البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الإنصاف وعدم الاعتداء في الدعاء للمؤمنين وعلى الأعداء

العربية

المؤلف فؤاد بن يوسف أبو سعيد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. الحث على الدعاء .
  2. آداب الدعاء وأسباب قبوله .
  3. تحريم الاعتداء في الدعاء .
  4. حكم دعاء المسلم على الظالمين من المسلمين .
  5. أوجه دعاء المظلوم على ظالمه من المسلمين .
  6. الدعاء على الظالمين من الكفار وأوجه ذلك .

اقتباس

اعلموا أن للدعاءِ آدابه، وللإجابَة أسبابها، فمن ذلك: الإخْلاَصُ للَّهِ، ورَدُّ الْمَظَالِمِ إلى أهلها مَعَ التَّوْبَةِ من الذنوب والمعاصي، والابْتِعَادُ عَنْ جَمِيعِ الآثام والخطايا، وأنْ يَكُونَ الْمَطْعَمُ وَالْمَشْرَبُ وَالْمَلْبَسُ مِنْ حَلاَلٍ، وألاَّ تَدْعُو بِإِثْمٍ أوْ قَطِيْعَةِ رَحِمٍ، وألاَّ تدعوَ عَلَى أهْلِ أو مَالِ، أو وَلَدٍ أو نَفْسٍ، وألاَّ تتَكَلَّفَ السَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ، وأنْ...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70، 71].

أما بعد:

فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

كثر الدعاء في هذه الآونة، وحُقَّ له أن يكثرَ، فإنه عبادة: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].

لكنّ أغلبَه فيه اعتداء وتجنٍّ.

ألا واعلموا -عباد الله-: أن للدعاءِ آدَابَه، وللإِجَابَةِ أسْبَابَها، فمن ذلك: الإخْلاَصُ للَّهِ، ورَدُّ الْمَظَالِمِ إلى أهلها مَعَ التَّوْبَةِ من الذنوب والمعاصي، والابْتِعَادُ عَنْ جَمِيعِ الآثام والخطايا، وأنْ يَكُونَ الْمَطْعَمُ وَالْمَشْرَبُ وَالْمَلْبَسُ مِنْ حَلاَلٍ، وألاَّ تَدْعُو بِإِثْمٍ أوْ قَطِيْعَةِ رَحِمٍ، وألاَّ تدعوَ عَلَى أهْلِ أو مَالِ، أو وَلَدٍ أو نَفْسٍ، وألاَّ تتَكَلَّفَ السَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ، وأنْ لاَ تَعْتَدِيَ فِي الدُّعَاءِ، فهذه من موانع الإجابة، أو تأخر القبول.

ومما يُرجَى به الإجابة، وقبول الدعاء؛ الْوُضُوءُ قَبْلَه إنْ تَيَسَّرَ، واسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وأنْ تَبْدَأَ بِحَمْدِ الله وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمّ بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَتَخْتِمُ بِذَلِكَ، وتجِزْمُ فِي الدُّعَاءِ، وتتيقّنُ من الإِجَابَةِ ولا تتركها للمشيئة، وعليك بالإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ، وَعَدَمُ الاسْتِعْجَالِ، ادع وقلبك حاضر أثناء الدُّعَاءِ، الدُّعَاءُ مطلوب فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، ولا تسْأل إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ.

وأن تخفضَ صوْتك بِالدُّعَاءِ، وتجعله بَيْنَ الْمُخَافَتَةِ وَالْجَهْرِ، اعترف بِالذَّنْبِ، وَاسْتغْفِرْ مِنْهُ، وَاعْتَرِفْ بِالنِّعْمَةِ، وَاشُكْرِ اللَّهَ عَلَيْهَا، تَّضَرَّع في دعائك وَاخشع، وَعليك بالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَة، وكرر الدُّعَاء ثَلاَثَاً، وارَفْعُ يدِيْك فِي الدُّعَاءِ المطلق، ويَبْدَأ الدَّاعِي بِنَفْسِهِ إذَا دَعَا لِغَيْرِهِ، أو يبدأ بغيره ثم بنفسه، ويَتَوَسَّلَ إلَى اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ، أوْ بِعَمَلٍ صَالحِ قَامَ بِهِ الدَّاعِي نَفُسُهُ، أوْ بِدُعَاءِ رَجُلٍ صَالِح حَيّ حَاضِرٍ" [الدعاء من الكتاب والسنة، للقحطاني، بتصرف].

