الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
العربية
المؤلف | عادل العضيب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله |
وخرج إلى الناس فزعًا يقول الراوي: "يظنها القيامة"، ثم صلى بالناس صلاة طويلة، ثم وعظ الناس وذكّرهم وبيّن أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بهما عباده. ثم حذر الناس من معصيةٍ تغضب رب الأرباب وتجلب العذاب،.. إنها معصية الزنا، بل فاحشة الزنا، الزنا كبيرة من الكبائر، وقبيحة من القبائح محرَّم في جميع الشرائع السماوية، ذكره الله في كتابه بأقبح الأوصاف...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد: فيا عباد الله أيها المسلمون: لما كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشتد الأمر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرج إلى الناس فزعًا يقول الراوي: "يظنها القيامة"، ثم صلى بالناس صلاة طويلة، ثم وعظ الناس وذكّرهم وبيّن أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بهما عباده.
ثم حذر الناس من معصيةٍ تغضب رب الأرباب وتجلب العذاب، فما هي هذه المعصية التي حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- منها؟ أهي قتل النفس؟ أم أنها الربا؟ أم أنها السرقة؟ ما هذه المعصية التي حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- منها وهو يرى آية من آيات الله العظام، وهو يحذر أمته من تعدي حدود الملك العلام، وهو يحذر أمته من غيرة يغارها الجبار؛ لأنه إذا غار بطش، وإذا بطش فإن بطشه شديد؛ لأنه إذا غار انتقم؛ لأنه إذا غار عذب.
نستمع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول بعد أن صلى بأصحابه صلاة الكسوف: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا" (متفق عليه).
إنها معصية الزنا، بل فاحشة الزنا، الزنا كبيرة من الكبائر، وقبيحة من القبائح محرَّم في جميع الشرائع السماوية، ذكره الله في كتابه بأقبح الأوصاف، فقال سبحانه وبحمده: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32].
قرنه الله في كتابه بالشرك وقتل النفس، فقال جل وعلا: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان: 68 - 69].
ولا يجتمع الزنا مع الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" (متفق على صحته).
الزنا إفساد للعالم، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم؛ فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها، ونكست رءوسهم بين الناس".
ثم قال: "وأما زنا الرجل فإنه يوجب اختلاط الأنساب، وإفساد المرأة المصونة، وتعريضها للتلف والفساد، وفي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدنيا".
ألا فليعلم الذين يستمتعون بالفرج الحرام الذين صاروا يزنون بالليل والنهار أن الزنا عند الله عظيم، أتحسبونه هينا، إنه عند الله عظيم، قال عليه الصلاة والسلام "تعجبون من غيرة سعد! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني".
ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ما أعظم الأمر! أغضبتم الجبار يا ويلكم! كُتبتم عند الله زناة، هل تريدون أن تلقون ربكم زناة؟!
الزنا نار وعار، قال عليه الصلاة والسلام: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَإِذَا بَيْتٌ مَبْنِيٌّ عَلَى بِنَاءِ التَّنُّورِ، أَعْلاهُ ضَيِّقٌ، وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، يُوقَدُ تَحْتَهُ نَارٌ، فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَإِذَا أُوقِدَتِ ارْتَفَعُوا حَتَّى يَكَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا أُخْمِدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالا: الزُّنَاةُ" (متفق على صحته).
وعن علي -رضي الله عنه-: "إن الناس يُرسَل عليهم يوم القيامة ريحٌ مُنتِنة، حتى يتأذَّى منها كل برٍّ وفاجر، حتى إذا بلَغت منهم كلَّ مبلغٍ، وألَمَّت أن تُمسِك بأنفاس الأمم كلِّهم، ناداهم منادٍ يُسمِعهم الصوت ويقول لهم: هل تدرون ما هذه الريحُ التي قد آذَتْكم؟ فيقولون: لا ندري والله، إلا أنَّها قد بلَغتْ منا كلَّ مبلغٍ، فيقال: ألا إنَّها ريح فُروج الزناة الذين لَقُوا الله بزِناهم ولم يتوبوا منه، ثم يُصرَف بهم، فلم يُذكَر عند الصَّرف بهم جنَّة ولا نار".
ويعظم الزنا عند الله وعند الخلق إذا وقع من رجل ذي شيبة، ففي صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملكٌ كذاب، وعائلٌ مستكبر".
والزنا بزوجة الجار من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، ففي الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الذنب أعظم؟" قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك"، قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك".
فكيف بمن يزني بمحرم من محارمه؛ بخالته، أو عمته، أو أخته، بل فيهم من زنا بابنته، هذا ليس نسجًا من خيال، ولا ضربًا لمحال، بل وقعت في بلادنا، وفي غيرها من بلاد المسلمين، وما بقي إلا أن يقع ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قال: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ, حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَأْتِي أُمَّهُ عَلانِيَةً، لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ".
