو حُذَيْفَة بْنُ الْيَمَانِ -رضي الله عنه- يقول: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي"، وهذا من الفطنة والعقل, أنْ يعلم الإنسان طرق الشر ليجتنبها, وأسباب الغواية ليحذر منها...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر المسلمين: لقد حرص الصحابة على سؤال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, عن كل ما ينفعهم في دينهم ودُنياهم, ليعملوا الخير والنفع لأنفسهم ولغيرِهم.
ولكنّ أحد الصحابة كان يسأله عن ضدّ ذلك, يسأله عن الشر الذي قد يقع في الأمة, فلماذا يسأله عن الشر؟ وبما أجابه النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-؟
يُجيب على ذلك صاحب السؤال نفسه, وهو حُذَيْفَة بْنُ الْيَمَانِ -رضي الله عنه- فيقول: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي".
وهذا من الفطنة والعقل, أنْ يعلم الإنسان طرق الشر ليجتنبها, وأسباب الغواية ليحذر منها.
وقد قال الشاعر الحكيم:
عَرَفْتُ الشّرَّ لا لِلشّرِّ | لَكِنْ لِتَوَقّيهِ |
وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشّرَّ | منَ الناسِ يقعْ فيهِ |
قال -رضي الله عنه-: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، - أي كنا قَبْل الْإِسْلَام في كُفْرٍ وضلال, يقتلُ بَعْضنا بَعْضًا, وَينَهْبُ بَعْضنا بَعْضًا-.
فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ،- يَعْنِي الْإِيمَان وَالْأَمْن, وَصَلَاح الْحَال وَاجْتِنَابَ الْفَوَاحِش.
فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»،- وَالْمُرَاد بِالشَّرِّ: مَا يَقَع مِنْ الْفِتَن مِنْ بَعْدِ قَتْل عُثْمَان -رضي الله عنه-.
فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»،- أي أَنَّ الْخَيْر الَّذِي يَجِيء بَعْدَ الشَّرّ, لَا يَكُون خَيْرًا خَالِصًا, بَلْ فِيهِ كَدَر وشوائب-.
قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ».
أي يعملون على خلاف ما أنا عليه, ويفعلون بعض الخير الذي تعرفه, ويرتكبون من الشر ما تُنكره.
فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ,- أي أنهم يدعون إلى الأعمال التي تُسبب دخول النار-, مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»،- أَيْ هم مِنْ قَوْمِنَا, وَمِنْ أَهْل لِسَاننَا وَمِلَّتنَا-.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ, حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».
فقد أمره النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-, عند كثرة وجود الدعاة إلى الشر: أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وهذا ما نراه هذا اليوم, من كثرة دُعاة الفتن والانحلال, ودُعاةُ النفاق والزيغِ والضلال, الذين هم من بني جِلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا, فإذا أردنا النجاة من شرِّهم, والتوفيق والسدادَ في مُواجهتهم, فلْنلتزم بوصية نبينا -صلى الله عليه وسلم-: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ», فمن خرج عن جماعة المسلمين وعلمائِهم وولاتهم, فقد ضرب بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- عرض الحائط, ومن فعل هذا, فهل تظنُّ أنه سيُعصَم من الفتن, وسيسلم من الزيغ والمحن؟
ولقد رأينا الكثير من أمثال هؤلاء, ممَّن رأوا أموراً يُنكرونها, ورأوا كثرةَ دُعاة الشر والضلال, فلم يلتزموا بالوصية النبوية, فآل بهمُ الأمر إلى القدح بعلماء الأمة, ووصفوهم بأقبح وصفٍ وأبشع عبارة, فأيُّ فتنةٍ أعظم من هذا؟ (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 7].
باك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: لقد اسْتمعنا إلى خطة إنشاء صندوق ما بعد النفط, وهي خطةٌ تَنُمُّ عن فهمٍ للواقع, ومُواكبةٍ للتطورات والمستجدَّات, وشفافيةٍ بين ولاة الأمر والرعية.
فقد رسمت هذه الخطةُ ملامحَ صندوقِ الاستثمارات العامة، الذي سَيُدِرُّ على الحكومة والمواطنين مئات المليارات بحول الله تعالى، ويساعدُ على إنهاء اعتماد المملكة على النفط.
وذلك ضمن خُطَطٍ مدروسةٍ لِلإصلاح, تسعى إلى تنويع مصادر الدخل, بعد تراجع عائدات النفط إلى سبعين بالمائة.
وهذه الخطةُ تتطلب منا جميعًا التعاون لإنجاحها, والتفاؤلَ وحسنَ الظن بولاة أمرنا, لاسيما ووليُّ الأمر -وفقه الله تعالى- أكّد مراراً أننا مُتمسكون بالكتاب والسنة, وأنّ التقدم والتطور لا يعني التخلي عن ثوابتنا.
ولقد لمسنا من أصحاب الغيرة والخير, تواصيهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والوقوف أمام الدعاوى التي تمس بثوابتنا وديننا, فجزاهم الله خيرًا وباراك في جهودهم.
ولكنْ مما يُؤسف له: الغلو في الغيرة والإنكار, حتى أدى ذلك إلى سوء الظن واليأس والحزن المنهيِّ عنه, والطعن بولاة أمرنا تصريحًا أو تلميحًا, والتفوهِ بعباراتٍ لا تليق.
فالواجب علينا - يا أمة الإسلام- أنْ نُمسك ألسنتنا وأقلامنا عند ورود خبر يُضايقُنا, وألا نعجل بالحكم والاتهام, بل نأخذ بخلق الصبر والحلم والحكمة والتروي.
وقد ثبت في الصحيحين أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى», وهذا يشمل الصبر على إحسان الظن بالله, والفأل وعدم الحزن واليأس عند سماع ما يؤلم من مصاب الأمة, ومن الأحداث التي في ظاهرها الشر.
فالصبر الكامل: هو ما يكون عند أول الصدمة, والصبر يكون بعدم التشكي, وحبسِ اللسان عن التسخط والجزع وسوء الظن. وكم من إنسان عاقلٍ ندم من فلتةِ لسانه, وكتابةٍ كتبها لم يحسب حسابها.
وصلوا وسلموا...