هذه آدابٌ وأسبابٌ للإجابةِ وقبول الدعاء، فنحن منهيون عن الاعتداء في الدعاء، حتى مع الظالمين والأعداء، ومأمورون بالإنصاف وعدم الاعتداء للمؤمنين، وعلى الأعداء، قال سبحانه: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 55 - 56].

لكن هل يجوز دعاءُ المسلمِ على مسلمٍ ظلمه؟

نعم، "يجوز لمن اعتُدي عليه وظُلم؛ أن ينتصرَ لنفسه ممن ظلمه، ومن ذلك: الدعاءُ على الظالمِ بدونِ تعدٍّ في الدعاء، قال تعالى: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ) [الشورى: 41]. [اللجنة الدائمة].

لكن يُخشى على من ذَكرَ اسمَ ظالمٍ بعينه في الدعاء في الصلاة؛ أن تبطل صلاته، قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: إِنْ قَالَ: "يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ" فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ "فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ" أَوِ "اللَّهُمَّ افْعَلْ بِفُلَان" [الذخيرة، للقرافي: 2/ 144].

و "الدُّعَاءُ عَلَى الظَّالِمِ؛ لَهُ أَحْوَالٌ: إمَّا بِعَزْلِهِ؛ لِزَوَالِ ظُلْمِهِ فَقَطْ، وَهَذَا حَسَنٌ.

وَثَانِيهَا: بِذَهَابِ أَوْلَادِهِ، وَهَلَاكِ أَهْلِهِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ، وَلَمْ يَحْصُلُ مِنْهُ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَذِيَّتِهِ مَنْ لَمْ يَمُنَّ عَلَيْهِ.

وَثَالِثُهَا: الدُّعَاءُ بِالْوُقُوعِ فِي مَعْصِيَةٍ؛ كَابْتِلَائِهِ بِالشُّرْبِ -أي يدعو على ظالمه بشرب الخمر- أَوْ الْغِيبَةِ، أَوْ الْقَذْفِ فَيُنْهَى عَنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ لِلْغَيْرِ مَعْصِيَةٌ.

وَرَابِعُهَا: الدُّعَاءُ عَلَيْهِ بِحُصُولِ مُؤْلِمَاتٍ فِي جِسْمِهِ أَعْظَمَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ فِي عُقُوبَتِهِ، فَهَذَا لَا يُتَّجَهُ أَيْضًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة: 194].

وَيَخُصُّ تَرْكُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [الشورى: 43].

فَفِعْلُهُ جَائِزٌ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ" [الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: 1/ 183].

وَلَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ" [حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 1/ 329].

وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ بِالْفِتْنَةِ فِي دِينِهِ، وَسُوءِ الْخَاتِمَةِ، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الظَّالِمِ الْمُتَمَرِّدِ؛ أَمَّا هُوَ فَيَجُوزُ" [تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي: 2/ 87].

فيجوز الدعاء عليه مع تعليق الدعاء إن كان قد وقع منه هذا الظلم.

ف "دعوة المظلوم مستجابة، النص فيها صحيح صريح، ولذلك قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ" [صحيح ابن حبان: 3/ 158، ح: 874، حسن لغيره، انظر: الصحيحة: 870].

فدعوة المظلوم مستجابة إذا كانت على مَن ظلمه.

وينبغي أن يكون دعاؤه في حدود مظلمته، ويشملُ دعاءُ المظلوم على عدة أوجه:

الوجه الأول: أن يسألَ الله -عزَّ وجلَّ- أن يكفيَه شرَّ الظالمِ وأذيَّتِه، وهذه دعوة السلامة، فيقول: "اللهم إني أدرأُ بكَ في نحرِ فلان، وأعوذ بك من شرِّه".