عباد الله: قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها".
قال عليه الصلاة والسلام: "وما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأمراض التي لم تكن في أسلافهم".
فلا غرابة عندما نرى ما يحدث في العالم من حروب وفيضانات وأعاصير وما انتشر فيه من أمراض غريبة عجيبة وقف الطب حائرًا أمامها؛ لأننا في عالم يقر الزنا ويرعاه حتى أصبح موردًا اقتصاديًّا تنشأ له الدور، وتشرف عليه الوزارات، بل أصبح حق للرجل والمرأة في كثير من الدول إذا كان عن تراضٍ منهما، بل ترعاه مؤسسات ومنظمات وهيئات، وتشرف بعض المؤسسات الطبية على الزناة!!
عباد الله: لنتذكر دائمًا ونحن في زمن انفتاح لا مسئول أستاذ العفة ورجل الفضيلة يوسف -عليه السلام-، والذي دعته امرأة ذات منصب وجمال، بل هددته السجن والعذاب الأليم، ولكن سَمَت روحه إلى العالم الأعلى، وتذكر مراقبة الذي يعلم السر وأخفى، فتكسرت تلك المحاولات على جدار المراقبة الحقة للحي القيوم (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف:23].
فهل تؤثر عفة يوسف في أناس ألفوا الحرام؟! وهل تؤثر في شباب وشابات ضلوا وأضلوا وفتَنوا وفُتنوا؟! في شباب تسلطوا على أعراض المسلمين؟! قال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه؛ لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: 27- 28].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وتاب عليّ وعليكم؛ إنه هو التواب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ظهور الزنا وانتشاره من علامات الساعة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا".
وقد وقع ما أخبر به عليه الصلاة والسلام؛ فانتشر الزنا في بلاد المسلمين، لما تعدى الناس حدود الله، وتساهلوا في تستر المرأة وإبعادها عن الرجل، انتشر الزنا لما اختلطت المرأة بالرجال في العمل والدراسة، وصارت المرأة تجلس إلى جانب الرجل الأجنبي، وتمازحه وتضاحكه، بل ربما مست ركبتها ركبته!!
انتشر الزنا لما ركبت المرأة مع السائق مفردة، وصارت تحادثه كأنه من محارمها، وربما كانت متعطرة متبرجة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
انتشر الزنا لما خلا الرجل بالخادمة، لما حادثها وكلمها كأنها من محارمه، لما تخلت كثير من النساء عن الحجاب الشرعي، وتلاعبت به، وخرجت مفتونة فاتنة، لما ترك كثير من الرجال نساءهم في الأسواق بدون محرم يخاطبن الباعة ويتعرض للفتنة أو الأذى من أهل الشر.
لما انفتح الناس على برامج التواصل من واتس وتويتر والفيس وغيرها، وصارت المرأة وربما كانت شابة تخاطب الرجل الأجنبي بلا قيود.
علاقات بين رجال ونساء بين كبار وصغار تحدث في الظلام ذلت بها أقدام حتى من الصالحين، كم هتكت هذه البرامج من عِرض! وأفسدت من شخص! كم ضل بسببها من مشى درب الاستقامة سنوات! كم أفسدت من زوجة على زوجها! كم صرفت من رجل عن زوجته! كم طُلقت بسبها امرأة!
وانتشر الزنا لما انتشرت القنوات والصحف والمجلات تعرض أجسادًا عارية وصورًا فاتنة تحرّك الصخر في دعوة صريحة للفاحشة، ورعاية لها وحث عليها.
عباد الله: انتشار الزنا نتيجة حتمية للتبرج والسفور، والاختلاط، والخلوة المحرمة، وهذا ما سعى له ويسعى الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19].
هذا وصلوا وسلموا على رسول الله امتثالاً لأمر الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أجمعين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح شيب المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم أبدل هذه الحال بحال خير منها يا قوي يا قادر.
اللهم إنا نسألك إيمانا يباشر قلوبنا، ويقينًا صادقا حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا، اللهم احفظنا في إيماننا، وفي أعراضنا، وفي أنفسنا، اللهم احفظنا بحفظ واكلأنا بعنايتك ورعايتك يا أرحم الراحمين.
اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فرّج هم المهمومين، اللهم نفِّس كرب المكروبين، اللهم اقض الدين عن المدينين، اللهم اشفِ مرضانا ومرض المسلمين واكتب الصحة والتوفيق لنا ولكافة المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهما كما ربيانا صغارا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحانك ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.