أو يقول: "اللهم اكفني شرَّ فلان بما شئت، اللهمَّ إن عبدك فلان قد ظلمني، وأساء إليَّ، أو انتهك عرضي، أو أخذ مالي، اللهم اكفني ظلمَه بما شئت، اللهمَّ اقطعْ عني أذيَّتَه، واكفني شرَّ بليَّتِه".

ونحو ذلك من دعاء السلامة.

فهذا الدعاء إذا دعاه الإنسان لا يُذهبُ أجر -الداعي-، وليس فيه اعتداء على الظالم، وليس فيه نقصانٌ لأجره؛ لأنه يُكتَبُ له أجرُ الأذيَّةِ التي حصلت فيما مضى؛ لأنَّه لم يدعُ على مَن ظَلَمَه، وإنما سأل الله أن ينجيَه من هذا البلاء.

أما النوع الثاني من دعاء المظلوم: فهو دعاءُ السلامة، مع الدعاءِ على الظالمِ في نفسه أو ماله، أو ولده أو غير ذلك، فإذا دعا على الظالم فأيضاً؛ يُفَصَّل فيه: فتارةً؛ يدعو على الظالم دعوةً يسألُ ربَّه فيها ألَّا يسلِّطَه على غيره، فيقول: "اللهم إنَّ عبدَك قد ظلمني، أسألُك اللهمَّ أن تحولَ بينه وبين عبادك المسلمين فلا يظلمهم" أو "أسألك اللهمَّ أن تقطعَ دابرَ أذيَّتِه عن المسلمين" أو نحو ذلك من الدعاء الذي يُقصد به كفُّ شرِّ الظالم عنه وعن المسلمين.

فهذا عند بعض العلماء لاحقٌ بالأول، ويقرنون حكمَه بدعاء السلامة من هذا الوجه، لكن إذا دعا على الظالم في نفسِه أو مالِه، أو ولده فلا يخلو من حالتين، فيقول مثلاً: "اللهم إن فلاناً ظلمني فافعل به كذا وكذا" أو "خذ منه كذا وكذا" أو "أنزل به كذا وكذا" ففيه تفصيل: إمَّا أن يدعوَ في حدود مظلمته، فهذا قد أخذَ حقَّه بسؤال ربِّه على قدر مظلمته -فلا أجر له على ما أصابه من الظالم، ولا إثم عليه في دعائه عليه إذا لم يتعدَّ-.

وإمَّا أن يدعوَ أكثرَ من حقِّه، فمثلاً: لو جاء إنسانٌ وظلمَه فأخذ منه قلمًا، فقال: "اللهم إني أسألك أن تعميَ بصره" فأخْذُ البصر ليس كأخذ القلم، فليست هناك موافقة، -فالداعي لا أجر له، بل عليه إثم الاعتداء في الدعاء-.

وأما حينما يدعو عليه، أو على ولده أو أهله، فهذا النوع من الدعاء يعتبره العلماء اعتداءً. قالوا: وفي حكم هذا الدعاء على ولاةِ الأمرِ والعلماء؛ لأنَّ الضررَ إذا نزل بهم يتعدَّى إلى المسلمين، ويكون ضررُهم عاماً، فلو دعا على عالم، فإنه ربَّما ضرَّ بإخوانه المسلمين، وانقطع نفعه عن المسلمين، فهذا من الاعتداء، -وإذا دعا على وليِّ الأمر بالهلاك، فربما عمَّت الفوضى بعد هلاكه، وانتشر الفساد في البلاد والعباد، كما رأينا عندما سقطت أنظمة، الآن يتمنى كثير من الناس رجوعها، لانتشار الفساد، وعموم الفتن-.

وقد صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث أنه قال: "سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ" [سنن أبي داود: 1480]. [شرح زاد المستقنع، للشنقيطي محمد بن محمد المختار الشنقيطي، بتصرف].

وهذا رجل يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ افترى على سعد كذبا، فقَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: "اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَنِ".

وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: "شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ" قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: "فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ" [صحيح البخاري: 755، مسلم: 453].

فدعاءُ سعدٍ -رضي الله تعالى عنه- على من ظلمه معلَّقٌ بكذبِ ظالمه، والدعاءُ على الظالم بتعليقٍ إن كان وقع منه جائزٌ دون الجزم، فلعله يتوب ويرجع، ويحسن إسلامه.

فلو دعا المسلمون الضعفاء على عمرَ بنِ الخطاب قبل إسلامه؛ لأنه يظلمهم وكان شديدًا عليهم، لخسروه، وهم لا يعلمون أنه سيصبح من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المقربين، والفاتحين الناشرين لهذا الدين، وهكذا غيره، قال سبحانه: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النمل: 11].

وقد دلَّنا الله -تعالى- على كيفية التعامل مع الظالم والمعتدي، فبين فضيلةَ التسامحِ معه، وأباحَ الدعاءَ عليه، فقال تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: 43].

وقال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) [النور:22].

وقال تعالى في إباحة الدعاء عليه: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر:10].

وقال تعالى عن موسى وأخيه: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم) [يونس:88]. [فتاوى الشبكة الإسلامية].

أمَّا الآية: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) [النساء: 148].

فالمقصود بهذه الآية، كما قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما: "لا يحبُّ اللهُ أن يدعوَ أحدٌ على أحد؛ إلاَّ أن يكونَ مظلوما، فإنه قد أرخصَ له أن يدعوَ على من ظلمه، وذلك قوله: (إلا من ظُلم) وإن صبر فهو خير له".

وهو قول السدي: "أنه لا بأس لمن ظُلِم أن ينتصرَ ممن ظلمه بمثل ظلمِه ويجهرَ له".

وقال الحسن: "لا يدعو عليه، وليقلْ: اللهم أعني عليه، واستخرج حقِّي منه".

وفي رواية عنه قال: "قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتديَ عليه".

وقال غيره: "هو الرجلُ يشتمُك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتري عليه".

وعليه أن لا يعتديَ ويسرفَ في الدعاء على من ظلمه، ولكن يدعو عليه بقدر مظلمته -إن أراد أن يدعو-، قال صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا، فَعَلَى الْبَادِي مِنْهُمَا، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ" [رواه أبو داود: 4894].

فلا يجوز له أن يدعوَ على من ظلمه؛ بفقْدِ بصره، أو أولاده؛ لأن ذلك من الاعتداء في الدعاء، إلاَّ إن كان الظلم الواقع على العبد يكافئ دعاءه -والله تعالى أعلم-" [فتاوى الشبكة الإسلامية].

والخلاصة: ادعُ على الظالمين بصفاتهم الظالمة، ولا تدعُ عليهم بأسمائهم وأعيانهم.

واعلم -يا عبد الله- أنك إن صليت خلف من يدعو على الظالمين عامة فأمِّن، ومن دعا على الظالمين بأعيانهم وأسمائهم فلا تؤمِّن، لئلاَّ تكون من المعتدين، ف "(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي: المتجاوزين للحدِّ في كلِّ الأمور، ومن الاعتداء كَون العبد يسأل اللهَ مسائلَ لا تصلح له، أو يتنطع في السؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، فكلُّ هذا داخلٌ في الاعتداء المنهي عنه" [تفسير السعدي، ص: 291].

وَالِاعْتِدَاءُ فِي الدُّعَاءِ يَقَعُ بِزِيَادَةِ الرَّفْعِ -رفع الصوت- فَوْقَ الْحَاجَةِ، أَوْ بِطَلَبِ مَا يَسْتَحِيلُ حُصُولُهُ شَرْعًا، أَوْ بِطَلَبِ مَعْصِيَةٍ، أَوْ يَدْعُو بِمَا لَمْ يُؤْثَرْ؛ خُصُوصًا مَا وَرَدَتْ كَرَاهَتُهُ كَالسَّجْعِ الْمُتَكَلَّفِ وَتَرْكِ الْمَأْمُورِ" [فتح الباري، لابن حجر: 8/ 298].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، إلى يوم الدين.

وبعد:

هذا في الدعاء على الظالمين من المسلمين، أما الكفار؛ فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة: 89].

(أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود: 18].

والدعاء على جنس الظالمين الكفارِ مشروعٌ مأمورٌ به، وشُرِع القنوتُ والدعاءُ للمؤمنين، والدعاءُ على الكافرين" [مجموع الفتاوى: 8/ 335].

في بعض المعارك سبَّ بعض المسلمين آلهة الكفار، قال أَبو نَهِيكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ: كُنَّا مَعَ سَلْمَانَ فِي جَيْشٍ فَقَرَأَ رَجُلٌ سُورَةَ مَرْيَمَ، فَسَبَّهَا رَجُلٌ وَابْنَهَا، فَضَرَبْنَاهُ حَتَّى أَدْمَيْنَاهُ، فَأَتَى سَلْمَانُ فَاشْتَكَى إِلَيْهِ، قَالَ: وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا اشْتَكَى إِلَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ إِذَا ظُلِمَ اشْتَكَى إِلَى سَلْمَانَ، فَأَتَانَا سَلْمَانُ فَقَالَ: لِمَ ضَرَبْتُمْ هَذَا؟ فَقُلْنَا: إِنَّا قَرَأْنَا سُورَةَ مَرْيَمَ فَسَبَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا، قَالَ: وَلِمَ تُسْمِعُونَهُمْ ذَلِكَ؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ اللَّهِ: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا) [الأنعام: 108] الْآيَةَ.

ثُمَّ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ! أَلَمْ تَكُونُوا شَرَّ النَّاسِ دِينًا، وَشَرَّ النَّاسِ دَارًا، وَشَرَّ النَّاسِ عَيْشًا، فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ وَأَعْطَاكُمْ، فَتُرِيدُونَ أَنْ تَأْخُذُوا النَّاسَ بِعِزَّةِ اللَّهِ؟ وَاللَّهِ لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيَأْخُذَنَّ اللَّهُ مَا فِي أَيْدِيكُمْ وَلَيُعْطِيَنَّهُ غَيْرَكُمْ" [الزهد، لأبي داود، ص: 232، ح: 257].

والدعاء على الكفار إذا كانوا معتدين، صادين عن الدين، مقاتلين للمسلمين، يكون كما دعا عمر -رضي الله تعالى عنه-: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكُ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ".

اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخَافُ عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ، اللَّهُمَّ عَذِّبِ الْكَفَرَةَ، وَأَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَخَالِفْ بَيْنَ كَلِمِهِمْ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رِجْسَكَ وَعَذَابَكَ.

اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكِ، وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَالْحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِكَ، وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذِي عَاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، إِلَهَ الْحَقِّ وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ" [مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر، ص: 322، وانظر: صحيح ابن خزيمة: 2/ 155، ح: 1100].

لقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- على أناس بأعيانهم وأسمائهم عندما ضايقوه، فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لاَ أُغْنِي شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.

فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ" -وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ-، قَالَ: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَرْعَى، فِي القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ" [صحيح البخاري: 240].

ونحن ندعو بهذا الدعاء: اللهم عليك باليهود ومن والاهم، أو ساعدهم وأيدهم.

اللهم عليك بسائر قادتهم، وأركانهم ومسئوليهم.

اللهم ارزق قادة الفصائل والأحزاب الهداية والتوفيق لما تحبه وترضاه.

اللهم واهدهم لتجنيب شعبنا وأمتنا وأموالنا ما نتعرض له من تقتيل وتدمير.

اللهم اهد كلَّ قادتِنا وولاةِ أمورنا للعمل بما يرضيك عنا، وأن يكونوا جميعا يدا على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم.

اللهم عليك بمن يعتدي علينا وعلى سائر المسلمين المسالمين في مشارق الأرض ومغاربها.

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

اللهم آمين.